مع إعلان حركة "حماس" موافقتها على الانخراط في مفاوضات بشأن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والتي تشمل وقفاً لإطلاق النار والإفراج عن الرهائن وتسليم إدارة غزة لهيئة فلسطينية مستقلة، تبرز تساؤلات حيوية حول مآلات الصراع في المنطقة.
في وقت يتفق فيه أربعة مراقبين خلال تصريحات لهم ، بأن مرحلة ما بعد غزة قد لا تعني نهاية للحرب، بقدر ما تفتح الباب أمام تصعيد إقليمي متعدد الجبهات.
ويجمع المراقبون على إمكانية انتقال الصراع إلى ميادين جديدة، وعلى رأسها إيران ولبنان والعراق، في ظل تصاعد المؤشرات على تحوّل جذري في طبيعة الاشتباك الإقليمي.
"سهم المواجهة" نحو طهران
ومن القدس، رأى المؤرخ والمختص بالشأن الإسرائيلي، حسين الديك، أن إعلان الهدنة في غزة "لا يعني نهاية الحرب، بل ربما بداية لمرحلة أكثر خطورة".
ويشير الديك خلال حديث له ، إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيسعى لإدامة بقائه في الحكم عبر "افتعال جبهات صراع جديدة".
وقال إن "نتنياهو وظّف الحرب في غزة خلال العامين الماضيين لتثبيت حكمه، ونجح في ذلك، وفي المرحلة المقبلة، ستكون هناك تفاهمات أوروبية أميركية إسرائيلية لإعادة توجيه المواجهة نحو إيران"، موضحاً أن هناك إجماعاً غربياً – أوروبياً وأميركياً – على "محاصرة إيران، وتدمير برنامجها النووي والصاروخي وقطع خطوط إمدادها لأذرعها في المنطقة".
ولفت الديك إلى أن إسرائيل ترى في جبهات غزة ولبنان واليمن ساحات ثانوية مقارنة بالتهديد الإيراني المباشر، لذلك تعتبر تل أبيب أن الحل الأمثل هو الذهاب إلى طهران مباشرة لإسقاط النظام، ما سيؤدي تلقائياً إلى شلّ حركية أذرع إيران الإقليمية.
ومضى في تحليله للمرحلة المقبلة بأن إسرائيل قد تستغل الهدنة في غزة لتحشيد دولي ضد طهران، خاصة بعد فشل حرب الـ12 يوماً في حزيران/يونيو الماضي، وعودة العقوبات الدولية بعد انهيار اتفاق عام 2015 النووي.
انتقال التوتر إلى لبنان والعراق
ومن العراق، وجد أستاذ العلاقات الدولية فراس إلياس أن موافقة "حماس" على خطة ترمب تمثل "نقطة تحوّل" قد تدفع إسرائيل نحو فتح جبهات بديلة، خصوصاً في لبنان والعراق.
وذكر إلياس، إن "هناك ارتباطاً عضوياً بين ساحات الصراع، وإسرائيل قد تجد في نقل المواجهة إلى مناطق أخرى فرصة استراتيجية، خصوصاً في ظل استمرار التوتر مع حزب الله".
وبين أن التحركات الإيرانية الأخيرة، من خلال زيارات مسؤوليها إلى بيروت وبغداد، تؤشر على تحضيرات لتصعيد متوقع في تلك الساحات، مشيرا إلى أن إيران تعمل على تحديث منظومتها العسكرية، وتوسيع قدراتها في الحرب الإلكترونية، ما يزيد من احتمالات وقوع مواجهات جديدة قد تبدأ في لبنان وتصل إلى العراق.
وبناءً على ذلك، خلص إلياس إلى أن "وقف الحرب في غزة لن يكون نهاية للمواجهة، بل مقدمة لصراعات أوسع في الشرق الأوسط".
تمهيد لصراع جديد
واتفق مع الرؤية السابقة، الباحث في العلاقات الدولية من سلطنة عمان، حبيب الهادي، الذي يرى أن الولايات المتحدة تسعى لأن تكون صاحبة النفوذ المطلق في الشرق الأوسط، فيما تمثل إسرائيل وكيلتها السياسية والعسكرية في المنطقة.
ورجح الهادي، أن "هذا الاتفاق قد يكون تمهيداً لصراع جديد بين إسرائيل وإيران، وهو ما سيؤثر سلباً على شعوب ودول المنطقة بأسرها"، مشككاً الباحث في نوايا الهدنة، قائلاً إن "ما يبدو تهدئة قد يكون مجرد إعادة تموضع لاستئناف صراع على جبهة جديدة".
"الاتفاق هشّ"
أما مدير مركز JSM للأبحاث في موسكو، آصف ملحم، فهو يرى أن موافقة حماس على خطة ترمب جاءت لتخفيف الضغط عنها وتحميل المسؤولية للوسطاء والدول العربية.
ولم يخفِ ملحم مخاوفه من المرحلة المقبلة مبيناً أن "الخطورة تكمن في أن إسرائيل ستحاول استغلال الاتفاق لتوسيع نفوذها، بينما ستسعى الدول العربية لإعادة غزة إلى السلطة الفلسطينية، في ظل غياب أدوات ضغط حقيقية على إسرائيل أو الولايات المتحدة".
وحذر من أن نتنياهو قد يستخدم هذا الاتفاق كغطاء للقيام بخطوات تصعيدية ضد إيران، مستغلاً الزخم الدولي المتزايد لفرض العقوبات على طهران، واستمرار الشكوك حول برنامجها النووي.
وأكد ملحم، في النهاية أن "خطة ترمب لن تؤدي إلى حل جذري للقضية الفلسطينية، فإسرائيل لا تزال ترفض قيام دولة فلسطينية، مما يجعل توسيع الصراع خياراً وارداً في أي لحظة، خصوصاً مع بقاء الملف الإيراني مفتوحاً على جميع الاحتمالات".