العقل السليم .. بين وعي الهداية وخطر الضلالة
"Today News": بغداد
العقل هو أسمى ما مَنَّ الله سبحانه به على الإنسان، وبه يميّز الخير من الشر، والحق من الباطل، والهداية من الضلالة. وقد جسّد الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) هذا المفهوم من خلال أقواله ومواقفه، ليكون العقل أداة وعي، لا مجرد آلة تفكير.
1- الإمام الحسن (ع): “كفاك من عقلك ما أوضح لك سبيل رشدك من غيّك”
من يملك عقلًا سليمًا لا يحتاج إلى موعظة طويلة ليهتدي؛ لأن العقل وحده كفيل بكشف طريق الحق لمن أراد أن يبصر، كما أشار الإمام الحسن (ع) في هذه الكلمة الجامعة، التي تلخص جوهر دور العقل في الهداية.
2- منهج الشورى: العقل الجماعي في خدمة الرشد
من أدوات تنمية الوعي الجمعي، الحوار والمشاورة، حيث قال الإمام الحسن (ع): “ما تشاور قوم إلا هُدوا إلى رشدهم”. فالعقول حين تتلاقى وتتبادل الرأي تتقارب مع الحقيقة، وتصل إلى حلول راشدة، بعيدة عن التسلّط والانغلاق. وقد لخّص الإمام ذلك بقوله: “رأس العقل معاشرة الناس بالجميل”، مؤكِّدًا أن العقل لا يظهر في العزلة ولا في التكبر، بل في التعامل الراقي، وإصلاح ذات البين، وبناء مجتمع يقوم على المودة والاحترام والمبادىء والقيم الخيرة.
3- السياسة حين تهدي لا تضل
برز العقل السليم في أوضح صوره في موقف الإمام الحسن (ع) السياسي بعد استشهاد والده الإمام علي (ع)، حيث بايعه الناس خليفةً للمسلمين، وبدأ مسيرة إصلاحية قائمة على الشرعية والنصح والرشد. لكنه واجه مؤامرات معاوية وشراء الذمم، ما جعل الأوضاع تتجه نحو فتنة لا تبقي ولا تذر. وحين رأى الإمام أن خيار الحرب لن يثمر إلا إراقة الدماء، وأن القاعدة الشعبية بدأت تتفكك، اتخذ القرار الصعب: السلام، حفاظًا على الإسلام، وتهيئةً للمرحلة القادمة من الوعي الجماهيري. لقد اختار الهداية بالعقل، بدل الانجرار إلى ضلالة الحرب الداخلية.
4- السلم الواعي… قرار العقل لا ضعف الجبن
اختار الإمام الحسن (ع) طريق السلم لحل النزاع، بشروط شرعية، أهمها أن يُعاد الحكم إليه بعد وفاة معاوية، ثم إلى أخيه الإمام الحسين (ع)، وأن تُصان الشريعة من التغيير. لكن معاوية خان العهد، وقال صراحة: “قاتلتكم لا لتصلّوا ولا لتصوموا، إنما قاتلتكم لأتأمّر عليكم”.
5- موقف الإمام: قراءة واعية وسط سوق شراء الضمائر
لم يكن موقف الإمام الحسن (عليه السلام) استسلامًا، بل قراءة عميقة وواعية للواقع المضطرب، حيث اتجهت الأوضاع نحو سوقٍ تُشترى فيه الضمائر، ويُباع فيه الولاء بثمن بخس. لقد اخترع معاوية أساليب زائفة للتأثير، أبرزها حين قدّم ورقة بيضاء إلى الإمام الحسن (ع) ليكتب فيها شروط الصلح، وقد وقّعها مسبقًا، في مشهدٍ يوحي بالخضوع الكامل لبنود الإمام. لكن ما إن تم توقيع الامام على الورقة وفيها بنوده، حتى ضرب معاوية الاتفاق عرض الحائط، وكشف نفاقه وخطته الماكرة ضد الإسلام والمسلمين.
لقد اختار الإمام الحسن (ع) طريق القيم والمبادئ الإسلامية، بينما سلك معاوية درب الخيانة والتضليل، وابتعد عن الإسلام في جوهره، معتمدًا على شراء الذمم، وتقديم الأموال والمناصب لمن باعوا ضمائرهم. فصدّقوه وساروا خلفه، لأن نفوسهم كانت مضطربة وغير راسخة في الإيمان، فغشّهم معاوية وخذلهم، وخسروا شرف أن يكونوا مع الصادق الإمام الحسن، ووقفوا مع الكاذب المتآمر معاوية بن أبي سفيان.
6- مظلومية الإمام الحسن (ع): العقل يواجه الخيانة:
بعد سنوات من الصبر والتحمّل، دسّ معاوية السم للإمام الحسن (ع) عبر زوجته جعدة بنت الأشعث، فاستُشهد في 7 صفر سنة 50 هـ عن عمر يناهز 47 عامًا ( 3-50).
لقد عاش عشر سنوات (40-50) من الإمامة في صراع دائم مع التزييف، وواجه الخيانة السياسية والدينية، لكنه بقي وفيًا لخط الهدى، ومثّل العقل النبوي الذي يُضيء الطريق للأمة حتى في أحلك الظروف.
7- دروس بين الهداية والانحدار:
سيرة الإمام الحسن (ع) دعوة لتحكيم العقل لا الهوى، وللبحث عن الحق لا المكاسب. فوعي الهداية لا يأتي بالعنف، بل بالصبر والحكمة، وضلال الطريق يبدأ حين يُقصى العقل لحساب الغريزة والطمع والانفعال.
في ذكرى شهادته (ع)، نستلهم الحاجة الماسّة إلى عقل راشد يقود مسيرة الإصلاح، ويضع مصلحة الأمة فوق المصالح الآنية، ويعيد التوازن بين الإيمان والفكر لا الخيانه والزيف.
فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.
وليد الحلي
7صفر 1447
2 آب 2025
31-07-2025, 17:22 الأقسى تاريخياً.. الجفاف يخنق جنوب العراق
اليوم, 13:19 العقل السليم .. بين وعي الهداية وخطر الضلالة
وليد الحلي29-07-2025, 14:20 خصوصيةالمفردةالقرآنية 31 - التكبير .. معناه ومكانته في القرآن الكريم
د.رعدهادي جبارة29-07-2025, 10:57 سوريا: مختبر السياسات الدولية الجديد (1)
إبراهيم العبادي25-07-2025, 22:13 حين تُنتهك حقوق الإنسان .. صرخات في وجه الصمت المُزيّف
وليد الحلي