• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

٢٧ رائد التصوف الحلاج الشهيد ... اختلفوا فيه وصلبوه وأحرقوه

٢٧ رائد التصوف الحلاج الشهيد ... اختلفوا فيه وصلبوه وأحرقوه

  • 20-01-2024, 13:11
  • مقالات
  • 142 مشاهدة
د. صلاح عبد الرزاق

"Today News": بغداد 
سلسلة مراقد المتصوفة والزهاد في بغداد ٤

يُعد الصوفي الحسين الحلاج من الشخصيات الجدلية في التاريخ الإسلامي. فقد انقسم المحدثون والرواة والمؤرخون إلى فريقين. الأول: سعى الى تفهم أقواله وافعاله وأنه يجب تفسيرها ضمن اللغة الخاصة بالصوفية التي هي لغة طبقة خاصة بهم تطورت وتشعبت حتى صارت فرعاً مميزاً في الأدب الإسلامي. أما الفريق الثاني من مناوئيه وحسّاده فقد توقفوا عند الألفاظ ومفردات الخطاب الظاهرية فحكموا عليه بالفكر والزندقة والهرطقة والتجديف بالذات الآلهية ، فكان لهم الصوت الأعلى في التحريض على قتله وحرقه. بعد أكثر من ألف عام على مغادرته الحياة ورغم محاولة السلطات العباسية تغييب أفكاره لكن ما زال الحلاج يثير استلهام الشعراء والأدباء والمتصوفة والباحثين والمؤرخين والمفكرين المعاصرين.

مولد الحلاج وتعليمه
ولد الحسين بن منصور بن محمي الحلاج عام ( ٢٤٤ هـ / ٨٥٨ م ) في بلدة البيضاء ، وهي مدينة ببلاد فارس. يقول الذهبي أنه كان يقال له أبو مغيث الفارسي البيضاوي. وكان جده مجمي مجوسياً. وقد نشأ الحسين في مدينة تُستَر بإيران. (١)
وقال عنه ابن خلكان : أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاج الزاهد المشهور ، هو من أهل البيضاء وهي بلدة بفارس ، ونشأ بواسط والعراق. (٢)

ويقول مؤرخ معاصر آن الحلاج ولد في بلدة تور في الشمال الشرقي من مدينة البيضاء ، وهي مدينة مشهورة بفارس. وهي أكبر مدينة في كورة إصطخر. وسُميّت البيضاء لأن لها (كما يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان) قلعة تبين من بعيد ويُرى بياضها. وكانت معسكراً للجند الإسلامي، ومن أبنائها العلامة النحوي سيبويه. وهناك من جعل نسب الحلاج يعود إلى الصحابي أبي أيوب الأنصاري ليصبح عربياً خالصاً، لكن هذه الرواية لم تثبت تاريخياً ، ولم يقل بها مؤرخ عربي ، فإجماع رجال التاريخ على أنه فارسي الأصل كما هو فارسي المولد. (٣)

وكانت البيضاء (فارس) مركزاً مبكراً للتعرّب جنوبي إيران، ومخيماً منيعاً لجند البصرة ، ثم محطاً ومنتجعاً للقطعات العسكرية في صعودها إلى شيراز وخراسان للجهاد ضد الترك ، ومستعمرة للحارثية من موالي قبيلة عربية يمنية هي البلحارث: سليل مذحج ، الآرومة الأسطورية للمسلمين الترك والأكراد ، ومحطة كان يجري فيها تبديل السعاة زمن الدعوة ثم زمن السلطة العباسية. كما اتخذت مركزاً لصك النقود.
عام ٢٦٠ هـ أكمل تعليمه في سن السادسة عشرة ، قواعد اللغة وتلاوة وتفسير القرآن الكريم. ورحل إلى تستر ليقوم على خدمة شيخ سني متحمس وصوفي مستقل جسور اسمه سهل. وكان سهل علماً من الزهاد وأول من كتب تفسيراً تأويليا للقرآن الكريم. وخلال ملازمة الحلاج لسهل تأثر كثيراً به لتغير مجرى حياته فيما بعد.

عاش الحلاج في القرن الهجري الثالث الذي شهد بروز تيار صوفي ، إذ عاصر الحلاج رموز الصوفية مثل الحارث المحاسبي (ت ٢٤٣ هـ) وذو النون المصري (ت ٢٤٥ هـ) و أبو اليزيد البسطامي (ت ٢٦٤ هـ) وأبو سعيد الخراز (ت ٢٧٧ هـ) وسهل بن عبد الله التستري (ت ٢٨٢ هـ) والجنيد البغدادي (ت ٢٩٧ هـ).

وقد تخصص المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون ( ١٩٦٢) في حياة وأدب الحلاج . ففي عام ١٩٢٢ صدر كتاب (آلام الحلاج) ، وفي عام ١٩٣٥ أعاد صياغة بعض فصوله، ثم توسع وأضاف اليه فصولاً وصدر عام ١٩٦٢.

