• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

الآخر في القرآن الكريم

الآخر في القرآن الكريم

  • 16-04-2020, 15:44
  • مقالات
  • 545 مشاهدة
د. صلاح عبد الرزاق

الاعتراف بالمختلف الديني
يعد المجتمع الإسلامي أول مجتمع بشري اعترف بالآخر الديني . وسبق بذلك الثورة الفرنسية ولائحة الحقوق الانكليزية (الماجنا كارتا) وهو أول وثيقة حقوقية صدرت عام 1215 م ، والثورة الفرنسية عام 1789 وميثاق حقوق الإنسان 1948 واتفاقيات الأمم المتحدة لضمان حقوق الإنسان.
 إذ حالما وصل الرسول (ص) إلى المدينة في عام 622 م أصدر وثيقة المدينة أو دستور المدينة حيث تم الاعتراف باليهود مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات، وأن لهم ثقافة مغايرة لثقافة المجتمع المسلم. وكانوا يمارسون حرياتهم وطقوسهم وتجارتهم وعلاقاتهم . هذا بالمقارنة مع بقية الحضارات السابقة حيث قسم الرومان الناس إلى طبقات هي مجلس الشيوخ ، الفرسان، المواطنون، العبيد وبقية سكان الأرض هم برابرة. واليونانيون قسموا الناس إلى سادة وعبيد يخدمونهم. ومضت أوربا تضع الفروق بين الدول المسيحية حتى عام 1648 في معاهدة ويستفاليا التي أقرت مبدأ المساواة بين الدول المسيحية جميعها سواء الكاثوليكية أو البروتستانتية.

من هو الآخر؟
نقصد بالآخر هو الفرد أو الجماعة التي تختلف عن المجتمع المسلم أو قسم منه. والقرآن الكريم يقسّم المجتمع الإسلامي إلى صنفين:
الأول المسلمين وهم الذي أعلنوا الشهادتين ويخضعون لقانون الدولة ولهم جميع الحقوق والحريات كمواطنين مسلمين.
 والصنف الآخر هم المؤمنون الذين يؤمنون بالعقيدة الإسلامية عن قناعة ، ويلتزمون بالعبادات والأحكام الإسلامية كالصلاة والصيام والحج والزكاة ، ويتمسكون بما أمر الله به ، ويمتنعون عما نهى عنه. وعادة ما يخاطبهم القرآن بقوله (يا أيها الذين آمنوا) . إذ وردت (258) مرة.

أما بقية البشر فيخاطبهم تعالى بلفظة (الناس) وهم البشر. وهم معنيون في الخطاب القرآني حيث وردت كلمة الناس ( 242) مرة في القرآن الكريم.
 الآخر في القرآن أصناف:

أولاً: غير المسلمين ،
 وهم بقية البشر ومن أي دين كان، حيث يدعو الله المسلمين إلى إقامة علاقات طيبة يصفها بالتعارف . كما يقر القرآن بأن الله خلق البشر وقسمهم إلى أمم وشعوب مختلفين. يقول تعالى (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) (الحجرات: 13). كما اعتبر القرآن اختلاف اللغات والألوان من آيات الله (ومن آياته خلق السماوات والأرض ، واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآيات للعالمين ) (الروم: 22) . ولما كانت من آيات الله فكيف يمكن اعتبار الاختلاف في اللغة أو الثقافة أو اللون سبباً في التمييز بين البشر؟

ويأمر القرآن المسلمين بحسن العلاقة مع غيرهم ، وأن يكونوا عادلين تجاههم طالما كانوا مسالمين، سواء غير المسلمين داخل الدولة أو من الأمم الأخرى، يقول تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من ديارهم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم) (الممتحنة: 8) .
كما يقر القرآن حرية الناس في اختيار عقيدتهم وعدم إجبارهم على الإيمان:
-(لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي) (البقرة: 256)
-(أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) (يونس: 99)
-( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) (هود: 118)
-( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ، ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء) (النحل: 93).
- (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا) (يونس: 99)
-( وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر) (الكهف: 29)

لقد ضمن الإسلام حقوق وحريات غير المسلمين (أهل الكتاب) في المجتمع الإسلامي كالعبادات في الكنائس والمعابد والتعليم في مدارسهم، إضافة إلى قضائهم الخاص بهم، وتجارتهم وعلاقاتهم، وحتى استلامهم مناصب في الدولة. وكانت آخر وصية للرسول (ص) تضمنت قوله (الله الله في أهل الذمة) أي رعايتهم وعدم ظلمهم ، وقوله (ص) : من آذى ذمياً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله) . كما أباح القرآن بالزواج من الكتابيات وتشكيل أسر مختلطة لأن الأعمام مسلمون والأخوال مسيحيون.
 
