• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

لقاء مع المرحوم الدكتور كمال فيلد البصري

لقاء مع المرحوم الدكتور كمال فيلد البصري

  • 17-08-2021, 16:50
  • مقالات
  • 1038 مشاهدة
د. صلاح عبد الرزاق

"Today News" : بغداد 

توفي هذا اليوم ١٧ آب ٢٠٢١ الصديق المرحوم الدكتور كمال البصري (١٩٥١-٢٠٢١) عن عمر سبعين عاماً. وله ثلاثة أولاد هم مصطفى ومروان وزينب.
وكنت قبل ٢٢ عاما وأثناء انشغالي بأطروحتي حول الغربيين الذين اعتنقوا الإسلام التقيت بالدكتور كمال فيلد البصري في لندن بتاريخ 6 تشرين الثاني ش1999، لسؤاله عن والده فكان هذا الحوار:

- الإسم كمال فريدريك فيلد Fridreck  Staniloss Field
-ولدت عام 195١ في مدينة البصرة بالعراق . أكملت دراستي الجامعية عام 1977 وعملت في العراق لمدة عام كمساعد باحث في كلية الإدارة والإقتصاد بجامعة البصرة . وأكمات الدكتوراه في الإقتصاد في بريطانيا .
- أنجب والدي والدين أنا وأخي محمد علي الذي يكبرني بعام ويعيش الآن في منطقة كارديف ، حيث يعمل محاسباً . وهو متزوج .
-وعندما توفي والدي عام 1954 كان عمري سنتين . كان والدي يسكن في مدينة المعقل بالبصرة .

قدومه إلى العراق
- كان والدي إنكليزياً ، وبريطاني الجنسية . دخل العراق ضمن القوات البريطانية التي أرسلت إلى العراق أثناء الحرب العالمية الثانية . وبعد انتهاء الحرب ومغادرة تلك القوات العراق ، بقي هو في العراق متأثراً ببعض العادات والقيم العربية والإسلامية .

- لما وصل البصرة ، كان يعاني من ظروف نفسية عندما كان في بريطانيا . كانت له زوجة وخمسة أطفال . وكانت علاقته بزوجته ليست سليمة .

-وكان لديه تألم وعدم ارتياح من ظروف المجتمع البريطاني وخاصة من رجل الكنيسة . فكان يعتقد بأن رجل الكنيسة إنسان يفعل شيئاً ويقول شيئاً آخر ، فهو غير واقعي في تصرفاته . وأن ما تطرحه الكنيسة يمتاز بالمثالية وبعيد عن الواقع والحياة . ولديه مستمسكات على ذلك . هذه بعض الصور التي لمستها من حديث والدتي .

-بعد خروج القوات البريطانية استقر في العراق ، واشتغل كموظف مدني في مصلحة الموانئ العراقية .

-طابت له حياة العرب والمسلمين في مدينة البصرة . أعجبته بساطة الناس ، فأخذ يكسب منهم أصدقاء له ، وبدأ يتعلم شيئاً عن الإسلام . ش

- والشيء الذي أعرفه عن سماحة السيد محمد الموسوي (ممثل السيستاني في سوريا آنذاك) الذي التقيت به العام الماضي ، فذكر لي بأن والدي كان يحمل ثقافة في الديانات الأخرى ، وليس المسيحية فحسب . لديه نوع من الإطلاع . لذلك لما أسلم سمي (إدريس) من قبل السيد عبد الحكيم الموسوي (والد السيد محمد الموسوي) . وقال لي بأن السبب بتسميته بإدريس إشارة إلى أنه درس العلوم الدينية .