حياة الحلاج برواية ولده
ينقل ماسينيون رواية ابن باكو الشيرازي الصوفي عن حمد  (ولد عام ٢٩١ هـ)بن الحلاج قال (مولد والدي الحسين بن منصور بالبيضا في موضع يقال له الطور. ونشأ بتستر وتتلمذ بسهل بن عبد الله التستري سنتين ، ثم صعد بغداد. وأول ما سافر من تستر إلى البصرة وكان له ثماني عشر سنة ، ثم خرج بخرقتين إلى عمرو بن عثمان المكي وإلى الجنيد بن محمد وأقام مع عمرو ثمانية عشر شهراً ، ثم تزوج في البصرة بوالدتي أم الحسين بنت أبي يعقوب الأكتع. وتغير عمرو بن عثمان من تزويجه ، وجرى بين عمرو وبين أبي يعقوب وحشة عظيمة بذلك السبب.
ثم خرج إلى مكة وجاور فيها سنة ، ورجع إلى بغداد مع جماعة من فقراء الصوفية، فقصد الجنيد بن محمد وسأله عن مسألة فلم يجبه ، ونسبه إلى أنه مدع فيما سأله فاستوحش وأخذ والدتي ورجع إلى تستر وأقام نحو سنتين.
ووقع له عند الناس قبول عظيم حتى حسده جميع من في وقته ، ولم يزل عمرو بن عثمان يكتب الكتب في باب إلى خوزستان ويتكلم فيه بالعظائم. حتى أنه جرّد ورمى ثياب الصوفية ولبس قباء وأخذ في صحبة أبناء الدنيا.
ثم خرج من تستر وغاب عنا خمس سنين إلى خراسان وما وراء النهر. ودخل إلى سجستان وكرمان ، ثم رجع إلى فارس فأخذ يتكلم على الناس ويعقد المجالس ويدعو الخلق إلى الله تعالى. وكان يُعرف بفارس بأبي عبد الله الزاهد، وصنّف لهم التصانيف ، ثم صعد من فارس إلى الأهواز ، وأنفذ من حملني إلى عنده.
وتكلم على الناس ، وقبله الخاص والعام ، وكان يتكلم على أسرار الناس وافى قلوبهم ويخبر عنها ، فسمّي بذلك حلاّج الأسرار ، فصار الحلاج لقبه.
ثم خرج إلى البصرة ، وأقام مدة يسيرة وخلفني في الأهواز عند أصحابه ، وخرج ثانية إلى مكة ، ولبس المرقعة والفوطة. وخرج معه في تلك السفرة خلق كثير ، وحسده أبو يعقوب النهرجوري فتكلم بما تكلم.
فرجع إلى البصرة ، وأقام شهراً واحداً ، ورجع إلى الأهواز ، وحمل والدتي وحمل حماي وجماعة من كبار الأهواز إلى بغداد. وأقام ببغداد سنة واحدة . ثم قال لأصحابه (احفظ ولدي حمداً إلى أن أعود أنا فإن وقع لي أن أدخل إلى بلاد الشرك (وربما بلد الترك) وأدعو الخلق إلى الله عز وجل.
وخرج فسمعت بخبره أنه قصد الهند ثم قصد خراسان ثانية ، ودخل ما وراء النهر وتركستان وإلى ماصين ، ودعا الخلق إلى الله ، وصنّف لهم كتباً لم تقع إليّ.
إلا أنه لما رجع كانوا يكاتبونه من الهند بـ(المغيث). ومن بلاد ماصين (الصين) وتركستان بـ(المقيت)، ومن بلاد خراسان بـ(المميز) ، ومن فارس بـ(أبي عبد الله الزاهد)، ومن خراسان بـ(الشيخ حلاّج الأسرار). وكان ببغداد قوم يسمونه بـ(المصطلم) ، وبالبصرة قوم يسمونه (المحيّر) ، ثم كبرت الأقاويل عليه بعد رجوعه من هذه السفرة.
فقام وحجّ ثالثاً ، وجاور سنتين ثم رجع، وتغّر عما كان في الأول عليه ، واقتنى العقار ببغداد وبنى داراً ، ودعا الناس إلى معنى لم أقف إلا على شطر منه.
ثم خرج عليه محمد بن داود وجماعة من أهل العلم ، وقبّحوا صورته عند المعتضد (الخليفة العباسي).
ووقع بين علي بن عيسى وبينه لأجل نصر القشوري ، ووقع بينه وبين الشبلي وغيره من مشايخ الصوفية.
وصار يقول قوم: إنه ساحر. وقوم يقولون : مجنون . وقوم يقولون: له الكرامات وإجابة السؤال.
واختلفت الألسن في حقه حتى أخذه السلطان وحبسه.
فذهب نصر القشوري واستأذن الخليفة أن يبني له بيتاً في الحبس ، فبنى له داراً صغيرة بجانب الحبس ، وسدوا باب الدار وعملوا حواليه سوراً ، وفتحوا بابه إلى الحبس. وكان الناس يدخلون عليه قريباً من سنة ، ثم منع الناس عنه. وبقي خمسة أشهر لا يدخل عليه أحد إلا مرة رأى أبا عبد الله ابن خفيف وأنا بحيب براً عن والدتي بالليل وبالنهار عنده. ثم حبسوني عنده شهرين ، وحين حبسوني كان لي ثمانية عشر سنة.
فلما كانت الليلة التي أُخرج في صبيحتها والدي من الحبس ، قام فصلى ركعتين . فلما فرغ من صلاته لم يزل يقول (مكر مكر) إلى أن مضى من الليل ، ثم سكت طويلاً ثم قال (حق حق) ، ثم قام قائماً وتغطى وإزار واتزر بمئزر ومد يديه نحو القبلة ، وأخذ في المناجاة. وكان خادمه أحمد بن فاتك حاضراً فحفظنا بعضها فكان من مناجاته (نحن شواهدك ، نلوذ بسنا عزتك ، لتبدي ما شئت من شأنك ومشيئتك).
ثم حُمل وقُطعت يداه ورجلاه ، بعد أن ضُرب خمسمائة سوط.
ثم صُلب فسمعته وهو على الجذع يناجي ويقول (إلهي أصبحت في دار الرغائب أنظر إلى العجائب. إلهي إنك تتودد إلى من يؤذيك ، فكيف لا تتودد إلى من يُؤذى فيك).
ثم رأيت أبا بكر الشبلي ، وقد تقدم تحت الجذع وصاح بأعلى صوته يقول: أو لم ننهك عن العالمين؟
ثم قال له: ما التصوف؟ قال: أهون مرقاة فيه ما ترى. فقال: فما أعلاه؟ قال: ليس لك إليه من سبيل ، ولكن سترى غداً ما يجري ، قال في الغيب ما شهدته وغاب عنك.
فلما كان بالعشي جاء الاذن من الخليفة أن تضرب رقبته. فقالوا: قد أمسينا ، ونؤخر إلى الغداة.
فلما أصبحنا أنزل من الجذع ، وقُدّم لتضرب رقبته ، فسمعته يصيح ويقول بأعلى صوته : حسب الواجد إفراد الواحد له.
وقرأ هذه الآية (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق)، وهذا آخر كلامه.
ثم ضُربت رقبته ، ولُفّ في بارية ، وصُبّ عليه النفط وأُحرق.
ثم حُمل رماداً إلى رأس المنارة لتنسفه الرياح. (٤)
بعد نقله لهذا النص شرع ماسينيون في إبداء الملاحظات عليه والإشارة إلى بعض تناقضاته وقصوره واختصاره المخل بتسلسل الرواية زمنياً.

سيرة الحلاج وعصره
رحلة الحلاج الصوفية تميزت بالانتقالات بين عدة مدن يستقر فيها فترة ثم يغادرها ، وقد يعود إليها  أو يجد مكاناً آخر. وخلال مسيرته الطويلة التقى بشيوخ الصوفية وتعلم منهم وأضاف إلى نفسه الكثير من الرياضات الروحية والتعمق في الألفاظ والمعاني الالهامية.

بعد ولادته عام ٢٤٤ هـ / ٨٥٧ م في قرية الطور في الشمالي الشرقي من مدينة البيضاء ، من مدن مقاطعة فارس بإيران ، ونشأ فيها بضع سنين إصطحبه والده مع أسرته إلى العراق من المنطقة الجنوبية الشرقية الحالية عن مدينة البصرة ومناطق شط العرب. وكان والده يحترف حلج القطن ليكسب رزقه. ثم انتقلت الأسرة إلى واسط القديمة التي كانت مدينة عامرة تقع في منتصف الطريق بين بغداد والبصرة. وتقوم أطلالها حاليا قرب مدينة الحي من محافظة واسط.
قضى الحلاج صباه يتعلم في كتاتيب واسط حتى قامت ثورة الزنج عام ٢٥٥ هـ / ٨٦٩ م وللحلاج إحدى عشرة سنة. وكانت حركة شديدة وواسعة امتدت واستولت على مناطق البصرة والأهواز وخوزستان ، وشكلت تحدياً خطيراً للدولة العباسية.
في بداية شبابه قصد الحلاج مدينة تستر الإيرانية المعروفة باسم شوشتر ، تقع على نهر الكارون الذي يصب في شط العرب. وهناك تعرف الحلاج على سهل بن عبد الله التستري صاحب التفسير الصوفي وأحد رموز الصوفية في القرن الثالث الهجري (ت ٢٨٣ / ٨٩٦ م) ، ودامت صحبته معه سنتان.
في عام ٢٦٢ هـ / ٨٧٥ م انتقل الحلاج إلى البصرة ليصحب عمرو بن عثمان المكي الصوفي البارز (ت ٢٩٧ هـ / ٩٠٩ م) لمدة عام ونصف. وهناك أخذ موقع الحلاج يكبر في أوساط الصوفية ونال إعجاب استاذه الجديد وتوقع له مستقبلاً باهراً. في تلك الفترة رغب الحلاج بالزواج فتزوج بأم الحسين بنت أبي يعقوب الأقطع ، وهو منافس أستاذه عمرو بن عثمان المكي على زعامة الصوفية في البصرة. وقد رزق منها بولد أسماه حمد. أدى زواج الحلاج إلى خصومة شديدة بين أستاذه ووالد زوجته. الأمر الذي جعل الحلاج يعتزل في جامع البصرة للتعبد والتصوف. (٥)

