• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

جامع الحيدرخانة ... مائة عام من تاريخ الوحدة الوطنية

جامع الحيدرخانة ... مائة عام من تاريخ الوحدة الوطنية

  • 31-03-2024, 22:04
  • مقالات
  • 86 مشاهدة
د. صلاح عبد الرزاق

"Today News": بغداد 

أبنية تراثية بغدادية ٤٣

٣١ آذار ٢٠٢٤

منذ عشرينيات القرن الماضي شهد جامع الحيدرخانة انطلاق أولى نشاطات الوحدة الوطنية وتحديات للاحتلال البريطاني. إذ ساند السياسيون والوجهاء والصحفيون ثورة العشرين ١٩٢٠ المجيدة وتجمعوا في (الجامع الثائر) كما سماه أهالي بغداد ليعبروا عن تضامنهم مع الثوار والمرجعية والعشائر ، وطالبوا باستقلال العراق.

محلة الحيدرخانة
وهي إحدى المحلات البغدادية القديمة وتقع في جانب الرصافة ، في مركز بغداد العباسي والعثماني. أما حدودها فمن الشرق محلة قنبر علي ، ومن الشمال محلة قرغول ، ومن الغرب محلة الميدان ، ومن الجنوب محلتي جديد حسن باشا والعاقولية. وعند شق شارع الرشيد عام ١٩١٦ تم تهديم العديد من البيوت والأبنية في المحلة.
 كانت تسمى بمحلة سوق الثلاثاء ثم سمي بسوق السلطان في العصر العباسي. كما عُرف بسوق الطويل لأنه كان يمتد من الشورجة جنوباً ثم يستمر شمالاً حت باب المعظم أو باب السلطان الذي هُدم عام ١٩٣٢م. (١)
وفي القرن السادس عشر الميلادي عُرفت باسم الحيدرخانة. ويعود اسمها إلى اسم تكية للصوفية تنسب لشخص اسمه حيدر. وكانت التكية تقع في مدخل سوق الحيدرخانة على يمين شارع الرشيد حالياً. وأشير إليها في وقفية متأخرة عام ١٨٩٠م بوصفها داراً في محلة الحيدرخانة. وفي عام ١٩٢٦ باعها بعض متوليها ، فجرى هدمها وبناء فندق مكانها ، ثم تحولت إلى مخزن. وفي الستينيات تم هدمها وبناء عمارة شغلها محل تجاري عرف بمحلات التيسير التي تقع قبالة شارع الزهاوي من الجهة الأخرى من شارع الرشيد.  ولا علاقة لحيدر جلبي الشابندر صاحب حمام المالح المؤسس عام ١٦٥٠ باسم المحلة ، فالمحلة أقدم من ذلك.  

من أبرز معالم المحلة جامع والي بغداد حسين السلحدار المشيد عام ١٦٧٣م ، ودار والي بغداد أحمد باشا البزركان (١٦٩٠- ١٦٩٣م) التي كانت تقابل جامع الحيدرخانة. وقد تحولت الدار بعد ان باعها ورثتها اثر انتهاء الحرب العالمية الاولى الى مدرسة (شماش) الاعدادية اليهودية، ثم اعدادية (شرافت) الايرانية ، ثم نقضت أخيراً.
وقد سكن المحلة كبار الشخصيات والعائلات البغدادية، وخرجت العديد من الرموز السياسية المعروفة، وعلى سبيل المثال لا الحصر بيت الجادرجي والشابندر والخضيري الدفـتري والتتار والبازركان والجلبي والدامرجي والعديد من العوائل الاصيلة. وسكنتها شخصيات بارزة مثل نوري سعيد وسعيد قزاز بالإضافة إلى شعراء أمثال معروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي.

مساجد سبقت جامع الحيدرخانة
بني جامع الحيدرخانة على أنقاض مساجد قديمة كانت مشيدة في عهد سابق على نفس الأرض. فقد أنشأ الخليفة الناصر لدين الله العباسي سنة ( ٥٧٣ هـ /  ١١٧٨م) ، وعُرف بمسجد الخبازين ، ووصف بأنه قريب من عقد الحديد ، في سوق الثلاثاء الذي سبق ذكره. ونسب ابن الساعي بناء هذا المسجد إلى السيدة بنفشا زوجة الخليفة المستضيء بالله والد الناصر  لدين الله عام (٥٦٩ هـ / ١١٧٤م ). (٢)
وجاء اسمه حسن وبنى مسجداً في عام (١٢٠٧ هـ / ١٧٩٢ م) بعد أن اضمحل وتهاوى المسجد العباسي. ففي عام ١٩٦٦ قامت وزارة الأوقاف بتعمير جامع الحيدرخانة ، وعثرت على قطعة من الرخام فيها أبيات شعرية تذكر حسن. (٣)

داود باشا باني الجامع
وهو أحد ولاة بغداد الذين عُرفوا بالشدة والصرامة في معالجة الاضطرابات الداخلية . وله خبرة في الإدارة من خلال توليه مناصب إدارية وعسكرية. وبعد انتهاء ولايته في بغداد عام ١٨٢٦ تم تعيينه واليا على البوسنة عام ١٨٣٢ ، وعلى ولاية أنقرة عام ١٨٣٩ ، وعلى الحجاز عام ١٨٤٥ ، ثم توفي عام ١٨٥٠ ودفن في المدينة المنورة. (٤)
وعندما وصله فرمان ولاية بغداد والبصرة والموصل كان  في قرية (طقمقلو) في كركوك يقود حملة عسكرية ، بعد عزل الوالي سعيد باشا. وسعى داود باشا إلى إبعاد الأهلين عن شؤون الإدارة . (٥)

وصل بغداد في موكب فخم في ٥ ربيع الآخر سنة ( ١٢٣٢ هـ /٢١ شباط ١٨١٧م) فتوقف خارج الباب الشرقي ونصب خيامه هناك ، ثم استقبله الأعيان والعلماء والأركان، فدخلها مساء بابتهاج من الأهلين. مضى من وسط المدينة فتعالت الأصوات من كل صوب بـ (خير مقدم) و (مرحبا).
في اليوم الثالث استقبل المهنئين من العلماء والأعيان وصنوف الجيش والندماء ووجهاء البلد وعموم العثمانيين ، فتألف الديوان العظيم وازدحم الخلف ، فقُرئت المناشير على الملأ ، وأجريت مراسيم الأفراح. (٦)
وقام داود باشا بتعيين طاقم إداري جديد في دواوين الولاية ، ثم باشر بتنفيذ سياسته في القضاء على القلاقل وأعمال التمرد والشغب والفتن في أنحاء العراق، فاستقرت الأوضاع وهدأت الأمور، فساد الأمن والسلام. وأرسل قوات عسكرية لمواجهة عشائر بني تميم والباوية من شمر ، والنجادة من الدفافعة ، والبو موسى ، وعشيرة بني عمير ، والمتمردين في المحمودية ، فقضى على التمرد والعصيان وألزمهم بالطاعة .
وفي العام التالي ١٨١٧ م قام داود باشا قبل وساطة عشائر الدليم من قبل عبد الله بك الشاوي وعبد الله آغا بلوك باشي بيارق الخيالة. فاختاروا الطاعة وقدموا مبالغ وفيرة وهدايا عظيمة تفادياً لمواجهة حملة الوالي مثل ما حصل لعشائر أخرى. (٧)
وبعد عامين رفضوا دفع الضرائب وأداء الخدمة العسكرية ، فأرسل إليهم جيشاً عظيماً بقيادة الكتخدا محمد الكهية ، فهرب شيوخهم وعشائرهم إلى الغابات والأماكن المنيعة ، ومنهم من فر إلى الحويجة. تقدم الجيش وتصادم الفريقان من الضحى إلى المغرب ، وانتعت المعركة بانتصار جيش الوالي وهزيمة عشائر الدليم.
بعد أن قضى على تمرد الدليم ، توجه الكتخدا إلى عشيرة زوبع ومن بقي من عشائر البو عيسى والجميلة الذين كانوا متفقين من الدليم. وكانوا قد هربوا إلى الفيافي والقفار ، لكن البو عيسى والجميلة تعهدوا بدفع النقود وطلبوا العفو ، فقبله وعفا عنهم. (٨)
وقام داود باشا بحملة إعمار وبناء . ففي عام ١٨٢٠م أمر ببناء قصر فخم في حديقة في الفريجات في الأعظمية. وأمر بتعمير باب السراي لأن لم يعد لائقاً ، فقام بتوسعه ، وجعل عن يساره برجاً. وتم تزيين السراي بالنقوش والزخارف ، واستمر العمل بالتزيينات ثلاثة أشهر، وتم إجراء مراسم الافتتاح وفُرش بأنواع الفرش ، وجلس الوالي مع الوجهاء ، وتقدم الشعراء في وصف الإنجاز وأرخوا لبنائه. (٩)