- بنى والدي علاقات طيبة مع أهالي مدينة البصرة الذين كانوا يذكرونه بعد وفاته . كان يسكن في المعقل . وما زال البيت قائماً حتى الآن . ومازال بعضهم يتذكر أخلاقه وصفاته وبساطته . بعد أن توطدت علاقاته بأهالي المعقل بدأ تدريجياً يذهب إلى المسجد . وبسبب الحساسية بين العراقيين والإنكليز آنذاك ، لم يؤخذ موضوع رغبته بالتدين وقبول الإسلام موضع جد ، وانما أحيط بالحذر ، لأنها حالة لم يسبقها إليها أحد . شخص كان ينتمي إلى القوات البريطانية المحتلة للعراق يمكن أن يصبح مسلماً . فالعلاقة بين الطرفين كان يشوبها الحذر ، ولهم الحق في ذلك . لم أسمع أنه عانى من ذلك ، ولكن سمعت من نقل هذا الموضوع . وازداد حب إمام المسجد ورواد المسجد (جامع المعقل) ازداد له . وكانت علاقته قوية مع إمام الجامع السيد عبد الحكيم الموسوي .

- بعد ذلك اعتنق الإسلام ، وأصبح شديد الإهتمام بالفقراء ومساعدتهم ، باعتبارهم صاحب وظيفة ، والناس آنذاك كانت بعيدة عن الوظائف ومواردها محدودة .
-أعتقد أن الدافع الرئيسي لإعتناقه الإسلام هو عدم رضاه Dissatisfaction عن المسيحية .

- بعد ذلك تزوج من والدتي التي تنتمي إلى عشيرة خفاجة . وبعد ثلاث سنوات من الزواج توفي إثر أزمة قلبية . كنا وقتها أنا وأخي مسافرين مع والدتي إلى لبنان ، لأنها كانت تعاني من الربو . وكنا معها وهي تتعالج . وقد وصلتها برقية تبلغها بوفاة الوالد (عام 1952) . وكان عمره 49 عاماً ( أي أنه من مواليد عام 1905)

-ولما عدنا إلى العراق وجدنا كل شيء قد انتهي . لقد تم دفن الوالد في مدينة النجف الأشرف . وأخفت الوالدة عنا خبر وفاته لسنوات طويلة . وعندما كبرت وبدأت أتردد على الجامع حدثني السيد عبد الحكيم عن موضوع دفن الوالد . فذكر لي بأنه لما توفي والدي ذهب مدير الشرطة ومختار المنطقة والسيد محمد بن السيد عبد الحكيم الموسوي إلى منزله ، ودخلوا الغرفة التي توفي فيها .

- ومن الطبيعي أن الإنكليز ، الذين ما زالوا في العراق آنذاك ، يتولون أمر دفنه . وكان الوالد كأنه عارف أنه سيموت في تلك الليلة فكتب رسالة وجدت إلى جواره يوصي فيها بدفنه على الطريقة الإسلامية ، وأن يتولى السيد عبد الحكيم الموسوي موضوع دفنه . و احتراماً للإنكليز الذين أبدوا رغبة بدفنه ، فقد شارك الإنكليز الذين كانوا في البصرة في مراسم تشييعه . فنقل مشياً على الأقدام من جامع المعقل إلى محطة القطار ، ثم إلى مدينة النجف الأشرف .

- ذكرياتي عن الوالد ضعيفة جداً ، لأن عمري كان سنتين حين وفاته .

- بالنسبة لظروف زواجه بوالدتي . كانت الوالدة تشتغل في مديرية الموانئ . وحصل تعارف بينهما في ظروف العمل ، وتم الزواج عن طريق المسجد .

- أوراقه الشخصية ما زالت في العراق ، عدا أسماء أولاده وعناوين مساكنهم وجواز سفره ومكان ولادته .

- لم يكتسب الجنسية العراقية بل بقي مقيماً بجواز سفره الإنكليزي . وأنا كنت محروماً من الجنسية العراقية حتى مغادرتي العراق .

- بعد وفاته استمرت والدتي بعملها في مديرية الموانئ . واهتمت بتربيتنا بشكل جيد . وقامت بتوظيف الأموال التي تركها والدي للعناية بتربيتنا أنا وأخي . حتى أنها في البداية وضعتنا في مدارس أهلية لمستواها العالي .

