• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

القران في النهضة الحضارية (١)

القران في النهضة الحضارية (١)

  • 17-05-2020, 15:04
  • مقالات
  • 724 مشاهدة
محمد عبد الجبار الشبوط

في مجتمع متخلف، يكون على الواعين من ابنائه، زرع بذور النهضة فيه. وبذور النهضة عبارة عن افكار وتصورات ومقترحات ومواقف وممارسات وعلاقات يتم نثرها في المجتمع فيتلقفها بعض ابنائه، وتؤثر فيهم، وتغير نظراتهم وتصرفاتهم ومواقفهم، بصورة تدريجية. ولما كانت حقيقة التخلف هي الخلل الحاد في المركب الحضاري والقيم الحافة بعناصره الخمسة، اي الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل، فان بذور النهضة تؤدي بالنتيجة الى اصلاح الخلل الحاد في المركب الحضاري، وبالتالي القضاء على التخلف.
ويستخدم الواعون كل الادوات والقدرات المتوفرة لنشر بذور النهضة الحضارية.
وفي مجتمع مازال يقرأ القران الكريم، ويقدسه ويجله، ويردد اياته، فان القران يمكن ان يكون من الادوات المهمة التي يمكن استخدامها في زرع بذور النهضة.
وقد يسأل القاريء: وهل في القران ما يمكن زرعه للقضاء على التخلف وتحقيق النهضة الحضارية؟ هل توجد في القران ايات يمكن ان تستخدم في هذا المجال؟ هل يقدم القران رؤية لمعالجة التخلف؟
الجواب يعتمد على طريقة فهمك للقران، وانا ازعم ان الجواب سوف يكون "نعم" اذا تمكن الانسان من قراءة القران وفهمه من منظور حضاري. والمنظور الحضاري هو ما كان مرتبطا ومنطلقا من القيم اللازمة لتحقيق النهضة.
بناء على هذه المقاربة، سوف نعثر في القران الكريم على الكثير من الايات المتعلقة بهذا الموضوع.
سوف نقرأ في القران الكريم الاية التالية:"لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ". وهذه هي الاية رقم (37) من سورة المدثر. وهي من اوائل ما نزل من القران الكريم. وهي ملفتة للنظر جدا باستخدامها الكلمتين المفتاحيتين في موضوعنا، وهما "التقدم" و "التأخر". وكأنك هنا تقرأ في نص معاصر يعالج اعقد مشكلتين تواجهان البشرية وهما التقدم والتأخر.
واللافت في الاية ايضا استخدام الفعل "شاء"، وهو استخدام يربط قضيتي التقدم والتأخر بارادة الانسان، فالامر يعود الى الانسان في ان يتقدم او يتأخر، وهذا يعني ان هاتين الحالتين الاجتماعيتين ليستا قضاءً مبرما ولا قدرا محتوما مكتوبا على الانسان؛ بل بامكان الانسان، اذا شاء واراد، ان يختار ايا منهما، ويسير في الطريق المؤدي الى التأخر، او الطريق الى التقدم.
وهذا المعنى نجده في سورة الشمس حيث نقرأ الايات التالية:
 "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا،وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا".
وهنا ايضا يؤكد القران ان التنمية والتخلف خياران بشريان بامتياز، حيث يرتبط الامران بارادة الانسان وخياراته. وقد اودعت الخلقة في الانسان القابلية على الامرين، والامران متروكان له.
وتفصل سورة الاسراء خيارات التنمية من زاوية اخرى، وتطرح مفهومي التنمية من منظور دنيوي، والتنمية من منظور اخروي:
"مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا. وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا. كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا".
لاحظ ارتباط الخيارين بارادة الانسان: "من كان يريد" و "من اراد". فالانسان هو الذي يصنع خياراته، ويحددها، بكامل الحرية، لكنها الحرية المسؤولة، حيث لا حرية بلا مسؤولية، والانسان كائن حر مسؤول.
الايات تميز بين التنمية العاجلة والتنمية بعيدة المدى. لا تنشغل بالعبارات الغيبية في الاية فهي لمن يؤمن بها، وخذ منها الدلالة المشتركة العامة، والتمييز بين العاجل والاجل، لتفهم منها ان التنمية بالمفهوم البعيد الاجل انفع من التنمية بالمفهوم القريب العاجل.

يتبع

أخر الأخبار