قامات عراقية خالدة – ١٨ القسم الثاني .. محمد مهدي الجواهري شاعر العرب الأكبر
"Today News": بغداد
٩ كانون الثاني ٢٠٢٥
يتصف شعر الجواهري بمتن النسج في إطناب ووضوح وبخاصة حين يخاطب الجماهير ، لا يظهر فيه تأثر بشيء من التيارات الأدبية الأوروبية وتتقاسم موضوعاته المناسبات السياسية والتجارب الشخصية، وتبدو في كثير منها الثورة على التقاليد من ناحية، وعلى الأوضاع السياسية والاجتماعية الفاسدة من ناحية أخرى . عاش فترة من عمره مُبْعَدًا عن وطنه، وتوفي بدمشق عام ١٩٩٧ عن عمر ناهز الثامنة والتسعين عامًا.
الجواهري والأحزاب السياسية
ارتبط الجواهري بعلاقات وثيقة مع أغلب الزعامات السياسية في العراق. فكان صدقاً للسياسي كامل الجادرجي ، ولما أسس الحزب الوطني الديمقراطي في أواسط الأربعينات ، أصدر جريدة (الأهالي) ، وكانت جريدة الجواهري (الرأي العام) و (الأهالي) تتبادلان النقد ووجهات النظر.
وكان للجواهري علاقات مع كل الشخصيات البارزة في تلك الأحزاب مثل الحزب الشيوعي ، حزب الاستقلال ، الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة الملا مصطفى البارزاني. وكانت له علاقة بالسياسي الشاعر محمد مهدي كبة زعيم حزب الاستقلال.
ولما كان الجواهري يرأس تحرير جريدة سياسية ، فقد جذبت الجريدة الأقلام والشعراء والأدباء والصحفيين والسياسيين ، لنشر ما يريد إيصاله للجمهور ، يطرح فكرة أو رأياً ، أو ينقد موقف أو خبر أو حدث ما. في أحد الأيام زاره سكرتير الحزب الشيوعي يوسف سلمان يوسف المكنى بـ(فهد) ومعه مقالة يريد نشرها ، فكانت مناسبة لعلاقة وطيدة بينهما.
روائع قصائده
في منزله الذي استأجره على شاطئ دجلة ، كان الطابق الأرضي للعائلة ، والطابق العلوي مكتب للجريدة. وكان الجواهري يجلس في الطابق العلوي يتطلع إلى نهر دجلة وأمواجه الخفيفة ، فكتب درر من قصائده الشعرية منها:
-قصيدة (المقصورة) التي مطلعها:
سلام على هضبات العراق***وشطّيه والجُرفِ والمنحنى
على النخل ذي السَّعَفات الطوالِ***على سيدِ الشجر المُقتنى
ودجلة إذ فارَ آذيّها***كما حُمّ ذو حَرَدٍ فاغتلى
ودجلة تمشي على هَونها***ويمشي رُخاءً عليها الصَّبا
ودجلة زهوِ الصبايا الملاح***تُخَوّضُ منها بماءٍ صرى
تُريك العراقيَّ في الحالتيــ***ين يُسرفُ في شُحّه والندى
-(ولى شباب فهل يعود) ، (دجلة في الخريف) ، (ذكرى أبو التمن) ، و(جمال الدين الأفغاني) ، (المعري) ، (يافا) ، والقصيدة الساخرة (طرطرا).
ومنها (دجلة الخير) التي يقول فيها:
حَيّيتُ سفحَكِ عن بُعْدٍ فحَيِّيني***يا دجلةَ الخيرِ، يا أُمَّ البستاتينِ
حييتُ سفحَك ظمآناً ألوذُ به***لوذَ الحمائمِ بين الماءِ والطين
يا دجلةَ الخيرِ يا نبعاً أفارقُهُ***على الكراهةِ بين الحِينِ والحين
إنِّي وردتُ عُيونَ الماءِ صافيةَ***نَبْعاً فنبعاً فما كانت لتَرْويني
وأنتَ يا قارَباً تَلْوي الرياحُ بهِ***لَيَّ النسائمِ أطرافَ الأفانين
-وفي قصيدة (المعرة) عندما سافر إلى سوريا وقضى فيها وفي لبنان شهرين برحلة سياحية وثقافية. دعى إلى مهرجان الذكرى الألفية لوفاة أبي العلاء المعري فقال:
قف بالمعرة وامسح خدها التربا***واستوح من طوق الدنيا بما وهبا
واستوح من طبب الدنيا بحكمته*** ومن على جرحها من روحه سكبا
وسائل الحفرة المرموق جانبها *** هل تبتغي مطمعاً أو ترتجي طلبا؟
يا برج مفخرة الأجداث لا تهني *** أن لم تكوني لأبراج السما قطبا
فكل نجم تمنى في قرارته*** لو أنه بشعاع منك قد جذبا
والملهم الحائر الجبار هل وصلت *** كف الردى بحياة بعده سببا؟
وهل تَبدَّلْتَ روحاً غير لاغبة *** أم ما تزال كأمس تشتكي اللغبا
وهل تخبرت أن لم يأل منطلِق *** من حر رأيك يطوي بعدك الحقبا
-في عام ١٩٤٤ تم نقل رفاة السيد جمال الدين الأفغاني من إسطنبول إلى أفغانستان ، وفي مراسم الاستقبال أنشد الجواهري:
هَويِتَ لِنُصرةِ الحقّ السُهادا***فلولا الموتُ لم تُطِقِ الرُّقادا
ولولا الموتُ لم تَتْرُكْ جِهاداً***فَلَلْتَ به الظغاةَ ولا جِلادا
ولولا الموتُ لم تُفْرِحْ فُرادى***صعَقْتَهُمُ ، ولم تُحزِنْ سودا
ولولا الموتُ لم يَذهبْ حريقٌ***بيانعةٍ وقد بَلَغتْ حَصادا
وإنْ كانَ الحدادُ يَرُدُّ مَيتاً***وتَبلُغُ منه ثاكلةٌ مُرادا
فانَّ الشَّرقَ بينَ غدٍ وأمسٍ***عليكَ بِذِلَّةٍ لبِسَ الحِدادا!