ضاق الحلاج ذرعاً بهذه الخصومة فترك البصرة قاصداً مكة لأداء مناسك الحج ، ومكث فيها عاماً كاملاً عرّض جسده لتعذيب مثل الجلوس تحت أشعة الشمي الحارة في جبال مكة الجرداء، واقتصار طعامه على الخبز والماء.
 بعد عودته من مكة كانت حالته النفسية تتسم بالثقة والاعتداد بالنفس. وحمله طموحه على أن يشطح في عباراته ويبالغ في ألفاظه ، ولا يتحرى الحيطة في أفعاله وأقواله مما أثار ثائرة الصوفية  عليه ، منهم الشيخ جنيد بن محمد البغدادي شيخ الطائفة الصوفية (ت ٢٩٨ هـ / ٩١١ م) الذي سبق أن استشاره قبل سفره إلى مكة. وبذلك التهور فقد الحلاج شيخه عمرو بن عثمان المكي ومستشاره الجنيد البغدادي ، فكان عليه الاعتماد على نفسه ومواجهة المشاكل لوحده.
سافر الحلاج رلى الأهواز للوعظ ، مرتدياً ملابس خرقة . وكان يخاطب الناس بكلام فلسفي يصعب فهمه على البسطاء من الناس. ولما فشل الحلاج ذهب إلى خراسان ليعظ الناس في مدينة طالقان شرقي إيران حيث كانت تقوم حكومة شيعية زيدية منذ ٢٥٠ هـ / ٨٦٤ م واستمر ٩٥ عاماً حتى عام ٣٤٥ هـ / ٩٥٦ م. لم يجد الحلاج الأجواء مناسبة له هناك فعاد إلى الأهواز ، ثم سافر إلى بغداد مع أسرته ومجموعة من أنصاره.
لم تكن الظروف مواتية له في بغداد بسبب خصومة الصوفية له. لذلك غادرها متوجهاً إلى مكة مبتعداً عن بغداد ريثما تصفو الأمور. بعد انتهاء الحج لم يعد الحلاج إلى بغداد بل توجه شرقاً إلى الهند والتركستان والصين. وفي الهند زاد الحلاج عمقاً ونضجاً وتعلم التحكم في نفسه ، وكوّن لنفسه مذهباً صوفياً عزم على نشره بعد عودته إلى موطنه.

الحلاج وأفكاره وشطحاته
في عام ٢٩١ هـ / ٩٠٤ م عاد الحلاج إلى بغداد وقد تغيّر كثيراً. إذ بدأ يدعو الناس سراً إلى مذهبه الجديد الذي يقوم على تغليب الروح على الجسد برياضة النفس بهدف شحنها بالروح الإلهية ، وتمكينها من تقبّل الطاقة الربانية التي يعجز البشر العادي أن يتحمل إشعاعها في نفسه ليكون في وسعه بالنهاية التعلم من الله ، ويصدر عنه على الصورة التي ظهرت في آدم (ع) لما علمّه تعالى الأسماء كلها، وفي المسيح (ع) لما مكّنه من إحياء الموتى ، وفي محمد (ص) لما أظهر على لسانه القرآن معجزته الكبرى.
وكان من رأي الحلاج في هذه الفترة أن صاحب الدعوة ينبغي أن يمضي في دعوته إلى الغاية التي ما بعدها غاية دون تراجع ، أسوة بإبليس الذي لم يبال بغضب الله عليه لما أمره بالسجود لآدم وهو من طين أدنى من عنصره الناري ، وآثر أن يتمسك بفضل عنصره وسموّه ورفعته على الطين. وكان من رأي الحلاج أيضاً أن صاحب الفكرة ينبغي أن يتأسي بفرعون الذي لم يستجب لنداء موسى (ع) لما دعاه إلى نبوّته حرصاً منه على أن لا يجعل لإنسان سلطة إغلاق الطريق الواسعة التي يحق لكل إنسان أن يسلكها إلى الله في كل زمان ومكان. (٦)
وأخيرا كان من رأى الحلاج أنه ينبغي عليه – إذا فشل في تحقيق فكرته- أن يأتمّ بالمسيح (ع) الذي بذل دمه قرباناً لله ، وغسل ذنوب البشر بسيل من حشاشته الإنسانية ليكشف عن أعينهم حجاب الجسد ، ويجلو عن أذهانهم وأفهامهم ما كانوا فيه من جهل وغفلة ووهم. (٧)
إن ذلك التفسير لهدف موت المسيح من العقائد المسيحية التي انتقدها القرآن صراحة لأن المسيح (ع) في القرآن لم يُقتل ولم يُصلب بل كان شخصاً آخر شُبّه للناس صورة المسيح (ع).

لقد كان الحلاج يعتقد أن موته في حال إخفاقه سيكون سبباً في ثقة الناس به وتقديرهم لتضحيته وإيمانهم بفكرته على نحو ما حصل مع السيد المسيح (ع) ، وأن حياته الروحية بعد فناء الجسد ستتخلص من أسار الزمان والمكان ، وتتيح له مراقبة الناس من عل وقد بدأوا يتفهمونه شيئاً فشيئاً ، ويدركون أنه لم يخدعهم وإنما جاءهم بفكرة سبقت زمانهم ولم تتهيأ لها الظروف المناسبة. وهذ مصداق قوله:
على دين الصليب يكون موتي
              ولا البطحا أريد ولا المدينة

انشغل الحلاج في بغداد بالعمل السري لعشر سنوات كاملات ، فقد خلالها مودة أصدقائه مثل أبي بكر الشبلي وغيره لخوفهم من دعوته ونتائجها. في تلك المرحلة بنى داراً واقتنى عقارا في بغداد.

التوجه نحو المعارضة السياسية
ويبدو أنه كان يرى أن الدولة العباسية حجر عثرة تقف في طريقه وأنها يجب أن تزول.
وبذلك سار الحلاج في طريق المعارضة السياسية يبحث عن حلفاء وأنصار. وسرعان ما اتصل بالعلويين على نية القيام بحركة شبيهة بحركة الزنج المدمرة ، التي عاصرها في صباه وشبابه ، وتأسيس دولة مثل دولة الزيديين في طبرستان التي شاهدها عن قرب.
ولتحقيق أهدافه قصد الحلاج الكوفة للتشاور مع أبي الحسن العلوي الذي كان ميالاً للصوفية ، وصديقاً ومريداً لأبي علي الخواص (ت ٢٩١ هـ / ٩٠٤ م). وجد الحلاج أن هذا العلوي لم يكن مستعداً لتأييده ، لذلك قصد علوياً آخر أكثر ثورية وأميَل للمغامرة ، وأكثر تقبلاً لآرائه هو أبو عمارة محمد بن عبد الله الهاشمي. وقد اشتركا معاً في كنية أبو عمارة. وكان الهاشمي من أبناء التجار الموسرين ومتزوج من امرأة أهوازية من بنات التجار يقال لها بنت ابن جان بخش.
وكان أبو عمارة يعقد مجلساً له في البصرة يتحدث فيه على مذهب الحلاج ويدعو إليه. وقد عدّه أتباع الحلاج أنه بمنزلة محمد ابن أبي بكر ربيب الامام علي (ع) الذي قتله عبدالله بن سعد بن أبي سرح لما وجهه أمير المؤمنين (ع) ليكون أميراً على مصر. وكان الحلاجية كانوا يقولون فيه أنه حلت فيه روح محمد بن عبدالله (ص) ، وأنه كان يُخاطب في الأهواز بسيدنا ، وهي أعلى المنازل عندهم.

