في وقت تتسارع فيه التحولات السياسية والأمنية في الإقليم، تتجه الأنظار مجددًا إلى ملف سلاح حزب الله في لبنان، الذي ما زال يراوح مكانه في دائرة التعقيد، مدفوعًا – بحسب محللين – بـ"المعضلة الإيرانية" التي تفرض ظلالها على القرار الداخلي اللبناني.
ويرى الكاتب والباحث السياسي علي السبيتي أن رفض الحزب تسليم سلاحه ليس موقفًا محليًا صرفًا، بل هو امتداد لدور إيران الإقليمي وتأثيرها المباشر في الداخل اللبناني، مؤكدًا أن النفوذ الإيراني ما زال عنصرًا فاعلًا في بقاء هذا الملف خارج إطار الحسم.
السبيتي، الذي كان ضيفًا في مقابلة تلفزيونية، أشار إلى أن أي محاولة للتوصل إلى تسوية جذرية تصطدم بتعقيد العلاقة المتأرجحة بين طهران وواشنطن، وهو ما يعطّل أي أفق لحوار داخلي حقيقي حول السلاح، مؤكدًا أن هناك أيضًا رفضًا داخليًا ضمنيًّا داخل صفوف الحزب لفكرة التخلي عن السلاح، بما يمثله من رمزية وجودية.
ولفت السبيتي إلى أن القضية لم تعد محصورة بالشقين العسكري والسياسي، بل باتت تحمل طابعًا طائفيًا عميقًا، مشيرًا إلى أن شخصيات مؤثرة في الطائفة الشيعية، على رأسها نبيه بري، ترفض فكرة تسليم السلاح، وهو ما يعزز بقاء الوضع على حاله.
من جهته، اعتبر الباحث السياسي جورج العاقوري أن حزب الله لم يعد في موقع قوة كما يُروّج، بل يواجه مأزقًا حقيقيًا في ظل تغيّرات إقليمية عميقة، بدءًا من انكماش الدور الإيراني، وصولًا إلى صعود مشاريع سلام إقليمي لا مكان فيه للنهج العسكري.
وأوضح العاقوري أن الحزب يحاول كسب الوقت وتفادي المصير المحتوم، وهو التخلي عن سلاحه، لكن من دون أن يملك أفقًا سياسيًا واضحًا. وأضاف أن سوريا، التي كانت أحد أبرز الأوراق الإقليمية للحزب، لم تعد ذلك الحليف المحوري، في ظل التحولات التي طالت نظام بشار الأسد وموقعه في المنطقة.
وأشار إلى أن "ساعة الحقيقة" تقترب، مستشهدًا بتحذيرات سابقة للرئيس اللبناني الأسبق ميشال عون، الذي وصف خيار الاستمرار في حمل السلاح بأنه يقود إلى مفترق بين الحرب والاستقرار.
تصعيد داخلي.. ومواقف حكومية غير مسبوقة
في السياق نفسه، يتزامن تمسك الحزب بسلاحه مع تصعيد سياسي في الداخل اللبناني، لا سيما بعد قرارات جريئة اتخذتها الحكومة برئاسة جوزيف عون، والتي أكدت عزمها فتح ملفات سيادية شائكة ورفضها الانصياع لأي ضغوط حزبية أو عسكرية.
هذا التوجه الحكومي أربك حسابات الحزب، الذي بدأ يعيد استخدام أدواته التقليدية في الضغط، من خلال التصعيد السياسي والتلويح بالشارع، في محاولة لإعادة فرض شروطه على المشهد.
ووفق مراقبين، فإن الحزب يفقد تدريجيًا قدرته على استخدام السلاح كأداة مواجهة خارجية، مقابل تعزيز دوره في الداخل بوصفه ضامنًا لمعادلات سياسية هشة، باتت مهددة بانهيار تام في ظل التحولات الجارية.
النائب السابق مصطفى علوش اعتبر أن حزب الله يستثمر في هواجس طائفته لإبقاء قبضته على السلاح، مذكّرًا بأنه ينتمي فعليًا إلى عقيدة "جيش الولي الفقيه"، وهو ما يضعه في حالة تبعية خارجية تتجاوز حدود لبنان.
وأكد علوش أن الحزب يفقد قيمته السياسية دون سلاحه، لذا يرفض أي تنازل عنه، حتى وإن بدا عاجزًا عن تبرير وجوده في مواجهة إسرائيل، في ظل الانكشاف العسكري والاقتصادي الذي يعيشه لبنان.
سعيد: الحزب يمارس التهويل... لكن الظروف تغيّرت
أما النائب السابق فارس سعيد، فرأى أن حزب الله بات يفتقد القدرة الحقيقية على استخدام السلاح، ويلجأ إلى "التهويل الإعلامي والسياسي" كأداة ضغط، على أمل أن يلين موقف الحكومة أو رئيس الجمهورية.
وأضاف سعيد أن المعادلات الإقليمية التي كانت تخدم الحزب سابقًا قد انهارت، مؤكدًا أن الطريق بين طهران ودمشق وبيروت لم تعد سالكة سياسيًا كما كانت، وأن الحزب اليوم يواجه تحديات داخلية وخارجية غير مسبوقة، وسط فقدان أوراق القوة التي اعتاد استخدامها في مراحل سابقة.