دجلة يحتضر.. الأتراك يغلقون المنابع والعراقيون "يتفرّجون" على موت النهر وحيداً
- اليوم, 18:18
- تقاير ومقابلات
- 13 مشاهدة
"Today News": متابعة
فيما تُعلَّق لافتات الانتخابات على الجدران، ويحتدم الصراع على المقاعد، هناك على ضفاف دجلة مشهدٌ آخر لا يشاهده أحد: نهرٌ يختنق، وماءٌ ينحسر، وتاريخٌ يذوب في الطين.
أدرك العراقيون الخطر، فبدأوا يتداولون صور دجلة، والجفاف الذي ضرب مناطق منه، فصار الجميع يدعو لإنقاذ شريان العراق، بعد تفاقم مظاهر الجفاف والتلوث، وسط تراجعٍ مريع في تدفق المياه من المنابع التركية والإيرانية، و “فشل” المفاوضين باستحصال حصة العراق، وفق رؤية الخبراء.
جفافٌ يبتلع النهر
يواجه نهر دجلة اليوم أدنى منسوب مائي منذ أكثر من ثمانية عقود، بحسب تقارير وزارة الموارد المائية. فالأتراك أحكموا السيطرة على منابع النهر عبر مشاريع السدود العملاقة، أبرزها “إليسو”، الذي قلّص تدفق المياه إلى العراق بنسبةٍ تتجاوز 60٪، فيما أقدمت إيران على تحويل مجاري عدة روافد كانت تصب في دجلة نحو أراضيها.
أراضٍ زراعية عطشى، ومواسم انتهت قبل أن تبدأ، ومزارعون هجروا قراهم بعد أن تحوّلت السواقي إلى مجاري ترابية جافة.
أحد المزارعين في ميسان يقول: “كنا نسقي النخيل من دجلة، واليوم نشتري الماء بالصهاريج. النهر مات، ونحن نموت معه”.
تلوثٌ يقتل الحياة الباقية
ليس الجفاف وحده ما يخنق دجلة، بل التلوث أيضاً، المتمثل بآلاف الأطنان من مياه الصرف الصحي التي تُضخ يومياً إلى مجرى النهر دون معالجة، فيما تخلط مياه الصرف الصناعي والزراعي بالتيار الرئيس، لتتحول إلى خليطٍ سامٍّ يهدد البيئة والبشر.
دراسة محلية حديثة كشفت أن نسبة الملوحة والمواد الثقيلة في مياه دجلة تجاوزت الحدود الآمنة بأضعاف، خصوصاً في بغداد والجنوب.
الأسماك تقلّصت، والمياه باتت غير صالحة للشرب في أغلب المناطق، والمجاري باتت جزءاً من النهر الذي كان يوماً منبع الحياة.
الانشغال بالانتخابات وصمت السياسة
يقول العراقيون: “في الوقت الذي تتراجع فيه المياه وتزداد الملوحة، يبدو أن السياسيين منشغلون بسباقهم الانتخابي أكثر من سباق الزمن لإنقاذ النهر”.
ويضيف بعض الخبراء، أن “ملف المياه لم يُطرح بجدّ على طاولة الحكومة، ولم تُحرّك بغداد مفاوضات فاعلة مع أنقرة وطهران لضمان الحصص المائية”.
غياب الإرادة السياسية جعل النهر بلا صوتٍ يدافع عنه، حتى حملات الإنقاذ التي انطلقت يقودها ناشطون ومتطوعون بيئيون لا مسؤولون رسميون، ما يكشف حجم الإهمال الذي يطال هذا الشريان الحيوي.
الإنقاذ ممكن.. إن وُجد القرار
يرى مراقبون أن إنقاذ دجلة ليس مستحيلاً، لكنه يحتاج إلى قرارٍ جاد وشجاع، يبدأ من دبلوماسية مائية حقيقية مع تركيا وإيران، ويمرّ عبر تحديث منظومة الري ومعالجة المياه، وينتهي بثقافة وطنية تعتبر الماء أمنًا قومياً لا ملفاً ثانوياً.
الحملة الشعبية طالبت الحكومة بعقد اتفاقيات ملزمة لتأمين حصة العراق المائية، وإنشاء محطات لمعالجة مياه الصرف، وتنفيذ رقابة بيئية صارمة على من يلوث النهر بمياه المجاري.