كما أوعز بوضع مضخة ترفع الماء بدلاً من الكرود والبكرات المعتادة . وكان الميرزا عبد المطلب قدم من إيران ومعه هذه الآلة. ولما شاهدها داود باشا ومعانوه تعجبوا من صناعتها. وأجزل العطاء على الميرزا وطلب منه أن يقيم في بغداد ليتعلم سائر الناس منه ، وأجرى له راتباً. وقد سميت المضخة على اسمه نجل داود باشا واسمه طوسون يوسف ، فسميت بـ (چرخ يوسف). (١٠)

وفي عام ١٨٢٠م ظهر لأول كرة وباء الكوليرا أو الهواء الأصفر أو الهيضة. وكان قد فشا في الهند ثم انتقل إلى البصرة ، فمات خمسة عشر ألف من أهلها بسبب الوباء. وصار الناس يهربون إلى القرى والأرياف. وسرعان ما انتقل الوباء إلى سوق الشيوخ والسماوة والشامية ثم وصل الحلة وكربلاء ثم انتقل إلى بغداد. ومنها سار إلى كركوك ثم السليمانية. وقد استعان داود باشا بأطباء انكليز فكتبوا بطلب أدوية من بريطانيا فوصلت إلى البصرة ، واستخدمت في معالجة الناس. (١١)

بناء جامع الحيدرخانة
يعود بناء الجامع إلى والي بغداد داود باشا (١٢٣٢-١٢٤١ هـ / ١٨١٧- ١٨٢٦ م) وذلك عام ( ١٢٤٢ هـ / ١٨٢٧ م). وينفرد المؤرخ عباس العزاوي بالقول أن داود باشا بنى الجامع سنة (١٢٣٤ هـ / ١٨١٩ م) أي قبل ثمان سنوات من التاريخ الذي ذكره بقية المؤرخين وهو عام ١٨٢٧م. (١٢)

 وقد وصفه د. مصطفى جواد بأنه (مربع البناء ، وله ثلاثة أبواب كبيرة ، وقد بنيت فيه مدرسة. وفي الجامع ساحة واسعة ، وعليه قبة شامخة مبنية بالحجر الكاشاني الملون ، مكتنفة بقبتين أصغر منها على شكلها ، وعن اليمين منارة عالية. ويظهر أن الفراغ من بنائه كان في سنة (١٢٤٢ هـ / ١٨٢٧م). (١٣)

أوعز داود باشا إلى مهرة الصناع والأسطوات لبناء الجامع ووضع عليهم مشرفاً يتداول معه في شؤونهم. وجلب الأعمدة الحجرية من الموصل وغيرها. كما فرشت الأرضية بالمرمر ، وكذلك إزارة الجدران لتمنحه مزيداً من القوة ومواجهة ظروف البيئة وعوامل الزمن. (١٤)

يضم الجامع مصلى صيفياً مفتوحاً على الهواء الطلق في فنائه يقع على يمين المصلى الشتائي المغلق. كما بنيت مدرسة على يسار المصلى الشتائي ، وهي عبارة عن حجرات في الطبقة السفلى ، وحجرة مطلة على صحن الجامع فوق الباب الشمالي يجلس فيها المدرس.
أما المصلى الشتائي فهو حرم الجامع المسقف ويضم محرباً مزيناً بالقاشاني الملون ، ومنبراً رخامياً. ويستند السقف على أعمدة من الرخام مشيدة بشكل متناظر. كما يوجد محرابان صغيران مجاوران للمحراب الأصلي.
 وتعلوه قبة كبيرة مزينة بالقاشاني الملون بزخارف نباتية ، كما توجد فيها نوافذ تجلب الضوء لداخل المصلى. ومليت رقبة القبة الكبيرة بحزام كتبت عليه سورة الليل ((والليل إذا يغشى …)) وآية الكرسي . الله لا اله إلا هو الحي القيوم ..)) وسورة الشمس ((والشمس وضحاها …)).  كما توجد بجانبها قبتان صغيرتان على نمطها وشكلها. كما ترتفع مئذنة عالية مزينة بالقاشاني الملون ، وسبق أن سقطت وتم تجديدها عام ١٩٢٠ على أساسها السابق.
للمجلس ثلاثة أبواب ، اثنين منها على شارع الرشيد ، عن يمين ويسار المصلى، وباب ثالث يؤدي إلى جامع حسين باشا المجاور وهو الزقاق المؤدي إلى محلة الحيدرخانة. في تقرير لرئاسة ديوان الأوقاف  عام ١٩٦٧ ورد أن للجامع أربعة أبواب في الأصل ، موزعة على جوانب سوره الأربعة. وقد أغلق الباب الذي يقع على يمين المصلى. كما أغلقت الباب الخلفي الذي يؤدي إلى الزقاق. فلم يبق إلا الباب الذي عن يسار المصلى. (١٥)

وهناك من يرى أن إنشاء المدرسة التي سميت (المدرسة الداوودية) الواقعة ضمن الجامع قد سبق إنشاء الجامع بعدة سنوات. فقد وجدت وقفيات للمدرسة مؤرخة في السنوات ( ١٢٣٤- ١٢٣٦ هـ / ١٩١٦- ١٩١٨م ). ويظهر أنه أعيد بناء المدرسة بعد إكمال بناء الجامع بثلاث سنوات.
وتوجد في المدرسة مكتبة وهي عبارة عن غرفتين واقعتين قبالة غرفة المدرس. وقد ضمت الكثير من الكتب والمراجع والتفسير تم رصها في رفوف بلغت السقف. وبعد إعلان الدستور العثماني عام ١٩٠٨ وسقوط السلطان عبد الحميد الثاني تم تسليم الكتب إلى مدرسة دار المعلمين والمدرسة السلطانية. وعندما جاءت الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٤ نهبت الكتب على أيدي الطلاب، وكان عددها (٥٢٠) مجلداً. (١٦)