ثانياً: الآخر الفكري والسياسي،
 لم يكن المسلمون في يوم ما متفقين على كل شيء. ففي العصر النبوي كان هناك مهاجرين وأنصار ويهود، والمهاجرين أوس وخزرج ، ثم أصبحوا قرشيين وغير قرشيين، وعرب وموالي ، ثم دخلت شعوب وأمم في الإسلام كالفرس والترك والهنود. وفي كل عصر كانت هناك جماعات سياسية وفكرية ومذهبية وفرق كلامية ومعارضة وثورات وانتفاضات شعبية أو حزبية.
لقد احترم الإسلام خيارات المجتمع السياسية والمذهبية ، يقول تعالى :
-التعددية الفكرية ، (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) ( الزمر: 18)
-التعددية السياسية ، (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ، فأصلحوا بينهما. فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله. فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا، إن الله يحب المقسطين ) (الحجرات: 9).  

لم يحترم الحكام المسلمون هذه الحريات والحقوق التي ضمنها القرآن ، فحاربوا كل رأي مخالف لهم، وكل اجتهاد لا يصب في مصلحتهم، وساعدهم في ذلك جيش من الفقهاء والعلماء الذين كانوا يبررون لهم ملاحقة وتصفية المعارضين السياسيين وأتباع المذاهب الأخرى.

ثالثاً: الآخر الجار،
 حيث يعيش الإنسان في مجتمع يتكون من مجموعة من الأسر والعائلات المتجاورة، تربطهم علاقات ومصالح مشتركة بحكم السكن في مكان واحد. وقد حرص الإسلام على رعاية حقوق الجار القريب أو البعيد. يقول تعالى:
-( وبالوالدين إحساناً ، بذي القربى، واليتامى والمساكين، والجار ذي القربى، والجار الجُنُب، والصاحب بالجَنب، وابن السبيل) (النساء: 36)

وهنا يؤكد القرآن على الجار بثلاثة فئات وهم الجار من الأقارب ، والجار الملاصق لمنزلك ، والجار الأبعد منه . كل ذلك يأتي لبناء علاقات طيبة ومتينة مع أهل المحلة والزقاق باعتبار أن الوضع الاجتماعي والأخلاقي يستدعي التعاون الوثيق بين أبناء الزقاق الواحد في توفير خدمات النظافة والأمن وتقديم المساعدة المالية والمعنوية عندما يكون الجار في حاجة أو ضيق. ورد عن الرسول (ص) قوله: ليس منا من بات شبعاناً وجاره جائع. وورد عنه (ص): ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه.

إن الآية المذكورة لم تحدد العلاقة بالجار (الجار الجُنُب والصاحب بالجنب) بكونه مسلم أو من نفس المذهب أو القومية، بل جاءت على الإطلاق سواء كان الجار مسلماً أو غير مسلم. ولدينا العديد من الروايات التي تتحدث عن الإحسان والعفو للجار غير المسلم حتى وإن بدا منه أذى.

فهذه منظومة الإسلام الأخلاقية في التأكيد على الروابط الإنسانية بين البشر ، وعد الاعتراف بأية حدود أو تمييز عرقي أو لغوي أو ديني أو مذهبي لأن أساس التفاضل هو الأخلاق والتقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وليس لون بشرتكم ، أو تفوقكم الاقتصادي أو مستواكم المعيشي أو مناصبكم السياسية أو الحكومية أو أي فرق وضعي.

عندما نقارن بين ما أراده الله تعالى منا ، وما تضمنه القرآن الكريم وما أوصى به  الرسول الكريم (ص) ، وبين واقعنا المعاصر في التكفير وفتاوى القتل بين المسلمين ، والقتل العشوائي وأساليب التعذيب والذبح والأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة ، وكلها تمارس تحت لافتات إسلامية وشعارات دينية . إن جرائم التطرف الإسلامي المنطلق من الجماعات الأصولية الإسلامية وأمراء الحروب وشيوخ الفتنة وما يروجونه من تبريرات شرعية ، وحجج قرآنية كلها دليل واضح بين ما دعا إليه الإسلام ونصوصه وبين الواقع الإجرامي والوحشي الذي يصبغ سلوك الجماعات الإرهابية.

أخر الأخبار