بعد ذلك اتجه الحلاج إلى الشيعة الاثنا عشرية في محنة الغيبة الصغرى للإمام المهدي (ع) ، ليتحالف معهم على أمل مشاركتهم في حركته بهدف إسقاط الدولة العباسية التي اغتصبت السلطة من العلويين ثم انقلبت عليهم. قصد الحلاج الحسين بن روح (ت ٣٢٦ هـ / ٩٣٨ م) السفير الثالث للمهدي ، وقيل أنه راسله. وكان الحلاج قد حاول استمالة الشيعة بذكر أسماء أئمتهم حسب تسلسهم في كتابه (الإحاطة والفرقان) وصلاً بقوله تعالى (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً) (التوبة ٩: ٣٦). لم يجد الحلاج اهتماماً من الشيعة واتهموه بمنازعة رؤسائهم على الزعامة الدينية والقيادة المذهبية.
لما يأس الحلاج من الشيعة توجه إلى القرامطة الذين عرفهم في أطراف العراق الجنوبي أيام ذروة حركتهم. وكانوا يدعون للأئمة الفاطميين الذي حققوا نجاحاً بتأسيس دولتهم في تونس عام ٢٩٩ هـ / ٩١٠ م .

اعتقال الحلاج وصلبه
 في عام ٢٩٩ هـ / ٩١٠ م في أيام الوزير العباسي علي بن الفرات شعرت الدولة بالتحركات السرية التي يقوم بها الحلاج بهدف إسقاطها من الداخل، وذلك حين وشى به رجل من أهل البصرة كان من أنصاره وانفصل عنه. أخذت الشرطة تبحث عنه لمدة سنتين دون العثور عليه. في عام ٣٠١ هـ / ٩١٤ م ، قبضت الشرطة على غلام للحلاج يُعرف بالدّباس . وبعد تعذيب وضغط واتفاق معه على البحث عن الحلاج أطلقوا سراحه وأخذوا عليه كفيلاً. في نفس العام تم القبض على ابي الحسن علي بن أحمد الراسبي (ت ٣٠١ هـ / ٩١٤ م) الذي كان حاكماً على مقاطعة تضم جنديسابور والوس وباداريا وباكسايا . قام الراسبي بتسليم الحلاج إلى الوزير حامد بن العباس الذي أمر بجلب الحلاج ومعه أخو زوجته إلى بغداد. (٨)

سجن الحلاج
حُمل الحلاج إلى الوزير علي بن عيسى (ت ٣٢٤ هـ / ٩٤٦ م) الذي استوزر في بداية عام ٣٠١ هـ / ٩١٤ م لاستجوابه ، فلم يصل معه إلى نتيجة بعد أن تظاهر الحلاج بالبلاهة والسذاجة فاكتفى بالتشهير به وتعليقه حياً على خشبة ، معلّق بحبل تحت إبطيه كالجرة المعلقة. استغرق التعليق عدة أيام في رحبة الجسر كل يوم صباحاً ، ويُنادى عليه ثم ينزل ويُحبس. بقي الحلاج سنيناً وهو ينتقل من سجن إلى سجن حتى مصرعه.
كانت سياسة النظام العباسي تسير باتجاه نقل الحلاج من سجن إلى آخر خشية فراره بمساعدة أتباعه. وفي أحد السجون المنيعة حدثت أعمال شغب عام ٣٠٦ هـ وفر السجناء لكن الحلاج رفض الهروب من حبسه مع أنه ساعدهم على فك قيودهم. انشغل الحلاج في هذا السجن انشغل الحلاج بالعبادة حتى أنه استمال سجانيه إليه ، فصاروا يتبركون به. كما انشغل بتصنيف الكتب حيث كتب (السياسة والخلفاء) الذي ربما صنفه للخليف المقتدر ، وكتاب (الدرة) الذي صنّفه باسم نصر القشوري حاجب المقتدر، وكتاب (السياسة) الذي صنفه باسم الحسين بن حمدان القائد الذي قتله الخليفة بوشاية حامد بن العباس. وبهذا يتضح أن الحلاج استمال موظفي القصر أيضاً في فترة سجنه ، وكان زولهم نصر القشوري. كما تنقل بعض المصادر التاريخية أن أم المقتدر العباسي استعانت بالحلاج لمعالجة ولدها الذي أصيب بحمى لمدة أسبوعين ، فتمكن من شفائه بعد أن قرأ عليه رُقية ، فاتفق أن زالت الحمى عنه. وأصيبت أم المقتدر أيضاً فرقّاها وزالت عنها الحمى. فصار للحلاج مكانة في نفسها. (٩)

في عام ٣٠٩ هـ / ٩٢٢ م بدأت نهاية الحلاج عندما تم اعتقال عدد من أنصار الحلاج ومقربيه أمثال حيدرة السمري ومحمد بن القنّائي والمعروف بأبي المغيث الهاشمي. كما داهمت الشرطة منزل الحلاج فعثرت على دفاتر كثيرة وكان فيها أسما بن بشر وشاكر اللذين قيل أنهما كانا داعيين له في خراسان. وكانت حصيلة هذه العملية اعترافات من أصدقاء الحلاج بادّعائه الإلهية. وزعم حامد بن العباس أنه وجد في كتب الحلاج ما يصلح أن يكون فقهاً لمذهبه ودينه فيه ذكر للصيام والصلاة والزكاة والحج والعبادة على طريقته الخاصة.
لم يكتف حامد بذلك بل صار يطعن بشرف الحلاج عندما زعم أنه استدعى زوجة صاحبه السمري أو ابنته وكانت مقيمة عند الحلاج في سجنه مع أسرته ، واستجوبهما فذكرت أنه غشيها فانتبهت فزعة فقال: إنما جئت لأوقظك للصلاة. كل هذا وكان عمر الحلاج آنذاك خمس وستون عاماً.
وحاول حامد بن العباس استمالة بعض أصدقاء الحلاج مثل أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الأدمي الذي تعرض للضرب ولم يعترف بما أريد منه فمات بعد أسبوع من اعتقاله بسبب التعذيب الشديد فسبق أستاذه الحلاج.

محاكمة سياسية  
بعد كل تلك المقدمات تم تقديم الحلاج للمحاكمة بحضور الوزير حامد بن العباس. وكانت هيئة المحكمة تتألف من القضاة الرسميين الكبار في بغداد:
١-أبو عمر الحمادي ، محمد بن يوسف بن يعقوب بن اسحق الأزقادي البغدادي (ت ٢٤٣- ٣٢٠ هـ / ٨٥٧- ٩٣٢م) وهو قاضي الكرخ ورئيس المحكمة .
٢- أبو جعفر بن البهلول محمد بن أحمد بن اسحق التنوخي الأنباري (ت ٣١٨ هـ / ٩٣٠ م) قاضي مدينة المنصور وهو الجانب الغربي من بغداد منذ سنة ٢٩٦ ّ- / ٩٠٨ م.  
٣- ابن الأشناني أبو الحسين عمر بن مالك الشيباني (٢٥٩-٣٣٩ هـ / ٨٧٢- ٩٥١م) محتسب بغداد الأسبق الذي كان قادماً من مقر عمله القضائي في الشام ليخلف ابن البهلول في منصبه كمكافئة له على موافقته على إعدام الحلاج ، لكنه استمر في منصبه ثلاثة أيام فقط.
كانت رئيس هيئة المحكمة مالكي المذهب ، والعضوان الآخران من المذهب الحنفي. ولم يحضر أحد من الشافعية ولا الحنابلة لأنهم كانوا خصوم الدولة ومعارضين لهذه المحاكمة.