كتابات جامع الحيدرخانة
هناك العديد من الكتابات على شكل أشرطة تضم آيات قرآنية ، وأخرى تضم أبيات شعر تؤرخ لبناء الجامع وإعماره المتعدد. ومن الكتابات المنقوشة على جدرانه ما كُتب فوق الباب الذي في الركن الغربي النافذ إلى الدرب جاء في آخر ثلاثة أبيات تؤرخ لتاريخ بنائه:
فكم بنى جامعاً للعاكفين وكم ***للعلم شيد مغنى أي تشييد
لكي ينال بدنياه الثناء وفي***عقباه يلقى الرضا من خير معبود
فقل لذي الصنع: أقصر يا مؤرخه *** كفى بذا جامعاً من صنع داود (١٢٤٢ هـ) (١٨٢٧م)

وعلى الباب الجنوبي الواقع على يمين المصلى الأبيات الآتية:
وخُصّ بروحانية دون غيره***لذلك مهما جنته انشرح الصدر
فلا ضيم منشئه ولا فل حبله*** ولا ناله ضد ولا مسّه الضُرّ
ولا زال من وافاه يدعو مؤرخاً:***لداود عن تشييد جامعه الأجر (١٢٤٢ هـ)

في صدر باب الرواق الأوسط مكتوب بالقاشاني:
(بسم الله الرحمن الرحيم
إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر)
قد عمر هذا الجامع الشريف، والمعبد الساطع المنيف ، خاتمة الملوك والوزراء ، الذي عقمت بمثله الأمهات والآباء ، الفائز بالحكمتين العلمية والعملية ، الحائز للرياستين الدينية والدنيوية ، القهرمان الأعظم ، والخليفة المعظم ، كوكب فلك السعود ، أبو الفتوحات الوزير داود أعلى الله تعالى كعبه ، وأباد حسوده ، وأبقى لنا ظله وعدله ، إنه على ذلك قدير). وواضح من النص المبالغة في الإطراء والتفخيم وحتى وصف داود باشا بالخليف المعظم مع أنه كان والياً لا أكثر يعينه الخليفة بفرمان سلطاني ويعزله بفرمان.

وكتب اسم السلطان محمود الثاني (١٨٠٨-١٨٣٩م) ابن السلطان عبد الحميد الأول على الباب الأوسط للمصلى وقبالة باب الرواق مكتوب ما يأتي:
(أنشأ وعمّر هذا الجامع الشريف في أيام خليفة الرحمن ، السلطان محمود خان بن السلطان عبد الحميد خان دام ملكه ، الوزير المعظم والدستور المكرم ، كوكب فلك السعود ، أبو الفتوحات داود ، دام ظله وإقباله، سنة اثنتين وأربعين ومائتين وألف من الهجرة) (١٢٤٢ هـ)

وكتب على طاق المحراب الصيفي بيتان هما:
قُرّت عيون المؤمنين بقبلةٍ***سطعت أهلّة رشدها بهداها
فلفضلها نادى الإله حبيبه*** (لنولينك قبلة ترضاها)

وكانت كتابتها سنة ١٣١١هـ / ١٨٩٤م ) حينما جُدّد بناء المحراب مع الباب الجنوبي الواقع على يسار المصلى تحت المدرسة. وكتبت فوق المحراب الصيفي الآية الكريمة (بسم الله الرحمن الرحيم. إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) (النساء: ١٠٣). كما كُتب اسم الصانع (جُدّد سنة ( ١٣١١ هـ / ١٨٩٤م) وعمل حيدر كاشي). وتهدم الباب فبُنيت سنة (١٣٤٢ هـ / ١٩٢٢) ثم كتب (قال الله تعالى جل شأنه (فلا تدعو مع الله أحداً) ١٣٤٢ هـ).

وفي العام نفسه كتبت على الباب الجنوبي هذه الأبيات تؤرخ عملية التجديد من قبل السلطان عبد الحميد الثاني:
سعى إلى الله بتجديده*** لا خاب مسعاه بيوم الوعيد
وقد عفت. أرخت أركانه:***(أعادها الخاقان عبد الحميد) (١٣١١هـ /١٨٩٤م)


جامع الحيدرخانة منبر الوحدة الوطنية
شهد شهر رمضان عام ١٩٢٠ أحداثاً ذات أهمية بالغة في الوضع الاجتماعي البغدادي. ولعل أهم تلك الأحداث هو التقارب بين السنة والشيعة. فقد أدرك قادة الحركة الوطنية في عام ١٩٢٠ أن المطالبة بتأسيس دولة عراقية يحكمها العراقيون بدلاً من الإدارة البريطانية التي تحكم العراق منذ دخول القوات البريطانية في ١١ آذار ١٩١٧ بقيادة الجنرال ستانلي مود (١٨٦٤- ١٩١٧) ، لن يكتب لحركتهم النجاح ما لم يتم التقارب بين الطائفتين على وجه من الوجوه. وكانت جمعية حرس الاستقلال وهي جمعية سرية تأسست في نهاية شباط عام ١٩١٩ بزعامة السياسي جعفر أبو التمن (١٨٨١- ١٩٤٥) ، يعارض الاحتلال البريطاني. ونشطت الجمعية في الفرات الأوسط ، وأبرز قياداته السيد محمد الصدر (١٨٨٢- ١٩٥٦) ومحمد باقر الشبيبي (١٨٨٩-١٩٦٠) ومحمد علي بحر العلوم ومحمد مهدي البصير (١٨٩٥- ١٩٧٤) وشاكر محمود ، وحكمت شوكت وجلال بابان (١٨٩٣- ١٩٧٠) وعارف حكمت ومحي الدين السهروردي (١٨٨٩- ١٩٧٠) وشخصيات وطنية أخرى من الشيعة والسنة والكرد.
وقد ورد في المنهاج الاساس لحزب حرس الاستقلال الدعوة للوحدة الوطنية. فقد ذكرت المادة سابعاً (يجب على الجمعية أن تبدأ قبل كلل شيء بتوحيد كلمة العراقيين على اختلاف مللهم ونحلهم . وأن تبذل أقصى ما يمكن من المجهودات للقضاء على كل بواعث الافتراق في الدين والمذهب). (١٧)

يقول المؤرخ عبد الرزاق الحسني:  في ٣٠ نيسان ١٩١٩ توفي المرجع الأعلى السيد محمد كاظم اليزدي عن عمر تجاوز الثمانين. فأقيمت له مجالس الفاتحة في النجف والكاظمية وغيرها من المدن الشيعية. وفي يوم ٩ مايس ١٩١٩ أقيم مجلس في جامع الحيدرخانة أقامه السنة تضامناً مع الشيعة ومشاطرتهم أحزانهم. وقد أنشدوا المراثي. فكان أشبه بمؤتمر توحدت فيه كلمة المسلمين في العراق بمجلس تأبيني أقيم لفقيد كبير. فكانت الوفاة سبباً مباشراً لتقارب المسلمين في العراق، وعاملاً كبيراً من عوامل استحكام الصلات الحسنة بينهم. وقد انتهز المفكرون السياسيون هذه القوة الكامنة وراحوا يدعمونها ، ويستعينون بها في القضايا الكبرى. (١٨)