ترفَّعْ أيُّها النجم المُسَجَّى***وزِد في دارة الشَّرَفِ اتّقادا
ودُرْ بالفكر في خَلَدِ الليالي***وجُلْ في الكون رأياً مُستعادا
وكُنْ بالصَّمتِ أبلغَ منك نُطْقاً***وأورى في مُحاجَجةٍ زِنادا
فانَّ الموتَ أقصرُ قِيدَ باعٍ***بأنْ يَغتالَ فِكراً واعتقادا
جمالَ الدين ، يا رُوحاً عَليّاً***تنزَّلَ بالرسالة ثمَّ عادا
-وفي وفاة الزعيم السياسي جعفر أبو التمن ، أنشد الجواهري:
طالَتْ – ولو قَصُرَت يدُ الأعمارِ***لرَمتْ سِواكَ عَظُمْتَ مِنْ مُختارِ
من صفوةٍ لو قيلَ أيٌّ فَذُّهُمْ***لم تَعْدُ شَخْصَكَ أعينُ النُظَّار
لكن أرادتْ أن تحوزَ لنفسها***عَينَ القِلادةِ فازدَرَتْ بنُثار
وأرى المنايا بالذي تختارُهُ***للموتِ عاطلةً ، وذاتَ سِوار
فطوَتْكَ في دَرْج الخُلودِ فعطَّرتْ***بك سالفَ الأحقابِ والآثار
واستنزلَتْكَ لغُربةٍ ولأنتَ مِن***عَلياك في لَجِبٍ من الأنصار
وتجاهَلتْ أنَّ البلادَ بحاجةٍ***لكَ حاجةَ الأعمى إلى الإِبصار
مُدَّتْ من الأُخرى إليك معاصمٌ***مِن رفقةٍ لك قادةٍ أبرار
خُلصاءِ سَعيِكَ في الجْهاد وإخوةٍ***لكَ في الوفاءِ المحضِ والإِيثار
ورفاقُ هذي الدار فيما أسلَفوا***للكاتِبَيْنِ رفاقُ تلكَ الدار
بَكَرَ النَّعِيُّ فما سَمعتُ بمِثْلها***عِبئاً على الأسماعِ والأبصارِ
-دعته هيئة الإذاعة البريطانية في بغداد للمشارة في مهرجان أدبي في مدينة (يافا) ، فأبدى موافقته ، فهو لم يزر فلسطين ، ولحضور آدباء وشعراء على رأسهم الدكتور طه حسين وعباس محمود العقاد. فآلقى قصيدة (يافا الجميلة):
بـ " يافا " يومَ حُطَّ بها الرِكابُ***تَمَطَّرَ عارِضٌ ودجا سَحابُ
ولفَّ الغادةَ الحسناءَ ليلٌ***مُريبُ الخطوِ ليسَ به شِهاب
وأوسعَها الرَذاذُ السَحُّ لَثْماً***فَفيها مِنْ تحرُّشِهِ اضطِراب
و " يافا " والغُيومُ تَطوفُ فيها***كحالِمةٍ يُجلِّلُها اكتئاب
وعاريةُ المحاسن مُغرياتٍ***بكفِّ الغَيمِ خِيطَ لها ثياب
كأنَّ الجوَّ بين الشمسِ تُزْهَى***وبينَ الشمسِ غطَّاها نِقاب
فقلتُ وقد أُخذتُ بسِحر " يافا "***واترابٍ ليافا تُستطاب
" فلسطينٌ " ونعمَ الأمُ ، هذي***بَناتُكِ كلُها خوْدٌ كَعاب
أقَّلتني من الزوراءِ رِيحٌ***إلى " يافا " وحلَّقَ بي عُقاب
فيالَكَ " طائراً مَرِحاً عليه***طيورُ الجوِّ من حَنَقٍ غِضاب
كأنَّ الشوقَ يَدفَعُهُ فيذكي***جوانِحَهِ من النجم اقتراب
ولاحَ " اللُّدُّ " مُنبسِطاً عليهِ***مِن الزَهَراتِ يانِعةً خِضاب
نظْرتُ بمُقلةٍ غطَّى عليها***مِن الدمعِ الضليلِ بها حِجاب
وقلتُ وما أُحيرُ سوى عِتابٍ***ولستُ بعارفٍ لِمَنِ العتاب
أحقَّاً بينَنا اختلَفَتْ حُدودٌ***وما اختَلفَ الطريقُ ولا التراب
ولا افترقَتْ وجوهٌ عن وجوهٍ***ولا الضّادُ الفصيحُ ولا الكِتاب
قصيدة تنويمة الجياع
وهي قصيدة شهيرة تصف أوضاع الشعب وما يعانيه من الجوع والحرمان والظلم من الزعامات السياسية التي تخدرهم بالوعود والشعارات فقال:
نامي جياعَ الشَّعْبِ نامي*** حَرَسَتْكِ آلِهة ُالطَّعامِ
نامي فإنْ لم تشبَعِي*** مِنْ يَقْظةٍ فمِنَ المنامِ
نامي على زُبَدِ الوعود*** يُدَافُ في عَسَل ِ الكلامِ
نامي تَزُرْكِ عرائسُ*** الأحلامِ في جُنْحِ الظلامِ
تَتَنَوَّري قُرْصَ الرغيفِ*** كَدَوْرةِ البدرِ التمامِ
وَتَرَيْ زرائِبَكِ الفِساحَ*** مُبَلَّطَاتٍ بالرُّخَامِ…
نامي تَصِحّي! نِعْمَ نَوْمُ*** المرءِ في الكُرَبِ الجِسَامِ
نامي على حُمَةِ القَنَا نامي*** على حَدِّ الحُسَام
نامي إلى يَوْمِ النشورِ*** و يومَ يُؤْذََنُ بالقِيَامِ
نامي على المستنقعاتِ*** تَمُوجُ باللُّجَج ِ الطَّوامِي
يَخَّارة ً بشذى الأقَاحِ*** يَمدُّهُ نَفْحُ الخُزَامِ
نامي على نَغَمِ البَعُوضِ*** كأنَّهُ سَجْعُ الحَمَامِ
نامي على هذي الطبيعةِِ*** لم تُحَلَّ به “ميامي
“نامي فقد أضفى “العَرَاءُ”*** عليكِ أثوابَ الغرامِ
نامي على حُلُمِ الحواصدِ*** عارياتٍ للحِزَامِ
متراقِصَاتٍ و السِّيَاط ُ*** تَجِدُّ عَزْفَاً ﺑﭑرْتِزَامِ
وتغازلي والنَّاعِمَات*** الزاحفاتِ من الهوامِ
قصيدة طرطرا الساخرة
وكلمة طرطرة كلمة شعبية كناية عن السخرية بما يدور ، فكان يقال (طرطرة) استخفافاً بالأحاديث التفاهة ، (طرطور) هو المعنّي بها. وكانت تستهدف الحكم والحاكمين وخاصة مصطفى العمري وصالح جبر وزير الداخلية آنذاك حيث ذكرهما بالإسم ، الذي قد أغلق جريدته (الرأي العام). آصبحت القصيدة حديث المجالس والناس تتحدث بها حتى أن صالح جبر ذهب إلى الوصي عبد الإله يشتكي فقال له: الأمر بينكم وبين الجواهري وجريدته التي أغلقت. وكان عبد الإله يقطع الجدال في صالونات السياسة ، ويهدد الحاضرين بقوله: تسكتون لو أجيء بـ(طرطرا)، فيقولون: لا يا سيدي ، لقد انتهى الجدل. قال الجواهري فيها:
أيْ طرطرا تطرطري***تقدَّمي تأخَّري
تَشيَّعي تسنَّني***تَهوَّدي تَنصَّري
تكرَّدي تَعرَّبي***تهاتري بالعُنصرِ
تَعمَّمي تَبَرنطي***تعقَّلي تسدَّري
كوني – اذا رُمتِ العُلى***من قُبُلٍ او دُبُرِ
صالحةً كصالحٍ***عامرةً كالعُمري
وأنتِ إنْ لم تَجِدي***أباً حميدَ الأثَر
ومفَخَراً من الجُدودِ***طيَّب المُنحدرَ
ولم تَرَي في النَفْس ما*** يغنيكِ ان تفتخري
شأنُ عِصامٍ قد كفَتْه***النفسُ شَرَّ مفْخَر
فالتَمِسي أباً سِواهُ***أشِراً ذا بَطَر
طُوفي على الأعرابِ من***بادٍ ومن محتَضِر
والتَمِسي منهم جدوداً***جُدُداً وزَوِّري
تزَّيِدي تزبَّدي***تعنَّزي تَشمَّري
في زَمَنِ الذَرِّ إلى***بَداوةٍ تَقَهْقَري
تَقَلَّبي تَقَلُّبَ الدهرِ***بشتّى الغِيَر
تصرَّفي كما تشائينَ***ولا تعتَذري
لمن؟!! أللناسِ ؟!! وهم***حُثالةٌ في سَقَر
نائب في البرلمان
فاز الجواهري بمقعد كربلاء والنجف في مجلس النواب ، بعد أن توفي النائب السابق الحاج عبد الرزاق شمسة. إذ وجد دعماً من الوصي عبد الإله ونوري السعيد. فتمت تزكيته بالفوز ، ولم ينتخب كما هي العادة. وطرحت قضية التصويت بالثقة على حكومة صالح جبر (١٨٩٦-١٩٥٧) ، وكانت العراق يشهد أزمة خبز ، ودور التاجر الدامرجي صاحب المطاحن الشهيرة . تم التصويت بسحب الثقة من حكومة صالح جبر ، وكان هناك غضب واستياء عليه بسبب العنف الذي استخدمه ضد المتظاهرين عندما كان وزيراً للداخلية. وأعلن الجواهري معارضته لصالح جبر ، رغم أنه لم يصادق بعد على عضويته في البرلمان. وكان الجواهري قد هاجم جبر في مقال نشرته جريدته صباح يوم الجلسة.
