• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

٣٠ مرقد السيد ادريس نقيب الأشراف في الكرادة الشرقية

٣٠ مرقد السيد ادريس نقيب الأشراف في الكرادة الشرقية

  • 29-01-2024, 11:23
  • مقالات
  • 154 مشاهدة
د. صلاح عبد الرزاق

"Today News": بغداد 

سلسلة مراقد أولاد وأتباع أهل البيت (ع) في بغداد ١
من هو السيد إدريس؟
قبل الشروع بكتابة هذا المقال واجهت مشكلة تجديد نسب السيد ادريس نزيل الكرادة الشرقية ببغداد. فقد وجدت أربع شخصيات بهذا الاسم كلهم ينتمون إلى أهل البيت (ع) . وقد وردت أخبارهم وأنسابهم في كتب الرجال والأنساب لكن يبقى تحديد أي منهم هو المدفون في الضريح بالكرادة الشرقية، وهم:

الأول: السيد إدريس بن عبد الله المحض بن الحسن المثني بن الحسن بن علي أبي طالب. وأمه عاتكة بنت عبد الملك بن الحرث الشاعر بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي.
يقول صاحب (عمدة الطالب) أن عبد الله المحض قد مات في حبس أبي جعفر الدوانيقي مخنوقاً. وكانت السلطة تشك بأنه يتآمر للإطاحة بالدولة العباسية. (١) وقد مات وهو ابن خمس وسبعين سنة في محبسه بالهاشمية سنة ١٤٥ هـ. وكان يتولى صدقات أمير المؤمنين علي (ع) بعد أبيه الحسن (ع). وأضاف: أعقب عبد الله المحض من ستة رجال ، محمد ذي النفس الزكية ، وإبراهيم قتيل باخمرى ، وموسى الجون وأمهم هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن ربيعة بن الأسود بن المطلب بن أسد. ويحيى وإدريس وأمهما عاتكة المخزومية. (٢)
يقول صاحب (مقاتل الطالبيين) أن إدريس وأخويه يحيى وسليمان بنو عبد الله بن الحسن بن الحسن قد خرج ضمن عدد من آل أبي طالب مع الحسين بن  علي صاحب فخ في الثورة على الحكومة العباسية في عهد الخليفة موسى الهادي. وقد فشلت الثورة وقضى الجيش العباسي على الثوار فقتل من قتل وهرب من هرب. (٣)

وقد أفلت إدريس من وقعة فخ ، ومعه مولى يقال له راشد ، فخرج به في جملة حجاج مصر وأفريقيا. فوصلا مصر ثم التحقا بقافلة متوجهة إلى أفريقيا (يقصد بها تونس وليبيا والجزائر والمغرب الحالية). وسلكا طريقا بعيداً عن المسالح (السيطرات الأمنية) . بقي إدريس يسير مع راشد حتى وصل إلى بلاد المغرب في مدن يقال لها فاس وطنجة ، فأقام بها واستجابت له البربر. (٤) وقد تزوج إدريس من امرأة بربرية وأنجب منها إبناً ، ولد بعد وفاة والده ، فسمته أمه إدريس بن إدريس. وذكر أن المغاربة وضعوا التاج على بطن والدته احتراماً له ، فولدته بعد أربعة أشهر.
وأسس دولة الأدارسة التي امتدت حتى استولت على شمال أفريقيا ومنها تونس ، ثم هاجمت مصر وفتحتها ، وتأسست الدولة الفاطمية بعد إنشاء مدينة القاهرة. وامتدت الدولة قرابة قرنين ونصف القرن حتى سقطت على يد صلاح الدين الأيوبي.

