• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

سلسلة أبنية تراثية بغدادية - بيوت تراثية ١ .. بيت عبد المجيد الشاوي

سلسلة أبنية تراثية بغدادية - بيوت تراثية ١ .. بيت عبد المجيد الشاوي

  • 15-08-2023, 15:15
  • مقالات
  • 667 مشاهدة
د. صلاح عبد الرزاق

"Today News": بغداد 
هذه السلسلة هدفها الدعوة للحفاظ على الأبنية التراثية في بغداد لأنها معالم حضارية بنتها العقلية المعمارية البغدادية ، ولها خصائصها وتصاميمها. لقد تفاعل المعماري البغدادي مع البيئة والمناخ ، واستخدم ابتكارات فريدة لتلائم ظروف الحر اللاهب صيفاً والبرد القارص شتاءً. كما اهتم المعماري البغدادي بالتقاليد والأعراف الاجتماعية وتخصيص مكان للعائلة وآخر للضيوف. ولم يفته الجانب الجمالي في استخدام النقوش والزخرفات على الجدران والسقوف والأبواب والشبابيك ، واستخدام المواد الانشائية المحلية كالطابوق والجص والخشب.
هذه السلسلة تتضمن بيوتاً ومراقد ومدارس ومقاه تراثية تجولت فيها خلال شتاء عام ٢٠٢٣ مصطحبا كاميرتي لتوثيق كل تفاصيلها ونقلها للقارئ الكريم. وسيكون للصورة دورها وتأثيرها في نقل الأفكار وطبيعة الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي عاشها أثرياء بغداد في القرن العشرين.

*عشيرة الشاوي*

كانت أسرة الشاوي من الأسر العريقة في بغداد وتنتمي إلى عشيرة العبيد ، ولديها علاقات عشائرية بالكرد وبشمر والعزة. وتحدث بينها خلافات كبيرة حتى أن الملك فيصل الأول تدخل شخصياً لحسم النزاع بين العبيد وعزة.
تنتسب هذه العشيرة إلى زبيد الاصغر، وكان من مشاهير رؤسائها شاوي ابن نصيف من البو شاهر الذي عاش في أوائل القرن الثاني عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي وتكوّن هذا الفخذ لم يحدث قبل القرن السابع عشر. ولا شك أن رئاستها مستحدثة من هذا الفرع الجديد.

يقول المؤرخ عبد الرزاق الحسني (كانت الأعظمية إلى أواخر ١٢٣٧ هـ / ١٨٢٢ م ، قرية صغيرة ليس فيها إلا أعقاب من عشيرة العبيد الذين جاء بهم السلطان مراد الرابع في القرن الحادي عشر الهجري / السابع عشر الميلادي ليكونوا حماة لقبر الامام الأعظم (أبو حنيفة النعمان) من تعدي الفرس).

يرد اسم العبيد في تواريخ بغدادية من عام 1707م. يبدو أن القبيلة كانت على قدر من الأهمية عادة حيث كان شيخ العبيد الشيخ عبد الله الشاوي يدخل في حاشية والي بغداد وجعله وسيط رسمي بين الحكومة والسكان المحليين. مما اضفى مكانة على قبيلته بالنسبة لبدو الرافدين ومكّنها من توسيع منطقة انتشارها توسيعاً كبيراً، ومدها من نهر الخابور ومن تكريت إلى أبواب بغداد، كان من الطبيعي أن يستخدم الاتراك رجال قبيلة العبيد كقوات عسكرية غير نظامية لحماية الحدود. يرأس قبيلة العبيد حالياً الشيخ أنور العاصي ومن بعده اخوه وصفي العاصي.