وقد أقرت المس بيل (١٨٦٨- ١٩٢٧) بهذه التطورات الاجتماعية فتقول: (فقد وضحت للوطنيين خلال مدة من الزمن الحاجة إلى تكوين جبهة متحدة بين الطائفتين الإسلاميتين ، وتغلبت المساعي بصورة مؤقتة على التعصب الشديد الذي يفرّق بين الطائفتين السنية والشيعية.
ثم ظهرت أولى أعراض هذا التقارب في صيف ١٩١٩ عندما حضر السنة اجتماعين دينيين عقداً لتأبين المجتهد السيد محمد كاظم اليزدي (١٨٣١- ١٩١٩). لكن الأهمية السياسية لهذا التقارب لم تظهر بصورة جلية إلا في شهر رمضان الذي بدأ في ١٩ نيسان ١٩٢٠). (١٩)
 وتمضي المس بيل بالإشارة إلى الزعامات التي حرّكت هذه النشاطات الجديدة في المجتمع العراقي فتقول: (كان قادة الحركة ومنظمو حفلات المولد رجال تختلف منزلتهم الاجتماعية وقابلياتهم . وكان أكفأهم وأكثرهم قدرة رجلان شيعيان هما السيد محمد الصدر أحد أبناء أسرة شيعية دينية معروفة. والآخر هو جعفر أبو التمن وهو تاجر شيعي. كما أن أبرز السنة في هذا الشأن يوسف أفندي السويدي (١٨٨٢- ١٩٤٢) والشيخ أحمد الداود (١٨٧١- ١٩٤٨) وعلي أفندي البازركان (١٨٨٧-ر١٩٥٨)). (٢٠)


مجالس التعزية والموالد
كان الشيخ محمد باقر الشبيبي العضو البارز في جمعية حرس الاستقلال همزة الوصل بين مقر الجمعية في بغداد وفروعها في الفرات الأوسط. وكان السيد هادي آل زوين (١٨٦٨- ١٩٢٧) همزة الوصل بين العلماء الأعلام في كربلاء والنجف والرؤساء والزعماء في أبو صخير والشامية وبين السياسيين الوطنيين في بغداد. وكان التاجر النجفي عبد المحسن شلاش (١٨٨٢- ١٩٤٨) لديه مقام مرموق عند علماء الدين فانتدبوه والسيد هادي زوين في الذهاب إلى بغداد واستيضاح الأمور. اجتمع زوين وشلاش بزعماء جمعية حرس الاستقلال وأطلعاهم على الموقف في النجف.
في ( ٣ شعبان سن ١٣٣٨ هـ /  ٢١ تموز ١٩٢٠م ) عقد اجتماع هام في دار حمدي بابان (١٨٧٠- ١٩٦٠) حضره زوين وشلاش كمندوبين من النجف الأشرف. كما حضرته شخصيات سنية وشيعية مثل السيد محمد الصدر ، يوسف السويدي ، جلال بابان ، فؤاد الدفتري ، عبد الوهاب النائب ، الشيخ سعيد النقشبندي ، السيد محمد مصطفى الخليل ، جعفر أبو التمن ، رفعت الجادرجي ، فتاح باشا ، صادق حبة ، صادق الشهربللي ، أحمد الداود ، وغيرهم من أعضاء جمعية حرس الاستقلال وبعض رجال  حزب العهد العراقي. قرر المجتمعون إرسال الزعيم البغدادي جعفر أبو التمن إلى الفرت الأوسط ليقف على الأمور عن كثب. سافر إلى كربلاء ومعه السيد هادي زوين وعقدا اجتماعاً في دار المرجع الأعلى الشيخ محمد تقي الشيرازي (١٨٤٠- ١٩٢٠) في ليلة (النصف من شعبان ١٣٣٨ هـ / ٣ مايس ١٩٢٠م) ، ثم ذهبا إلى النجف لإبلاغ علمائها بهذه التطورات ، ثم عادا إلى بغداد وأكدا لزملائهما ما سبق أن نقله السيد زوين. (٢١)

عاد أبو التمن وزوين إلى بغداد في (٢٠ شعبان ١٣٣٨ هـ / ١٠ مايس ١٩٢٠م) وكانت الإدارة البريطانية قد أعلنت يوم ٣ مايس ١٩٢٠ مقررات مؤتمر سان ريمو المتضمن فرض الانتداب البريطاني على العراق وفلسطين ، والانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان تنفيذاً لما جاء في المادة (٩٤) من معاهدة سيفر.
أثارت تلك المقررات غضب واستياء السياسيين الوطنيين وخاصة أعضاء جمعية حرس الاستقلال، فقرروا تدعيم الصف الوطني استعداداً لمواجهة الاحتلال البريطاني. قرروا إقامة مواليد نبوية أسبوعية في أهم مساجد المسلمين في بغداد والأعظمية والكاظمية من غير تفريق بين المساجد الشيعية والمساجد السنية. فصارت تتلى المنقبة النبوية الشريفة ، وتُختم بمجلس حسيني يتحدث عن جهاد وتضحية سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي (ع). ثم يعرج الخطباء على قضية البلاد السياسية بقدر ما تسمح به الظروف فيوفضون الناس ويلهبون مشاعرهم ويرهفون احساسهم وكانت أبرزها اجتماعات جامع الحيدرخانة. (٢٢)

وقد بلغ الحماس السياسي والتماسك الطائفي حتى أنشد مفتي الديار الموصلية العلامة محمد حبيب العبيدي قصيدة هزت النفوس وهي طويلة مها هذه الأبيات:
أيها الغرب جئت شيئاً فريّاً *** ما علمنا إلا علياً وصياً
قسماً بالقرآن والإنجيل *** ليس ترضى وصاية لقبيل
أو تسيل الدماء مثل السيول *** أفبعد الوصي زوج البتول
نحن نرضى بالأجنبي وصياً؟
كما إمام لآل طه تردى *** في ثرى هذه البلاد وأردى
كم شهيد قضى ولم يأل جهداً *** أفبعد الرضا وموسى المفدى
نحن نرضى بالأجنبي وصياً؟ (٢٣)

يقول الدكتور علي الوردي: أول حفلة من حفلات المولد التعزية أقيمت في يوم الجمعة ١٤ مايس ١٩٢٠ في جامع القبلانية الذي يقع في سوق البزازين. وقد اجتمع جمهور غفير من السنة والشيعة. وألقى أحد وعاظ السنة خطبة الجمعة ، ثم أعقبه الشيخ مهدي البصير ، ثم تلي المولد النبوي ومقتل الحسن (ع) معاً.
ولما حل شهر رمضان ١٩ مايس (و ٢٠ مايس عن الشيعة) عام ١٩٢٠ تقرر أن تقام الحفلات القادمة في المساء عقب فترة الإفطار. وقد أقيمت أول حفلة رمضانية في جامع الميدان في مساء الخميس ٢٠ مايس. وطبعت لها بطاقات على الشكل التالي: (إن أهالي محلة الميدان يتقدمون إلى حضرتكم بالدعوة للحضور في الحفلة التي يقيمونها ليلة الجمعة القادمة في جامع الميدان للتبرك بتلاوة المولد النبوي الكريم مشفوعة بذكرى مقتل سيدنا الحسين عليه السلام).
كانت حفلة جامع الميدان ناجحة إلى حد كبير ، فقد اكتظت ساحة الجامع على سعتها بالناس حتى قُدّر عددهم بنحو عشرة آلاف. وتوالى الخطباء والشعراء على المنبر فذكروا جهاد النبي (ص) ومقتل الحسين (ع) ودعوا إلي وجوب الاتحاد بين المسلمين. فقوطعت خطبهم وقصائدهم بالهتاف والتصفيق الشديد.
وفي مساء الأحد ٢٢ مايس أقيمت حفلة ثالثة في جامع الحيدرخانة. وكانت أكثر حضوراً من حفلة جامع الميدان وأشد حماساً وهتافاِ. وخطب فيها جميل رمزي القبطان وعبد الرحمن خضر ومهدي البصير ومصطفى الطرابلسي. كما ألقى عبد الرحمن البناء قصيدة. وعندما أوشكت الحفلة على الانتهاء نهض بين الحاضرين شاب كان موظفاً في دائرة الأوقاف اسمه عيسى عبد القادر الريزلي ، ولم يكن اسمه داخلاً في منهاج الحفلة، فألقى قصيدة من أربعة وعشرين بيتاً ، دعا فيها إلى الاتحاد بين المسلمين وأشار إلى عدم وجود فروق أساسية بين السني والشيعي ، أو بين الزيدي والوهابي، وختم قصيدته بالبتين التاليين:
وبعد أقول لجاسوس منا *** تجسسْ ما استطعت الحاضرينا
وبلّغْ من تريد فقد بنينا *** لاستقلالنا الأس المتينا

ويبدو أن السلطة وجدت في هذه القصيدة أكثر مما يمكن تحمله ، فقامت باعتقاله وتجعله وهو موظف لديها عبرة. وتم اقتياده إلى مركز شرطة خان دله.