الثاني: السيد إدريس بن موسى الثاني عبد الله بن موسى الجون بن الحسن بن علي بن أبي طالب. قال عنه صاحب (مقاتل الطالبيين) ، أن والده موسى بن عبد الله قد ألقي القبض عليه في المدينة المنورة من قبل سعد الحاجب وكان رجلاً ناسكاً زاهداً  ، وأخذوا معه ولده إدريس. فلما صار سعيد بناحية (زبالة) من جادة الطريق ، اجتمع خلق من العرب من بني فزارة وغيرهم لإطلاق سراح موسى من يده ، فسقاه السم ومات هناك ، فقطع رأسه وحمله إلى الخليفة المهتدي في المحرم سنة ٢٥٦ هـ  . وتمكنت بنو فزارة من تحرير ابنه ادريس. (٥)

ويقول السيد محسن الأمين : كان إدريس بن موسى الثاني كان سيداً جليلاً وهو لأم مغربية تسمى أمة المجيد. وبعد أن ينقل السيد محسن الأمين عن المسعودي في (مروج الذهب) الحديث عن قضية تخليص إدريس من قبل بني فزارة من يد جنود سعيد الحاجب . وأن آدريس بن موسى كان مع أحمد بن عيسى بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما خرج بالري (جنوب طهران) سنة ٢٥٠ هـ  يقول (ويوجد بالقرب من بغداد مكان يُعرف بالكرادة فيه قبر ادريس من ولد الحسن عليه السلام ، يعظمه أهل تلك النواحي ويزورونه ، وإليه تنسب جهة من جهات الكرادة فيقال فيها كرادة إدريس).(٦)

وقد نقل صاحب (مراقد المعارف) ما ورد في (عمدة الطالب) دون تحقق فقال وأن السيد إدريس الحسني هو (السيد إدريس بن موسى الثاني بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع) ، توفي سنة ٣٠٠ هـ ، عن عمدة الطالب) (٧)
ونقل قصة بني فزارة وإدريس بن موسى  عن المسعودي في (مروج الذهب) ، ثم نقل ما ورد في (أعيان الشيعة) مباشرة الحديث عن مرقده في الكرادة دون ربط بين نسب إدريس والمرقد. ثم قال (كانت عليه قبة تتعاهده الشيعة الإمامية بالزيارة ، وتنذر له النذور على أنه من سلالة الإمام الحسن المجتبى السبط. وكانت لهم حسن عقيدة به ، حيث ان ضواحي بغداد من هذه الجهة التي تُعرف بالكرادة ، نسبة إلى المزارعين الذين يسقون بالكرود مفرده كرد ، وهو آلة رافعة للماء. كانت كلهم شيعة إمامية وإلى اليوم أصحاب زراعة وبساتين عامرة على دجلة). (٨)

وفي حديثه عن مرقد السيد ادريس ينقل الكاتب يونس السامرائي عن السيد محسن الأمين قوله (ويذكر العاملي أنه يوجد بالقرب من بغداد .... الى آخر القول) ، ثم يعلق بالقول: والحقيقة آنه لا توجد منطقة باسم كرادة إدريس وانما المنطقة التي يوجد فيها مرقده تسمى منطقة السيد ادريس) ، ولكن كيف ومتى جاء إلى الكرادة حتى دُفن فيها. وأضاف: في الواقع لم يشر أي مصدر إلى ذلك. والذي يمكن أن نرجحه أنه قُتل سنة ٣٠٠ هـ كما جاء في (عمدة الطالب) من قبل أحد قواد المقتدر بالله ، وحُمل رأسه إلى بغداد أي إلى الخليفة العباسي. وبطريقة ما نُقل الرأس إلى الكرادة فدفن فيها، وهو احتمال لا يستند إلى دليل. والمعروف عند أهالي الكرادة أنه كان لمرقد السيد ادريس قبر صغير وبسيط ليس له قبة ، وغير مسوّر. وكان محاطاً بالبساتين والمزارع ، وبجواره مقبرة ومغيسل صغير لغسل الموتى مجاور لجدار مستشفى الكلية العسكرية سابقاً (الخستخانه). وقام الشيخ مصطفى البغدادي في تعمير قبره، فبنى له قبة زرقاء. أما السياج الخارجي فقد قام مؤخراً بتشييده السيد أحمد البكري في أيلول ١٩٦٣. وقد ذكر الشيخ جلال الحنفي في كتابه (معجم اللغة العامية البغدادية ( ج ١ ، ص ١١٣) ما نصه (وسيد ادريس
(٩)

