جيل زد 212 المغربي .. نموذج الاحتجاج المعولم
"Today News": بغداد
اهتز المغرب، على مدى أسبوع، على وقع تظاهرات انطلقت سلمية ثم انتهت إلى مواجهات عنيفة. شارك فيها آلاف من الشباب والمراهقين الذين يُطلق عليهم اصطلاحًا جيل زد، وتركزت مطالبهم على الحرية والعدالة الاجتماعية والإصلاحات العاجلة، ولا سيما في قطاعي التعليم والصحة. غير أنّ تلك الاحتجاجات ما لبثت أن انزلقت إلى العنف، لتخلف حرائق في مؤسسات وممتلكات عامة وخاصة، قبل أن تتدخل السلطات وتفض التجمعات بالقوة وتعتقل المئات.
لم يكن ما جرى حدثًا تقليديًا. فوسائل التواصل الاجتماعي – من “تيك توك” و”إنستغرام” إلى “تلغرام” – أدت دورًا مركزيًا في تأطير حركة الشباب وتنظيمها وتحفيزها، لتحل محل التنظيم الحزبي التقليدي والعمل النقابي، وتصبح هي الفضاء الجديد للسياسة والاحتجاج.
المغرب ليس غريبًا على مثل هذه الاهتزازات؛ فقد عرف سلسلة من الاحتجاجات منذ “الربيع العربي”، وهو بلد يجمع بين نجاحات تنموية ملحوظة – في البنية التحتية والنمو الاقتصادي – وبين تحديات بنيوية عميقة في التشغيل والخدمات العامة والعدالة الاجتماعية. كما سعت الدولة إلى تسويق صورة المغرب كـ”قوة صاعدة” عبر الترشح لاحتضان مناسبات كبرى مثل كأس العالم 2030، مخصصة لذلك ما بين 6 و7 مليارات دولار لبناء المنشآت والملاعب والفنادق وتطوير المطارات والطرق، مع وعود بخلق 130 إلى 150 ألف فرصة عمل وتوقع أرباح تناهز 10 مليارات دولار، فضلًا عن تنشيط السياحة، أحد أعمدة الاقتصاد المغربي.
لكن هذا “الرهان التنموي الرمزي” لم يفلح في منع انفجار الغضب الشعبي. فقد خرج الشباب يطالبون صراحة: الرعاية الصحية قبل استضافة كأس العالم. والمفارقة هنا لافتة: بينما تسعى الدول عادة للتنافس على مثل هذه المناسبات لما تجلبه من مكاسب اقتصادية وتنموية، فإن الشارع المغربي قرأ فيها نوعًا من اختلال سلم الأولويات.
من هو جيل زد؟
جيل زد هو الفئة التي وُلدت في أواخر القرن العشرين وبدايات القرن الحالي. البعض منهم اليوم في منتصف العشرينات، وبعضهم الآخر ما يزال في طور المراهقة. نشأ هذا الجيل في فضاء العولمة المعلوماتية، وتشكل وعيه في قلب الشبكة العنكبوتية، حيث التعددية والانفتاح والاحتكاك اليومي بالقيم العالمية.
يتسم جيل زد بـالجرأة، والميل إلى المطالبة بالحقوق، والانخراط في النقاشات العامة. لكنه، على عكس الأجيال السابقة، لم يتشكل وعيه السياسي في قاعات الأحزاب أو ساحات النقابات، بل في فضاء إلكتروني مفتوح بلا حدود، ما جعله أكثر استقلالية عن الأطر التقليدية، وأكثر حساسية تجاه قضايا العدالة والمساءلة.
هذا النمط من الاحتجاج العابر للحدود ليس محصورًا بالمغرب؛ فقد شهدت بنغلادش عام 2024 ونيبال عام 2025 موجات مشابهة من الحراك الشبابي قادت إلى تغييرات سياسية ملموسة، بعضها وصل إلى إسقاط حكومات .
لم تعد الحكومات في رفاهية زمن مضى، حين كانت تضع خططها بمعزل عن حساب الأثر الاجتماعي. اليوم، أي قرار يمس معيشة الناس – وبخاصة جيل الشباب – يتحول بسرعة إلى موضوع نقاش وجدال عبر المنصات الرقمية، حيث تُصاغ المواقف ويُبنى الرأي العام.
صار لزامًا على الحكومات أن تكون أكثر يقظة وشفافية، وأن تفعل أدوات الاستشعار المبكر لاستطلاع اتجاهات الرأي العام. فالجمهور، خصوصًا جيل زد، بات يطالب بالمساءلة والعدالة، ويقيس الأداء الحكومي في الصحة والتعليم والتوظيف بنفس السرعة التي يتابع بها تجارب دول أخرى على هاتفه المحمول.
المغرب أنموذجا
أظهرت تجربة المغرب أن تركيز الدولة على أولويات رمزية – مثل كأس العالم – من دون موازنة دقيقة مع أولويات الشباب اليومية، يمكن أن يؤدي إلى انفجار اجتماعي غير محسوب. فاحتجاج بدأ من حادثة نقص في العناية الصحية بمستشفى عمومي في أغادير سرعان ما تمدد إلى مدن كبرى، ليتحول إلى مؤشر على فجوة ثقة متزايدة بين الدولة والجيل الصاعد.
وما يزيد خطورة الموقف أن هذا الجيل يتحرك وفق منطق السرعة والانتشار الفيروسي، مدفوعًا بإحساس بالحرمان النسبي حين يقارن أوضاعه بما يشاهده في دول أخرى. وهذا ما يجعل التعامل معه تحديًا كبيرًا لأي حكومة، خصوصًا في بلدان تعاني من أزمة شرعية أو ضعف القدرة على إقناع الناس بجدوى سياساتها.
جيل زد هو التحدي الاستراتيجي الجديد للحكومات في العالم، وفي المنطقة العربية خصوصًا. فهو جيل رقمي، عالمي الثقافة، جريء في المطالبة بالحقوق، ولا يعترف بالوساطات التقليدية بينه وبين الدولة.
في المغرب، قد تكون أحداث أكتوبر 2025 جرس إنذار: أن التنمية لا تُقاس بالملاعب والفنادق وحدها، بل بمدى قدرة الدولة على ضمان العدالة الاجتماعية، جودة الخدمات، وإشراك الشباب في صياغة المستقبل.
أمس, 19:40 القرآن والسيرة ينظّمان حياتنا بين الفرح والحزن
د.رعدهادي جبارةأمس, 10:34 جيل زد 212 المغربي .. نموذج الاحتجاج المعولم
إبراهيم العبادي4-10-2025, 14:12 كتاب الله ورسوله يدعو المؤمن للبشاشة والسرور
د.رعدهادي جبارة4-10-2025, 12:40 أزمة النخبة البرلمانية في العراق .. بين مسؤولية التشريع وضياع الكفاءة
د.محمد عصمت البياتي