حادث خطير في  جامع الحيدرخانة
عندما بلغ حزب الحرس نبأ القبض على عيسى عبد القادر الريزلي انتهزوا الفرصة فقاموا بمظاهرة احتجاجية ضد الانكليز. لم تكد تنتهي فترة الإفطار في ذلك المساء حتى خرج المنادون في الأسواق والمقاهي يصيحون (شنو گعدتكم وعيسى حبسوه؟ گوموا اجتماع إسلامي عمومي في جامع الحيدرخانة).
فهب الناس عند سماعهم تلك النداءات ، وصاروا يتجهون نحو جامع الحيدرخانة. وجاءت جماعات من بعض المحلات البعيدة وهي تدق طبولها قائلة (الدين يا محمد والموت بالجهنم). فامتلأت ساحة الجامع بالناس، وفاضوا إلى شارع الرشيد ، وامتنع المرور في الشارع لشدة الزحام.
خشيت السلطة من مغبة التظاهر ، فأرسلت عدداً من الجنود لحراسة دوائرها ودور قياداتها وكبار موظفيها القريبة. كما وجهت أربع سيارات مصفحة لإرهاب الجمهور ، فأوقفت احداها أمام جامع الحيدرخانة ، وأرسلت الأخريات لحراسة الجسرين.
وحين جاءت السيارة إلي مقربة من جامع الحيدرخانة أخذ الجمهور يصفر لها استهزاءاً بها ، ويقذفها بالأحجار.  وظهر من بين الجمهور رجل أخرس بيده مطرقة كان يحملها لأنه كان نجاراً متجولاً، فتقدم نحو السيارة بغية الهجوم عليها بمطرقته، فحّرك السائق السيارة حركة مفاجئة جعلت الرجل يسقط على الأرض ، فمرت عجلات السيارة على ساقيه، فحمله الجمهور إلى المستشفى وهو ينزف دماً غزيراً. وقد مات في المستشفى في ساعة متأخرة من الليل.

ظل الجمهور محتشداً في جامع الحيدرخانة وفي الشارع المحاذي له (شارع الرشيد) ، وارتقى علي البازركان منبر الجامع ، وطلب من الحاضرين اختيار خمسة عشر مندوباً للسعي لإطلاق سراح الريزلي، وأخرج قائمة بأسماء المرشحين ، وأخذ يتلوها على الحاضرين اسماً اسماً، فصاروا يهتفون لكل اسم دلالة على مواقفتهم عليه وهم: السيد محمد الصدر ، يوسف السويدي ، أبو القاسم الكاشاني ، عبد الوهاب النائب ، سعيد النقشبندي ، عبد الكريم الحيدري ، محمد مصطفى الخليل ، عبد الرحمن الحيدري ، فؤاد الدفتري ، رفعت الجادرجي ، أحمد الشيخ داود ، ياسين الخضيري ، أحمد اظاهر ، جعفر أبو التمن ، علي البازركان.
لما بدأ الجمهور بالتفرق ظهرت أمامه في الشارع سيارة تحمل حاكم بغداد العسكري الكولونيل بلفور ، فأخذ الجمهور يقذفها بالحجارة ، فأصيب بلفور بحجارة في وجهه وسال منه الدم، فأمر مرافقه أن يطلق الرشاش في الهواء لتخويف الجمهور. لم تكد أصوات الطلقات تلعلع في الفضاء حتى صار الناس يتراكضون هاربين وقد سادهم الرعب، فلم يبق أحد منه في الشارع.
قرربعض الحاضرين في الجامع عدم مغادرته مخافة أن تقبض عليهم الشرطة ، وظلوا حتى الصباح. أما البعض الآخر فقد جازفوا وخرجوا من الجامع في ساعة متأخرة من الليل، وساروا متسللين في الأزقة حتى وصلوا إلى بيوتهم مرهقين. (٢٤)


شهيد الوطن
قرر حزب الحرس أن يجعل من تشييع جنازة النجار الأخرس مظاهرة وطنية كبرى يتحدى بها السلطة. فخرج طه لطفي البدري محاسب مدرسة التفيض الأهلية وهو لابس سواداً ويحمل بيده عماً أسود، وأخذ يطوف في الأسواق والشوارع يدعو الناس إلى التجمع في جامع الحيدرخانة لتشييع جنازة الأخرس الذي أطلق عليه لقب (شهيد الوطن).
بدأ التشييع بعد صلاة الظهر ، وشارك فيه جمهور كبير قُدّر عدده بما يزيد على الثلاثة آلاف. وسارت الجنازة تحف بها الأعلام السود ، ويتقدمها موكب على شاكلة المواكب الحسينية وهم يلطمون صدورهم ويرددون (ماج عرش الله وتزلزل ، علي الشهيد الما تغسّل). سار المشيعون نحو جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني ، ثم توجهوا بعدذذٍ نحو القنصلية الأمريكية الواقعة على النهر قريباً من الجامع، ثم عبروا جسر مود الخشبي (جسر الصالحية أو الأحرار حالياً) ، ومروا بعلاوي الحلة وسوق الجديد ومقاهي عقيل ومحلة الجعيفر. ومن هناك اتجهوا نحو مقبرة الشيخ جنيد حيث تم دفن الشهيد فيها. (٢٥)

 مقابلة بلفور
 في صباح يوم التشييع كان الحاكم العسكري لبغداد المقدم فرانسيس بلفور (١٨٨٤- ١٩٦٥) وكان عمره ٣٦ عاماً ، قد كتب إلى جعفر أبو التمن وعلى البازركان وأحمد الشيخ داود ومهدي البصير يطلب منهم الحضور لمقابلته في الساعة الرابعة عصراً. ذهب هؤلاء الأربعة في الوقت المحدد إلى مكتب بلفور الذي كان يقع في الجناح الجنوبي من القشلة. كان بلفور يجلس خلف منضدة طويلة ، وجلس وراءه عبد المجيد الشاوي رئيس بلدية بغداد واثنان من الضباط البريطانيين. طلب بلفور منهم الجلوس على كراسي أمامه وصار يخاطبهم بلهجة حادة: (الآن أحضرتكم لأبلغكم عن أعمالنا). ثم التفت نحو أحمد الشيخ داود وقال له: (أنت يا شيخ أحمد ، الآن أصبحت وطنياً بعد أن كنت موظفاً عندنا في الأوقاف فسرقت أثمان الشموع فطردناك على اثرها. والآن لسانك أصبح طويلاً علينا. إن لسانك بحاجة إلى قطع). أجابه الداود: (أنا لم أعمل أي شيء حتى تقطعوا لساني). ثم خاطب الشيخ مهدي البصير وعلي البازركان بكلام وقح. خرج الرجال الأربعة فلقوا الجمهور ينتظرهم في القشلة والشوارع المحيطة بها لتحيتهم ، فهتف بحياتهم وحياة الاستقلال ، ثم حملهم على الأعناق من القشلة (عبر شارع المتنبي) حتى شارع الرشيد. (٢٦)

رسالة المرجع الشيرازي
بعد خروجه من مقابلة بلفور كتب الشيخ جعفر أبو التمن رسالة إلى المرجع الأعلى الشيخ محمد تقي الشيرازي في كربلاء يستنجد به. تضمنت رسالة أبو التمن عرضاً للأحداث التي جرت في بغداد والتظاهرات ، ومقابلة بلفور الذي هدد الرجال الأربعة. ثم طلب من المرجع التدخل للمحافظة على الأمة.