لا يمكن التعويل على ما ذكره يونس السامرائي لكونه يتحدث في العصر الحديث أو في منتصف القرن العشرين. فهو حديث واقع حال يفتقد لأي مصدر تاريخي. كما أن محسن الأمين اعتمد على المسعودي في (مروج الذهب) الذي ذكر رواية تخليص إدريس من شرطة سعيد الحاجب ، ولم يتحدث عن مصير إدريس ، وأين أخذه بنو فزارة. ثم يذكر الأمين خبراً عن مرقد السيد إدريس في الكرادة ، ولم يتوثق من أن المرقد فعلاً لإدريس بن موسى أم شخص آخر. من جانب آخر لو كان قد توفي عام ٢٥٠ أو ٣٠٠ هـ لذكره المؤرخون الذين كتبوا عن بغداد مثل ما كتبوا عن الشيخ معروف الكرخي المتوفى عام ٢٠٠ هـ أو الحلاج عام ١٩٠ هـ  وأبو حنيفة توفي عام ١٥٠ هـ وكلهم ماتوا في القرن الثاني الهجري / العاشر الميلادي.

الثالث: ما ورد في (دليل العتبات والمقامات والمزارات الشيعية) عند الحديث عن مرقد إدريس الكرادة
فهو (نقيب النقباء للسادة الأشراف حسبما ذكره المختصون من أصحاب السير. وقد منحه الشاه إسماعيل الصفوي صفة نقيب النقباء عام ٩١٤ هـ ، وامتدت نقابته إلى زمن السلطان سليمان القانوني (حكم ١٥٢٠- ١٥٦٦ م ) في العهد العثماني. وكان لقبه (السيد إدريس بهاء الدين) ومن الصلحان الأخيار الأبرار). فهو قد عاش في القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي.
أما نسبه فهو: (السيد إدريس بن جماز بن نعمة الله بن علي القصير بن أبي القاسم يحيى (زحيك) بن منصور بن محمد بن يحيى بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن محمد المحدث بن طاهر بن الحسين القطعي بن موسى أبي سبحة بن إبراهيم الأصغر بن الإمام موسى الكاظم ع).

وقد ذهب بعض المحققين إلى أنه من سلالة الإمام الحسن السبط (ع) ، لكن فريقاً من الباحثين وذوي الخبرة في الأنساب أثبت نسبه المنتهي إلى الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع). الجدير بالذكر أن اسم (إبراهيم الأصغر بن الأمام موسى الكاظم) قد ورد باسم إبراهيم الأصغر واخر باسم إبراهيم الأكبر في كتاب (عمدة الطالب في أنساب أبي طالب) (١٠)
وقد ذكره الشيخ محمد حسن آل ياسين حيث ذكر أن الإمام الكاظم (ع) كان له ابنان باسم إبراهيم ، وهما إبراهيم الأصغر وابراهيم الأكبر (١١)

وقد أعقب السيد ادريس في نقابة الأشراف ولده السيد سلطان كمال الدين للفترة ( ٩٤٨- ٩٧٦ هـ / ١٥٤١ – ١٥٦٨ ) ثم ابنه سليمان بن سلطان ( ٩٩٧ هـ / ١٥٨٩ م ) ثم حفيده السيد محمد الدرّاج نقيب نقباء أشراف العراق (١٠٣٢- ١٠٤٦ هـ / ١٦٢٣- ١٦٣٧ م) والذي قُتل في عهد السلطان مراد الرابع على يد والي بغداد درويش محمد باشا ( اسم الوالي غير دقيق ) .

ومن ذرية السيد ادريس آل السيد محمد الدراج الملقبون بآل النقيب في كربلاء وبغداد وكذلك السادة آل ثابت.
لقد بقي السيد إدريس بهاء الدين في مركزه نقيباً للسادة الأشراف في بغداد إلى أن توفي بها سنة ٩٤٨ هـ /  ١٥٤١ م ، ودُفن وسط أملاكه التي أوقفها في حياته في منطقة (كلواذى) أي الكرادة الشرقية حالياً.


