الجدل حول القرآن .. موقف الشرع والعقل
"Today News": بغداد
المراء في آيات القرآن : دراسة تحليلية
-خصوصية المفردةالقرآنية(44)
*﷽* {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ }
[الأنعام:58]
*﷽* {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ}
[غافر:4]
????تطرقنا في القسمين الأول والثاني من بحثنا بعنوان[الجدل والجدال والمجادلة: دراسة قرآنية لغوية ] إلى كثير من المفاهيم والقضايا، وبقيت ظاهرة خطيرة لمسنا ازديادها في بعض منصات و منتديات وبرامج اعلامية،وتحدث بين مبلّغين ودعاة وباحثين في الشأن القرآني؛ يخوضون في جدالات تفضي إلى مراء في القرآن؛لماذا قال القرآن كذا ولم يقل كذا؟!وكيف يصح قوله -سبحانه- هكذا بينما الصحيح في علم النحو هكذا!؟
????حرمة الجدال حول القرآن
وقد وصف الله ﷻ المجادلين في آيات القرآن بالكفر ، والمراد الجدال بالباطل ، من الطعن فيها ، والقصد إلى إدحاض الحق ، وإطفاء نور الله ﷻ .
وقد دل على ذلك في قوله ﷻ {وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق} . فأما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها ، وحل مشكلها ، و مقادحة أهل العلم في استنباط معانيها ، و ردّ أهل الزيغ بها وعنها ، فأعظم جهاد في سبيل الله ﷻ.
وقال أبو العالية :
آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن ؛
_قوله ﷻ:
{ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا} ،
_وقوله ﷻ:
{وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد} .(الطبري)
☆جدال نمرودوإبراهيم
والجدال لإثبات الحق ودحض مزاعم الطاغوت مهمة رسالية،و يتضح ذلك بجلاء في [سورة البقرة ] عند قوله ﷻ :
{ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه...} .
فممن جادل في آيات الله ﷻ وادعى لنفسه ما ليس فيه طاغوتٌ حاكم ببابل كان اسمه نمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح (ع)،أي أن جد جده نوح النبي (ع)، والقرآن يذكر لنا مجادلته مع النبي إبراهيم (ع) :
*﷽* {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ :
-قَالَ إِبْرَاهِيمُ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ
-قَالَ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ
-قَالَ إِبْرَاهِيمُ :فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ !!!
فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (البقرة258)
قال له إبراهيم (ع):
"ربي الذي يحيي ويميت "، يعني بذلك: ربي الذي بيده الحياة والموت، يحيي من يشاء ويميت من أراد بعد الإحياء. فقال نمرود: أنا أفعل ذلك، فأحيي وأميت؛أستحيي من أردت قتله فلا أقتله، فيكون ذلك منّي إحياء له [ وذلك يسمى عند العرب"إحياء" كما قال ﷻ : {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] و أقتل آخر، فيكون ذلك مني إماتة له. ولكن إبراهيم جاءه بالدليل الدامغ فلم يحر جواباً.
????ويذكرالتاريخ أن أربعة نفر ملكوا الأرض؛ مشرقها ومغربها : مؤمنان و كافران،
فالمؤمنان:
_ سليمان بن داود (ع)
_وذو القرنين،
والكافران:
_ بختنصر(نبوخذنصر)
_ونمرود بن كنعان،
ولم يملكها غيرهم.
????لاينبغي للعالمٍ الجدل:
قال ابن مسعود :
(لا تَعلّموا العلم لثلاث: -لتماروا به السفهاء،
-وتجادلوا به العلماء، -ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم،
وابتغوا بقولكم ما عند الله، فإنه يدوم ويبقى، وينفد ما سواه)[الدارمي موقوفاً على ابن مسعود ١/ ٧٠.]
????جدال أهل القرآن مُضِرّ:
من تجربتي في إدارة المنتديات القرآنية و عضويتي في كثير منها؛فقد آلمني وأرّقني الجدال المطوّل بين أهل القرآن حول
-كلمات القرآن،
-وتفاسير القرآن،
-ومفاهيم القرآن
-وقراءات القرآن.
حتى أفضى جدالهم إلى التكفير والتفسيق لأحدهم الآخر لمجرد الإختلاف في وجهات النظر،مع الأسف الشديد.
والجدل حول مفاهيم القرآن وتفسيراته ظاهرة موجودة، لكنها لا تعني أن القرآن نفسه محل جدل، بل هو كلام الله ﷻ الذي {لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} (فصلت:42).
وهنا تذكر المصادر الموثوقة التي ذكرت أبا الحسين أحمد بن يحيى ابن الراوندي ومحاولته معارضة القرآن، وردّ العلماء عليه،و الراوندي
ولد في القرن الثالث الهجري (حوالي 210هـ) في “راوند” من نواحي أصبهان،وكان في البداية من المعتزلة، ثم ترك مذهبهم وبدأ يهاجم القرآن والعقيدة الإسلامية.وذكرت ذلك العديد من المصادر ومنها:
1️⃣ الفهرست لابن النديم (ص 203)يقول: «وكان ابن الراوندي في أول أمره حسن المعرفة بالكلام والجدل، ثم انسلخ من الملة، وصنّف كتبًا كثيرة في الطعن على النبوة والقرآن، منها كتاب الزمردة... فقام عليه العلماء وردّوا عليه، ونهوه عن ذلك، فتمادى، فصار إلى الإلحاد.»هذا الشخص حاول معارضة القرآن وبيان "تناقضه" بزعمٍ منه،لكن العلماء — أئمة الكلام والفقه في عصره — أنكروه ونهَوه عن الاستمرار.