في ( ١٠ رمضان ١٣٣٨ هـ / ٢٨ مايس ١٩٢٠م) أجابه الشيخ الشيرازي برسالتين حملهما الشيخ محمد باقر الشبيبي: واحدة موجهة لآبي التمن شكره فيها على بيان الحركة الإسلامية في بغداد والدفاع عن الأمة البغدادية وأهمية المطالبة بحقوق الأمة المشروعة. وأوصاه بالظهور دائماً بمظهر الأمة المتينة الجديرة بالاستقلال التام المنزه عن الوصاية البريطانية الذميمة. وأوصاه بالمحافظة على حقوق المواطنين الكتابيين الداخلين في ذمة الإسلام. وأن يصونوا نفوسهم وأموالهم وأعراضهم واحترام شعائرهم الدينية.
وكتب الشيرازي رسالة موجهة إلى العراقيين تناول فيها المظاهرات السلمية التي قامت في بغداد والكاظمية المطالبة بالحقوق المشروعة المنتجة لاستقلال العراق. وطلب أن تقوم كل مدينة من أنحاء بإرسال من يمثلها للمشاركة في وفد يذهب إلى بغداد للمطالبة بحقهم. كما أوصاهم بالمحافظة على جميع الملل والنحل في البلاد ، والمحافظة على نفوسهم وأموالهم وأعراضهم.

عاد الشبيبي إلى بغداد ، وقام حزب الحرس بطباعة الرسالة العامة ووزعها في بغداد والكاظمية ومختلف أنحاء العراق. وتقرر قراءة الرسالة علانية في الصحن الكاظمي بعد فترة الإفطار. صعد أحد سدنة المرقد الكاظمي السيد باقر سركشيك إلى سطح الكشوانية التي تقع بين صحن القبلة وصحن قريش ، فقرأ الرسالة بصوته الجهوري. وأخذ يتنقل من جهة إلى أخرى على سطح الكشوانية لكي يسمع الرسالة أكبر عدد من الناس المتجمهرين في الصحن الكاظمي.
وفي اليوم التالي جاء إلى الكاظمية وفد يمثل اليهود والمسيحيين في بغداد. والتقوا بعلماء الكاظمية راجين إبلاغ الشكر إلى المرجع الأعلى الشيخ محمد تقي الشيرازي على وصاياه النبيلة بأهل الكتاب. وفي اليوم الثالث أرسل علماء الكاظمية السيد محمد الصدر ليرد الزيارة إلى البطاركة والحاخامين. (٢٧)
 
 مقابلة ويلسون
 بعد لقاء المقدم بلفور الجاف قرر المندوبون الخمسة عشر الكتابة إلي الحاكم الملكي العام للعراق المقدم أرنولد تالبوت ويلسون (١٨٨٤- ١٩٤٠) الذي استلم منصبه عام ١٩١٨ وكان شابا عمره ٣٤ عاماً خلفاً للسير بيرسي كوكس (١٨٦٤- ١٩٣٧) ، يطلبون تحديد موعد لمقابلته. قرر ويلسون أن يكون الاجتماع يوم ١٤ رمضان الموافق ٢٠ تموز ١٩٢٠.  وقام ويلسون بدعوة عشرين رجلاً من وجوه بغداد والكاظمية ليحضروا الاجتماع وهم: مناحيم دانيال ، عبد الجبار الخياط ، خسرو قيوم جيان ، ساسون حسقيل ، عزرا مناحيم دانيال ، عبد القادر الخضيري ، محمود الشابندر ، جميل صدقي الزهاوي ، يهودا زلوف ، صالحج الملي ، محمد حسن الجوهر ، الشيخ شكر الله ، السيد جعفر عطيفة ، عبد الحسين الجلبي ، محمود الأطرقجي ، محمود الاسترابادي ، عبد الكريم الجلبي ، عبد المجيد الشاوي ، السيد محمود النقيب ، الحاج علي الآلوسي الذي اعتذر عن الحضور.
وكان المندوبون الخمسة عشر يعلمون بقصد ويلسون بدعوته هؤلاء العشرين من بغداد والكاظمية. ولذلك قرروا الاجتماع بهم قبل أن يذهبوا إلى الحاكم العام. واجتمعوا بهم فعلاً ، وتذاكروا فيما فينهم ، فاتفقوا على مطالبة الحكومة البريطانية المحتلة باستقلال البلاد استقلالاً تاماً مطلقاً لا تشوبه أية شائبة مهما كلفهم الأمر. وهذه أول بادرة اتفاق بين المسلمين وبين المسيحيين واليهود.
في اليوم المقرر للاجتماع ذهب المندوبون والمدعوون في دائرة الحاكم الملكي العام السير ويلسون. وكان السير بونام كارتر وناظر المالية والكولونيل بلفور حاكم بغداد السياسي والعسكري ونائب حاكم بغداد حاضرين.
افتتح السير ويلسون الاجتماع بقوله: (اجتمعنا اليوم لنصغي إلي اقتراحاتكم وللمداولة معكم بخصوص مطالبكم، ولي كلمة يتلوها عليكم حضرة السيد حسين أفنان). إذ كان حسين روحي بن علي أفنان (١٨٨٩- ١٩٤٠) وهو بهائي يعمل مترجماً لدى الانكليز. وكان قد ترجم الخطاب إلى العربية.

