• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

البعد الاجتماعي في ادعية شهر رمضان

البعد الاجتماعي في ادعية شهر رمضان

  • 17-05-2020, 17:46
  • مقالات
  • 876 مشاهدة
عبدالامير الهماشي

لنتامل احد الادعية التي نصت  الروايات على ان تقرا بعد كل فريضة في ايام شهر رمضان  الذي يبدا من الدعاء لاهل القبور حتى ينتهي بالدعاء لصلاح المسلمين ....
فالمولى والمشرع الاسلامي لم يرد لهذا الشهر  ووبركاته ان يكون  للصائم   وحده وانما لكل المسلمين
فشهر رمضان وبركاته  لايكفي ان تشعر  بجوع وعطش الفقير او المحتاج  وانما  ان تعيش روحية  اخرى بحيث  تتسابق الى الدعاء الى الغير ابتداءً   من سكنة القبور الذين انقطعت اعمالهم ولم يتبق لهم الا دعوة صالحة من ابنائهم او من المسلمين في هذا الشهر  الذي اُريد له ان يكون شهر العتق للاحياء وكذلك  للاموات فيبتدأ الدعاء (اللهم أدخل على أهل القبور السرور ) واي سرور ينتظره صاحب القبر الا  تخفيف عن مساءلته لينتقل الى روض من رياض الجنة  او يتزحزح عن النار ويخفف عنه  كما  ورد فيمن يقرأ القران يخفف عن والديه وان كانا كافرين
"من قرأ القرآن في المصحف متع ببصره، وخفَّف عن والديه وإن كانا كافرين".
فما بالك وان القراءة في شهر رمضان لها اجر مضاعف مغفورة.
((من قرأ في شهر رمضان آية من كتاب الله عز وجل كان كمن ختم قرآن في غيره من الشهور .)).
ولنعد الى  موضوعنا في الدعاء المختار  فالدعاء لاهل القبور قد يمثل نوعا من الوفاء لمن سبقونا بالايمان لندعو لهم  ولو ان الدعاء جاء مطلقا لكل أهل القبور  في قمة  الروح الانسانية التي ينبغي للمؤمن التحلي بها في هذا الشهر الروحاني الذي امرنا الله ان نتخلق باخلاقه واهم تلك الاخلاق هي ان تشعر بالرحمة للكل واولهم الاموات الذين انقطعت اعمالهم من الدنيا ..
وبعد الدعاء لاهل القبور ينتقل الى من هم بحاجة الى الدعاء  وهم الفقراء(اللهم أغن كل فقير اللهم أشبع كل جائع اللهم اكس كل عريان)) الدعاء لثلاثة اصناف وبطريقة التعريف الكلي ثم ينتقل ليجزء  او يصنف الفقراء فمنهم الجائع ومنهم العاري  وربما تكون هاتان الصفتان وقتية  فيشملها هذا الدعاء وان لاتكون حالة مستدامة تثقل كاهل المجتمع  فالفقر يتسبب بالجوع ويتسبب بالعُري ايضا .
وكما راينا فان الدعاء جاء مطلقا لكل الفقراء ولم يحدد جنسهم !وهكذا يشعرنا الدعاء بان الروح الاسلامية  لابد لها ان تنطلق لكل البشرية  فعندما تدع لها لابد ان تسعى بعد ذلك بصورة عملية  لازالة اسباب الفقر عنهم ..
وينتقل الى فقرة اخرى وهم اصحاب الديون (اللهم اقض دين كل مدين)) واطلقها ولم يحدد الدين  بالمال لينفتح الى كل اصحاب الديون واولهم من يقرا الدعاء فنحن  مدينون الى الله !!وسنبقى كذلك مادمنا نحى في هذه الحياة  نعم قد ينصرف الذهن الى الدين بالمال  لان سياق الدعاء  تسلسل في ذلك فقد بدأ بالفقر ثم فصل  ذلك والمعلوم ان الدين هو من مسببات الفقر المالي  ومن ثم جاءت الفقرة (اللهم فرج عن كل مكروب)) وهنا  يعود الصائم  ليدع  لكل محزون قد اشتد به الحزن   وكم هي الامور التي لاتحصى التي تسبب الكرب والهم ليفرج عنه  وينتقل  الدعاء ليبين نوعا من مسببات الكرب فيقول ( اللهم رد كل غريب) ومن اسباب الكرب  هي الغربة والابتعاد عن الاهل والاحباب   والغريب في القوم لايشعر بالالفة  ويعيش حالة العزلة  والانكماش  وهو مخالف للطبيعة الانسانية حيث خلق الانسان ألوفا محبا للتجمع والالتقاء مع الاخر
وهو ما لايريده المشرع الاسلامي   وربما يتغرب الانسان عن قومه وهو معهم بافكار  واشياء دخلية ولايعد منتميا اليهم  فقد يشمله هذا الدعاء ايضا ولكن  كما نعلم فان سياق الدعاء ينظر الى  الغريب  المبتعد مكانا عن قومه  ولهذا انتقل الى سبب اخر عن الغربة وهي الاسر ( اللهم فك كل أسير) ومن اسباب الغربة الوقوع في الاسر  لدى الاعداء .نتيجة الحروب الغير مبررة والتي تنطلق من تغليب مصلحة جماعة او دولة على مصالح دول اخرى  
