• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

خطورة خطاب الازدراء والتحريض الطائفي المتصاعد ضد شيعة العراق

خطورة خطاب الازدراء والتحريض الطائفي المتصاعد ضد شيعة العراق

  • اليوم, 11:55
  • مقالات
  • 22 مشاهدة
علي المؤمن

"Today News": بغداد 

    تطوَّر بعض الخطاب السُّني العراقي الطائفي بشكل كبير نحو مزيد من التطرّف بعد سيطرة عصابات الجولاني على سوريا، وبدأ يتحوّل من شعورٍ بالنشوة والثقة بالنفس إلى تهديدٍ علني للشيعة، واستعدادٍ ميداني لمهاجمة النظام السياسي العراقي، والدعوة إلى العودة بالقوة لاحتكار السلطة في العراق، والانتقام من الشيعة.

    هذا الخطاب يقوم على وهمٍ كبيرٍ ينتجه عقلٌ أخرق، يشبه البناء على أرض طينية مشبعة بمياه آسنة، مما سيؤدي إلى غرق أصحابه ومروِّجيه وهلاك أتباعه. فهؤلاء الطائفيون الحالمون قد لا يدركون أن أمنهم واستقرارهم وثقتهم الحقيقية بأنفسهم لا تتحقق إلّا من خلال تعايشٍ إيجابي مع أهلهم الشيعة، في العراق والمنطقة، ومن خلال الكفّ عن التحريض ضدهم والتآمر عليهم، والقبول بالواقع الديموغرافي والسياسي العراقي.

    وخلاصة هذا الواقع هي أن العرب السنّة أقلية مذهبية وقومية (16% فقط من عدد سكان العراق)، في حين أن الشيعة يشكّلون الأغلبية الساحقة (65% من سكان العراق)، وأن السنة العرب لن يعودوا إلى احتكار السلطة في العراق، بل لن يتقاسموا قرار الدولة والحكم مع الشيعة مناصفةً، لا اليوم ولا غداً، ولا في المستقبل البعيد، حتى لو استعانوا بكل دول العالم، وليس فقط بعصابات الجولاني أو إرهابيي داعش والقاعدة، أو فلول البعث، أو حكّام تركيا والسعودية وقطر والأردن. فهذه الأوهام ينبغي أن تتلاشى إلى غير رجعة. أما المكابرة والاستغراق في الأحلام والاتكال على الخارج فلن تجديهم نفعاً، بل ستدخلهم في أنفاق مظلمة ومتاهات لا نهاية لها.

    ومن بديهيات مخرجات النظام الديمقراطي أن تكون مفاصل الدولة العراقية وقراراتها التشريعية والتنفيذية والقضائية والأمنية بيد الشيعة، كما هو الحال في معظم دول العالم، حيث تتولى الأكثرية القومية أو المذهبية أو الدينية قيادة الدولة وإدارة الحكم. وقد بدأ الشيعة في العراق، منذ عام 2003، يتدرجون في امتلاك عناصر القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية والدينية والاجتماعية، حتى بلغوا مستويات غير مسبوقة منذ قرون طويلة. ولا يعلم كثير من العراقيين، سنة وشيعة، أن 20% فقط من عديد القوات المسلحة العراقية وعدتها، قادرة ــ بحسب المعطيات العسكرية ــ على الاستيلاء على دمشق خلال شهر واحد، وهو ما يجعل الاستقواء النفسي والدعائي بعصابات الجولاني لا يعدوا أن يكون عبثاً أخرق.

    ولعل من الواجب أن يسجد سنّة العراق لله شكراً كل يوم، على ما يتمتعون به من امتيازات كبيرة لا تحلم بها أي أقلية أخرى في العالم، بل لم يكونوا يتمتعون بها حتى في عهد النظام البعثي، وخاصة على مستوى أوضاعهم المعيشية والمالية والاقتصادية والدينية. كما ينبغي لهم أن يشكروا أهلهم الشيعة الذين لم يعاملوهم كما عاملهم نظام البعث السني، ولم يحمِّلوهم وزر طائفية ذلك النظام وعنصريته وظلمه وقمعه وتهميشه للشيعة، بل جعلوهم شركاء أساسيين في الحكم، ومنحوهم رئاسة أعلى سلطة تشريعية في الدولة، إلى جانب العديد من المناصب العليا التي يُحرم منها الشيعة في البلدان الأخرى التي يشكّلون فيها نسبًا تفوق نسبة السنة العرب في العراق بكثير.