وكان والي بغداد المملوكي سليمان باشا الكبير ( ١٧٨٠- ١٨٠٢) قد قرّب عميد الأسرة سليمان بك بن عبدالله بك بن شاوي بك العبيدي الحميري الشاوي (١٧٢٧- ، وكان يستشيره في أكثر أموره. وكان الشاوي يتقلد منصب (باب العرب) وهو منصب في ديوان ولاية بغداد يتولى الاتصال بين القبائل العراقية والحكومة العثمانية.
غضب الشاوي من تعيين مملوك اسمه (أحمد أغا المهردار) لإدارة أمور الولاية. وصار المملوك المغمور يتحكم بكل صغيرة وكبيرة. وكان الشاوي يستشيط غضباً منه ، ويجامله على مضض أمام الوالي. وصل الأمر ذروته بعد أن فقد الأمل بالحصول على منصب الكتخدائية الذي يعتمد عليه الولاة. تدخل الوالي بين الشاوي والمهردار (صاحب الختم) لإزالة العداوة لكن لم تنتهي. تضامن المماليك مع المهردار فوجد الشاوي نفسه في خطر عظيم ففر هارباً إلى منطقة عكركوف حيث ضرب خيامه هناك. في عام ١٧٦٩ بادر الشاوي للتحرك على قبيلته الكبيرة وقبائل أخرى ، لكن الوالي كان يراقب الأوضاع فأرسل حملة عسكرية بقيادة أحمد المهردار الذي أمر القبائل المنضمة للشاوي بترك مواشيهم ومتاعهم في محلها ومغادرة مخيماتهم باتجاه الخابور على الحدود مع تركيا. صادر الحملة ما تركته قبائل العبيد وعادت إلى بغداد. وصدر الأمر بتعيين أحمد أغا المهردار بمنصب كتخدا تقديراً لنجاحه في الحملة.

في عام ١٧٨٥ اتفق سليمان الشاوي مع أمراء منطقة سنجار لمهاجمة بغداد. نصب مخيمه في الكرخ بجوار مرقد الصوفي منصور الحلاج. قام الوالي بجمع جنوده من المشاة والخيالة والمدفعية وتجنيد عدد كبير من سكان بغداد لمحاربة قوات العبيد. وحدثت معركة ضارية هزم فيها سليمان الشاوي فهرب من بغداد لاجئاً عن رئيس عشائر المنتفق الشيخ ثويني بن عبد الله السعدون الذي سارع بتأييده للشاوي. ثم انضم إليهما الشيخ حمد الحمود رئيس عشيرة الخزاعل. وبذلك تشكل حلف قوي في الفرات الأوسط لا يمكن الاستهانة به.
توجهت القبائل المتحالفة إلى البصرة واحتلتها ، وطردت متسلمها إبراهيم أفندي وصادر أمواله وأرسلته مخفوراً إلى مسقط رأسه.
استعان الوالي سليمان باشا بأمراء قبيلة بابان الكردية ، فراسل إبراهيم باشا الباباني (١٧٤٢- ١٨٠٠) متصرف ألوية كويسنجق وحرير وبابان، وعبد الفتاح الباباني متصرف أدرنة وباجلان، وطلب منهما تجنيد المتطوعين لكنهما طلبا إمداد جيشهما بالعتاد. الأمر الذي أثار ريبة الوالي ، وشك في إخلاصهما له ، فلما قدما إلى بغداد اعتقلهما وأقصاهما عن منصبيهما، وعيد عبد القادر باشا متصرفاً لألوية بابان وحرير وكويسنجق، وعيّن عثمان باشا بن محمود باشا متصرفاً للواء أدرنة وباجلان.

تسلم الوالي سليمان باشا قيادة جيش الأكراد إضافة إلى جيش بغداد وبلغ عشرين ألف مقاتل نصفهم من المشاة والنصف الآخر من الخالية ، وتوجه نحو البصرة. كما أمر بإرسال سفينتين حربيتين في الفرات لتعزيز جيشه. في عام ١٧٨٧ اشتبك الجيش التركي مع قوات عشائر الفرات الأوسط في موقع يعرف باسم (أم الحنطة) بالقرب من البصرة. ودارت معركة حامية انتهت بانتصار الوالي الذي ألحق هزيمة مرة بالعشائر نحوا ثلاثة آلاف قتيل في ساحة المعركة مع غنائم كثيرة.