تحدث أفنان وألقى خطاباً تضمن إعادة قراءة فقرات من معاهدة عصبة الأمم وأن الغاية هي تحرير الشعوب الرازخة منذ زمن تحت نير الاستبداد التركي تحريراً تاماً، وتشييد حكومات وطنية في سوريا والعراق. وأن المستعمرات والبلدان غير قادرة على الوقوف منفردة لإدارة شؤونها . وأن العالم المتمدن مساعدتها من خلال نظام الوصاية والانتداب لحين تمكنها من الوقوف على رجليها.
ثم أخذ يهدد الحاضرين بقوله: (إن الأفراد الذين يرومون تأسيس حكومة ملكية بصورة مستعجلة بالحض على استعمال العنف وتهييج أفكار البسطاء من الأمة يجنون على وطنهم مهما كانوا مدفوعين إلى أعمالهم هذه بدوافع الوطنية أم بعوامل أخرى. ولا يوجد أمل بتأسيس حكومة ملكية بالصورة التي تريدونها قبل أن يستتب الأمن العام وتثبت أركان النظام في هذه الآونة الحاضرة التي تتطور فيها البلاد).
وأردف قائلاً: وإنني بصفتي رئيساً وقتياً للحكومة الملكية الحاضرة ، أحذركم أن كل تحريض على العنف أو، الإخلال بنظام البلاد سيقابل بالحزم والعزم من السلطتين العسكرية والملكية. واعلموا أن القوة التي هي في جانبنا).
وأضاف: (إن ما ننويه هو تشكيل مجلس للأمة يرأسه رئيس عربي يتولى الرئاسة إلى أن يرفع دستور العراق الاساسي إلى المجلس التشريعي المنوي تشكيله).
قام السيد محمد بن العلامة السيد حسن الصدر وقال معقباً على خطاب ويلسون:
(إن الحركة القائمة الآن هي حركة سلمية  لا يقصد بها إثارة القلاقل. وجل مطلبنا هو تأليف حكومة وطنية تؤلف على حسب تصريحات الحلفاء وفي مقدمتهم بريطانيا وفرنسا في تصريحهما الذي أذاعتاه في ٨ تشرين الثاني ١٩١٨ وعملاً بمقررات سان ريمو. وقد انتدبتنا الأمة للمفاوضة معكم بهذا الأمر.
وعد ويلسون برفع مطالب العراقيين إلى الحكومة البريطانية . وسيعمل بموجب الأوامر التي تصدر إليه بشأنها. (٢٨)

تكاثر الحفلات
بعد مقتل الأخرس قرر ويلسون السماح للناس بإقامة حفلات المولد التعزية بلا تحديد، وعدم اتخاذ تدابير قمعية ضد الوطنيين. وكان يبرر قراره بأنه كان يعلم أن بريطانيا على وشك تشكيل حكومة وطنية.
أدى قرار ويلسون إلى زيادة الحفلات بشكل واضح. وصارت تلك الحفلات تتوالى تارة في جامع للسنة ، وأخرى في جامع للشيعة. ومن أهم الجوامع التي أقيمت فيها على جامع الحيدرخانة : جامع الكاظمية (العتبة الكاظمية) و جامع الأعظمية (جامع أبو حنيفة) وجامع الشيخ عبد القادر الكيلاني وجامع سيد سلطان علي وجامع الأحمدي في الميدان وجامع الخلاني.
كان حزب الحرس يشرف على تنظيم تلك الحفلات. وكان يتولى مناداة على الاجتماع العام في الجامع الفلاني. وكان عبد المجيد كنة يتولى مع أعوانه حماية الحفلات ومنع أزلام السلطة من التدخل فيها.
وقد اشتهر من خطباء تلك الحفلات وشعرائها مهدي البصير وعبد الرزاق الهاشمي وتوفيق المختار وعثمان الموصلي وعبد الرحمن البناء ومحمد عبد الحسين.
وقد أُطلق على مهدي البصير لقب (ميرابو العراق) لشدة تأثيره على الناس. واشتهر معه أيضاً شاعر شعبي من أهل الكاظمية اسمه محمد حسن الحداد ، وكان يهز الجمهور بقصائده . ولعل أشهرها قصيدته (يا وطني) التي ألقاها في باحة الجامع اثر استشهاد الاخرس، ولها تأثير في تحشيد التظاهرات ضد الاحتلال. وقد ذهبت كنشيد وطني يردده جميع العراقيين من دون استثناء، حيث يقول فيه:

إن ضاق يا وطني عليّ فضاكا*** فلتتسع بي للأمام خطاكا
أجرى ثراك دمي فإن أنا خنته*** فلينبذني ثراكا
بك همت أو بالموت دونك في الوغى***روحي فداكا متى أكون فداكا
أتراك تضمن لي كرامة مصرعٍ***فيه أبيت مجاوراً صرعاكا
هب لي بربك موتة تختارها***يا موطني أو لست من أبناكا
إن يقتضب نفَسي المنون فما لي منه***أو لم يمن به على هواكا
أو تخترم نفسي المنون فإنما***هي كل ما عندي وبعض جداكا
فليتحد جسدي بتربك بالياً***ولتقترن ذكراي في ذكراكا
كذبتك أقطاب السياسة عهدها***فلتضمن لك الحياة ضباكا
نقضت مطامعهم صداقتك التي***من أجلها عقدت فهم أعداكا
لو إنصفوك وفوا بعهدك إنهم***ربحوا قضيتهم بظل لواكا
أفيطلبون لك (الوصاية) ظلة***ما كان أقصرهم وما أحجاكا
ويؤملون لك (المعونة) باللها***ما كان أفقرهم وما أغناكا
ليطأطئن لما تروم رقابهم***ولتبلغن من الرقى مداكا
وليدركن فساد ما قد دبروا***وليتركن ضلالهم لهداكا

وأصبح التقارب الوطني متماسكا بشكل لم يشهد العراق له نظير. فعندما يصل وفد الكاظمية إلى بغداد بالترامواي وعلى رأسه السيد محمد الصدر ، فإذا قاربت العربات أول الدور من بغداد كان أهالي الجعيفر والسوامرة والتكارتة وغيرهم يحملون الشموع ويهللون ويكبرون. فإذا وصلت العربات إلى المحطة كان في استقبالها جمهور غفير من أهل بغداد وفي مقدمتهم أحمد الشيخ داود أو غيره من علماء السنة ، فيتعانق الشيخ والسيد عناقاً أخوياً كرمز للتآخي بين الطائفتين ، وعند هذا المشهد يعج الجمهور بالصلاة على محمد وآل محمد.
ويحدث مثل هذا حين كان يذهب وفد الأعظمية إلى الكاظمية ، أو يذهب وفد الكاظمية إلى الأعظمية. وقد قام الملا عثمان الموصلي بدور مهم في تلك الأيام. وكان ينتقل بين حفلات بغداد والأعظمية والكاظمية ، فيترنم بمدائح النبي (ص) وأهل بيته (ع). وكان شديد الحب لأهل البيت وينظم الشعر في مدحهم . وكانت ترتيلاته الشجية في الصحن الكاظمي من الأمور التي بقي الناس يتذكرونها لمدة طويلة.

وحين حلت ذكرى وفاة الإمام علي (ع) في ( ٢١ رمضان ١٣٣٨ هـ/ ٨ حزيران ١٩٢٠م )، ذهب موكب من أهل الأعظمية إلى الكاظمية لمشاركة أهلها في العزاء ، وأخذ الموكب الأعظمي يسير في صحن الكاظمية وهو يهزج قائلاً:
آبو بكر وعمر حزنانين*** عالوصي حيدر
وملائكة السما وجبريل*** لأجله تكدّر

وقد حدث مثل هذا في الكرخ حيث تألف موكب للطم في محلتي السوامرة والتكارتة ، وذهب إلى محلة الشيخ بشار لمشاركة تلك المحلة في العزاء.
ولما حل شهر محرم ذهب موكب من الأعظمية إلى الكاظمية ، وكانت أهزوجة الموكب هذه المرة:
جيت أناشدكم يا شيعة*** صدگ زينب سلّبوها
إي وحگ جدها وأبوها*** حتى الخيام احرگوها. (٢٩)