من الواضح أن تشكيل المحكمة تضمن تحيزاً وسوء نية ورغبة في الانتقام من قبل حامد بن العباس. فالمعروف أن المالكية لا يجوّزون توبة الزنديق أصلاً بعكس أتباع المذاهب الأخرى . فكأن تعيين رئيس المحكمة مالكي المذهب بمثابة الحكم بالإعدام لا غير. كما لم يمثل الشافعية في المحكمة لأنهم يقبلون توبة الزنديق والحكم بإطلاق سراحه متر اعترف وتاب.
إضافة إلى تشكيلة المحكمة قام حامد ابن العباس بحشد عدد كبير من الشهود ، وكافأ رئيسهم بمنصب قضائي فخري في القاهرة  ليكون بمنجاة من انتقام أنصار الحلاج.
لقد كانت محاكمة سياسية ارتدت أثواباً دينية وإسلامية، فكان الحكم متحيزاً بعيداً عن العدل.

جرت محاكمة الحلاج على أساس استجوابه فيما نُسب إليه بمراجعة أدلة الاتهام وفحص مستنداته التي قدمها جميعاً خصمه حامد بن العباس اعتماداً على الشهود من ناحية ، وعبارات الحلاج في كتبه الظاهرة بالردة والخلاف من ناحية أخرى. ومضت الأسئلة والأجوبة واستعراض المصنفات في صالح الحلاج إلى أن وصلوا إلى فقرة الحج. ولما توقف أبو عمر القاضي مستفسراً عن مصادرها ، فكان جواب الحلاج أنه وجد حكمها في كتاب (الإخلاص) للحسن البصري الزاهد المشهور (ت ١١٠ هـ / ٧٥٨ م) ، فأنكر القاضي بأنه رأي الكتاب المذكور في مكة ولم يكن هذا النص فيه.
احتج الحلاج بشدة وجعل يصرخ في المحكمة (ظهري حمّى وجسمي حرام. وما يحلّ لكم أن تتأولوا عليّ بما يبيحه الدين، اعتقادي الإسلام ومذهبي السنة ، ولي كتب في الوراقين موجودة في السوق. فالله الله في دمي). لم يسلّم الحلاج بهذه النتيجة وإنما تحدى قضاته إلى المباهلة أي الملاعنة وتحكيم الله في المخطئ المذنب من أحد الطرفين المتنازعين، لكن الأمر بلغ غايته ، وكان حامد ابن العباس قد أرسل حكم الإعدام إلى الخليفة المقتدر للمصادقة عليه وتحديد طريقة الإعدام.

إعدام لا نظير له
صادق المقتدر على حكم الإعدام مقترناً بطريقة تنفيذ الحكم الذي كان فظيعاً حيث اقترن بالجلد يجمع في عدد الجلدات جميع الحدود وحتى التعزير. كما اقترن بالسيف وقطع الرأس ، والصلب الذي عادة ما يكون لقطاع الطرق والمحاربين ، والنار التي نُهي عنها لأنها مُثلة ، ونصب الرأس والأعضاء الذي لا يكون إلا للخارج. وأن يجري تنفيذ كل تلك العقوبات علناً وأمام الناس . (١٠)
وكان المقتدر قد كتب إلى جانب توقيعه (إذا كان القضاة قد أفتوا بقتله وأباحوا دمه ، فلتُحضِر محمد بن عبد الصمد صاحب الشرطة وليتقدم إليه بتسليمه وضربه ألف سوط. فإن تلف (مات) تحت الضرب ، وإلا ضرب عنقه). وقال ابن مسكويه أن هامش الخليفة ورد فيه (واضربه ألف سوط ، فإن لم يمت فتقدم بقطع يديه ورجليه ثم اضرب رقبته وانصب رأسه وأحرق جثته).

خرج الحلاج دون خوف أو قلق بل يمشي متبختراً وهو ينشد أبياتاً لآبي نؤاس:
نديمي غير منسوب
            إلى شيء من الحيف
سقاني مثل ما يشر
        ب فعلَ الضيف بالضيف
فلما دارت الكسا
         سُ دعا بالنطع والسيف
كذا من يشرب الرا
          ح مع التنين في الصيف

كان في الخامسة والستين من عمره ، أبيض الشعر واللحية ، له علامة في رأسه من أثر ضربة. واجتمع جمهور كبير من الناس . قام الحلاج بأداء ركعتين وقرأ في الأولى فاتحة الكتاب وبعدها (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع) (البقرة ١٥٥) . وفي الثانية قرأ الفاتحة وبعدها(كل نفس ذائقة الموت) (ال عمران ١٨٥).
تقدم أبو الحارث السياف فلطم الحلاج لطمة هشّم بها وجهه وأنفه. بعد ذلك ضُرب ألف سوط ، فلما لم يمت ، قُطعت يده ثم رجله الأخرى ثم يده. ثم ضُربت عنقه وأُحرقت جثته ، فلما صار رماداً ألقي في دجلة. ونصب رأسه للناس على سور السجن الجديد المعروف بالمُترَف. وعُلّقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه.
تم تنفيذ فقرات الإعدام المذكورة آنفاً في رحبة الجسر بباب خراسان في الجانب الغربي من بغداد

بعد أيام من عرضه في الساحة العامة ، تم إرسال رأس الحلاج من دار السلطان إلى خراسان لأنه كان له بها أصحاب. وبقيت الشرطة تلاحق أنصار الحلاج إلى سنة ٣١٢ هـ / ٩٢٤ م حيث تم القبض على ثلاثة منهم وهم حيدرة والشعراني وابن منصور. تم عرض التوبة عن مذهب الحلاج عليهم لكنهم رفضوا فضُربت أعناقهم ثم صلبهم في الجانب الشرقي من بغداد، ووضعت رؤوسهم على سور السجن في الجانب الغربي.

ترك الحجاج وراءه زوجته وأبناءه منهم سليمان الذي وعد أبوه ابنة السمري بتزوجيها منه ، وحمد الذي روى أخباره ، وعبد الصمد الذي ذكر أنه كان السبب في تأسيس الطريقة الحلاجية ، وابنة وأختاً.

ويروي كامل مصطفى الشيبي أنه التقى عام ١٩٦٧ بشخص فلسطيني يحمل لقب الحلاج. وبعد السؤال قال إنه من ذرية الحلاج ولديهم شجرة نسب ومخطوطات قديمة بينها كتب الحلاج. وأوضح أن أحفاد الحلاج غادروا العراق إلى مصر وفلسطين في قلقيلية. وعاش قسم منهم في الأردن وأمريكا وألمانيا ويوغسلافيا. وأن بعض أحفاده المعاصرين يميلون إلى التصوف بعضهم نساء متصوفات.

الحلاج برأي خصومه
تعرض الحلاج إلى حملات شديدة من قبل خصومه خاصة من الجماعات السلفية.
قال عنه الذهبي السني المتعصب: تبرأ منه سائر الصوفية والمشايخ والعلماء من سوء سيرته ومروقه. ومنهم من نسَبَه إلى الزندقة ، وإلى الشعبذة والزوكرة. وقد تستر به طائفة من ذوي الضلال والانحلال ، وانتلوه وروّجوا به على الجّهال ، نسأل الله العصمة في الدين. قال ابن الوليد: كان المشايخ يستثقلون كلامه ، وينالون منه لأنه كان يأخذ نفسه بأشياء تخالف الشريعة ، وطريقة الزهاد ، وكان يدعى المحبة لله ، ويظهر منه ما يخالف دعواه. وقال السلمي: سمعت أبا علي الهمذاني يقول: سألت إبراهيم بن شيبان عن الحلاج فقال: من أحب أن ينظر إلى ثمرات الدعاوى الفاسدة فلينظر إلى الحلاج وما صار إليه.  (١١)