أما سليمان الشاوي فبعد هزيمته الثانية هرب إلي البادية ولم يطق العيش في حياة التشرد، فأرسل للوالي يظهر ندمه طالباً العفو منه ، الوعد بعدم القيام بأي تحرك ضده. قبل الوالي طلبه لكن منعه من الإقامة في بغداد، فاختار السكن في (قرة أورمان) وهي إحدى ضياعه. وأمر الوالي بإعادة أمواله وممتلكاته المصادرة ، وسمح لباقي أسرته بالعودة إلي بغداد.  في عام ١٧٩٤ قتل سليمان الشاوي على يد محمد بن يوسف الحربي من عشيرته بسبب الخلاف على السلطة وقيادة العشيرة. وفي العام التالي ١٧٩٥ قُتل عدوه أحمد المهردار على يد الخازندار علي بك ، بمباركة من الوالي الذي كافأه على عمله بتزويجه من ابنة الكتخدا المقتول.

ويذكر التقرير السري لدائرة الاستخبارات البريطانية أن عشيرة العبيد أرسلت عام ١٩١٥ حوالي (١٥٠) رجلاً محارباً ضد الانكليز تلبية لدعوة الجهاد).  

*عبد المجيد الشاوي*

عبد المجيد الشاوي كان وزيراً وشاعراً وكاتباً وصحفياً. ولد في منتصف القرن التاسع عشر وتوفي في الربع الأول للقرن العشرين.
ولد الشاوي (١٨٥٢- ١٩٢٧) في بغداد من أسرة معروفة في العهد العثماني يعود نسبها إلى العبيدي الحميري. فقد حصل والده وأجداده على لقب (بك) من السلطة العثمانية. تلقى علوم العربية والدين الإسلامي على يد عدد من علماء عصره ، وتعلم اللغة التركية ، وهي اللغة الرسمية في العراق لأربع قرون حتى هزيمة الدولة العثمانية وانسحابها من العراق بعد غزو القوات البريطانية (١٩١٤-١٩١٧). ورغم أن أغلبية السكان كانوا عرباً مع وجود أقليات قومية غير عربية لكن الاحتلال العثماني فرض استخدام التركية في المدارس ودوائر الدولة والجيش والشرطة والقضاء.

وفرت له أسرته ظروف تولي مناصب حكومية في بغداد. بدأ عمله الوظيفي كاتباً في تحرير ولاية بغداد، ومحرراً في القسم العربي، فقد أصبح نائباً عن لواء العمارة في مجلس المبعوثان بإسطنبول لدورتين (١٩١٢- ١٩١٨) رغم أنه لم يكن من سكان العمارة.
وبعد دخول القوات البريطانية تحول ولاؤه إلى الانكليز بدلاً من الاتراك. فقد شغل منصب رئيس بلدية الرصافة عام ١٩١٩ . وبعد تشكيل أول حكومة عراقية في ١١ تشرين الثاني عام ١٩٢٠ وهي حكومة عبد الرحمن الكيلاني الأولى تم منحه منصب وزير دولة، بلا حقيبة وزارية ، واستمر بها حتى ٢٣ آب ١٩٢١ بعد تتويج فيصل الأول ملكاً على العراق.

في بداية عام ١٩٢١ تم اختيار مبنى القشلة لتكون مقراً للوزارات في عهد الانتداب البريطاني على العراق، واستحوذ السيد عبد الرحمن النقيب علي أفضل الأجنحة لأنه كان مدعوماً من قبل الحاكم البريطاني السير بيرسي كوكس. ومع ذلك اعترض النقيب على مساواة راتبه براتب وزير المالية ساسون حسقيل (١٨٦٠- ١٩٣٢) البالغ سبعة آلاف روبية.
كان للنقيب خصوم معارضون ، واتفق الوزراء على حضور اجتماع لمناقشة مقدار راتب رئيس الوزراء. يذكر خيري العمري في كتابه (حكايات سياسية / ص ٥٤) وأن يعارضوا زيادة الراتب لكنهم عند الاجتماع تخاذلوا تجاه نظرات النقيب المرعبة. وكان الوزير ساسون أول المتخاذلين فسارع بالقول موافق. ثم أخذ الوزراء يعلنون موافقتهم واحداً تلو الآخر . وعلق عبد المجيد الشاوي ، وكان صاحب نكتة ، فقال (منافق) بدلاً من موافق. وحين أخبره أحد زملائه من غير الوزراء بأن راتب وزير الدولة نصف راتب وزير بحقيبة ، فعلق قائلاً: إن ذلك مطابق لحكم الشرع الشريف (للذكر مثل حظ الانثيين).