وثبة كانون الثاني ١٩٤٨
في عام ١٩٤٨ قامت الحكومة العراقية بتوقيع معاهدة بوتسموث Portsmouth وهو ميناء بريطاني، مع الحكومة البريطانية ، لتكون بديلاً عن المعاهدة العراقية- البريطانية الموقع عام ١٩٣٠. وقد وقعها رئيس الوزراء صالح جبر ، وهو أول رئيس وزراء شيعي يستلم السلطة . وقد أعلن وزير الخارجية فاضل الجمالي بنود المعاهدة.
وكانت هناك ثلاث أحزاب ناشطة هي الحزب الوطني الديمقراطي (كامل الجادرجي) ، حزب الاستقلال (محمد مهدي كبة) والحزب الشيوعي العراقي (يوسف سلمان يوسف). كانت للأحزاب دوراً في التعبئة وقيادة التظاهرات وتجهيزها بما تحتاج من تنظيم ومواد.
رفضت الجماهير العراقية المعاهدة التي جعلت العراق محمية بريطانية ، والاحتفاظ بالقواعد البريطانية لمدة خمس وعشرين عاماً ، ولا يحق لأحد الطرفين (العراق وبريطانيا) الإخلال ببنودها دون موافقة الطرف الآخر.
سارت تظاهرة طلاب كلية الحقوق ضد المعاهدة ، لكن الشرطة تصدت ، وهاجمتها وأوقعت عدداً من الجرحى في صفوفهم. وسرعان من تفاعل الجمهور في بغداد مع مطالب المتظاهرين ، ورفض المعاهدة. كتب الجواهري مقالاً في صحيفته (الرأي العام) انتقد فيه تجاوز الشرطة على القانون ، واقتحامهم مبنى الكلية ، وسقوط جرحى في ساحتها.
أغضب المقال الأمير عبد الإله والحكومة ، خاصة وأن الشارع العراقي بدأ يغلي ، ومهيأ نفسياً للثورة.
دعا عبد الإله إلى اجتماع في البلاط الملكي يحضره رؤساء الوزارات السابقين ونائب زئيس مجلس الأعيان ورئيس مجلس النواب وقسم من الأعيان والنواب والوزراء السابقين وممثلي الأحزاب. ناقش الحضور بنود المعاهدة واتفقوا على أنها لا تحقق أماني البلاد ، وليست أداة صالحة لتوطيد دعائم الصداقة بين البلدين ، لاسيما أن مجلس الوزراء العراقي لم يقر بعد تصديق المعاهدة. عندها قرر عبدالإله بأنه يعد الشعب العراقي بأنه سوف لا تبرم أي معاهدة لا تضمن حقوق البلاد وأمانيها الوطنية.
مع ذلك عادت المظاهرات إلي الشوارع ، بعد أن أسقطت المعاهدة ، وسقطت حكومة صالح جبر.
واستمر قمع المتظاهرين ، وحدثت تصادمات مع الشرطة ، راح ضحيتها مئات الشباب بين شهيد وجريح ، واقتادت قسم منهم إلى المعتقلات والسجون.
مصرع الشهيد جعفر
كان الجواهري ينشد الشعر ويبارك للشعب سقوط المعاهدة ، فيما كان ابنه (فرات) ذي الثامنة عشر يملؤه الحماس في التظاهرات. في حين قدم أخو محمد مهدي الجواهري الشاب جعفر عبد الحسين الجواهري ا لذي عاد من دمشق فجأة . وشارك في التظاهرة التي استشهد فيها.
وصلت التظاهرة إلى الجسر ، كان الرصاص يشتد في الشوارع ، حتى أصيب جعفر وآخرون ، فأسرع إليه محمد مهدي الجواهري وهو مصاب يلوذ بنفسه ، محمول من قبل رفاقه ، على باب المستشفى الملكي ، ليراه وهو غارق في الدماء ، لكن ما زال على قيد الحياة. رآه يصارع الموت بثقة ، ويتعامل مع جراحه بحيوية ، وكان الجراح الشهير كاظم شبر يعالجه في قسم الطوارئ ، فشاهد جرحاً كبيراً في ظهر جعفر. وعجز الأطباء وعلى رأسهم الدكتور هاشم الوتري والجراح نجيب اليعقوبي عن إنقاذه لأن الجرح كان قاتلاً. ورغم مضي سبعة أيام عليه في المستشفى وهو يخضع للعلاج ، لكنه قضى نحبه. وقبّله الجواهري ، وسمع آخر كلمة قالها هي (أمي) ، فأرسل عليها هي وأخته الوحيدة معها ، وكانتا تسهران عليه ليل نهار في المستشفى. جاءت أمه وقبّلته ، وهي تذرف الدموع ، والحزن والأنين يغلبها.
أذيع نبأ وفاة جعفر من الإذاعة العراقية في أول أخبار النشرة المسائية. وتلك كانت سابقة لم تكن لتحدث لولا أن الجواهري اتصل بالسيد محمد الصدر الذي أصبح رئيس وزراء بعد صالح جبر ، ولم يجده في المنزل ، بل أجابته إحدى السيدات في الدار ، وطلب منها أن تخبره بأنه يريد أن يأمر بإذاعة النبأ.