ويبدو أن الوقف الشيعي ينفي ما ورد أعلاه في دليله الصادر عام ٢٠٠٦ حيث جاء في (دليل المزارات ) في موقع ديوان الوقف الشيعي لعام ٢٠٢٣ أن (إدريس بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون بن عبدالله المحض بن الحسن المثنى السبط بن علي بن أبي طالب (ع). جيء به أسيراً من المدينة مع أبيه وأهله إلى بغداد. كان السيد إماماً للجماعة ومفتياً للمنطقة. بعد ذلك أوشى المنافقون أن هناك سيد جديد في الكرادة يوجه الناس بنسبه إلى آل محمد (ص) فجاءته الجندرمة العباسية (شرطي بالتركية). ودارت معركة في هذا المكان استشهد فيها السيد والكثير من وجهاء المنطقة الذين دافعوا عنه في سبيل الدين. (١٢)
 
وتبدو الرواية مضطربة إذ لم تذكر سنة قدوم السيد ادريس ووالده موسى إلى بغداد ، وفي عهد أي خليفة. كما أن المؤرخين ذكروا أن سعيد الحاجب قد سمّ موسى ، وأن بني فزارة أنقذوا إدريس من شرطة الحاجب. فكيف جاء والده معه؟
لم تذكر الرواية تاريخ حدوث المعركة التي استشهد فيها السيد ادريس ، وأين مصير والده؟ هل بقي بعد شهادة ولده إدريس ؟ وأين دُفن؟ ولم تذكر المصادر التاريخية مثل (مقاتل الطالبيين) أية رواية عن مقتل ادريس بن موسى في ضواحي بغداد.

كلواذا آم الكرادة الشرقية
يذكر العلامة مصطفى جواد أنه (كانت قرية اسمها كلواذا تقع على الطريق العام بين منطقة بغداد والمدائن. ولا شك في أن هذا الطريق العام الذي كان يربط منطقة بغداد بالمدائن هو نفس الطريق الذي وصفه المؤرخون العرب بعد أن شُيّدت مدينة بغداد. فقد كتب ابن رسته وصفه قال: من بغداد إلى كلواذا ثلاثة فراسخ ، الطريق ينحدر مع دجلة فتسير حتى تنتهي إلى كلواذا مدينة بها مسجد جامع ومنبر وأسواق. ومن كلواذا إلى الزعفرانية الطريق إلى الزعفرانية الطريق منحدر مع دجلة في صحراء ومزارع ونخيل ونواويس على شط دجلة حتى تنتهي إلى معسكر وصحراء ملساء. وعلى شط دجلة قرية يقال لها الزعفرانية ومنها إلى المدائن). (١٣)

لقد كانت قرية كلواذا عامرة بالحركة والنشاط قبل تشييد مدينة بغداد المدورة في الجهة الغربية (العطيفية الحالية) . يذكر المؤرخ ياقوت الحموي أنه (كان لأهل كلواذا سوق يسمى سوق الثلاثاء يرتاده أهل كلواذا. وكان يقام السوق في كل شهر مرة يوم الثلاثاء فنسب إلى اليوم الذي كانت تقوم فيه السوق).
وعندما أنشأت الرصافة وضع لها أربعة أبواب هي باب السلطان ، الباب الوسطاني  ، باب الطلسم ، وباب كلواذا. والأخير يقع جنوباً ، وهو الذي كان يوصل إلى قرية كلواذا والمزارع والبساتين حولها. وقد سمي باب كلواذا بباب البصلية حيث أنشأت محلية البصلية بجواره ، وهي إحدى المحلات الكبيرة التي ذكرها ياقوت الحموي أن الخليفة المقتدي أنشأها . وكان قد اتخذ أحد قواد المغول مقر معسكره بإزاء باب كلواذا في أثناء الحصار المغولي. وإلى خارج هذا الموضع جيء بالمستعصم آخر الخلفاء العباسيين بعد سقوط بغداد ثم لاقى حتفه عقيب ذلك . وموقع هذا الباب في محل الباب الشرقي). (١٤)

وكان جزء كبير من بناية الباب الشرقي يقع في ساحة التحرير الحالية الذي بقي قائماً حتى عام ١٩٣٧ عندما هدمه أمين العاصمة أرشد العمري.
إن المصادر القديمة تحدثت عن قرية كلواذا وأنه كان فيها مسجد وسوق، ولكن هل اندثرت هذه القرية أم قامت مكانها الكرادة الشرقية. وبسبب عدم وجود ذكر للقرية والمسجد أو اسم بانيه ، وكم بقي قائماً، يرجح عدم بقاء القرية.

