• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

كلية بغداد أعرق المدارس الثانوية في العراق .. سلسلة أبنية تراثية بغدادية ١٤

كلية بغداد أعرق المدارس الثانوية في العراق .. سلسلة أبنية تراثية بغدادية ١٤

  • 16-10-2023, 20:04
  • مقالات
  • 242 مشاهدة
صلاح عبد الرزاق

"Today News": بغداد 
مدارس تراثية بغدادية عريقة ١

د. صلاح عبد الرزاق

مائة عام مضت على تأسيس أول مدرسة ثانوية أهلية ذات مناهج عالية وبرامج عريقة جعلتها تتربع على عرش التعليم الثانوي في العراق ، وتنافس كلية فيكتوريا بالإسكندرية ، ومدارس بيروت ذات الخبرة الطويلة. فتعد أرقى مدرسة ثانوية في قارة آسيا عن تأسيسها.

مائة عام وكلية بغداد تتولى تخريج أفضل الطلاب وأرقى الخريجين ليجدوا طريقهم إلى جامعات أوربا وأمريكا دون الحاج إلى اختبار فاسم الكلية وسمعتها الدولية تسبقها دائماً.

مائة عام وهي تدفع بالعباقرة والمتفوقين إلى المجتمع والدولة العراقية بعد إكمال دراساتهم ما بعد الثانوية ، فكانت تحافظ على وجودها ومناهجها وانضباطها ورصانتها رغم الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية التي مرت بالعراق خلال هذا القرن. منها حركة رشيد عالي الكيلاني عام ١٩٤١ و حرب عام ١٩٤٨ بين البلدان العربية وإسرائيل ، ثم حملات تهجير اليهود من العراق في بداية الخمسينيات وتأثير ذلك على العراقيين اليهود ومنهم عائلات طلاب كلية بغداد.

في عقدي الثلاثينيات والأربعينيات كان أغلب طلابها من اليهود والمسيحيين والأجانب المقيمين في بغداد، لكن تغيرت النسبة تدريجياً منذ الخمسينيات وزاد عدد المسلمين ليشكلوا أغلبية الطلاب والمدرسين.


كلية بغداد وبعثات التبشير

في القرن التاسع عشر أفسحت الدولة العثمانية المجال أمام توسع الارساليات التبشيرية في العراق. وكان لإصدار مرسوم گلخانة عام ١٨٣٩ وخطي همايون عام ١٨٥٦ دور كبير في تشجيع العمل التبشيري.  فقد شهدت بغداد والموصل إنشاء مدارس فيها.
في عام ١٨٦٤ قام الاتحاد الإسرائيلي في باريس بتأسيس مدرسة يهودية في بغداد، ثم أعقبها عام ١٨٦٨ تأسيس مدرسة للبنات باسم مدرسة التهذيب للبنات.