ما إن أذيع خبر استشهاد جعفر الجواهري في المساء ، حتى زحفت الجماهير ، في صبيحة اليوم التالي إلى الشوارع والساحات ، وبدأ توزيع الملصقات . ونظمت الأحزاب الصفوف المواكبة للتشييع ، واحتشدت الجماهير الغاضبة ، والجماهير الموالية للأحزاب ، وبقية الوطنيين . وجاءت جماهير الكاظمية وعبر الأعظمية ، وجاءت جماهير الكرخ وعبر جسر الأحرار لتصب في الرصافة. تم تشييع الجنازة ، ثم تم نقلها إلى النجف الأشرف حيف دفن الشهيد في مقبرة أجداده من آل الجواهري. وفي مجلس الفاتحة الذي أقيم في جامع الحيدرخانة بتاريخ ١٤ شباط ١٩٤٨ ، وفي تلك الفاجعة التي مر بها أنشد الجواهري قصيدة (أخي جعفر):
أتَعْلَمُ أمْ أنتَ لا تَعْلَمُ***بأنَّ جِراحَ الضحايا فمُ
فَمٌّ ليس كالمَدعي قولةً***وليس كآخَرَ يَسترحِم
يصيحُ على المُدْقِعينَ الجياع***أريقوا دماءكُمُ تُطعَموا
ويهْتِفُ بالنَّفَر المُهطِعين***أهينِوا لِئامكمُ تُكْرمَوا
أتعلَمُ أنَّ رِقابَ الطُغاة***أثقَلَها الغُنْمُ والمأثَم
وأنّ بطونَ العُتاةِ التي***مِن السُحتِ تَهضِمُ ما تهضم
وأنَ البغيَّ الذي يدعي***من المجد ما لم تَحُزْ " مريم "
ستَنْهَدُّ إن فارَ هذا الدمُ***وصوَّتَ هذا الفمُ الأعجم
فيا لكَ مِن مَرهمٍ ما اهتدَى***إليه الأُساة وما رهَّموا
ويا لكَ من بَلسمٍ يُشتَفى***به حينَ لا يُرتجى بَلسم
ويا لكَ من مَبسِمٍ عابسٍ***ثغور الأماني به تَبسِم
أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيد***تظَلُّ عن الثأر تستفهِم
أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيد***مِن الجُوعِ تَهضِمُ ما تَلهم
تَمُصُّ دماً ثُم تبغي دماً***وتبقى تُلِحُ وتستطعِم
فقُلْ للمُقيمِ على ذُلّهِ***هجيناً يُسخَّرُ أو يُلجَم
تَقَحَّمْ ، لُعِنْتَ ، أزيزَ الرَّصاص***وَجرِّبْ من الحظّ ما يُقسَم
وخُضْها كما خاضَها الأسبقون***وَثنِّ بما افتتحَ الأقدم
فإِمَّا إلى حيثُ تبدو الحياة***لِعينيْكَ مَكْرُمةً تُغْنَم
قصيدة أمنت بالحسين
تعد قصيدته (آمنت بالحسين) من أروع ما قيل بحق سيد الشهداء (عليه السلام) وقد قرأها الجواهري في الحفل الذي أقيم في كربلاء عام (1947) في ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) ، ونشرت في جريدة (الرأي العام) . وقد كتب خمسة عشر بيتا منها بماء الذهب في باب الرواق داخل الحضرة الحسينية المقدسة وتبلغ (64) بيتا يقول منها:
فِـدَاءٌ لـمـثــواكَ مـــــــن مَـضْــجَـعِ***تَـنَـــــوَّرَ بــالأبـلَـجِ الأروَعِ
بـأعبقَ مـن نَــفــــــحـاتِ الـجِـنــانِ***رُوْحَاً ومـن مِـسْكِها أَضْوَعِ
وَرَعْيَاً لـيومِـكَ يـومِ الـطُّـفـــــــوف***وسَقْيَاً لأرضِكَ مِن مَصْرَعِ
وحُزْناً عـلــيـكَ بِـحَبْسِ النفــــــوس***على نَـهْـجِـكَ الـنَّـيِّرِ المَهْيَعِ
وصَـوْنَـاً لـمجدِكَ مِـنْ أَنْ يُـــــــذَال***بـمـا أنتَ تـأبـاهُ مِـنْ مُـبْـدَعِ
فـيـا أيُّـهــا الـوِتْـرُ في الـــخـالــدِينَ***فَـذَّاً، إلـى الآنَ لـم يُــشْـــفَـعِ
ويا عِظَــةَ الـطـامـحـــــينَ العِــظامِ***لـلاهـيـنَ عـن غَـدِهِـمْ قُــنَّـعِ
تـعـالـيـــتَ مـن مُـفْـــزِعٍ للحُتــوفِ***وبُـورِكَ قـبـرُكَ مـن مَـفْزَعِ
تـلوذُ الـــدُّهـورُ فَـمِــــنْ سُـــجَّـــــدٍ***عــلـى جـانـبــيـه ومـن رُكَّعِ
شَـمَـــمْـتُ ثَـرَاكَ فَــــهَبَّ الـنَّسِــيـمُ***نَـسِــيـمُ الـكَــرَامَـةِ مِـنْ بَلْـقَعِ
وعَـــفَّرْتُ خَدِّي بـــحيثُ اسـتـراحَ***خَـدٌّ تَــفَـرَّى ولـم يَـضْــــرَعِ
وحـيـثُ سـنـابِـــكُ خـيـــلِ الطُّـغَاةِ***جـالـتْ عـــلـيـهِ ولـم يَـخْـشَعِ
وَخِلْتُ وقد طــــارتِ الـــذكـريـاتُ***بِـروحـي إلــى عَـالَـمٍ أرْفَــعِ
وطُـفْـتُ بـقـبــرِكَ طَــوْفَ الخَيـَالِ***بـصـومـعـةِ الـــمُـلْهَمِ المُبْدِعِ
كـأنَّ يَـدَاً مِـــنْ وَرَاءِ الـــضَّـرِيـحِ***حـمـراءَ مَـبْـتُـــورَةَ الإصْـبَـعِ
تَـمُـدُّ إلــــى عَــالَـمٍ بـالـخُـنُـــــوعِ***وَالـضَّـيْـمِ ذي شَـــرَقٍ مُـتْرَعِ
تَـخَـبَّــــــطَ فـي غابـةٍ أطْـبَـقَــــتْ***علـى مُـذْئِـبٍ مـنــــه أو مُسْبِعِ
لِـتُـبْــــــدِلَ مـنـهُ جَدِيـبَ الضَّمِـيرِ***بآخَـرَ مُـعْـشَـوْشِـــبٍ مُـمْـرِعِ
وتـــدفعَ هــذي النفوسَ الصغــارَ***خوفـاً إلــى حَـــرَمٍ أَمْــــــنَــعِ
تعاليتَ مــــــن صـاعِـقٍ يـلـتظي***فَـإنْ تَـدْجُ داجِـــــيَــةٌ يَـــلْـمَـعِ
تأرّمُ حِــــــقداً على الـصـاعـقاتِ***لــم تُـنْءِ ضَـيْــراً ولـم تَـــنْفَعِ
ولـم تَـــــبْـذُرِ الـحَبَّ إثـرَ الهشيمِ***وقـــد حَــرَّقَـتْـهُ ولـم تَــــزْرَعِ
ولم تُــــخْلِ أبراجَها في الـسمـاء***ولـم تــــأتِ أرضــاً ولـم تُدْقِعِ
ولـــــم تَـقْـطَـعِ الـشَّرَّ مـن جِذْمِهِ***وغِـلَّ الـضــــمـائـرِ لـم تَـنْزعِ
ولـــم تَـصْـدِمِ الـنـاسَ فـيـــما هُمُ***عـلـيـهِ مِـنَ الـــخُـلُقِ الأوْضَعِ
تــــعـالـيـتَ مــن فَـلَـكٍ قُــطْـــرُهُ***يَـدُورُ عـلى المِــحْوَرِ الأوْسَعِ
فـيـا بـنَ الـبتـولِ وحَـسْبِي بِــــهَا***ضَـمَـانـاً عـلـى كُــلِّ ما أَدَّعِي
ويـا بـنَ الـتي لـم يَـضَعْ مِــثْــلُها***كـمِـثْـلِـكِ حَـمْـلاً ولـــم تُرْضِعِ
ويـا بـنَ الــبَـطِينِ بـلا بِـــطْـــنَةٍ***ويا بنَ الفتى الحاســـرِ الأنْزَعِ
ويا غُـصْـنَ هـاشِمَ لم يَــنْـفَــتِــحْ***بـأزْهَـرَ مــنـكَ ولـم يُــــــفْـرِعِ
ويا واصِـلاً من نـشيــدِ الـخُـلود***خِـتَـامَ الـقـصـيـدةِ بـالـمَـــــطْلَعِ
يَسِيـرُ الـوَرَى بـركــابِ الزمانِ***مِـنْ مُـسْـتَـقِـيـمٍ ومـن أظْـلَــــــعِ
وأنـــتَ تُـسَـيِّرُ رَكْـــبَ الـخلـودِ***مــا تَــسْــتَــجِـدُّ لــهُ يَــتْــبَـــــعِ
أريــدُ الـحـقـيـقـةَ فــــي ذاتِهَـــا***بـغـيـرِ الـطـبـيـعـةِ لـم تُـطْــــبَعِ
وجَــدْتُـكَ فـي صـــورةٍ لم أُرَعْ***بِـأَعْـظَـمَ مــــــنـــهـا ولا أرْوَعِ
ومـاذا؟ أأرْوَعُ مِـــنْ أنْ يَـكُـون***لَـحْـمُـكَ وَقْـفَــــاً عـلى المِبْضَعِ
وأنْ تَـتَّـقِــــي دونَ مـا تَـرْتَـئِـي***ضـمـيـرَكَ بـالأُسَّـــــلِ الـشُّرَّعِ
وأن تُطْـــعِمَ الموتَ خيرَ البنينَ***مِـنَ الأَكْـهَـلِـيـنَ إلـى الــــرُّضَّعِ
وخــــيـرَ بـنـي الأمِّ مِـن هـاشِمٍ***وخـيـرَ بـنـي الأبِّ مِـنْ تُــــــبَّعِ
وخيرَ الصِّحابِ بخيرِ الصُّدُورِ***كَـــــــانُــــوا وِقَـاءَكُ، والأذْرَعِ
سقوط الملكية وقيام الجمهورية
في عام ١٩٥٧ تشكلت جبهة الاتحاد الوطني من أربعة أحزاب معارضة هي (الحزب الوطني الديمقراطي) ، (الحزب الشيوعي العراقي) ، (حزب البعث العربي الاشتراكي) و (حزب الاستقلال). وبعد سقوط النظام الملكي انضم للجبهة (الحزب الديمقراطي الكردستاني).
