• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

الفهم الحضاري للقران

الفهم الحضاري للقران

  • 25-04-2020, 12:50
  • مقالات
  • 596 مشاهدة
محمد عبد الجبار الشبوط

المسلمون امة كتاب، كما يقول محمد اركون. والكتاب هو القران.
ومنذ البداية، اشتغل المسلمون على القران وفي القران، حفظا وتلاوة، وتدوينا وتفسيرا وعلوما. واليوم تضم المكتبة القرانية مئات بل الاف الكتب التي محورها القران. وتطبع سنويا ملايين النسخ من القران. وفي السنوات الاخيرة غلبت احدى الطبعات على المكتبة القرانية الامر الذي ساعد على توحيد صفحات القران، وغدا كانه طبعة واحدة.
وتفاوت الناس في فهم القران، ويمكننا ان نعدد اشكالا من الفهم القراني، فهناك الفهم الشعبي، وهناك الفهم الاكاديمي، وبينهما الفهم التاريخي والفهم الصوفي والفهم السياسي والفهم المتشدد، وغير ذلك. ولكل واحد من هذه الاشكال مئات الكتب والتفاسير.
لكن القليل منها ما يمكن ان يوصف بانه فهم حضاري. والفهم الحضاري يعني فهم القران من حيث علاقته بانتاج الحضارة. والحضارة هي نتاج تفاعل الانسان مع الطبيعة. وهذا التفاعل يتم من خلال المركب الحضاري المؤلف من خمسة عناصر هي: الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل. ويتم التفاعل على قاعدة القيم الحضارية الحافة والمصاحبة لهذه العناصر الخمسة. والقيم الحضارية هي مؤشرات السلوك الحضاري للفرد والمجتمع والدولة.
الفهم الحضاري للقران يعني التنقيب في الايات القرانية عما له علاقة بانتاج الحضارة، من حيث المركب الحضاري، وعناصره، وقيمه.
وبناء الفهم الحضاري للقرآن يتطلب اولا رصد المفردات الحضارية فيه لغرض معرفة حجم الاهتمام القراني بالمسالة الحضارية ابتداء.
وفي رصد اولى لهذه المفردات سوف نلاحظ مثلا ان كلمة "الانسان" وحدها وردت ٦٥ مرة، وكلمة الارض (بالحركات الثلاث) وردت ٤٨١ مرة، ولم ترد مفردة "الزمن" في القران، لكن ودت عشرات الكلمات الدالة عليها او المرتبطة بها. ووردت كلمة "العلم" ٨٠ مرة، هذا ما عدا الكلمات المشتقة منها، وهي ربما بالمئات. اما كلمة "العمل" ومشتقاتها فقد تكررت مرات كثيرة جدا مما لم اجد ضرورة لعدها.
هذا فيما يتعلق بعناصر المركب الحضاري الخمسة. اما من حيث القيم العليا المتعلقة بها فحدّث ولا حرج. فالقران زاخر بالايات التي تتحدث عن القيم العليا والمؤشرات السلوكية الحضارية التي يتطلبها بناء اية حضارية انسانية راقية مثل قيم الكرامة الانسانية وحقوق الانسان والعدالة والحرية والمساواة  والتعاون والايثار وعمارة الارض والتعايش والحوار الموضوعي والتماسك الاجتماعي، والفضائل الاخلاقية، وتنمية الانتاج، والتسامح وقبول الاخر، والاستمتاع بالطبيعة،  وغير ذلك.
وكل هذا يوفر الاساس الموضوعي للدعوة الى الفهم الحضاري للقران،  بل يوفر. المادة الاولية لهذا الفهم.
والفهم الحضاري للقران لا يشترط في الانسان ان يكون مؤمنا او متدينا، كما لا يستبعد الانسان  غير المؤمن وغير المتدين، لانه ينطلق من القواسم المشتركة، او "الكلمة السواء"، بتعبير القران،  ويدعو الناس الى الحوار في اطارها.
وحين التأمل العميق بنتائج الفهم الحضاري للقران ، نجد انها تتوافق مع الفهم الانساني العام لحركة الحضارة في التاريخ، ولا تتناقض مع احكام العقل في هذا الخصوص،  وبالتالي ترتفع الثنائية الموهومة بين القيم الحضارية في القران والقيم الحضارية التي يقبلها العقل.  وبالتالي تتكامل الرؤية القرانية مع الرؤية العقلية في بناء الحضارة، والمجتمع الحضاري، والدولة الحضارية.
لكن ما هي فائدة  الفهم الحضاري للقران في حياتنا اليومية؟
انه اولا يعيد الحيوية بين القران وبين قارئه، فلا تبقى قراءة القران عنده عملا طقوسيا، انما تصبح عملا وبحثا حضاريا في القران وبالقران.
ويرفع الحجاب المانع بين  القران وبين غير المؤمنين غير المعاندين، الذين قد يتصورون ان عدم ايمانهم قد يمنعهم من تلقي القران والانفتاح على قيمه الحضارية.
وينفع المؤمنين في توسيع افق فهمهم للقران ويصونهم من الفهم المتشدد او المنغلق للقران والذي قاد الى ظهور حركات سلفية ارهابية متطرفة مثل داعش.

أخر الأخبار