وكان من سعى في قتله وعقد له مجلساً وحكم عليه فيه بما يستحقه من القتل هو القاضي أبو عمر محمد بن يوسف المالكي رحمه الله . وقد امتدحه ابن كثير على ذلك فقال : وكان من أكبر صواب أحكامه وأصوبها قَتْلَهُ الحسين بن منصور الحلاج (١٢)
وقال عنه ابن تيمية  : ( مَنْ اعْتَقَدَ مَا يَعْتَقِدُهُ الْحَلاجُ مِنْ الْمَقَالاتِ الَّتِي قُتِلَ الْحَلاجُ عَلَيْهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا قَتَلُوهُ عَلَى الْحُلُولِ وَالاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَقَالاتِ أَهْلِ الزَّنْدَقَةِ وَالإِلْحَادِ كَقَوْلِهِ : أَنَا اللَّهُ . وَقَوْلِهِ : إلَهٌ فِي السَّمَاءِ وَإِلَهٌ فِي الأَرْضِ . . .  وَالْحَلاجُ كَانَتْ لَهُ مخاريق وَأَنْوَاعٌ مِنْ السِّحْرِ وَلَهُ كُتُبٌ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ فِي السِّحْرِ . وَبِالْجُمْلَةِ فَلا خِلافَ بَيْنِ الأُمَّةِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِحُلُولِ اللَّهِ فِي الْبَشَرِ وَاتِّحَادِهِ بِهِ وَأَنَّ الْبَشَرَ يَكُونُ إلَهًا وَهَذَا مِنْ الآلِهَةِ : فَهُوَ كَافِرٌ مُبَاحُ الدَّمِ وَعَلَى هَذَا قُتِلَ الْحَلاجُ )اهـ (١٣)
ويفرد الخطيب البغدادي فصلاً في كتابه (تاريخ بغداد) بعنوان (ذكر بعض ما حكي عن الحلاج من الحيل) يذكر فيه بعض القصص عن ادعاء الحلاج النسك والعبادة وقراءة القرآن والصيام ، حتى إذا علم أنه تمكن أظهر أنه قد عمى ، فكان يُقاد إلى مسجده ، ويتعامى على كل أحد شهوراً ، ثم أظهر أنه قد زمن ، فكان يحبو ويُحمل إلى المسجد حتى مضت سنة على ذلك ، وتقرر في النفوس زمانته وعماه ، فقال لهم بعد ذلك إني رأيت في النوم كأن النبي (ص) يقول لي: إنه يطرق هذا البلد عبد لله صالح مجاب الدعوة ، يكون عافيتك على يده وبدعائه ،فاطلبوا لي كل من يجتاز من الفقراء ، أو من الصوفية ، فلعل الله أن يفرج عني على يد ذلك العبد ودعائه كما وعدني رسول الله (ص) . فتعلقت النفوس إلى ورود العبد الصالح ، وتطلعته القلوب. ومضى الأجل الذي كان بينه وبين الحلاج ، فقدم البلد ولبس ثياب الصوف الرقاق، وتفرد بالجامع بالدعاء والصلاة، وتنبهوا على خبره ، فقالوا للأعمى بخبره ، فقال: احملوني إليه. فلما حصل عنده وعلم أنه الحلاج قال له: يا عبد الله إني رأيت في المنام كيت وكيت ، فتدعو الله لي ، فقال: ومن أنا وما محلي؟ فما زال به حتى دعا له ثم مسح يده عليه ، فقام المتزامن صحيحاً مبصراً. فانقلب البلد ، وكثر الناس على الحلاج، فتركهم وخرج من البلد. (١٤)
لقد كان الحلاج طِلَسْمًا من طلاسم تراثنا وشخصية جدّ محيّرة لدارسيه، ولا نجد نصًا يحكي هذه الحيرة في أمره كنص للذهبي أورده في ترجمته، يعرض فيه الاحتمالات الثلاثة لموقف الناس منه، مع ميله هو إلى إثبات زندقته. يقول الذهبي: "فتدبر -يا عبد الله- نحلة الحلاج الذي هو من رؤوس القرامطة ودعاة الزندقة، وأنصف وتورّع…؛ فإن تَبَرْهَنَ لك أن شمائل هذا المرء شمائل عدوّ للإسلام، محبّ للرئاسة حريص على الظهور بباطل وبحق، فتبرأ من نحلته؛ وإن تبرهن لك -والعياذ بالله- أنه كان… محقًّا هاديا مهديا، فجدد إسلامك واستغث بربك أن يوفقك للحق…؛ وإن شككت ولم تعرف حقيقته وتبرأت مما رُمي به أرحت نفسك، ولم يسألك الله عنه أصلا".
والذهبي عندنا متهمٌ عموما في أحكامه على الشخصيات الجدلية من أهل التصوّف. فرغم وضعه لقاعدة ذهبيّة في حال المختلَف فيهم؛ فإنه لم تطب نفسه بالترحم على الحلاج والاستغفار له، وتجاهل ما سطره -قُبيل نصه السابق بسطرين- حيث يقول: "إن مَن كان طائفة مِن الأمة تضلله، وطائفة من الأمة تُثني عليه وتبجله، وطائفة ثالثة تقف فيه وتتورع من الحط عليه؛ فهو ممن ينبغي أن يُعرَض عنه، وأن يفوَّض أمرُه إلى الله، وأن يستغفَر له في الجملة، لأن إسلامه أصلي بيقين وضلاله مشكوك فيه؛ فبهذا تستريح ويصفو قلبك من الغلّ للمؤمنين" (١٥)