 القلق الانكليزي
أما الإدارة البريطانية في العراق فكانت قلقة بشأن هذا التقارب غير المتوقع. فقد كتبت المس بيل بتاريخ ١ حزيران ١٩٢٠ تقول: (نحن في خضم هياج عنيف ، ونحن نشعر بالقلق . وليس هذا القلق لخوفنا على سلامتنا ولكننا قلقون إذ لا ندري هل نستطيع أن نخرج من رمضان من غير أن يقع اضطراب. وذلك يْزى لدرجة كبيرة إلى الخطأ الذي اقترفه المقر العام للقيادة العسكرية في البلاد.... إن المتطرفين اتخذوا خطة من الصعب مقاومتها: وهي الاتحاد بين الشيعة والسنة أي وحدة الإسلام. وهم يستغلون ذلك إلى أقصى الحدود. فهناك اجتماعان أو ثلاثة اجتماعات تقام في كل أسبوع في المساجد للاحتفال بهذا الحدث الذي لا مثيل له. فهي تقام في مساجد الشيعة أحياناً ، وفي مساجد السنة أحياناً أخرى. ويحضرها أناس من الطائفتين معاً. إنها في الواقع سياسية وليست دينية ، ولا أعلم أن أحداً يعتقد بأن هذا الاتحاد الزاهي سيكون دائمياً. إنها زاخرة بإلقاء القصائد والخطب التي تمزج بين الدين والسياسة، وكلها تدور حول فكرة العداء للكفار). (٣٠)

زيارتي لجامع الحيدرخانة
في ١٢ شباط ٢٠٢٣ قمت بزيارة جامع الحيدرخانة. دخلت من الباب المطل على شارع الرشيد. المدخل عبارة عن إيوان عالي وقوس مدبب، ومزين بالقاشاني الملون. تعلو الإيوان الآية الكريمة (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ، فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين).

وبجانب المدخل يوجد لوح من الرخام الأبيض مكتوب عليه اسم باني الجامع وتاريخ تشييده كالآتي:
(بسم الله الرحمن الرحيم
وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا
جامع الحيدرخانة
شيّده والي بغداد داود باشا سنة ١٢٤٢ هـ / ١٨٢٧ م
في عهد السلطان محمود خان ابن السلطان عبد الحميد خان )

واجهة الجامع المطلة على شارع الرشيد مزينة بنقوش آجرية وزخارف أرابيسك. ويوجد جدار مبني حديثاً بعد إغلاق الدكاكين التي كانت عائدة للجامع. كما يعلو الواجهة في الجهة اليمنى شريط كتابي تضمن الآية الكريمة:
(بسم الله الرحمن الرحيم . يا أيها الذين آمنوا لركعوا واسجدوا ولعبدو ربكم وافعلو الخير لعلكم تفلحون . وجاهدوا في الله حق جهاده ، هو اجتباكم ، وما جعل عليكم في الدين من حرج ، ملة أبيكم إبراهيم ، هو سمّاكم المسلمين من قبل ، وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم ، وتكونوا شهداء على الناس ، فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله ، هو مولاكم ، فنعم المولى ونعم النصير. قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون. صدق الله العظيم) (الحج : ٧٧-٧٩)
 
تبلغ مساحة الجامع (٣٣٤٤ متر مربع) ومساحة المصلى (٢٤٠ متر مربع). (٣١) يتوسط المحراب المصلى وهو عبارة عن إيوان داخل الجدار، تعلوه عدة عقود مدببة، وتم إكساء إزارة المصلى والمحراب حديثاً بالمرمر الرمادي. ويحيط بالمحراب شريط كتابي جاء فيه:
(بسم الله الرحمن الرحيم . أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر ، إن قرآن الفجر كان مشهودا. ومن الليل فتهجد به نافلة لك ، عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا) (الاسراء : ٧٨-٧٩).

ويقف المنبر إلى جانب المحراب، وهو منبر فريد في نوعه حيث أنه مصنوع من المرمر ، ومزين بزخارف ذهبية. وينتهي بقبة مخروطية ذات قاعدة سداسية تستند على أربعة أعمدة رخامية.

وتطل شرفة قصيرة على المصلى ، يحيطها محجر من الحديد ، وإزارة عليها آيات قرآنية جاء فيها:
(لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها ، لها ما كسبت ، وعليها ما اكتسبت ، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به ، وأعف عنا ، واغفر لنا وارحمنا ، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) (البقرة: ٢٨٦).  
وأما باب المصلى المؤدي إلى الفناء الداخلي فيقع في إيوان عالي يعلوه قوس مدبب. وقد تمت تغطية الإيوان بالقاشاني الملون ، والمقرنصات الجصية التي طليت بعضها باللون الذهبي.

وتحتل باحة الجامع مساحة كبيرة ، وقد فرشت بالحجر ، وتركت مساحات غرست فيها أشجار ونخلات ونباتات. وتحيط بها أبنية وغرف ومساكن للمؤذن والحماية والخدمات.

وفوق أحد العقود الخارجية كتبت آيات قرآنية بالخط الكوفي جاء فيها:
(الذين يقولون ربنا إننا آمنا ، فاغفر لنا ذنوبنا ، وقنا عذاب النار. الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار) (آل عمران: ١٦-١٧).

في عام ٢٠١٣ جرت أعمال الرميم والتأهيل وشملت ترميم القباب والمنارة والواجهات الأمامية والجانبية والداخلية. وكانت القبة قد تضررت كثيراً وسقطت أجزاء منها ، مما تطلب أعادة إصلاحها وتغطتها بالقاشاني الملون،

وعلى جانب وضعت لوحة على الجدار تشير إلى آخر إعمار جرت في الجامع جاء فيها:
(بسم الله الرحمن الرحيم
إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله ، فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) (التوبة : ١٨)
قامت دائرة الشؤون الهندسية في ديوان الوقف السني
بترميم وتأهيل جامع الحيدرخانة الأثري
٢٠١٣ م – ١٤٣٤ هـ )


الهوامش
١- معتصم المفتي (معالم بغداد الأثرية ) ، ج ١ ، ص ٨٥ ، مكتب زاكي للطباعة ، بغداد: ٢٠٢١
٢- محمد سعيد الراوي (خير الزاد في تاريخ مساجد وجوامع بغداد) ، هامش ص ٢٤٦ ، تحقيق عماد عبد السلام رؤوف ، دار الكتب العلمية ، بغداد: ٢٠١٣
٣- عبد الحميد عبادة (العقد اللامع بآثار بغداد والمساجد والجوامع) ،  هامش ص ٢٤١ ، تحقيق عماد عبد السلام رؤوف ، مطبعة أنوار دجلة ، بغداد: ٢٠٠٤
٤- عبد الحميد عبادة (العقد اللامع بآثار بغداد والمساجد والجوامع ) ، ص ٢٤٦-٢٤٧ ، تحقيق عماد عبد السلام رؤوف ، مطبعة أنوار دجلة ، بغداد: ٢٠٠٤
٥- عباس العزاوي (العراق بين احتلالين) ، ج ٦ ، ص ٢٧١ ، الدار العربية للموسوعات
٦- عباس العزاوي ، ج ٦ ، ص ٢٧٦
٧- عباس العزاوي ، ج ٦ ، ص ٢٨٤
٨- عباس العزاوي ، ج ٦ ، ص ٣٠٢
٩- عباس العزاوي ، ج ٦ ، ص ٣٠٧
١٠- عباس العزاوي ، ج ٦ ، ص ٣٠٦
١١- عباس العزاوي ، ج ٦ ، ص ٣١٨
١٢- عباس العزاوي ، ج ٦ ، ص ٣٠٠
١٣- مصطفى جواد (دليل خارطة بغداد المفصل) ، ص ٢٣٦ ، دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر والتوزيع ، بغداد: ٢٠١٣
١٤- محمود شكري الآلوسي (تاريخ مساجد بغداد وآثارها) ، ص ٣٣ ،  مطبعة دا

أخر الأخبار