وكانت حركة الضباط في قيد الحياة منذ عام ١٩٥٢ على أقل تقدير وبعد أن زودت مصر جيش العراق كما زردت غيره بالفكرة القائلة (إن أي نظام فاسد يمكن إزالته بسهولة نسبية وبمساندة جماهيرية ضخمة). لكن ما فعله عبد الكريم قاسم وزملائه الضباط كان انقلابا عسكرية تفاجأ به العراقيون.
في صباح الاثنين الرابع عشر من تموز تحركت قطعات عسكرية من جلولاء باتجاه بغداد ، ثم سيطرت على مقر الإذاعة ووزارة الدفاع ومقر رئاسة أركان الجيش ودائرة البريد المركزية ومعسكر الرشيد ومعسكر الوشاش والمطار العسكري وقصر الرحاب حيث الملك فيصل الثاني والأمير عبد الإله وبقية أفراد العائلة المالكة وتمت تصفيتهم في إعدام ميداني ، بلا محكمة ، ولا اتهامات ، ولا قانون. كما تم إلقاء القبض على كبار الضباط والوزراء ، وساقوهم إلى محكمة الشعب التي يرأسها العقيد فاضل عباس المهداوي ، وهو ضابط مغمور لمجرد أنه ابن خالة الزعيم . وبعد يومين ألقي القبض على نوري السعيد وتم قتله وسحله في الشوارع. وقرأ عبد السلام عارف بيان رقم واحد من الإذاعة العراقية. وقد أعلن سقوط العهد الملكي وقيام الجمهورية العراقية.
كانت علاقة الجواهري بعبد الكريم قاسم قديمة ، ومرة التقاه في لندن عندما كان في بعثة عسكرية. وكان قاسم معجباً بشعر الجواهري ومواقفه الوطنية والاجتماعية ، وكان يسميه بالأستاذ أمام أتباعه وغيرهم. وكان الجواهري يسلّمه طلبات الناس كعادتها من المسؤول الأول في البلاد. ولم يطلب منه طلباً شخصياً لنفسه ولا لأولاده، مثلاً وظيفة أو مسكناً أو غيره. ونمت العلاقة الشخصية حتى أن الزعيم قاسم يزوره في منزله ، وتتصل به ظلال أصغر بنات الجواهري ، فيأتي ملبياً كل طلباتها. وذكرت صحيفة (لوموند ) الفرنسية في أحد أعدادها بعد قيام الجمهورية : إن أقوى شخصية لها كلمة مسموعة لدى الزعيم قاسم هو الشاعر الجواهري. وقد كتب الصحفي أنيس منصور عندما زار بغداد والتقى بالجواهري ، ونشر مقابلة له معه بعنوان (قيل لي: لم تر العراق ما لم تر الجواهري).
واجه عبد الكريم قاسم مشاكل وتحديات كثيرة ، بعضها من قبل رفاقه عندما تآمر عليه عبد السلام عارف وبدّر انقلاباً فاشلاً مع بعض الضباط الناقمين ، ومحاولة لاغتيال الزعيم في ٥ تشرين الثاني ١٩٥٨ ، أي بعد مائة يوم من ١٤ تموز. وتم تقديم عبد السلام عارف والمتورطين معه إلى محكمة المهداوي ، فحكمت عليه بالاعدام لكن لم يُنفذ بعد أن عفا عنه قاسم بالالتماس الذي قدمه والده محمد عارف الجميلي.
ولم تمض أسابيع على حركة عارف حتى قام العقيد عبد الوهاب الشواف بحركة تمرد في الموصل ، وكذلك المحاولة الانقلابية التي قاده رشيد عالي الكيلاني بعد أن سمح له قاسم بالعودة إلى بغداد بعد (١٧) عاماً من الغربة في مصر والسعودية.
عقدة الزعيم
كان الجواهري يعتقد أن كثيراً من الأحداث التي رافقت حكم الزعيم قاسم ، تتعلق بالتكوين النفسي لعبد الكريم قاسم. هذا التكوين انعكس على قراراته المتسرعة ، فيها ما يُحمد وفيها ما يُذم. فقد كان الزعيم قد جاء من بيئة فقيرة ، محروم الطفولة السعيدة ، حاقداً على الواقع الذي عاشه ، وحاقداً على الطبقات المستغلة الموجودة على أرضيته. والفقد داء قاتل قتّال تنسحب أوجاعه على كل مراحل حياة المرء ، ويشكل عقداً في الذات لا يمكن لأي زمن أو حدث أو سلطة أن تمحوها. ومن هنا كان تعطشه للانتقام ، وحبه الانفراد بالسلطة والحكم ، وكان كثير الحرص على كرسي السلطة ، متذبذباً في مواقفه ، مغتراً بنفسه ، منساقاً إلى كل ما يخدم سلطته ، ويعزز أركان حكمه. وصف الجواهري عقد الفقر وجرائره في قصيدة (أجب أيها القلب) حيث يقول فيها:
أجبْ أيّها القلبُ الذي لستُ ناطقاً***إذا لم أُشاورْهُ ، ولستُ بسامع
وَحدِّثْ فانَّ القومَ يَدْرُونَ ظاهراً***وتخفى عليهمْ خافياتُ الدوافِع
يظُنّونَ أنّ الشِّعْرَ قبسةُ قابسٍ***متى ما أرادُوه وسِلعةُ بائع
أجب أيُّها القلبُ الذي سُرَّ معشرٌ***بما ساءهُ مِنْ فادحاتِ القوارِع
بما رِيع منكَ اللبُّ نفَّسْتَ كُربةً***وداويتَ أوجاعاً بتلكَ الروائع
قُساةٌ مُحبّوك الكثيرونَ إنَّهمْ***يرونكَ – إنْ لم تَلْتَهِبْ – غيرَ نافع
وما فارَقَتْني المُلْهِباتُ وإنَّما***تطامَنْتُ حتّى جمرُها غيرُ لاذعي
ويا شعْرُ سارعْ فاقتَنصْ منْ لواعجي***شوارِدَ لا تُصطادُ إنْ لم تُسارِع
ترامْينَ بعضاً فوقَ بعضٍ وغُطّيتْ***شَكاةٌ بأخرى، دامياتِ المقاطع
وفَجِّر قُروحاً لا يُطاقُ اختِزانُها***ولا هي مما يتقى بالمباضع
ويا مُضْغَةَ القلبِ الذي لا فَضاؤها***برَحْبٍ ولا أبعادُها بشواسِع
أأنتِ لهذي العاطفاتِ مفازَةٌ***نسائِمُها مُرْتْجَّةٌ بالزعازِع
ومكبْوتةٍ لم يشفَعِ الصَّفْحُ عندَها***مددتُ إليها مِنْ أناةٍ بشافِع
غَزَتْ مُهجتي حتَّى ألانَتْ صَفاتَها***ولاثَتْ دمي حتى أضَرَّتْ بطابَعي
رَبتْ في فؤادٍ بالتشاحُنِ غارِقٍ***مليءٍ ، وفي سمَّ الحزازاتِ ناقع
كوامِنُ مِنْ حِقْدٍ وإثمٍ ونِقْمَةٍ***تَقَمَّصْنَني يَرْقُبْنَ يومَ التراجُع
وُقْلتُ لها يا فاجراتِ المَخادِع***تَزَيَّيْنَ زِيَّ المُحصَناتِ الخواشع
وقَرْنَ بصدْرٍ كالمقابر مُوحشٍ***ولُحْنَ بوجهٍ كالأثافيِّ سافِع
انتخب الجواهري أول نقيب للصحفيين في ٧ أيلول ١٩٥٩ في المؤتمر التأسيسي الأول بحضور عبد الكريم قاسم. تأزمت العلاقة مع نظام قاسم ، مما اضطر الجواهري لمغادرة العراق إلى لبنان عام ١٩٦١ ، ومن هناك سافر إلى جمهورية التشيك بدعوة من اتحاد الأدباء ، فقدم طلباً للجوء السياسي.