المعتذرون للحلاج
تصدى بعض الكتاب والأدباء والمؤرخين والمتكلمين والفلاسفة والمتصوفة للدفاع عن الحلاج ، وتعاطفوا مع محنته ، وما تعرض له من اضطهاد وحرمان من التعبير عن رأيه ، وأنه راح ضحية التعصب الأعمى والجهل والرغبة في الانتقام منه.
فقد قال أبو القاسم إبراهيم بن محمد النصر آبادي الصوفي (ت ٣٦٧ هـ/ ٩٧٧ م) : إن كان بعد النبيين الصدّيقين موحّد فهو الحلاج).
والغزالي الذي كان معادياً للحلاج تغيّر تماماً عندما دافع عن الحلاج في كتابه (مشكاة الأنوار) حيث اعتذر عنه وحمل أقواله التي أوخذ عليها مثل قوله (أنا الحق) على محامل حسنة . وبرر ذلك بأنه إنما كان (من فرط المحبة وشدة الوجد). (١٦)
وتصدى الشيخ عبد القادر الجيلي الحنبلي (ت ٥٦١ هـ . ١١٦٦ م) لتصحيح أقوال الحلاج والدفاع عنه دفاعاً مجيداً حين قال (عثر الحلاج فلم يكن في زمنه من يأخذ بيده ، ولو كنت في زمنه لأخذت بيده). و
وأثنى فريد الدين العطار (ت ٦٠٧ هـ / ١٢١٠ م) على الحلاج ، ويعيد صياغة آرائه في قصيدة سماها (هيلاج نامه) بمعنى عين الحياة ، أي الخلود ، وهو لفظ يوناني في الأصل.
ودافع الشيخ عمر السهروردي (ت ٦٣٢ هـ / ١٢٣٤ م) عن قول الحلاج (أنا الحق) بأنه (كان على معنى الحكاية عن الله تعالى).
ومن الشيعة من دافع عن الحلاج مثل الفيلسوف العالم نصير الدين الطوسي (ت ٦٧٢ هـ / ١٢٨٩ م) الذي اعتذر عن الحلاج بقوله (إنا الحق) بأنه إنما قال ذلك ومراده (رفع الإنّية دون الاثنينية).
وقال القاضي نور الله التستري (ت ١٠١٩ هـ / ١٦١٠ م)  صاحب كتاب (مجالس المؤمنين) الذي ادعى أن الحلاج قد أخذ بجريرة إيمانه بالإمام المهدي (ع) ودعوة الناس إلى نصرته وحثهم على الثورة على الدولة العباسية.
لقد نفذ الحلاج إلى أعماق المجتمع الإسلامي في المشرق على الخصوص بتأثير من الطرق الصوفية. ففي تركيا ما زال أتباع الطريقة المولوية يسمون المزمار الرذيس في أذكارهم (نادي المنصور).
وما زال أتباع الطريقة البكتاشية يتبعون تقليداً ، في حفل تخريج المريدين ، تقليداً حلاجياً واضحاً يتمثل في إفرادهم مكاناً في تكاياهم التي يسمونها (الميدان) يطلقون عليه (دار منصور) ، يريدون صليب الحلاج) ، والصحيح صلاّبة أو مشنقة منصور). فإذا أتم المريد سلوكه واستحق لقب (بكتاشي) جاؤوا به إلى (دار المنصور) ووضعوا في عنقه حبلاً يرمز إلى أنه (قد مات عن هذه الدنيا الفانية ورحل إلى ميادين المعشوق الإلهي.
الاتهام بالانتماء للمعارضة السياسية
يقول بعض الباحثين المعاصرين : لقد تتبعنا الروايات التي تقدح في الحلاج ويُطعن عليه بها فوجدنا أكثرها يدور على خصوم له. وقد تعدد هؤلاء الخصوم؛ فمنهم مَن كان موظفًا عند الدولة التي ثار عليها الحلاج فروايتهم عنه من باب "الدعاية السوداء". ومن هؤلاء أبو القاسم التَّنُوخي (ت 342هـ/953م) والصُّولي (ت 335هـ/946م) وعمرو بن عثمان المكي؛ وهذا الأخير تولى قضاء جدة فصار موظفًا للدولة بعد إذ كان شيخًا للحلاج، وكان يكتب إلى الأمصار بتكفير الحلاج.
وبعضهم غاظهم تصدُّر الحلاج واشتهاره حين "وقع له عند الناس قبول عظيم حتى حسده جميع مَن في وقته"؛ كما يقول ابنه حمد. ومن هذه الفئة الصوفي الكبير أبو يعقوب النَّهْرَجُورِي (ت 330هـ/942م) الذي يحكي حمد بن الحلاج سبب حسده لأبيه؛ فيقول: "وخرج [الحلاج] ثانيًا إلى مكة ولبس المرقّعة والفُوطة، وخرج معه في تلك السفرة خلق كثير [من أتباعه]، وحسده أبو يعقوب النَّهْرَجُورِي فتكلم فيه بما تكلم"! ومن هؤلاء أيضا الجُنيد البغدادي الذي كان شيخ الطائفة الصوفية.
ولا ينبغي لنا أن نغفل عن غريزة التحاسد بين العلماء والمشايخ، ولنتذكر القاعدة الذهبية التي أهداها إلينا إمام الواعظين ابن الجوزي بقوله في ‘صيد الخاطر‘: "فإذا رآك من يعتقدك مِثْلا له -وقد ارتقيت عليه- فلا بد أن يتأثر، وربما حسد؛ فإن إخوة يوسف عليهم السلام من هذا الجنس"!! (١٧)
والجنيد -في تقديرنا- أنه كان على هرم تنظيم التصوف السياسي، وكان الحلاج من أتباع هذا التنظيم بادئ الأمر؛ فقد كان يتلقى الأوامر من الجنيد في تدبير أحواله. يحكي لنا حمد بن الحلاج فيما يرويه عنه ابن باكويه: "ثم اختلف والدي إلى الجنيد بن محمد، وعرض عليه ما فيه من الأذيّة لأجل ما جرى بين أبي يعقوب [النَّهْرَجُورِي] وبين عمرو [المكي]، فأمره بالسكوت والمراعاة؛ فصبر" الحلاج امتثالا لكلام شيخه.
ثم بعد عودة الحلاج من مكة ازداد أتباعه وعظم نفوذه، ويبدو أنه كان متهورًا وأكثر جرأة من خط الجنيد المؤْثِر للسريّة والبطء. فلما رآه الجنيد ذا أتباع وميل إلى الرئاسة اتهمه بالادعاء وتنكّر له، فاستقل الحلاج بنفسه. قال حمد ابنه: "ورجع إلى بغداد مع جماعة من الفقراء الصوفية، فقصد الجنيد بن محمد وسأله مسألة فلم يجبه، ونسبه إلى أنه مدّعٍ فيما سأله، فاستوحش وأخذ والدتي ورجع إلى تُسْتَر (= مدينة تقع الآن غربي إيران)". وهناك في تستر عظُم أمر الحلاج وتمددت قاعدته الشعبية. (١٨)
وصنّف ابن الجوزي (ت 597هـ/1201م) كتابه (القاطع لمِحال اللِّجاج القاطع بمُحال الحلاج) للرد على أقوال الحلاج.

قبر الحلاج الرمزي في بغداد
قُتل الحلاج على شاطئ دجلة الغربي في موضع يُعرف الآن بمحلة المنصورية نسبة إلى أنه (ابن منصور) ، لا يبعد عن مستشفى الكرمة إلى خمسين متراً.
كان للحلاج معجبون وأولياء وتلاميذ ، فكانوا يقصدون المكان الذي أُعدم فيه ، وإثارة الذكريات وتعزية النفس. فصاروا يقصدون الموضع في ٢٤ ذي القعدة من كل عام يستذكرون الرجل الشهيد وما عاناه من عذابات قبل قتله، ثم صلبه وحرقه. ونشأت فرق تسمى الحلاجية كانوا يقفون في المكان وينتظرون خروجه من الماء.
وزاد المكان شهرة احتفال ابن المسلمة وهو أبو القاسم علي بن الحسن بن أحمد (٤٩٧-٥٤٠ هـ / ١٠٠٧- ١٠٥٩م) وزير القائم بأمر الله العباسي بمناسبة نيله الوزارة في ٨ جمادى الأولى سنة ٤٣٧ هـ في موضع قتل الحلاج بالذات ، بوصفه حلاجياً وصل إلى هذا المنصب ببركات شيخه. (١٩)
ويؤيد موضع القبر الحالي بعض من زاروه في فترات زمنية مختلفة. إذ يقول ابن الطقطقي (٦٦٠-٧٠٩ هـ / ١٢٦٢- ١٣٠٩ م) أن قبر الحلاج ببغداد بالجانب الغربي قريب من مشهد معروف الكرخي).(٢٠) ومنهم ابن جبير وغيره.

كما ذكر رحالة أجانب مرقد الحلاج ، ورسموا المرقد في خرائطهم المصورة لبغداد عام ١٥٣٧ م. فقد قام فيليكس والمستر كولينكوود في عام ١٨٥٣-١٨٥٤ برسمه. وكذلك السيد رشيد الخوجة عام ١٩٠٨ أثناء توليه رئاسة ركن في الجيش العثماني سار وهرزفيلد في أوائل القرن العشرين.  
من الغريب أن العلامة مصطفى جواد والدكتور أحمد سوسة قد أهملا ذكر مرقد الحلاج في كتاب (خارطة بغداد قديماً وحديثاً).