من جانب آخر حتى دخول الانكليز بغداد عام ١٩١٧ كانت منطقة الكرادة قرية صغيرة تضم بساتين ومزارع ، وفيها بضعة قصور لأثرياء بغداد ، والباقين دور للفلاحين بني معظمها من الطين. وكان الفلاحون يحملون الخضراوات من مزارعهم إلى أسواق بغداد على ظهور الدواب. وقد بنى اليهود سبعة بيوت لهم وسميت منطقة سبع قصور. وكانوا يمتهنون التجارة والأعمال الحرفية.
في أربعينيات القرن العشرين هاجرت الكثير من أسر بغداد العريقة إلى الكرادة الشرقية فصارت من أرقى محلات بغداد. وكان يسكنها يهود ومسيحيون ، حتى تم ترحيل اليهود عام ١٩٥٠ ، واليوم غالبية سكانها من الشيعة ، وفيها العديد من المساجد والحسينيات الشيعية.
من ذلك يظهر أن الكرادة لم تكن منطقة متحضرة أو بلدة ذات محلات سكنية وأسواق في عام ٣٠٠ هـ ولم ترد في المصادر القديمة.

مرقد السيد إدريس
يقع المرقد في الكرادة الشرقية حيث ينشعب شارع السيد ادريس من الشارع الرئيس للكرادة داخل. وتبلغ مساحته (٦٢٠٠ متر مربع).
وقد جرت عليه إصلاحات وإضافات هامة منذ عام ١٩٦٣ من قبل الوجيه مصطفى البغدادي. وقد زار المرقد الشيخ محمد حرز الدين في ٥ نيسان ١٩٦٦ وجاء في وصفه (كانت عمارة قبره فخمة جديدة البناء ، رسم قبره شباك خشبي فوقه ستار أخضر. في وسط حرم وجدنا في الزائرين ، وكانت عليه قبة عالية كما تشاهد في التصوير ، مغطاة بالقاشاني الأزرق الملون . وعلى باب مرقده الثاني لوحة فيها زيارته ونسبه إلى الإمام الحسن السبط (ع) ومن سعى بتعميره. وفي اللوحة أيضاً أبيات ثلاثة وهي:
نسب تستمد منه ذكاء *** زانه الله رفعة وجلالا
نسب ينتمي لخير نبيّ *** ملأ الكون والدنا أفضالا
نسب ينتمي لخير وصيّ*** لم يزل للأنام طراً مثالا

ويحيط بمرقده صحن واسع فيه قبور عليها دكاك بارزة ، ويدفن المسلمون موتاهم فيه من الفريقين. (١٥)
 
وذكر كاتب آخر آن السياج الخارجي قد شيّده السيد أحمد جفال البكري في أيلول عام ١٩٦٣ . وقال: تأكد لنا أن سدانة ضريح السيد إدريس لا تعود في تاريخ وجوده إلى أبعد من القرن الحادي عشر الهجري حيث كانت السدانة بأيدي عائلة تُعرف ببيت ملا هادي ، ثم آلت إلي بيت عيسى  الگيّم في فترة متأخرة جداً. وقد تمت السدانة بعد الربع الأول من القرن الرابع عشر الهجري وليس الحادي عشر.