محاولة اغتيال الزعيم
في مساء يوم ٧ تشرين الأول ١٩٥٩ تعرض الزعيم قاسم إلى محاولة اغتيال أثناء مرور سيارته في شارع الرشيد ، منطقة راس القرية . وكان حزب البعث وراء المحاولة حيث تشكل فريق الاغتيال من كل من فؤاد الركابي وعبد الله الركابي وأياد سعيد ثابت وخالد علي الدليمي. وكان الزعيم قد خرج من وزارة الدفاع متجهاً إلى حفل استقبال في دار البعثة الدبلوماسية لألمانيا الشرقية في الباب الشرقي. وعند وصول السيارة إلى منطقة راس القرية ، انهال وابل من نار من الرشاشات والرمانات اليدوية. قُتل السائق وأصيب الرائد قاسم الجنابي مرافق قاسم إصابة خطيرة ، فيما أصيب الزعيم برصاصة في كتفه الأيسر. وقام سائق تاكسي بنقله إلى مستشفى (دار السلام) ، وهناك تبين أن إصابته أخطر مما ظن ، حيث بقي في المستشفى حتى أوائل كانون الأول. كما أُردي أحد المهاجمين وهو عبد الوهاب الغريري بطلقة من رفاقه وليس بنيران قاسم كما أدعى هو ، وتركت جثته ملقاة على قارعة الطريق.
انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ ونهاية الزعيم
في صباح الثامن من شباط ١٩٦٣ قام عبد السلام عارف بالتعاون مع حزب البعث بانقلاب عسكري على الزعيم قاسم ، حيث هوجم مقر وزارة الدفاع في باب المعظم حيث يتخذه الزعيم مكتباً ومسكناً. واستخدمت فيه الطائرات والدبابات ، وانتهى باعتقال الزعيم مع بعض رفاقه من الضباط ، وتم اعدامهم في دار الإذاعة العراقية في الصالحية.
كان الجواهري في براغ العاصمة التشيكوسلوفاكية وبقي هناك طيلة فترة حكم عبد السلام وأخيه عبد الرحمن عارف ، أي من عام ١٩٦١ إلى ١٩٦٨ . ولو كان بالعراق لما نجا باعتباره مقرباً من الزعيم ، وجاء للحكم رئيس طائفي لم يخف حقده وتطرفه ضد الشيعة. وقد عارف بسحب الجنسية العراقية من الجواهري لأنه لم يؤيد نظامه.
انبرى مجموعة من السياسيين العراقيين المقيمين في براغ بتأسيس (حركة الدفاع عن الشعب العراقي). ضمت الحركة الدكتور فيصل السامر عن الحزب الوطني الديمقراطي ، السيد جلال الطالباني عن الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده الملا مصطفى البارزاني ، ومن الكتل التقدمية ذنون أيوب ونوري عبد الرزاق والفنان محمود صبري ، وبالطبع محمد مهدي الجواهري من المستقلين. وكان في براغ جالية عراقية كبيرة وخاصة الطلاب الذين يدرسون في الجامعات وعائلاتهم .
عقدت الحركة مؤتمراً صحفياً حضره مراسلو الصحف والوكالات الشرقية والغربية ، انتقدت فيه سياسة الانقلابيين ونظامهم العسكري البعثي الجديد ، ويصل صوتها إلى كل العراقيين في الداخل.
ولكسب التأييد سافر وفد من الحركة بضمنه الجواهري إلى لندن ، فمنح الوفد ثلاثة أيام فقط . ولم يحقق أي لقاء سوى مع الفيلسوف برتراند رسل (١٨٧٢-١٩٧٠) المدافع عن السلام العالمي.
نكسة حزيران ١٩٦٧
في ٥ حزيران منيت الجيوش العربية المصرية والسورية والأردنية والعراقية بهزيمة أمام القوات الصهيونية. وكان الإعلام العربي يصور الحرب أنها انتصار موعود ، وقد أقام السفراء العرب في براغ مهرجاناً كبيراً بهذه المناسبة. وقد دعي الجواهري إليه ، وعلى الرغم من هاجس خطب تمطى بصلبه وناخ بكلكله على صدر الشاعر الا انه لم يضيع وقتا وشاء ان يجعل من قصيدته رسالة للرئيس عبد الناصر ان يكون سباقا الى ما يمليه الخطب عليه وعلى القادة العرب الآخرين مما يجب فعله قبل ان يكون العدو بادئه :
دعِ الطــوارق كالأتون تحتـــــــدم*** وخلّهــــــا كحبيـــكِ النســــجِ تَلْتَحمُ
وخــذ مكانك منهـــــــا غير مكترثٍ*** دَهْدى بـك الموجْ أو علّت بك القِممُ
تبــارك الخطبُ تبلــوه وتحمــــــده*** انّ الخطوب َ اذا مــا استثمرت نِعمُ
خض الكوارث لا نِكســاً ولا جزعا*** واتركْ الى الغيب ما يجري به القلم
ويــا أبـا خالــــــــدٍ إنْ يلتهبُ بفمي*** قولٌ فإني لكـــــــل الثائـــــــرين فَمُ
ناشدتُكَ العروةَ الوُثقى بما انتَفَضَتْ ***به الشعوبُ ومــــا اهتزتْ به الأُمم
أنقذ فلسطين مردوداً بهــــــــا ***َحرَمٌ على ذويه ومركوزاً بهـــــــــا عَلمُ
العودة إلى العراق
بعد الانقلاب البعثي في ١٧ تموز ١٩٦٨ ، ساد في براغ أمر العودة إلى العراق بين السياسيين المهاجرين ، وبدأ بعضهم بالعودة فعلاً مثل جلال الطالباني . كما كتب عشرة منهم عريضة يسترحمون فيها المسؤولين في العراق بالسمح لهم بالعودة. جاؤا بالعريضة إلى الجواهري ، فرفض وقال لهم: في هذا العراق الذي فارقته رازحاً تحت حكم عبد الكريم قاسم ، وها هو اليوم يرزح تحت إرادة الواحد بعد الآخر من بعده، لماذا أعود إلى العراق وأنا في براغ؟ ولماذا ابتذل نفسي بهذه العودة وأنا أعتز بها ، وبكل ما يحيط بي وبها من هذه المفارقات الشاسعة والبعيدة فيما بين الحضارة والتخلف؟ وأرسلت العريضة إلى الصحف اللبنانية ، ونشرته مجلة (الآداب) لصاحبها سهيل إدريس ، وإذا اسم الجواهري بالكامل في طليعة الأسماء . فما كان منه إلا أن يكذّب الخبر في أكثر من صحيفة في بيروت.