في عام ١٩٢٢ أصبح عضواً في مجلس بلدية بغداد. كما أصبح في العام نفسه متصرفاً للواء الدليم (الأنبار). وفي عام ١٩٢٤ انتخب نائباً في البرلمان العراقي ممثلاً للواء الكوت ، ثم نائباً عن لواء الدليم عام ١٩٢٥. وهكذا تراه يمثل محافظات لا علاقة له بها ، وكان ذلك ديدن الحكم العثماني في إقصاء سكانها من التمثيل الحقيقي، وتنصيب آخرين يختلفون عنهم جغرافيا ومذهبياً.

مرة توسط لموظف بسيط تم فصله من وظيفته، فاتصل بوزير المالية لإعادته لكن الوزير قال له: لا يمكن إعادته، فهذا مفصول بتهمة الرشوة. عندها حبكت النكتة عند الشاوي فقال له: يمعود رجعه بسرعة لوظيفته الصغيرة ، أفاف يعرفون بي مرتشي ويعينوه وزيراً.

وعندما طالب الوطنيون والمصلحون بإزالة (محلة الكلچية) الموبوءة في الميدان والمشهورة بوجود المبغى العلني وبيوت الدعارة ، كان للشاوي رأيه المخالف حيث قال: إنها ضرورية لحصر الفساد الأخلاقي في منطقة محددة تراقبها الحكومة ويسيطر عليها. وصل الموضوع للسجال في الصحف العراقية. وكان مدخل محلة الكلچية يؤدي إلى محلة الفضل ، وهي منطقة محترمة ومحافظة. فطالب القوم بغلق هذا المدخل وتحويل مدخل محلة الكلچية إلي شارع الرشيد ، شارع الحانات والملاهي، وقدموا عريضة بذلك إلى أمين العاصمة الذي تجاهلها رغم توسط نوري السعيد رئيس الوزراء.
وأخيراً طرح الأمر على الملك فيصل الاول رحمه الله في جلسة عقدت في البلاط الملكي. سأله الملك، يا عبد المجيد بك، لماذا تعارض في نقل باب المبغى من منطقة الفضل الى شارع الرشيد في الميدان؟ اجابه امين العاصمة قائلا: يا سيدي انا امشي حسب القاعدة القانونية، القديم يبقى على قدمه والحادث يقلع. تسلمت امانة العاصمة ووجدت باب المبغى من الاول في مكانه هذا من منطقة الفضل وسأتركه في مكانه. وهنا اعترض عليه الحاضرون من الوزراء. قالوا: من قال لك ان باب المبغى كان من الاول في محلة الفضل؟ اجابهم قائلا: انا اقول لكم ان باب المبغى كان دائما مفتوحاً على محلة الفضل، واذا ما تصدقوني، اسألوا امهاتكم في البيت.

في عام ١٩٢٧ تم اختياره في مجلس الأعيان ، لكنه لم يكمل مشواره فتوفي في نفس السنة بسبب مرض عضال هو السرطان توفي اثره في أحد مستشفيات بيروت ، ودفن فيها.
كتب عنه الأديب اللبناني المعروف أمين الريحاني (١٨٧٦- ١٩٤٠) بأنه أحد أربعة ممن يكفرونهم في العراق وهم: الزهاوي والرصافي وكاظم الدجيلي وعبد المجيد الشاوي. وكان الشاوي من الذين يعملون يعطون المنصب أكثر مما يأخذون منه. ولم يذكر الريحاني أي إنجاز وظيفي للشاوي.

