ما بعد الحرب على إيران
"Today News": بغداد
هناك شبه كبير بين حرب الأيام الستة التي شنها الكيان الإسرائيلي في حزيران عام 1967، وبين حرب الأيام الاثني عشر التي شهدت عدوان إسرائيل وراعيتها الولايات المتحدة على إيران في حزيران عام 2025. كلتا الحربين وقعتا كوقع الصدمة على العرب والإيرانيين، وكلتاهما مهدت لهزّات فكرية وسياسية بعد الصدمة العسكرية والأمنية.
أوجه الشبه بين الحربين عديدة، وأوجه الاختلاف محدودة. لنبدأ من أوجه الاختلاف: إذ انتهت حرب الأيام الستة بهزيمة عربية منكرة ضاعت فيها سيناء والجولان وغزة والضفة الغربية لنهر الأردن، بما فيها القدس. فيما لم تشهد الحرب الأخيرة معارك برية ، ولا خسارة أراضٍ من جانب إيران أو الكيان الصهيوني، بل شهدت خسارة قيادات عسكرية كبيرة وعلماء نوويين إيرانيين. ولم يحصل تغيير في الجغرافيا أو الوحدة الترابية لإيران، ما أبقى على الوضع الجيوسياسي على حاله من هذه الناحية، وإن حصل شيء من التبدل في مفاهيم الأمن والردع والتوازن بعد المفاجآت والانكشافات التي حصلت.
وجه الاختلاف الآخر في هذه الحرب أن العرب دخلوا الحرب مجتمعين تقريبًا، وإن كان العبء الأكبر قد وقع على عاتق المصريين، فيما واجهت إيران العدوان عليها منفردة، لم تجد إلا نفسها لتعتمد عليها، بلا حليف كبير ولا نصير صغير.
أما أوجه التشابه والتماثل العديدة، فأبرزها أن الحرب كانت متوقعة وقريبة خلال أسابيع، وأقصى موعد متوقع كان شهرًا أو ما يزيد قليلاً. وتوقّع الحرب يعني أن تكون الاستعدادات على أشدها، ولا يكون الهجوم مفاجئًا وصادمًا.
فوجئ المصريون بالضربة الأولى كما تفاجأ الإيرانيون بها، وترتب على ذلك فقدان التوازن لساعات طويلة وزمن ثمين، قبل أن يستفيق الإيرانيون من الضربة ويعودوا إلى الإمساك بلحظة الرد على العدوان.
سبق الحرب خطاب تهديد وردع وحرب نفسية مضادة، وتبيّن أن خطاب الحرب ليس كخطاب الميدان؛ فائض القوة الكلامية كان أكبر بمرات عديدة من القوة الحقيقية.
تشابهت الحربان في حجم الاختراق المعلوماتي والاستخباري. في حرب 1967 كان إيلي كوهين، جاسوس إسرائيل الأكبر، قد دُفن بعد أن أوصل معلومات مفصلة وثمينة عن الجبهة السورية من خلال اختراقه لمجتمع الضباط والساسة. وكانت إسرائيل تعرف أوقات حركة أسراب الطائرات المصرية وطيّاريها، وتعرف نقاط الوهن والضعف فيها، كما تعرف نقاط قوة الجيوش العربية وقياداتها الميدانية، ووظّفت كل ذلك لإحداث الصدمة لدى الخصم حال انطلاق شارة المعركة .
في الحرب الأخيرة، لم يمنع منهج التشكيك وعدم الثقة بالآخر من الوقوع في فخ التراخي ووهم القوة وضعف الإدراك لألاعيب الخصوم المتحالفين. فكانت الأفخاخ الكلامية والسياسية سببًا في تراجع الاستعدادات والتراخي عن اتخاذ الاحتياطات اللازمة.
التشابه الأكبر بين الحربين كان في انكشاف الجبهة المناهضة لإسرائيل، بسبب التفوق التكنولوجي والمعلوماتي، وضعف الدفاعات الجوية، والسيطرة شبه المطلقة على الأجواء، مما سمح للعدو باختيار ضرباته وممارسة عدوانه وغطرسته.
الدرس الأكبر المستخلص من هذه الحرب كان سقوط جدار الردع، وتجرّؤ العدو على بدء الاعتداء مستفيدًا من الغطاء الحربي والسياسي والدعائي المساند له.
سردية “الدفاع عن الوجود” استُخدمت ذريعة لمساندة الكيان الغاصب أوروبيًا وأمريكيًا، لتبرير خرق القانون الدولي، وتوصيف إيران كتهديد دائم، والتغطية على ما فعلته إسرائيل بأفعالها القذرة. (اعتراف مستشار ألمانيا، ميرتس، بأن إسرائيل قامت بالفعل القذر نيابة عنا، وترديد زعماء مجموعة الدول الصناعية السبع لمقولة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” قُبال التهديد النووي الوجودي القادم من إيران).