 وعثر المستشرق لويس ماسينيون على أول صورة لقبر الحلاج الرمزي تعود لعام ٩٤٢ هـ / ١٥٣٥ م وردت في مخطوطة (بيان منازل) لكاتبها نصوح سلاحي مطراقي ، وهي محفوظة في مكتبة يلدز بتركيا.
وأما البناء فيرجح أن السلطان سليمان القانوني الذب فتح بغداد عام ٩٤١ هـ هو الذي أمر بالبناء أو تجديد قبر الحلاج الرمزي على الصورة التي رسمها نصوح سلاحي مطراقي الذي رافق الحملة العثمانية على العراق ، ووصف فتوحات السلطان في كتبه. وكان السلطان قد قم بإعمار أضرحة أبو حنيفة وعبد القادر الكيلاني  ، وأكمل بناء الحضرة الكاظمية التي بدأ العمل فيها بأمر الشاه إسماعيل الصفوي عام ٩٢٦ هـ / ١٥٢٠م.

إعمار قبر الحلاج
في عام ١٩٧٠ زار الدكتور كامل مصطفى الشيبي ضريح الحلاج فوجده بشكل مستطيل يضم قبتين. الأولى بأبعاد ( ٤،٣٨ X ٤،٤٤ مترا ) وتضم الضريح بأبعاد ( ١٨١ X ٤٤ سنتمترا) وبارتفاع (١٠٠سم). وعلى القبر قبة ترتفع بنحو مترين ، وعليها ميل بارتفاع متر واحد. ويوجد شباكان للتهوية والانارة يقعان قرب السقف.  أما الغرفة الثانية فهي للزوار وتضم باب دخول المرقد وشباكين علويين.
 البناء بالطابوق والجص ويعود إلى عام ١٩٣٠ ، ويبدو أنه تم على بناء قديم يعود إلى عام ١٩٠٨ كما صوره ماسينيون. كما نشر الكاتب المصري زكي مبارك صورة للمرقد في كتابه (التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق) عام ١٩٣٨.
في عام ١٩٧٣ تعرض المرقد لأضرار بسبب الرطوبة وسقوط جانب منه. وكان يُنشأ بقربه مشروع دور الأرامل الذي حاصره بأزقة ضيقة ودور مجاورة للمرقد ملاصقة له مباشرة.

وحدثني خادم المرقد أثناء زيارتي له بأنه تم إعمار المرقد عام ١٩٩٢ من قبل ديوان رئاسة الجمهورية. وكان عبارة عن غرفتين. وآخر إعمار للمرقد كان عام ٢٠١٩ من قبل رجل محسن حيث تم صبغ الجدران وفرش الأرضية بالموكيت ، وتزويده بالإنارة والمراوح.

زيارتي لمرقد الحلاج
في ١٣ شباط ٢٠٢٣ قمت بزيارة مرقد الشيخ الحسين بن منصور الحلاج. المرقد يقع في منطقة المنصورية الشعبية المكتظة مقابل مستشفى الكرامة.
البناء حديث يتوسط السياج باب ذا مصراعين من الحديد ، يعلوه قوس مدبب بارتفاع ثلاثة أمتار. وفوق الباب لوح من الكاشي الكربلائي ذا خلفية زرقاء كتب عليه (مرقد منصور الحلاج) تحيطه زخرفة نباتية.
علي السياج الخارجي للمرقد توجد لوحة من المرمر غائرة داخل الجدار كُتب عليها: ٠مرقد أبي المغيث الحسين بن منصور الحلاج قدس الله سره ( ٢٤٤- ٣٠٩ هـ / ٨٥٨ – ٩٢٢ م).

بعد الدخول تمر من خلال حديقة صغيرة لتعبر إيوان عالي (طارمة) ثم يواجهك باب المرقد. وهو باب من الخشب عليه نقوش هندسية بشكل نجمة ثمانية تتكرر ثلاث مرات. يعلو الباب قوس مدبب وشباك مغلق للإضاءة فقط.
بجانب الباب توجد لوحة كتب عليها بخط اليد مما نقل عن كلام الحلاج يبدأ (منصور الحلاج : إني اسألك بحق ما حمل كرسيك من عظمتك وقدرتك وجلالك وبهائك وسلطانك. وبحق اسمك المخزون المكنون الذي سميت به نفسك وأنزلته في كتابك واستأثرت به في علم الغيب عندك أن تصلي على محمد عبدك ورسولك وأسألك باسمك الذي دعيت به أجبت ، وإذا أسأل به أعطيت ، وأسألك باسمك الذي وضعته على الليل فأظلم ، وعلى النهار فاستنار ، وعلى السموات فاستعلت ، وعلى الأرض فاستقرت ، وعلى الجبال فرست ، وعلى الضيعة؟؟ فدلت ، وعلى السماء فسكنت ، وعلى السحاب فأمطرت. الله صلي على محمد وآل محمد عدد صفوت الملائكة وتسبيحهم وتكبيرهم وتهللهم من يوم خلقت الدنيا إلى يوم القيامة).

بعد اجتياز الغرفة الأولى تدخل الغرفة التي تحتضن القبر الرمزي. وهو صندوق بارتفاع قرابة المتر. وعليه ستارة خضراء يتوسطها هلال ونجمة بشكل العلم الباكستاني. وتحت الهلال تطريز مكتوب يقول (بسم الله الرحمن الرحيم . ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى في الحياة الدنيا والآخرة ، لا تبديل لكلمات الله ، ذلك هو الفوز العظيم). وهناك ستارة خضراء أخرى فوق القبر مطرزة بالقول (ألف الصلاة والسلام عليك يا رسول الله).

على جانب القبر وعلى الجدار توجد لوحة معلقة مكتوبة بخط اليد جاء فيها:
(بسم الله الرحمن الرحيم
سيرة حياة الشيخ حسين بن منصور الحلاج رحمه الله
ولد سنة ٢٤٤ هـ ، ولقب بالحلاج من مهنة أبيه أو مهنته وهي (حلج القطن). اختار سهل التستري أستاذاً له ليعلمه التصوف. سافر إلى البصرة ليتلقى خرقة التصوف من يد عمرو المكي ، ومن مشايخه في بغداد الشيخ أبي القاسم الجنيد. ظهرت على يديه العديد (مشطوب بالأصل) في الهواء أو غمر الناس بالمسك.
ومن عباراته وهو في مكة المكرمة (تُهدى الأضاحي وأُهدي مهجتي ودمي).
توفي في بغداد عام ٣٠٩ هـ.
له كتب (٤٩) تسع وأربعين مؤلفاً. ولم يبق منها سوى كتاب الطواسين ... وأبيات من الشعر جمعها الدكتور كامل مصطفى الشيبي في (ديوان الحلاج). وكُتب عنه الكثير من المؤلفات.
كتب في بغداد المنصورة ، نهاية رمضان ١٤٠٩ هـ / ٣٠ نيسان ١٩٨٩ . البياتي )

وفي لوحة أخرى كتبت عليها بعضاً من قصائد الحلاج جاء فيها:

(قصائد الحلاج
 والله ما طلعت شمس ولا غربت
                إلا وحبك مقرون بأنفاسي
ولا خلوتُ إلى قوم أحدّثهم
                 إلا وأنت بقلبي بين وسواسي
ولا ذكرتك محزوناً ولا فرحاً
                إلاّ وأنت بقلبي بين وسواسي
ولا هممتُ بشرب الماء من عطشٍ
                إلاّ رأيتُ خيالاً منك في الكأس
ولو قدرتُ على الاتيان جئتُكم
                سعياً على الوجه أو مشياً على الراسِ
ويا فتى الحيّ إن غنيتَ لي طرباً
                فغنني وأسفا من قلبك القاسي
ما لي وللناسِ كم يلحونني سفهاً
               ديني لنفسي ودين الناس للناسِ

وقصيدة أخرى تقول:
يا نسيم الروح قولي للرشا
              لم يزدني الوِرد إلا عطشا
لي حبيب حبُّه وسط الحشا
   

أخر الأخبار