*أدبه وشعره*

لم يكن شاعراً بالمعنى الإجمالي الدقيق ولكن ينظم الشعر فتأتي أبياته رقيقة لأنه صاحب حس مرهف. كان شاعراً مقلاً في انتاجه ، نظم في المألوف من أغراض الشعر في عصره. وله مقطوعات في الرثاء والمدح ، والتاريخ لوقائع عصره. تأثر بالشاعر أبي العلاء المعري.
أصدر (مجاميع) في الأدب ، منها مجموعة في (الوقائع والتواريخ) ، ونظم في بعضه جودة ، جمعه في (ديوان).

*محلة الشواكة*

 يقع منزل الشاوي في منطقة الشواكة القديمة وفي محلة الكريمات التي تضم بيوتات بغدادية عريقة. وكانت المنطقة قد اشتهرت ببيع الشوك وبقايا سيقان الأشجار لاستخدامها في الحطب وإعداد الخبز في التنانير الطينية. ومن محلاتها باب السيف والكريمات. وكانت الأسواق وخاصة خانات الحبوب والحنطة والشعير جعلتها حيوية حيث تفرغ السفن الصغيرة (الدُوَب ، جمع دوبة) على شاطئها الحبوب والرقي والبطيخ القادم من سامراء والموصل. وكان أول جسر أنشأتها قوات الاحتلال البريطاني هو جسر مود عام ١٩١٨، وهو نسبة إلى الجنرال ستانلي مود قائد الجيوش التي فتحت بغداد في آذار ١٩١٧. ثم تم افتتاح جسر الشهداء (المأمون سابقاً) في ١٥ تموز ١٩٣٩ ، ثم جسر الأحرار (الملك فيصل سابقا) عام ١٩٤١ ، فأصبحت الشواكة منطقة أكثر أهمية لأنها تقع بين الجسرين المذكورين.

واشتهرت في الثلاثينات بوجود سوق باب السيف ودكاكينها التي تبيع كل ما يحتاجه الصيادون من الحبال وشباك الصيد و (التبلية) التي تستخدم لصعود النخيل. كما يشتهر السوق ببيع الخضراوات والمنتجات الحيوانية كالقيمر وجبن العرب والدهن الحر، إضافة إلى وجود أربعين قصاباً أشهرهم سلوم الذي اغتيل عام ١٩٦١ والقصاب عصفور. كما توجد علوة السمك ومحلات العطارين والبقالة وغيرها.
واليوم تعرف المنطقة باسم التقاعد بعد أن أنشأت فيها دائرة التقاعد العامة منذ الستينيات.

وكان يوجد مقابل باب السيف مقهى يرتاده رجال المنطقة. ولقرب المنطقة من محلة الصالحية المجاورة حيث يوجد مبني الإذاعة والتلفزيون كان بعض المطربين الشعبيين يجلسون فيه أمثال حضيري أبو عزيز وداخل حسن وناصر حكيم وصاحب شراد. كما سكنها الشاعر المعروف الملا عبود الكرخي وعائلة الفنان حمودي الحارثي. وكان يوجد ملهى ليلي (ليالي الصفا) ومحلات لبيع الخمور.
ومن الشخصيات الشعبية المشهورة دعبول البلام الذي اشتهر بنكاته وتوفي عام ١٩٧١. وقد مثل شخصيته الفنان المرحوم يوسف العاني (١٩٢٧- ٢٠١٦) في مسرحية (الشريعة). كما كتبت عنه الكاتبة أمل بورتر (١٩٤١ -  ) ابنة الضابط البريطاني المهندس بورتر الذي قدم مع قوات الاحتلال وتزوج بعراقية في كتابها (قصة دعبول). وكان دعبول صديقاً لرئيس الوزراء نوري السعيد.