    ويتزامن خطاب التحريض الطائفي المتصاعد ضد الشيعة مع خطاب الازدراء؛ فمفردات مثل "الشروگ"، "الصفويين"، "العتاگه"، "العجم"، "الذيول" وغيرها، هي مصطلحات يستخدمها الطائفي العراقي للتعبير عن ازدرائه للشيعة والتحريض عليهم، دون أن يذكر كلمة "الشيعة" مباشرة، مراوغةً وتجنّباً للمواجهة المباشرة. ويستهدف بهذا الأسلوب خداع بعض الشيعة المغفّلين أو المنسلخين عن هويتهم، لإيهامهم بأنه لا يقصدهم، بل يقصد فئات معينة. وهذا الأسلوب ليس جديداً؛ فقد كان يستخدمه النواصب والطائفيون سابقاً عندما كانوا يصفون الشيعة بالرافضة والغلاة والمشركين، لتجنّب المواجهة المباشرة معهم. وكان ابن تيمية التكفيري من أبرز من مارس هذه المخاتلات.

    وكان هناك من الشيعة من يبرّر صمته آنذاك، بزعم أنه ليس مقصوداً بتلك الأوصاف. وهو ما يحدث اليوم أيضاً؛ حيث يُقنع بعض الشيعة أنفسهم بأن مصطلحات مثل "الشروگي"، أو "الصفوي"، أو "العجمي"، أو "الذيل"، أو "العتاگ" لا تستهدفهم، وإنما تستهدف مناطق أو وظائف أو تيارات سياسية ودينية بعينها. لكن الحقيقة أن الطائفي يقصد بهذه المصطلحات جميع الشيعة دون استثناء: إسلاميين أو علمانيين، مؤمنين أو ملحدين، متمسكين بهويتهم أو منسلخين عنها، حكّاماً أو معارضين، سياسيين أو دينيين. ومن أراد خداع نفسه والتهرّب من واجب الدفاع عن النفس، فذلك شأنه.

    ولا شك أن الاستمرار في التصعيد العدواني والتحريضي ضد الشيعة، والدفع بالبعثيين والتكفيريين نحو مزيد من التغلغل في مفاصل الدولة، والعمل على تخريبها من الداخل، واستخدام المصطلحات الطائفية والعنصرية بهدف الازدراء، والاستعانة بالأنظمة السنية الطائفية، يؤدي تلقائياً إلى ردود أفعال تصعيدية مقابلة من القواعد الشعبية والنخب الشيعية. لذلك، ينبغي مواجهة هذه الموجة المرَضيّة الجديدة المتصاعدة، ومنع انتشار عدواها وتحولها إلى وباء، وتنفيس احتقان الشارع الشيعي للحيلولة دون تفجّره، كما حدث في عامي 2006 و2014.

    ولعل الوسائل الآتية كفيلة بذلك:

    1- قيام المواطنين وممثليهم في مجلس النواب بمقاضاة كل مَن يستخدم هذا الخطاب وتلك المصطلحات الطائفية ويروج لها، بغض النظر عن صفته أو موقعه.

    2- مبادرة الادعاء العام بمقاضاتهم أيضاً استناداً إلى الحق العام، تمهيداً لاتخاذ قرارات قضائية صارمة وفرض عقوبات رادعة.

    3- التحضير لتنظيم احتجاجات شعبية مدنية.

    4- فرض العزلة السياسية على الأفراد والمجموعات الداعمة لهذا الخطاب.

    5- التفكير الجاد في تقنين شيعية الدولة العراقية، ثقافياً وقانونياً وسياسياً.

    6- توجيه تحذيرات دبلوماسية للدول التي تدعم هذا الخطاب (تركيا، السعودية، قطر، الأردن، الإمارات، وسوريا)، تبدأ باستدعاء سفرائها إلى وزارة الخارجية العراقية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة كتابات علي المؤمن الجديدة، وارشيف مقالاته، والحصول على مؤلفاته بنسخة (Pdf)، مراجعة قناته على تلغرام:
https://t.me/alialmomen64

أخر الأخبار