غادرت أسرة الجواهري براغ إلى العراق ، وبقي هو ينتابه القلق من سلامة وصولها. اتصلت به السفارة العراقية وأبلغته بورود برقية من الفريق صالح مهدي عماش تقول: إن الوطن بحاجة إلى شاعر الوطن ، اطلبوا إليه العودة بكل تكريم. بقي الجواهري يماطل مدة شهرين ، وتصله كل أسبوع رسائل من أسرته وأصدقائه يلحّون عليه بالقدوم. في يوم ذهب إلى المقهى الصغير بجوار شقته ، وبطاقة العودة إلى بغداد في جيبه ، فاحتسى قدحاً من البيرة ، وأمامه وريقة الحساب ، أخذها وكتب عليها أبياتاً:
أطلت الشوط من عمري*** اطال الله من عمرك
ولا بلغت بالسوء*** ولا بالشر في خبرك
حسوت الخمر من نهرك*** وذقت الحلو من ثمرك
ألا يا مزهر الخلد*** تغنى الدهر في وترك
ألا يا مزهر الخلد***تغنى الدهر في وترك
ويا أمثولة الحسن***مشت الدنيا على أثرك
ذكا في تربك العطر***ودَبّ السحر في حجرك
فلو صبغت دنا أخرى***فما كانت سوى كِسرك
ولو أن المنى خمر***لكانت سؤر معتصرك
وصل بغداد في منتصف الليل ، وكان مستقبلوه في انتظاره ، وعلى رأسهم ممثل من مجلس قيادة الثورة ، وعدد من أصدقائه في براغ الذين سبقوه بمغادرتها.
في بغداد بعد طول سفر
بعد وصوله بغداد ، زار وزير الداخلية الفريق صالح مهدي عماش ، وكان شاعراً ، الذي رحب به ، وسأله هل أعدّ شيئاً جديداً من الشعر. فقرأ له:
أرح ركابكَ من أينٍ ومن عثَرِ***كفاك جيلانِ محمولاً على خطر ِ
كفاك موحشُ دربٍ رُحتَ تَقطعهُ***كأنَّ مغبرَّة ليل بلا سحَرِ
ويا أخا الطير في ورْد ٍ وفي صَدَرٍ***في كلَّ يومٍ له عُشٌ على شجرِ
عريانَ يحمل مِنقاراً وأجنحةً***أخفَّ ما لمَّ من زادٍ أخو سَفَرِ
بحسبِ نَفسَكَ ما تعيا النفوسُ به***من فرط منطلق ٍ أو فرط منحدر
أناشدٌ أنت حتفاً صنعَ منتحرِ***أم شابكٌ أنت , مغتراً, يدَ القدر
خفَّضْ جَناحيكَ لا تهزأ بعاصفةٍ***طوى لها النسر كشحيه فلم يطر ِ
ألفى له عِبرةً في جؤجؤٍ خضبٍ***من غيره, وجَناحٍ منه منكسِر ِ
يا سامرَ الحي بي شوقٌ يرمِضٌني***إلى الَّلداتِ, إلى النجوى إلى السمَرِ
يا سامر الحي بي داءٌ من الضجَرِ***عاصاه حتى رنينُ الكأس والوترِ
لا أدَّعي سهرَ العشاق يشبعَهُم***يا سامرَ الحي بي جْوع إلى السهَرِ
بعد عدة أيام اتصل به وزير الاعلام عبد الله سلوم يدعوه لتناول فنجان قهوة عنده. وذكر له أن مجلس قيادة الثورة يفكر بتخصيص راتب تقاعدي للجواهري. وفي اليوم التالي صدر المرسوم الجمهوري وأذيع من الاذاعة بتخصيص راتباً مقداره (٥٠٠) دينار ، في حين أكبر راتب تقاعدي لأي منصب في الدولة لا يتجاوز (١٥٠) دينارا. واتصل به وكيل الوزارة شاذل طاقة ودعاه لزيارته. كما أعيدت له الجنسية العراقية .
إن علاقته لم تستمر طيبة مع السلطات، رغم تودد النظام له، إذ زاره في البيت الرئيس أحمد حسن البكر، لكنه غادر العراق عام 1980 بعد تولي صدام حسين السلطة، واختار براغ مقرا لإقامته.
وكانت السفارة الألمانية في بغداد قد دعته للإقامة في برلين لوجود خطر على حياته، وحين استجاب الجواهري حطت الطائرة الألمانية في براغ ليرحب وفد من اتحاد الأدباء التشيك بالجواهري، ويخبروه أنهم كانوا وراء دعوته للإقامة في براغ للتمويه على السلطة عبر سفارة ألمانيا في العراق، والتحقت به عائلته بعد ذلك.
لكن الأمور لم تسر وفق ما أراد ، فغادر العراق مرة إلى سوريا عام ١٩٨٣ بعدما دعاه الرئيس حافظ الأسد واستقبل بحفاوة ، وخصص له دار وسيارة، وبقي يتنقل بين دمشق والتشيك . وبذلت السلطات العراقية جهودا كبيرة وقدمت الكثير من الوعود والإغراءات، لكن الجواهري رفض العودة.
وفي ٢ كانون الأول ١٩٩٢ مر بعمّان فاستقبل بترحاب . وبحضور الملك الأردني حسين بن طلال ألقى قصيدته:
يا سيدي أسعف فمي ليقولا*** في عيد مولدك الجميل جميلا
أَسْعِفْ فَمِي يُطْلِعْكَ حُـرّاً ناطِفَـاً***عسَلاً، وليسَ مُدَاهِنَاً مَعْسُولا
يا أيّـها المَلِـكُ الأَجَلُّ مكانـةً***بين الملوكِ، ويا أَعَزُّ قَبِيلا
يا ابنَ الهواشِمِ من قُرَيشٍ أَسْلَفُـوا***جِيلاً بِمَدْرَجَةِ الفَخَارِ، فَجِيلا
نَسَلُوكَ فَحْلاً عَنْ فُحُـولٍ قَدَّمـوا***أَبَدَاً شَهِيدَ كَرَامَةٍ وقَتِيلا
للهِ دَرُّكَ من مَهِيـبٍ وَادِعٍ***نَسْرٍ يُطَارِحُهُ الحَمَامُ هَدِيلا
في التسعينيات سُحبت الجنسية العراقية منه مجدداً ، بسبب مشاركته في مهرجان الجنادرية السنوي المقام في السعودية في عام ١٩٩٤.
قصيدة لم يكتبها
اشتهر عدد من القصائد بنسبتها إلى الجواهري ، والحقيقة أنها ليست له. بعض تلك القصائد ألفها الشاعر العراقي الراحل حسين الرفاعي، الذي عمل مديراً للتربية في الرصافة بالعراق، وتوفي قبل سنوات.
وفي الدورة الأولى لمهرجان الجواهري الشعري الذي أقيم في بغداد، ألقى الرفاعي نصاً شعرياً بعنوان (زياد ابن أبيه)، مشيراً بحضور أبناء الجواهري، إلى أنه من نظم تلك القصيدة، التي عرفت على نطاق واسع بأنها للجواهري، وقال: (أنا مديون للجواهري بحياتي... فلو علم النظام السابق أنني كاتب تلك القصيدة لحكموا بإعدامي!).