وتشتهر الشواكة بالشاعرة لميعة عباس عمارة التي ولدت عام ١٩٢٩ وعاشت فيها مع عائلتها الصابئية المندائية، وعمها صائغ الفضة المشهور زهرون عمارة الذي كانت مصوغاتها مطلوبة لدية الطبقة الغنية في العراق وخارج العراق.
وتشتهر المحلة برياضيين معروفين هما السباحان جعفر محمد صالح وصادق اللذين كان يشاركان في سباقات السباحة من منطقة الراشدية شمالاً إلى جسر الملكة عالية (الجمهورية فيما بعد) جنوباً.
ومثل بقية محلات بغداد لم تكن الشواكة تخلو من الشقاوات والفتوات مثل عباس شكر الذي قتله غيلة عبد الرحمن ابو عوف عام ١٩٦٣ ، وكذلك سيد كاظم الحاج شهاب، الذي كان اخر الشقاوات وكان سباحاً ماهراً أنقذ العديد من الغرق في مياه نهر دجلة.

كان أغلب سكانها من الفقراء لكن بسبب موقعها الجغرافي المطل على نهر دجلة ، ووجود السفارة البريطانية فيها التي كان لها صيت وتأثير كبيرين جذب إليها عدد من الأثرياء والسياسيين. فقد سكنتها الدكتورة نزيهة الدليمي (١٩٢٣ – ٢٠٠٧) وكانت عيادتها في الشواكة، والتي أصبحت أول وزيرة عراقية وعربية في حكومة عبد الكريم قاسم (١٩١٤- ١٩٦٣). كما سكنها أمين بغداد والوزير محمود صبحي الدفتري (١٨٨٩- ١٩٧٩) زوج أخت كامل الجادرجي (١٨٩٧- ١٩٢٦) مؤسس الحزب الوطني الديمقراطي والضابط الطيار بيت جلال الأوقاتي (١٩١٥- ١٩٦٣) قائد القوة الجوية العراقية في ١٤ تموز ١٩٥٨ ، وبيت الوتار وبيت الوادي وبيت الحاج مجيد المولى، ومنهم حميد المولى أحد قادة ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ والذي اعتقل عام ١٩٦٣ ثم هاجر إلى السويد ومات في الغربة. وقد التقيت بأحد أقاربه في منزلهم على شاطئ دجلة هو اللواء الطيار المتقاعد هاشم أحمد المولى في ٢٧ شباط ٢٠٢٣. كما سكنها فيما بعد رئيس الوزراء توفيق السويدي (١٨٩٢- ١٩٦٨) وآخرون ما زالت بيوتهم التراثية بقية إلى اليوم.

*بيت الشاوي التراثي*

تمتاز بيوت المحلة بشناشيلها المطلة على الشارع ، وأصل كلمة شناشيل هو (شاه نشين) أي مجلس الشاه أو السلطان. كما تمتاز بأبوابها الخشبية المزخرفة وشبابيكها وجدرانها القديمة. ولعل أبرز مظاهر العمارة البغدادية تبدو واضحة في بيوت الأثرياء الذي ينفقون عليها بسخاء لتلبية احتياجاتها الاسرية والاجتماعية والمهنية. فسعة البيوت وعناصر الجمال والدقة في العمل والزخرفة من أبرز معالمها.
يقع بيت الشاوي ملاصقاً لسياج مبنى السفارة البريطانية القديم. والمبنى اشترته القنصلية البريطانية من السلطة العثمانية في بغداد، ويعود القصر لكاظم باشا الذي كان صهرا للسلطان العثماني وغضب عليه فنفاه إلى بغداد. فبنى له هذا القصر وسكنه في الربع الأخير من القرن التاسع عشر حتى الانقلاب الدستوري عام ١٩٠٨ فعاد إلى إسطنبول. اشترت الحكومة البريطانية القصر عام ١٩٢٠ بمبلغ (٥٠) ألف باون إنكليزي ليصبح مقراً للسفارة البريطانية.