لو لم تصمد إيران وتمارس حرب استنزاف للجبهة الداخلية الإسرائيلية، وتوسع مساحات التدمير داخل المدن والمراكز الحيوية، لما استجاب نتنياهو لنداء وقف إطلاق النار.
ما أحبط أهداف الهجوم الصهيوني على إيران كان الروح الوطنية العميقة لدى الإيرانيين، ووحدة الموقف الداخلي، الذي تجسد نموذجه في موقف المفكرين والمثقفين الإيرانيين في الخارج، رغم اختلافهم الحاد مع النظام.
فقد كانت النداءات تحث على الصمود والدفاع عن “إيران الدولة والتاريخ والحضارة”، وتناسي مظاهر الاختلاف السياسي والقومي والفئوي. فقد أظهر الإيرانيون تماسكًا كبيرًا، ولم يعبر أشد المعارضين عن موقف ممالئ للعدوان أو متحين للفرص، إلا شرذمة من ناشطين وقوى مسلحة مناوئة.
كان موقف رجل الدين السني، مولوي عبد الحميد البلوشي (المعروف بنقده الحاد لسياسات النظام)، نبيلاً حين وقف يدعو إلى الدفاع عن إيران.
واكتسبت إيران تعاطفًا من شعوب كثيرة خارجها، بعضها من منطلق أخلاقي، وآخر قومي، وثالث ديني - إسلامي.
فيما شمت بها قوميون وإسلامويون عرب راحوا يقدحون بزناد الطائفية والعداوة المذهبية، وضجت منابرهم بمبررات “الخطر الشيعي” و”المشروع الإيراني القومي”، ولم يقلقهم المشروع الصهيوني الذي بات يضرب آخر القلاع الإسلامية لإسقاطها وفرض الهيمنة والاستعلاء الصهيوني على الشعوب والمنطقة عامة.
توقّف إطلاق النار ولم تنتهِ الحرب وربما يعاود الاعداء هجومهم على ايران، غير أن ما كشفته حرب الأيام الاثني عشر سيدشّن مرحلة من الجدل والنقاش في إيران خاصة، وربما لدى شعوب ودول المنطقة عامة.
دروس هذه الحرب بليغة وخطيرة، ايرانيا سيُعاد تعريف الأمن القومي ، وسياسات الدفاع والأمن، وأولويات التسليح والسياسة الخارجية.
وسيشمل النقد الخطاب السياسي، وثقافة المقاومة، واستراتيجية التحشيد والتعبئة، وبناء التحالفات. لقد شمّر المثقفون وذوو الرأي الإيرانيون عن سواعدهم لتصحيح أخطاء وممارسات وسياسات داخلية وخارجية ساعدت في التمهيد للحظة الهجوم الإسرائيلي – الأمريكي على بلادهم.
الصدمة الأخطر كانت في حجم الاختراق الجاسوسي، والغفلة عن ملاحظة “سيكولوجية الخيانة والسقوط” لدى أفراد كثيرين وأسبابها، رغم ثقافة التعبئة والخطاب الثوري الصلد.هذه ستكون الفقرة الاهم في مشروع المراجعة والمسائلة ،بعضهم ذهب بعيدا مقترحا تنقيح الدستور واعادة توزيع الصلاحيات .
إيران مقبلة على تطورات كبيرة لتفادي الأسوأ، وهم قادرون على ذلك. مباشرة وفي اليوم التالي لوقف إطلاق النار، لم يتأخر النابهون ولم يصمتوا عن الأخطاء والخطايا الكبيرة التي وقعت.
وحدهم أسرى خطاب التمجيد والتبجيل، أو خطاب التبكيت والكراهية والأحقاد الطائفية خارج إيران، سيظلون يدورون في حلقة الجدل العقيم عن مَن انتصر ومَن انهزم!!!؟، دفاعًا عن مقولاتهم الرديئة .
اليوم, 10:42 ما بعد الحرب على إيران
إبراهيم العبادي26-06-2025, 20:22 المعركة القادمة .. من يمتلك التكنولوجيا يكتب النصر
د. محمد عصمت البياتي25-06-2025, 13:28 أين الضمير الإنساني؟
وليد الحلي24-06-2025, 19:58 نتائج الحرب الإسرائيلية – الأمريكية على إيران في موازين النصر والهزيمة
د. علي المؤمن