وبادرت الإرساليات التبشيرية الأمريكية بالعمل ونشر المذهب البروتستانتي في جنوب العراق. فافتتحت أول محطة لها في مدينة البصرة عام ١٨٩١ ، ثم فتحت لها فروعاً في العمارة عام ١٨٩٤ والناصرية عام ١٨٩٧ .
تركزت أعمال الإرسالية على التبشير بالعقيدة المسيحية أولاً، وتقديم الخدمات التربوية والتعليمية والصحية ثانياً. وقامت هذه الارسال في البصرة بنشر أول ترجمة عربية للإنجيل عام ١٨٩٥. وتم توزيع (٢٤٦٤) نسخة منه عام ١٨٩٩ لوحده. وقامت بتحويل ٤٪ من الأرمن في بغداد إلى المذهب البروتستانتي.
وكان لوصول المبشر الأمريكي (الهولندي) جون فون آيس John Van Ess (١٨٧٩- ١٩٤٩) عام ١٩٠٢ إلى البصرة أثر كبير في نشاط البعثة التبشيرية. إذ كان يتحدث العربية ومطلع على تاريخ العراق.  وبعد جولة قام بها في البصرة وأطرافها فكر بتأسيس أول مدرسة حديثة ، فمنحته السلطات العثمانية الموافقة بشرط أن تكون اللغة العربية هي لغة التدريس. وفي عام ١٩١٠ تأسست أول مدرسة أمريكية في منطقة العشار وسط البصرة. وكان كادر المدرسة من الأساتذة الأمريكان. ودخل فيهل الطلاب المسلمون واليهود والصابئة. وكان فيها قسم داخلي لسكن التلاميذ القادمين من أماكن بعيدة خارج ولاية البصرة، وهو الأول من نوعه في العراق.
ورغم معارضة رجال الدين وصدور فتاوى تمنع الدراسة فيها ، لكن كبار القوم لم يلتفتوا لها. فأرسل شيخ الكويت وطالب النقيب وأمير المحمرة الشيخ خزعل الكعبي أولادهم إليها. الأمر الذي خفف من تأثير الفتاوى على الناس. ومنذ ذلك الوقت صار الكتاب المقدس ضمن منهاج الدراسة ، يُقرأ كل يوم بالعربية وفي كل الصفوف. ثم قامت زوجة فون آيس دوروثي فارمان (١٨٨٥-١٩٩٥) Dorthy Farman بتأسيس أول مدرسة أمريكية للبنات بالتعاون مع معلمتين من أهالي البصرة. وقد رزقت دوروثي بابن اسمه جون ، ولد في البصرة ، وتخرج من جامعة برينستون عام ١٩٣٨ ، وعاد إلى العراق ليمارس التدريس في مدرسة أمريكية للبنين ، حتى وفاته عن عمر ٢٦ عاماً. كما رزقا بابنة اسمها أليس Alice التي تزوجت في البصرة من وليم بريور William Brewer الذي أصبح فيما بعد سفيراً لأمريكا في السودان. بعد وفاة والدتها ، أهدت أليس أوراق والدتها إلى جامعة هارفارد.
وقد كتب فون أيس عدة مؤلفات: (الرواد في العالم العربي) عام ١٩٧٤ ، (لقاء العرب) عام ١٩٤٣ ، و (العربية المحكية في بلاد الرافدين) عام ١٩١٧ . الجدير بالذكر أن فون أيس قد عارض ترشيح ملك غير عراقي على عرش العراق. كما عارض آراء المس بيل التي وصفها بأنها حالمة جداً ، وتؤمن بأن ما تريده يجب أن يتحقق ، رغم قدرتها المحدودة بعلوم اللغة العربية . ولم تبدي اهتماماً بالثقافة العربية والإسلامية.

 النشاط التبشيري في عهد الانتداب البريطاني

بعد احتلال بغداد عام ١٩١٧ وهيمنة القوات البريطانية على العراق ، بدأت بتشكيل إدارات محلية يقودها ضباط انكليز في المدن العراقية. وكان يرأس الحاكم العام هو السير برسي كوكس Percy Cox.
قبل احتلال بغداد ، احتل البريطانيون البصرة عام ١٩١٤ ، ومنذ ذلك الوقت قاموا بإنشاء مؤسسات جديدة كمحطة القطار والمستشفى العسكري وغيرها من الأبنية . كما فكروا بتأسيس منهج للتربية في المدارس ، فتم تكليف الدكتور جون فون آيس مدير الارسالية الأمريكية في البصرة بالإشراف على تأسيس عدد من المدارس ، والاستفادة من خبرته التعليمية في العراق. ووضع تحت إشراف المستشار هنري دوبس (١٨٧١- ١٩٣٤) Henry Dobbs المشرف على مالية العراق آنذاك. وصارا تدفع له خمسة آلاف روبية سنوياً. ومنذ عام ١٩١٥ تم تقديم مساعدات مالية لبعض المدارس مثل مدارس الكاثوليك والكلدان واليهود فضلاً عن مدارس الأمريكان، شريطة تعليم اللغة الإنكليزية.  

في عام ١٩١٧ بلغ عدد البعثات التبشيرية الأمريكية في العراق خمس بعثات موزعة في بغداد والحلة والموصل وكركوك ودهوك. وبذلك اكتسبت البعثات الأمريكية سمعة جيدة بين الأهالي بعد أن تخلصوا من النظام الإداري العثماني المتخلف.