زيارتي لمرقد السيد ادريس
في ٦ شباط ٢٠٢٣ قمت بزيارة مرقد السيد ادريس. البناء يشابه بقية العتبات المقدسة والمزارات الشيعية المنتشرة في أنحاء العراق. للمرقد صحن كبير لخدمة الزائرين حيث يجلسون فيه للدعاء والصلاة والاستراحة. وبعد عام ٢٠٠٣ تم إزالة أبنية كانت متجاوزة على الصحن. كما تم إضافة أبنية جديدة استخدمت كمكاتب إدارية وخدمات ومخازن وغيرها. أرضية الصحن مكسوة بالغرانيت الرمادي والرخام الملون.
بوابة المدخل المطلة على الشارع والتي هي جزء من السياج الخارجي كانت واطئة الارتفاع ثم أضيف إليها برج وساعة ومنارة ذهبية فوق البوابة. البرج مربع الشكل مزين بالقاشاني الملون ويحتوي على زخارف نباتية. وللبرج شرفتان يحيط بكل منهما محجر معدني.
أما البوابة فهي تشبه محراب غائر داخل الجدار ، وسقفه من المقرنصات المزينة بالقاشاني الملون. فوق البوابة افريز باللون الأزرق المزين وعليه آية (سلام عليكم فنعم عقبى الدار). وفوق القوي المغلف باكاشي الزجاجي الفيروزي كتبت عبارة (الله) و (أكبر). وتحت القوس توجد كتابة (الإمام الرضا) . وفوق الباب يوجد إفريز أزرق من ثلاثة جوانب مكتوب عليه (بسم الله الرحمن الرحيم . وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا، حتى إذا جاؤها وفُتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين).
وعلى الجهتين الخارجيتين للبوابة نقشت أسماء الله الحسنى. وعلى الجهتين الداخليتين نقشت زيارة المقام الطاهر (بسم الله الله الرحمن الرحيم. الله اكبر الله اكبر ، لا إله إلا الله والله اكبر. الحمد لله عى هدايته لدينه، والتوفيق لما دعا إليه من سبيله. اللهم إنك أكرم مقصود وأكرم مأتيّ. وقد أتيتك متقرباً إليك بابن بنت نبيك صلواتك عليهما وعلى آبائهما الطاهرين وأبنائهما الطيبين. الله صل على محمد وآل محمد ، ولا تخّيب سعيي ، ولا تقطع رجائي ، واجعلني عندك وجيها في الدنيا والآخرة ، ومن المقربين برحمتك يا أرحم الراحمين) وفي أسفل الزيارة مكتوب (السادن والكليدار الحاج عباس رضا الزبيدي ، ١٤٢٠ هـ/ ١٩٩٩ م).  
وعلى الجهتين المتقابلتين أمام البوابة كتبت في الجهة اليمنى (بسم الله الرحمن الرحيم. ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفّر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ، أمنا بالله). وفي الجهة اليسرى كتبت عبارة (الله صلي على محمد وآل محمد) في الوسط وتحيط بها أسماء الأئمة الاثنا عشر ، في زخرفة بديعة كأنها سجادة رائعة نسجتها أيادي ماهرة.  
الباب مصنوعة من الخشب الفاخر ، وعليها تكوينات خشبية ، وعلقت عليها مطرقة الباب من البرونز على شكل هلال.

بعد اجتياز الصحن تواجهك طارمة عالية تستند على ثمان أعمدة ، تعلوها تيجان مذهبة. وترتفع الطارمة فوق مدخل الضريح حيث كتبت عبارة (السلام عليك يا سيد ادريس). بعد ذلك يأتي مصلى المرقد وهو واسع ، أعمدته وسقفه وأعلى جدرانه مزينة بالمرايا الصغيرة (آينه كاري) بشكل فني وهندسي بديع أما الأرضية فقد كسيت بالرخام. والمصلى مضاء بالعديد من الثريات الكريستال الفاخرة والمصابيح الجدارية، إضافة إلى وسائل التكييف وغيرها. علماً بأنه تقام صلاة الجمعة في مرقد السيد ادريس.

تعلو المرقد قبة مغطاة بالقاشاني المزجج الفيروزي اللون. يعلوها ميل قصير مركب عليه راية خضراء التي هي شعار العلويين في التاريخ.
 كما توجد منارتان على الطراز البغدادي بحوض واحد. والمنارة مغلقة بأجر ملون يتخذ أشكالاً هندسية وزخارف جميلة. وقمة المنارة مغطاة بالقاشاني الفيروزي ، يعلوها ميل مذهب طويل.  