2️⃣ الملل والنحل للشهرستاني (ج1 ص86)يقول:
«وقد بلغ ابن الراوندي من الجرأة أن ألّف كتاب [الزمردة] في الطعن على النبوة، وزعم أن القرآن فيه ما يناقض بعضه بعضًا، وأنه يمكن الإتيان بمثله، فقام العلماء عليه وقوّضوا قوله بالحجة، حتى عُدّ في الزنادقة.» الشهرستاني هنا يوضح أن ابن الراوندي ادعى وجود تناقض في القرآن وحاول أن يأتي بمثله، فتصدى له العلماء بالحجة والمناظرة.
3️⃣ الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي (ص 198)يقول: «وزعم ابن الراوندي أن القرآن كلام محمد، وأن فيه التناقض، فأنكر عليه العلماء، ونهوه عن ذلك، فلم ينتهِ، فهجره الناس، ومات على زندقته.»
من المعروف أن القاضي عبد الجبار الهمذاني ردّ عليه في كتاب المغني في أبواب التوحيد والعدل.
وأبو الحسن الأشعري كذلك ناقش أفكاره في مقالات الإسلاميين.
وابن قتيبة الدينوري ردّ على شبهاته في تأويل مختلف الحديث.
وذُكِر أن اشخاصاً آخرين حاولوا أن يقوموا بمثل ما قام به ابن الراوندي، كابن المقفع والفارابي وابن سينا والكندي وابن حيان وابن رشد و ابن الهيثم وابي العلاء المعري، ففشلت جهودهم وخابت مساعيهم. [موقع مرايانا].
????منشأالجدل والخلافات:
يجب أن يتجنب أهل القرآن الجدل المذموم الذي يضرب الآيات بعضها ببعض ويخالف منهج الصواب.
وتعود أسباب الاختلاف في التفسير الى:
_اختلاف القراءات
_اختلاف أسباب النزول
_اختلاف النقل
_اختلاف في فهم اللغة العربية،سابقاً وحالياً
_اختلاف طرق التفسير.
????الختام:
لقد ورد في الحديث عن النبي وأهل البيت ﴿ ﷺ وآله ﴾: أن للقرآن ظهراً وبطناً، ولبطنه بطناً إلى سبعة أبطن، -وفي رواية- إلى سبعين بطناً.
وخبر السبعين بطناً للقرآن رواه العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان ج1 ص17 و ورد في كفاية الأصول ص38.
وهذاالحديث وإن كان لم يصل إلينا بسند معتبر، إلا أن الحكم بكونه مكذوباً وباطلاً فيه مجازفة كبيرة، فإن في [الكافي] زجراً عن المسارعة إلى رد الأخبار، حتى قال الإمام الباقر «ع» في ضمن حديث: «..وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج، وإلينا أسند، فيكون بذلك (يعني الراد للخبر) خارجاً عن ولايتنا» ( الكافي،للكليني، ج2 ،ص223 ).
كما أنه ثمة روايات تقول: (إن القرآن حمال ذو وجوه، أو ذو وجوه كثيرة، أو بطون، وأن له ظهراً وبطناً، أو سبعة بطون) فقد ذكرها السيد جعفر مرتضى العاملي مع مصادرها في كتابه: الصحيح من سيرة النبي الأعظم «ص» ج2 ص317 ـ 320، فتأمل.
????مصادر مهمة:
1.استخراج الجدال من القرآن الكريم/ناصح الدين ابن الحنبلي.
2-إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين – جزء “آفة الرابعة: المراء و الجدال”.
3-استخراج الجدال من القرآن الكريم/ ناصح الدين ابن الحنبلي،.
4-الجدال في القرآنحذيفة بن حسين القحطاني/دراسة مركّزة عن أنماط الجدال في القرآن.
5-الجدال والمراء/محمدصالح المنجد/ 64 ص.
6-الصحيح من سيرة النبي الأعظم/جعفر مرتضى العاملي، بيروت-لبنان.
7-أضواء قرآنية على دور الجدال والحوار في الدعوة للإسلام/إحسان عبد المنعم سمارة.
د.رعدهادي جبارة
الأمين العام
للمجمع القرآني الدولي
أمس, 12:23 مليون دونم على عتبة التصحر في العراق
اليوم, 14:19 الجدل حول القرآن .. موقف الشرع والعقل
د.رعدهادي جبارة27-10-2025, 19:54 في رحاب ولادة السيدة زينب الكبرى (ع): صوت البطولة والوعي والعدالة الإلهية
د. وليد الحلي27-10-2025, 12:10 انتخابات العراق … أزمة التمثيل وإشكالية التفويض
إبراهيم العبادي25-10-2025, 19:11 الجدل والجدال والمجادلة .. دراسة قرآنية لغوية 2
د.رعدهادي جبارة