في عام ١٩٢٢ تم توقيع المعاهدة العراقية – البريطانية  ، وسمحت المادة (١٢) على إطلاق يد التبشير في العراق للديانة المسيحية لكل المذاهب. وفي عام ١٩٢٤ أصدرت الحكومة العراقية نظام المدارس الأهلية والأجنبية الذي اشترط موافقة الحكومة قبل فتح المدارس. كما منعت المادة (٣٤) من النظام تشجيع أو إجبار التلاميذ على الاشتراك في المراسم الدينية التي لا تتعلق بدينهم.
في عام ١٩٢٥ منحت الحكومة العراقية موافقات للمبشرين الأمريكان لفتح مدارس في العراق. وكان ساطع الحصري مدير عام التعليم في وزارة المعارف (التربية). وكان قد رفض تأسيس جامعة آل البيت الإسلامية في الأعظمية.
 تأسست المدارس التبشيرية للبنات وأخرى للبنين ، وكانت الدراسة فيها تسع سنوات ، ومناهجها على مستوى عال وباللغتين العربية والإنكليزية. وبعد تخرج الطلاب منها يمكنهم إكمال دراستهم في الجامعة الأمريكية في بيروت ، وفي الجامعات الغربية.

مساعي الآباء اليسوعيون

خلال الفترة ١٩٢٤ – ١٩٣٠ انتشر التعليم الأمريكي بشكل كبير في العراق لاسيما في بغداد. ومنحت معاهدة ١٩٣٠ (المادة ٤) الضوء لضمان المصالح الأمريكية في العراق ومنها ميدان التعليم. وكان للآباء اليسوعيين نشاط واضح في التعليم. وصار العراق ذو أهمية متميزة بنظر الحكومة الأمريكية.

يرجع قدوم الآباء اليسوعيين إلى بداية العشرينيات من القرن العشرين. فقد قدم رئيس الكنيسة الكاثوليكية في العراق الأب مار عمانوئيل الثاني توما (١٨٥٢- ١٩٤٧) Mar Emmanuel II Thomas (في المنصب بين عام ١٩٠٠- ١٩٤٧) بتقديم طلب إلى البابا بيوس الحادي عشر (في المنصب ١٩٢٢-١٩٣٩) لفتح كلية للآباء اليسوعيين في بغداد. في نهاية العشرينيات وافق البابا وقام بتكليف الأسقف دومينيك بير Dominique Berre مبعوث الفاتيكان في العراق للقيام بمسح واسع وإجراء اتصالات مع المكونات المسيحية في العراق حول المدارس الكاثوليكية. في ١٨ حزيران ١٩٢٨ رفع دومينيك تقريراً تضمن ضرورة توحيد كل المدارس الكاثوليكية تحت إدارة واحدة بالتنسيق مع الحكومة العراقية.

كان طموح المبشرين الأمريكان ومنذ فترة العشرينيات يسعى لتأسيس مدرسة ثانوية في بغداد لتكون بمثابة نواة لجامعة أمريكية شبيهة بالجامعة الأمريكية في بيروت. في ٧ آذار ١٩٣١ وصل بغداد البروفسور ولش اليسوعي، والذي كان يشغل منصب نائب رئيس جامعة جورج تاون في واشنطن. وكان يدرس إمكانية فتح قسم داخلي للطلاب الكاثوليك الذين يدرسون في المؤسسات التعليمية الكاثوليكية في بغداد، إضافة لدراسة أوضاع التربية والتعليم في العراق. وكان الأب ولش قد ضمن موافقة الحكومة العراقية على إنشاء مدرسة للتعليم العالي (جامعة) في العراق بشرط أن يبدأ بمدرسة ثانوية.

قدم الأب ولش طلباً إلي وزارة المعارف لإنشاء مدرسة ثانوية أمريكية نموذجية في العراق برعاية الآباء اليسوعيين. والتقي ولش بالملك فيصل الأول لإبداء المساعدة بخصوص تسريع العمل.

في حزيران ١٩٣١ قرر مجلس الوزراء العراقي تخويل وزارة المعارف لاتخاذ التدابير اللازمة لاستقدام لجنة من الخبراء الأمريكان للاستعانة بهم لدراسة الحالة التربوية في العراق ومعالجة مشاكل التعليم. في عام ١٩٣٢ وصل أول خبير أمريكي إلى بغداد هو البروفسور بول مونرو Paul Monroe (١٨٦٩- ١٩٤٧) الذي كان يشغل مدير أحد المعاهد في كلية المعلمين التابعة لجامعة كولومبيا في نيويورك. زار مونرو مدارس البصرة وبغداد ثم كتب تقريراً قدمه إلى الحكومة العراقية. وكان مونرو الأستاذ المشرف لرسالة الدكتوراه للدكتور فاضل الجمالي الذي قدم له مساعدة كبيرة.
 ثم تتابع وصول عدد من الخبراء التربويين الأمريكان إلى العراق منهم الخبير جورج كلوس George Clous.