- سبّب الإرث لنا مشكلة مع إخواني من أبي . فبعد وفاته كانوا يطالبون بحقوقهم ، ولكن كونه في دولة إسلامية ، وهناك نص في الشريعة الإسلامية بأن غير المسلم لا يرث المسلم . فانحصر الإرث بنا أنا وأخي وأمي ، فحدثت أزمة في العلاقة مع أولاد أبي ، بحيث أنني لحد الآن لا أعرف شيئاً عن إخوتي ، إذ لا يوجد اتصال معهم ، لأنهم حرموا من أي فائدة مادية.

- لم يحصل على تقاعد من مديرية الموانئ لأنه كان يعمل ضمن عقد محدود وليس تعييناً .

- لم تكن لديه نشاطات  خارج المسجد ، لا محاضرات ولا لقاءات ، لكنه كان يهتم بالقضايا الخيرية ومساعدة الناس ، يعطي نقوداً للأطفال ، يعطي هدايا .

- لم يكتب شيئاً سواء حول الأديان أو غيرها .

- لم يقطع علاقاته مع الإنكليز ، وكانت لديه علاقات وطيدة مع المسيحيين العراقيين في البصرة . وأنا لدي لحد الآن صداقات مع عوائل مسيحية تعود إلى علاقة والدي معها . وهي من العوائل المسيحية المتدينة .

- بالنسبة لردود أفعال الإنكليز بعد إشهار إسلامه ، لا أعرف عن هذا الموضوع . وأعتقد أن ذلك شيئاً طبيعياً أن يحدث مثل رد الفعل هذا سواء بين المسيحيين العراقيين أو الإنكليز . ولكن ليس لدي شيء مكتوب أو ذكر لي يخص هذا الأمر  

- في جامع المعقل توجد صورة القرآن الكريم مكتوب بحروف صغيرة جداً ، كان الوالد قد أهداها للمسجد ، وما زالوا يحتفظون بها وقد رأيتها في جامع المعقل .

- الوالد يتكلم شيء من العربية لكنه لا يجيدها بشكل كامل . وكان يتفاهم مع الوالدة بالإنكليزية والعربية .

-كان أولاده كبار في السن كان أحدهم يعمل في القوات البريطانية في الأردن ، حين كان الوالد في العراق . ويعمل في القوة الجوية . وقد حاولت الإتصال به عندما جئت إلى بريطانيا ، ذكر لي موظفون في وزارة الدفاع أنهم يعرفون الإسم  ويعرفون رقم الخدمة ، لكنهم لم يسمحوا لي بالإتصال المباشر به ، فقالوا اكتب رسالة واتركها معنا . فكتبت رسالة ولم أستلم جواباً لحد الآن .

- الشيء الغريب أنه لما قدمت إلى بريطانيا كانت معي مجموعة من الأوراق المتعلقة بالخدمة العسكرية لوالدي . و عندما قدمت طلباً للحصول على الجنسية البريطانية وضعت كل هذه الأوراق في المعاملة ، ضاعت هذه الأوراق ، أحتفظ بنسخ من بعضها . وقد استغربت كثيراً من هذا الأمر ، كيف تضيع أوراق في بلد متقدم كبريطانيا ؟ وحتى لو فكرت من منظور نظرية المؤامرة فماذا يريدون من هذا الشيء ؟ أجد صعوبة بالتفكير بأسلوب التآمر .

بعد سقوط النظام عاد الدكتور كمال البصري إلى العراق وعمل مستشاراً في وزارة المالية ، ثم استقال وتفرغ للدراسات والبحوث المالية، وأسس معهداً مختصاً.
بقينا على تواصل وزيارات متبادلة وكان يعرض علي بعض مقالاته طالباً رأيي فيها وخاصة ما يتعلق بالوضع السياسي والكتل السياسية، فكنت أبدي له الملاحظات.
رحم الله أبا مصطفى وأدخله فسيح جنانه.

أخر الأخبار