وربما كان الدعاء لعودة الاسير المسلم الذي وقع في اسر الاعداء  وكلنا يعلم الحالة المهينة التي يعيشها الاسير الذي لايملك زمام امره  فندعو له بفك هذا الاسر في هذا الشهر الفضيل الذي وعدنا الله به بفك رقابنا من النار ولانكون اسراها فلهذا ندعو لاسرنا بالفك من اسر اعداء الاسلام
ويعد ان استرسل الدعاء بالفقرات السابقة التي تسبب العناء والشقاء ولاتدع المسلم من التفكير في الخالق والخلق لانه يعيش حالة نفسية تجعله في غم وحزن يتطلع الى انقاذ نفسه مما هوفيه مهتما بامور معيشته اليومية  
وكذلك تمنع اي انيان من التفكير بالكون والخالق  ولهذا قال الامام علي (ع) (لو كان الفقر رجلا لقتلته) وانتقل الدعاء  بعد ذلك للمسلمين  
(اللهم أصلح كل فاسد من امور المسلمين)  فكل امر غير طبيعي هو فساد للحال  فقد كان الوعد لبني الانسان (أن لك ألاتجوع فيها ولاتعرى) (وأنك لاتظمؤا فيها ولاتضحى ) ولكن  ما يواجهه في حياته ومن سوء تخطيطه والظلم الواقع يتسبب في فقره وعريانه وجوعه   ويرحل عن قومه ويفقد حريته ايضا بسبب الظلم  والخ من الحرمان الطبيعي الذي ممكن ان يتمتع به الانسان في حالة العيش الطبيعية في مجتمع عادل ولهذا ندعو باصلاح كل امر فاسد مهما صغر لان السكوت عن الفساد قليله سيؤدي الى فساد اكبر  وماكان خطأ صغيرا يؤدي الى أزمة وكارثة بعد ذلك .
ويعود بنا الدعاء ليدعو (اللهم اشف كل مريض ) هناك الامراض البدنية  التي نساله  ان يشفينا منها وهناك امراض اخرى  امراض نفسية وامراض اجتماعية  خطورتها ليس على الفرد وحده وانما  على المجتمع ككله فبعد دعائنا لاصلاح كل فاسد من امور المسلمين ندعو لشفاء الكل من الامراض التي تؤدي الى فساد المجتمع .
وبعد ان كانت الدعوات مطلقة لكل الناس يعود الدعاء لنا ليعلمنا بادب الدعاء ان تدعو اولا لغيرك  ثم تدعو لنفسك او لمجموعتك وجاءت الفقرات بضمير (نا )كما في الفقرات التالية ((اللهم سد فقرنا بغناك ،اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك ،اللهم اقض عنا الدين وأغننا من الفقر إنك على كل شيء قدير )) .
هكذا انتقل الدعاء من الدعاء المطلق الى دعاء الخواص ليعلمنا ان هذا الشهر الفضيل   ان المؤمن  الصائم يجب ان يتوسع في الطلب من الخالق ان يدعو للكل  لان اصلاح الكون هو ما فيه رضا رب العالمين  
وعندما ندع للاخرين  فاننا بذلك  نوسع في افاق الرحمة التي ستنالنا  ونحن نعلم ان (رحمته وسعت كل شيء) فما اجمل ان تكون روحيتنا  واسعة لتدعو للاخرين  وهكذا يريد المشرع ان يهتم المؤمن بكل الناس لان هدف الانسان المؤمن هو اصلاح الناس في رسالته في الارض ان كان يسعى لان يكون خليفة الله في ارضه فعليه ان يكون همه كل الناس ولعل الدرس الاهم في هذا الدعاء هو ان يشعر الصائم بكل من حوله بل بابعد من ذلك حينما يتحسس الكون والظلم الواقع فيه  لتتحقق العدالة والصلاح المنشود
واوله بداية الاصلاح  حينما تحمل نفسك  بان تدع للكل بزوال منغصات الحياة  والله ينظر الى القلوب الرحيمة التي تتمنى نزول النعم على الغير  لا تلك التي تتمنى زوالها  ولا لتلك التي تفكر بنفسها ولاتفكر بالاخرين ولهذا نهانا الاسلام عن التنسك والعزلة وارادنا ان نمتع بالحيوية  الروحية التي تهتم بامور الناس  في مثلث العلاقة بين النفس وبين الله وبين النفس والمجتمع وبين المجتمع وخالقها واساسها هو علاقتنا بالله  فلنعمل باداب هذا الدعاء ليكون انطلاقة لحياتنا  ومن تدرب في شهر رمضان وادب نفسه على ذلك لابد انه سيعيش ذلك طوال حياته
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

أخر الأخبار