وفي حديث لقناة (إذاعة العراق الحر) في العاشر من تموز 2005، أوضح الرفاعي أنه كتب قصيدة (زياد بن أبيه) رداً على قمع نظام صدام ضد انتفاضة مارس (آذار) 1991 المعروفة بالانتفاضة الشعبانية، ونسبت بعدها إلى الجواهري، مضيفاً أن هذا الأمر (أبعد مدية الجلاد عن رقبتي).
لكن قصيدة «سل مضجعيك يا ابن الخنا... أأنت العراقي أم أنا»، فيراها عدد من الشعراء والأدباء العراقيين نصاً (إعلامياً) أكثر منه قصيدة، ومن المستحيل أن تنسب لشاعر كبير كالجواهري، أو شاعر مجيد كالرفاعي، لكونها نصاً يفتقد الوزن وفيه من الأخطاء العروضية الكثير. فهذا النص المتداول لا يمكن أن تكون قصيدة. وغالبية أبياتها عبارة عن جمل مرصوفة من دون وزن ولها قافية فقط.
سر الطاقية
ولطالما أثارت الطاقية التي كان يعتمرها الجواهري الجدل واسترعت الانتباه، وذكرت ابنته خيال الجواهري: أصيب والدي بنزلة برد حين كان يشارك في مؤتمر أدبي في الاتحاد السوفياتي السابق، ونصحه الأطباء بارتداء غطاء رأس لوجود حساسية في رأسه، فلفتت انتباهه قبعة مخملية كانت معروضة في حانوت المستشفى، فارتداها، ومنذ ذلك الحين بقيت تلازمه لحين وفاته، ولم يكن يخلعها حتى أثناء النوم.
أهم المؤلفات
أول دواوينه (حلبة الأدب) عام ١٩٢٣ وهو مجموعة من المعارضات لمشاهير شعراء عصره كأحمد شوقي وإيليا أبي ماضي ولبعض السابقين كلسان الدين بن الخطيب وابن التعاويذي. ثم ظهر لهُ ديوان (بين الشعور والعاطفة) عام ١٩٢٨، و(ديوان الجواهري) عام ١٩٣٥ و1949 و ١٩٥٣، (في ثلاثة أجزاء).
•حلبة الأد ،عام ١٩٢٣.
•جناية الروس والإنجليز في إيران. (ترجمة عن الفارسية)
•بين العاطفة والشعور
•ديوان الجواهري.
•ديوان الجواهري (مجلدان)
•بريد الغربة.
•الجواهري في العيون من أشعاره.
•أيها الأرق.
•خلجات.
•ذكرياتي (3 أجزاء)
•الجمهرة (مختارات من الشعر العربي)
بيته ومتحفه
في بداية الستينيات استلم الجواهري قطعة أرض كبقية الصحفيين. وقام ببنائها لتكون مسكناً له ولعائلته ، وسمي الحي بـ(حي الصحفيين) في منطقة القادسية بين مستشفى اليرموك وساحة النسور. بني المنزل عام 1971، بمساحة 550 متراً مربّعاً ، وسكنه الجواهري في سنة 1980.
في عام ٢٠١٨ اشترت أمانة بغداد الدار وحولته إلى متحف الجواهري. وقد زرته وشاهدت مجموعة من مقتنياته ووثائقه الشخصية ورسائله وصوره في العراق والخارج ، وأفلاماً يظهر فيها يلقي قصائده في المهرجانات والمناسبات.
مهرجان الجواهري الثامن
يقيم اتحاد الكتّاب والأدباء في العراق مهرجاناً سنوياً باسم مهرجان الجواهري الدورة الثامنة . في ١٥ تشرين الأول ٢٠١١ قمت برعاية المهرجان الذي أقيم في مقر الاتحاد ، وكان بعنوان (عبدالله گوران). وقد ألقيت كلمة وفاء واحترام للشاعر الجواهري ، كما ألقى رئيس الاتحاد الدكتور فاضل ثامر وأدباء وشعراء آخرون ألقوا كلمات وقصائد. وحضور جمع من الأدباء والمؤرخين مثل عالم الآثار بهنام أبو الصوف (١٩٣١-٢٠١٢) والكاتبة عالية طالب.
نصب تذكاري في براغ
في الأول من تموز ٢٠٢٤ أزيح الستار عن تذكاري للشاعر الأكبر محمد مهدي الجواهري. ويقع النصب أمام شقة الجواهري في براغ ، التي قضى فيها قرابة ثلاثة عقود. وحضر الحفل سفير العراق وعمدة براغ ونجاح الجواهري (٨٥ عاماً) الابن الثالث للشاعر الراحل ، وكذلك سفراء الدول العربية والإسلامية ، ووفد ثقافي قدم من بغداد ، ومسؤولون وشخصيات عامة ، ومستشرقون بارزون ، إلى جانب أبناء الجالية العربية.
وفاته
توفي فجر يوم الأحد ٢٧ تموز ١٩٩٧ في إحدى مستشفيات العاصمة السورية دمشق، وشُيّع بحضور أركان الدولة السياسيين والعسكريين بالإضافة إلى حضور شعبي كبير، ودُفن الجواهري في مقبرة الغرباء في منطقة السيدة زينب في دمشق إلى جانب قبر زوجته السيدة أمونة. وعلى قبرهِ نحتت خارطة العراق من حجر الغرانيت مكتوب عليها (يرقد هنا بعيدًا عن دجلة الخير)، في إشارة إلى قصيدته الشهيرة (يا دجلة الخير) التي مطلعها:
حـييتُ سـفحكِ عن بعدٍ فحَييني *** يـادجلة الـخير، يـا أمَّ البساتين
حـييتُ سـفحَك ظـمآنًا ألوذ به *** لـوذ الـحمائِم بـين الـماءِ والطين
أما أجمل أبياتها فهي قوله:
إنـي وردتُ عُـيون الـماءِ صـافية *** نَـبعًا فـنبعًا فـما كـانت لتَرْويني
وأنـت يـا قاربًا تَـلوي الرياحُ بهِ *** لـيَّ الـنسائِم أطـراف الأفـانينِ
المصادر
-محمد مهدي الجواهري (مذكراتي) ، الجزء الأول والثاني ، دار المجتبى ، الطبعة الأولى ، بغداد: ٢٠٠٥
- ميرزا الخويلدي (خيال الجواهري: هذا النص لم يكتبه أبي) ، مدى برس https://www.mda-press.net/ ، في ٢٩ أيلول ٢٠٢١
- صالح الأشمر (محمد مهدي الجواهري .. نهر أشعار هادر) ، موقع الميادين https://www.almayadeen.net/ ، ٢٦ تموز ٢٠٢١
- سارة القاهر (محمد مهدي الجواهري عاصر الملوك والرؤساء ومات منفيا.. وهذا سر طاقيته) ، https://www.aljazeera.net/ المصدر موقع الجزيرة في ٢٧ تموز ٢٠٢٠
16-01-2025, 20:47 رسمياً .. العراق يقدم طلباً لتفكيك "مخيم الهول"
اليوم, 13:07 جوهر الإنسان بين القيمة والثمن .. تأملات في معاني الحياة
د.محمد عصمت البياتيأمس, 13:08 لِيكن القرآن لنا نبراساً
رعدهادي جبارة16-01-2025, 12:52 سيبقى منهج السيدة زينب الكبرى منارا للإطاحة بالطغاة في كل زمان ومكان
وليد الحلي15-01-2025, 19:09 المشروع العالمي حرامٌ على الشيعة.. حلالٌ على غيرهم
د. علي المؤمن