تأسيس كلية بغداد

في ٣٠ حزيران عام ١٩٣٢ منحت الحكومة العراقية الموافقة الرسمية للأب ولش وزملائه اليسوعيين (الكاثوليك) الامريكان بفتح مدرسة ثانية بالعاصمة بغداد سميت فيما بعد بكلية بغداد Baghdad College برعاية الجمعية العراقية الأمريكية.
إن المساعي لتأسيس كلية بغداد بدأت عام ١٩٢٨ ، لكنها لم تفتح أبوابها إلا في ٢٦ أيلول ١٩٣٢.
أشرف على تأسيس كلية بغداد الآباء الأربعة وهم كل من:
 ١-الأب وليم رايس William Rice من مقاطعة نيوإنكلاند رئيساً ،
 ٢- الأب إدوارد مداراس Edward Madaras من مقاطعة شيكاغو نائباً له،
٣- الأب إدوارد كوفي Edward Coffey من مقاطعة ميريلاند ،
 ٤- الأب جون مفسد John Mifsud من ولاية كاليفورنيا.

قام البابا بيوس الحادي عشر بوضع (٥٠) آلف دولار تحت تصرف اللجنة لتمويل المشروع أطلق عليه BC on the Tigris .

وقد رحب أبناء الطائفة المسيحية بقدوم الآباء اليسوعيين . في حين شكك المسلمون بنوايا القساوسة اليسوعيين، لكن شكوكهم تبددت عندما لمسوا مستوى التعليم الراقي في الكلية. كما أن الحكومة العراقية دعمت تأسيس كلية بغداد.

في عام ١٩٣٢ بدأت كلية بغداد العمل في دار متواضعة في دار مستأجر شرقي دجلة في محلة المربعة تحيط بها محلة الحاج فتحي والسيد سلطان علي والسنك ، الواقعة من تقاطع شارعين . وهي قريبة جداً من شارع الرشيد. كانت المدرسة تشغل مبنيين صغيرين ، وتم تزويدها بالكتب والأثاث والأدوات اللازمة للمباشرة بالتدريس. وكانت الصفوف صغيرة وأرضيات سيئة ، والانارة قليلة ، والأبواب والشبابيك قديمة مما جعلها عرضة للبرد والعواصف الترابية.

نظراً لازدياد عدد الطلاب وإقبال الناس على تسجيل أبنائهم بفعل النجاح الذي حققته كلية بغداد ، اتخذ الآباء اليسوعيون قراراً بنقل موقع الكلية بعد عامين على افتتاحها. في عام ١٩٣٤ وقع اختيارهم على منطقة الصليخ ، محلة الشماسية ، حيث تم استئجار بيت يقع على ضفاف نهر دجلة ، وهو مبني على الطراز البغدادي القديم ، ومؤلف من طابقين ، مع وجود رواق حول الطابق الثاني. استخدم قسم من الدار كسكن للآباء اليسوعيين ، في حين خُصّص القسم الآخر للدراسة والإدارة.

استمرت الدراسة في الدار المستأجرة حتى عام ١٩٣٦ حيث تم شراء قطعة أرض زراعية بمساحة ٢٥ دونم قريبة من الدار في الصليخ. وهي تبعد حوالي ستة كيلومترات عن مركز العاصمة بغداد. المنطقة هادئة وبعيدة عن الضوضاء وكل ما يعكر صفو الدراسة. كما كان المكان كبيراً ليتسع مستقبلا مع زيادة عدد الطلبة المقبولين في الكلية. كما يضم حدائق وملاعب وبنى تحتية ضرورية للعملية التعليمية. ولعل انخفاض سعر الأرض مقارنة بأسعارها في مركز بغداد ، جعل الآباء اليسوعيين أول من أنشأ أبنية في هذه المنطقة التي أقام بعض كبار الشخصيات منازل فارهة فيها مثلا رشيد عالي الكيلاني وحكمت سليمان وكلاهما كان وزراء وأصبحا رئيساً للوزراء. وقد أجبر الكيلاني إدارة الكلية على التبرع بقطعة من الأرض لإنشاء مركز شرطة عليها. فقبلوا بالتبرع خشية أن تتصعب عليهم الأمور. وقد تم بناء مركز الشرطة على الطريق المؤدي إلى الواجهة الشرقية من الكلية.
وهناك من يرى وجود دوافع دينية لاختيار هذا المكان. فالمحلة تسمى بالشماسية منذ العهد العباسي. وتوجد فيها عدد من الأديرة والكنائس مثل دير (درمالس) و(دير سمالوا).