بوشر ببناء بيت الشاوي عام ١٩١٧ وانتهى العمل به عام ١٩٢٠. ولا نعلم كلفته لكن بالتأكيد أن مساحته وموقعه والعمل الهندسي والفني فيه يدل على ثراء العائلة وذوق عميدها. وبقيت عائلة الشاوي تقيم فيه ستين عاماً حتى تركته عام ١٩٨٠ ، ليتحول إلى تحفة تراثية استملكتها دائرة الآثار والتراث. ونال أهمية كبيرة بالحفاظ عليه وترميمه وتأهيله.
تبلغ مساحة الدار (٢٠٠٠) متر مربع ويتألف من طابقين ، وله مدخلان أحدهما على الشارع ، والآخر على نهر دجلة يبدو إنه كان للضيوف.
باب الدار من الخشب وعليه زخرفة محفورة، وثبتت مطرقة كبيرة تمثل رأس أسد. ويعبو الباب قوس من الطابوق المنجور يغني بالزخرفة النباتية محفورة مع اسم الجلالة (الله) في الأعلى وتاريخ البناء (١٣٣٦) هجري الموافق عام ١٩١٧ ميلادي. وتعلو القوس زخارف على شكل ورود سداسية الأوراق مختلفة الاحجام تملأ الفراغ حتى السقف. أما السقف فهو من الخشب الجام وهو أرضية لشنشولة بارزة إلى خارج الدار تطل على الزقاق. والشناشيل مصنوعة من الخشب وذات شبابيك عالية تصل إلى سقف الدار.
أما الجدار الخارجي للدار فهو مشغول بالزخرفة المعمولة من الطابوق المنجور ، وذو أشكال هندسية متناسق، منها إزارة تقع بين الشبابيك السفلية والعلوية. عندما تدخل من الباب يواجهك جدار يمنع مشاهدة داخل الدار كما هو شأن المنازل البغدادية حيث تحجب رؤية الخارج بداخل الدار. بعدها يأتي علي اليسار مدخل الفناء الداخلي (الحوش) يتوسط الدار وتحيط به أربعة غرف والمطبخ ومدخل السلم. ويتم تهوية الغرف من خلال تيار هوائي تقوم به (البادگيرات ، جمع بادگير، فارسية معناها جالب الهواء) وهي أشبه بالمداخن لكنها تجلب الهواء البارد من السطح إلى فضاء الغرف في الطابق السفلي.  

توجد في الفناء الداخلي طارمتان متناظرتان على اليمين وعلى اليسار ، تستخدمان لجلوس العائلة. وتزين جدرانها بدخلات بعمق (١٥) سم مزينة بزخارف من الطابوق ونجمة سداسية مكررة تملأ الفراغ حتى تصل أعلى القوس حيث توجد زخارف على شكل ورود وأوراق شجر. ويستند السقف على عمودين من خشب الصاج بارتفاع ثلاثة أمتار ، يعلو كل منهما تاج يتصل بالسقف. أما الأرضية فهي مكسوة بالكاشي السادة بلونين أبيض وأسود مرتبة بشكل قاعدة الشطرنج. ويتوسط الفناء حوض باللون الأزرق. يتزود الحوض بالماء من صنبور يفتح عند الحاجة ليصبح نافورة مضلعة الشكل تتكون من ثمانية أضلاع تزيد جو الدار بهجة وانتعاشاً. وإلى جانب الحوض ترتفع شجرة سدر عالية تصل إلى السطح. وكانت عادة البغدادية زراعة شجرة سدر للبركة وحفظ أهل الدار كما يعتقدون. وقد أصبحت شجرة السدر مقدسة لا تؤذى ولا تقطع أبداً.