في نهاية المصلى يقع ضريح السيد ادريس الذهبي. وفيه مشبكات فضية من الجوانب يمكن من خلالها مشاهدة الستارة الخضراء التي تغطي الصندوق الخشبي. وحول الضريح نقشت بالمينا الزرقاء والخط الأبيض سورة الجمعة ( بسم الله الرحمن الرحيم . يسبح لله ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم..... قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين). وتعلو الشباك إيقونات ذهبية كتبت عليها أسماء الله الحسنى. وعلى أركان الشباك توجد أربع مزهريات ذهبية مثبتة وفيها زهور صناعية.

أما باب الضريح فهو من الذهب مكتوب عليه (بسم الله الرحمن الرحيم. قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى. تبرع بصنع ضريح السيد ادريس (ع) السادن الحاج عباس رضا الزبيدي). وتحته كتابة بالفارسية تثبت اسماء صانعي الباب وهم الصانع أحمد وعباس پرورش ، وطرق محمد حسين عباسپور ، ونجارة الحاج نعمة الله حميد زاده ، أصفهان). وعلى المصراع الأيمن نقشت (نصر من الله وفتح قريب) ، وعلى الأيسر (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً).  

وعلى جانب من حرم الجامع بجهة القبلة يوجد المحراب الذي هو آية من الفن الإسلامي والأرابيسك الرائع. إذ تعلوه الآية القرآنية (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً). وفوق قوس المحراب كتبت (الله أكبر). وعلى الجانبين كتب اسم الجلالة ومحمد ثم أسماء الأئمة الأثنى عشر . أما المحراب الغائر في الجدار فقد كسي بالقاشاني الملون بشكل زخارف هندسية تتوسطها النجمة ذات الاثنا عشر ضلعاً ، وأخرى نجوم ذات الثمانية أضلاع. وتتدلى ثريا صغير من أعلى المحراب.

وفي ختام الزيارة استقبلنا بكل حفاوة أمين المرقد ونائبه في مكتبه. وتحدثنا عن المرقد وإعماره ، وخطط ديوان الوقف الشيعي في تأهيل وصيانة المراقد والمزارات في بغداد العاصمة.


الهوامش
١- ابن عنبة (عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب) ،  ص ١٠٢، الطبعة الثانية ، منشورات المطبعة الحيدرية في النجف . ١٩٦١
٢- عمدة الطالب ، مصدر سابق ، ص ١٠٢
٣- أبو الفرج الأصفهاني (مقاتل الطالبيين) ، ص ٣٨٢ ، منشورات الشريف الرضي
٤- أبو الفرج الأصفهاني ، مصدر سابق ، ص ٤٠٧.
٥- أبو الفرج الأصفهاني ، مصدر سابق ،  ٥٢٦ و ص ٥٣١
٦- محسن الأمين (أعيان الشيعة) ، ج ٣ ، ص ٢٣١ ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت : ١٩٨٣
٧- محمد حرز الدين (مراقد المعارف) ، ج ١ ، ص ١١٧ ، دار الكتاب العربي ، بغداد: ٢٠١١
٨- محمد حرز الدين ، مصدر سابق ، ج ١ ، ص ١١٩
٩- يونس السامرائي (مراقد بغداد) ، ص ٧٢ ، مكتبة الشرق الجديد ، بغداد
١٠-(عمدة الطالب) ، مصدر سابق ، ص ١٩٧
١١- محمد حسن آل ياسين (سيرة الأئمة الاثنا عشر) ، ج ٢ ، ص ٢٧٤ ، دار المؤرخ العربي ، بيروت : ٢٠١٢
١٢-(دليل المزارات ) ، موقع الأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة التابع لديوان الوقف الشيعي. Mzaratiraq.com
١٣- مصطفى جواد (دليل خارطة بغداد المفصل ) ، ص ٣١ ، دار ميزوبوتاميا ، بغداد : ٢٠١٣
١٤- مصطفى جواد ، مصدر سابق ، ص ١٦٢
١٥- محمد حرز الدين ، مصدر سابق ، ج ١ ، ص ١١٨

أخر الأخبار