التصاميم وأبنية الكلية

بعد إعداد التصاميم والخرائط بدأت أعمال الحفر عام ١٩٣٦ ، وتم الاحتفال رسمياً بوضع حجر الأساس لكلية بغداد. ويذكر أن التصاميم تم جلبها من أمريكا ، ثم أدخلت عليها تعديلات تلائم مناخ العراق. ومن يشاهد البنايات يجد أن تصميمها المعماري يشابه تلك الموجودة في ولاية بوسطن بأميركا.

استمر الآباء اليسوعيون بالعمل في الكلية من عام ١٩٣٦ وحتي عام ١٩٦٩ حيث استولت عليها حكومة حزب البعث التي جاءت للسلطة عام ١٩٦٨ ، وألغت التعليم الأهلي وصادرت الأبنية التابعة لها مثل مدارس الكلدان والسريان وكلية أصول الدين الشيعية في كرادة مريم التي أسسها العلامة مرتضى العسكري.
في عام ١٩٣٨ أصبح البناء جاهزاً ، وفي ٤ كانون الأول ١٩٣٨ منح الأب أندرسن بن جون اليسوعي الإجازة الرسمية لمدرسة كلية بغداد الخاصة. وصارت الأرض المخصصة للكلية ملكاً رسمياً للجمعية العلمية القائمة علي شؤون كلية بغداد بعد مصادقة إجازتها من قبل وزير المعارف محمد رضا الشبيبي (١٨٨٩ – ١٩٦٥).

في عام ١٩٤٠- ١٩٤١ تم عزل المدرسة عن المناطق المجاورة لها بعد بناء سياج من الطابوق ما زال باقياً لحد الآن. وخلال الفترة بين عام ١٩٤١ حتي ١٩٥٠ تم إنجاز أول ملحق للصفوف والمطعم الداخلي للكلية. وفي الأعوام ١٩٥١- ١٩٥٥ تم إنشاء بناية رايس Rice العلمية وملحق جديد للصفوف سمي باسم الأب مداراس ، إضافة إلى تشييد مبنى كرونن Cronin Building ومبنى الكراج الخاص بوقوف باصات النقل الشهيرة بلونها الأصفر.

في عام ١٩٥٣ أضيفت أبنية جديدة للكلية وهي كنيسة القلب المقدس والمقبرة الخاصة بالآباء اليسوعيين. إن بناء الكنائس وسط حرم الكلية يعود إلى أن ظهور المدارس الكاثوليكية في العالم ارتبط بشكل وثيق بظهور الكنائس والأديرة جنباً إلي جنب. فالمدارس كانت تدار من قبل الجمعيات الدينية وتشيد كبناية ملحقة بالكنيسة. وكان من الطبيعي أن يخطط الآباء اليسوعيون لٍاقامة بنايتين ، الأولى للكنيسة والأخرى للدير الخاص بسكن الآباء، والأخير اكتمل بناءه  في نهاية الأربعينيات . ففي البداية استخدم كقسم داخلي للطلبة ثم تحول عام ١٩٤٩ كسكن دائم للآباء والأساتذة وإدارة الكلية. منذ منتصف كما بوشر بإنشاء مجمع سكني قرب الكلية يتألف من (٢٤) وحدة سكنية انتهى العمل فيها في نهاية الخمسينيات. وقد خصص المجمع السكني للموظفين الثابتين والعاملين في الكلية كسواق الباصات والسيارات وعمال الخدمة والكهرباء والصيانة الذين يشكل المسيحيون النسبة الكبيرة فيهم.