يشرف على الفناء رواق من الخشب ، وعلي محجر من الحديد المشغول ، يوصل بين غرف الطابق العلوي والبلغ عددها ستة غرف مختلفة الأحجام. أما واجهات الغرف فهي من الطابوق المزخرف ، مع شبابيك عالية واسعة تطل على الفناء ، وهي مصنوعة من الخشب والزجاج الملون بالأزرق والأحمر والأخضر فتعطي لضياء الشمس انعكاساً جميلاً غني بالألوان المبهرة.
وفي الجهة الخلفية والمطلة على نهر دجلة توجد شرفة واسعة تمتد على عرض الدار وبطول قرابة ثلاثة أمتار ، يحيط بها سياج مشغول بالحديد بزخارف جميلة. والأرضية من الطابوق الفرشي بعرض (٤٠) سم. وكانت الشرفة تستخدم من قبل العائلة خاصة في ليالي الصيف. وتحت الشرفة توجد حديقة متوسطة الحجم مزروعة بالأشجار والنباتات وفيها مدخل الدار الخلفي.

أما سطح الدار فكبير جداً يمتد على مساحة الطابق العلوي ، وفيه فتحة تشرف علي الفناء الداخلي للدار. والأرضية من الطابوق الفرشي المربع. ويحيط بالسطح محجر من الحديد المشغول تغطيه قطعة مستطيلة من الخشب الصاج ليمسكها الواقف على السطح. وتوجد غرفة صغيرة (بيتونة) توضع فيها الفرش نهارا لحفظها من الشمس، ثم تفرش مساء حيث ينام عليها أهل الدار ليلاً في الصيف. والغرفة مبنية من الطابوق بارتفاع (٦٠) سم ثم الخشب الصاج وشبابيك واسعة وعالية تصل إلى السقف.

من السطح والشرفة الخلفية يمكن مشاهدة أبنية وعمارات شارع الرشيد وشارع البنوك وغيرها.
تم ترميم الدار عام ١٩٨٦ ، ويشغله حاليا (المجمع العربي للموسيقي) لكن عندما زرته كان خالياً من الفنانين والآلات الموسيقية ، فلا يبدو عليه أي نشاط موسيقي أو غيره. فغرفه يملؤها الغبار والإهمال. ووجدت إحدى غرفه العلوية قد استخدمت كمخزن للكاربت. وتوجد مجموعة من الشرطة تحرس المكان ، وبضعة موظفين لا عمل لهم. نأمل أن يتم تأهيله وصيانته وترميم الشقوق والتأكل الذي أصاب الواجهات الخشبية والشناشيل. ليكون معلماً بغدادياً تراثياً حضارياً يمكن استخدامه لنشاطات فنية أو سياحية. ويجب إعداد كراس يتحدث عن المنزل وتاريخ وصاحبه وأسرته مع بعض الصور الملونة.


*المصادر*
-عطية مساهر حمد (سليمان الشاوي ودوره السياسي في تاريخ العراق الحديث ١٧٦٩ – ١٧٩٤) ، مجلة جامعة تكريت للعلوم الإنسانية ، المجلد (١٤) ، العدد (٩) ، تشرين الأول ٢٠٠٧ .  
-(العشائر والسياسة) ، التقرير السري لدائرة الاستخبارات البريطانية بتاريخ ١٩١٧ ، نقله إلى
العربية الدكتور عبد الجليل الطاهر في ٢٥ تشرين الأول ١٩٥٨.  
-عباس العزاوي (تاريخ العراق بين احتلالين).
-خيري أمين العمري (حكايات سياسية من تاريخ العراق الحديث)
-منتديات أبو عمار في ٦ كانون الثاني ٢٠١٢ (ثورة سليمان الشاوي شيخ مشايخ العبيد)
https://alialrubaie.forumarabia.com/t89-topic
-حميد مجيد هدو (عبد المجيد الشاوي وزيراً وظريفاً ومسؤولاً) ، ملاحق المدى في ٨ نيسان ٢٠١٢
-موقع معرفة ، مادة (قبيلة العبيد)  (https://www.marefa.org/%D9%82%D8%A8%D9%8A%D9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D9%8A%D8%AF)

-موقع حمير. المنتدى في ١٩ مايس ٢٠١١
(https://hamyer.ahlamontada.com/t269-topic)

-موسوعة ويكيمابيا Wikimapia (موقع السفارة البريطانية سابقاً)

أخر الأخبار