تعد الكنيسة بناية كبيرة بأبعاد (٥٠ م * ٢٥ م) ، وبلغ ارتفاع الصليب الذي وضع في أعلى برج المبنى (٩٠) متراً عن سطح الأرض. إن معظم تصاميم هذا المبنى وضعها الأب مداراس والأب كاي ، إلى جانب اشرافهما على عدد آخر من أبنية الكلية. أما المقبرة الخاصة بالآباء فبعد سنوات دفن فيها عدد من الآباء، وما تزال قائمة. علماً بأن الكنيسة والمقبرة لم تجر مصادرتهما من قبل السلطات البعثية وبقيت عائدة للكنيسة.    

المكتبة والمرصد والمختبرات

وأُنشئت في الكلية مكتبة كبيرة ضمت عدداً كبيراً من الكتب والمصادر العلمية التي تعود لعقود سبقت تأسيس الكلية. كما قامت الكلية بإصدار مجلة (العراقي) الدورية التي تنشر مقالات وأخبار وصور عن نشاطات الكلية وأخبار الآباء والطلاب. وقد اطلعت عليها ، وشاهدت كتبها ومراجعها وموسوعاتها ومجلاتها وقواميسها وأطالسها. كما أخذت منها بعض الصور القديمة ونشرتها مع هذا المقال.
تتألف المكتبة من قاعة منهجية واسعة للمطالعة الداخلية مع قاعتين ، خصصت الأولى للكتب الإنكليزية والثانية للكتب العربية. وتضم المكتبة كتباً نفيسة بالإنكليزية والعربية والفرنسية ، في شتى الموضوعات العلمية والأدبية والتاريخية والفنية والدينية. وكانت الكتب مرتبة حسب نظام (ديوي) الخاص بفهرسة المكتبات. وكانت القاعات مؤثثة بشكل جيد وإنارة كافية ومزودة بأجهزة تبريد وتدفئة ومفروشة بذوق عال.
في مطلع الخمسينيات كانت المكتبة تضم ثمانية آلاف كتاب، ارتفع عام ١٩٥٢ إلى ستة عشر ألف كتاب. وفي عام ١٩٥٤ زادت إلى عشرين ألف كتاب. وفي الستينيات ارتفع عدد الكتب إلى خمس وعشرين ألف كتاب، فضلاً عن ألفين من المجلات العلمية والأدبية.

وجُهّزت الكلية بمختبرات علمية وخاصة الأحياء والكيمياء . وامتلكت الكلية جهازاً سينمائياً لعرض الأفلام العلمية والوثائقية تخص الحيوان والنبات والطاقة الذرية والصحة والزراعة والصناعة والجغرافية والحياة الاجتماعية. وأغلب الأفلام كانت تنتج في أمريكا. وقد بوشر بعرضها في الكلية منذ عام ١٩٤٢.

ومن أهم إنجازات كلية بغداد هو تأسيسها لمرصد فلكي على سطح الكلية عام ١٩٤٦ لمراقبة حركة الكواكب وتقدين خدمات ومعلومات فلكية للطلاب والأساتذة. وكان المرصد يمتلك منظاراً زوالياً صغيراً ، ومنظاراً استوائياً ، ومطيافاً شمسياً ، ومسجل للزمن وساعة نجمية.
وكان المرصد يصدر نشرات يومية عن أحوال المناخ والطقس المتوقعة والمطر والرياح والحرارة والكسوف والخسوف ، إضافة إلى أمور الزراعة ومواعيدها. وقد أغلق المرصد بعد تأميم المدرسة في بداية السبعينيات وإلحاقها بوزارة التربية.

أما بناية رايس Rice العلمية فكانت أكثر أماكن الكلية امتلاكاً للوسائل العلمية. إذ كانت تفوق ما موجود في نظيراتها بمقاطعة نيوإنكلاند الأمريكية. وهذه الحقيقة تحدث بها الآباء اليسوعيون إثر ممارستهم التدريس في أمريكا بعد إخراجهم من العراق عام ١٩٦٩.

أول مختبر للصوت في العراق

وكان للكلية أول مختبر للصوت خاص باللغة الإنكليزية، وكان الأول من نوعه في العراق في مطلع الستينيات. فقد أنشأ هذا المختبر في العام الدراسي ١٩٦١- ١٩٦٢ كتجربة أولية في الصفوف الأولى المتوسط التي كانت تضم (٢٨٠) طالباً. وكان يضم جهاز مسجل شريطي ترتبط به (٣٦) سماعة ، لكل طالب سماعة ستيريو وميكرفون لاستلام كلام الطالب وإجاباته.

وقد درستُ في مختبر للصوت مشابه تم تأسيسه في (متوسطة المأمون الرسمية) حيث كنت طالباً فيها للفترة ١٩٦٩- ١٩٧٢ . واستلمتُ ثلاثة كتب ضخمة الحجم بالإنكليزية لمتابعة النصوص والأسئلة التي نستنع إليها عبر السماعات ، ثم نجيب عليها على ورقة الإجابة أو بالصوت حسب نوع الأسئلة. وكان الأستاذ يراقب عمل الأجهزة ويوزع أوراق الإجابات. وكانت الأشرطة المسجلة تأتي من كلية بغداد مباشرة. وكان مدرسنا الأستاذ ياسين طه حافظ آنذاك الذي أصبح شاعراً معروفاً.

خلفيات طلاب الكلية

كانت بعض العوائل الارستقراطية العراقية ترسل أبناءها للدراسة في كلية فكتوريا بالقاهرة. وهي مدرسة إنكليزية تأسست عام ١٩٠١ على اسم الملكة فكتوريا التي توفيت في العام نفسه. وهي من المدارس العلمانية ، وكان هدفها تعليم أبناء الجالية البريطانية التي قدمت لمصر بعد احتلالها عام ١٨٨٢. وكانت مناهجها هي المناهج المتبعة في أوكسفورد وكمبردج ولندن.
وكانت كلية فكتوريا تستقطب الطلبة العراقيين من ذوي النفوذ السياسي والاقتصادي ، ولكن بعد تأسيس كلية بغداد عام ١٩٣٢ صارت أغلب عوائل النخب العراقية ترسلهم إلى كلية بغداد ، بدلاً من السفر إلى مصر وتحمل عناء السفر والغربة.

كانت الدراسة في البداية تبدأ من الصف الخامس والسادس الابتدائي . وبعد وصولهم إلى المرحلة المتوسطة تم إلغاء الدراسة الابتدائية منذ عام ١٩٣٤ . بقيت كلية بغداد تدرس للصفوف المتوسطة والاعدادية حيث يتأهل الطلاب بعدها لدخول الجامعات.

كانت كلية بغداد مصممة لتضم أبناء كل المذاهب والطوائف الدينية في العراق. ففي عام ١٩٣٢-١٩٣٣ كان عدد المقبولين (١٠٧) طلاب ، من بينهم (٩٤) مسيحياً ، وأربعة يهود وأربعة مسلمين. وفي منتصف الثلاثينيات وصل العدد إلى (١٢٠) مسيحياً و (١٢) مسلماً و (١٢) يهودياً . وقد نشرت مجلة (العراقي) التي تصدرها الكلية إحصائية تبين أنه في عام ١٩٤١ كان هناك (١٧٠) مسيحياً و (٢٥) مسلماً و (٨) يهود ، إضافة إلى (٨) بريطانيين و (٢) إيرانيان وفرنسي وتركي ويوناني.
في عام ١٩٥٠ كان عدد العراقيين (١٤٣) منهم (١٥) مسلماً و (١٦) يهودياً ودرزي واحد. وكان هناك (١٤٨) مسيحياً منهم (١٦ ) بريطانياً و (٢) فلسطينياً و (٤) إيرانيين و(٦) لبنانيين و يوناني واحد وكويتي واحد.
يلاحظ أن عدد طلاب الكلية قد شهد انخفاضاً ملحوظاً عام ١٩٣٦ ، ويعود ذلك إلى صدور قانون الدفاع الوطني رقم (٩) عام ١٩٣٤ الذي أدرج الخدمة العسكرية الإلزامية للشباب العراقيين. وقد اهتم الأمريكان بهذه القضية ، فدخلوا في مفاوضات مع حكومة ياسين الهاشمي الثانية (آذار ١٩٣٥- تشرين الأول ١٩٣٦) والحصول على تعهدات أولية بقبول طلب تأجيل الخدمة العسكرية لطلاب كلية بغداد أسوة بطلاب المدارس الحكومية . وفي آذار ١٩٣٧ انتهت الأزمة بموافقة الحكومة على تأجيل الخدمة العسكرية.
بدأ عدد الطلاب يرتفع تدريجياً بسبب التبرعات القادمة من أمريكا ، مما جعل إدارة الكلية تبني أبنية جديدة تستوعب هذه الزيادة المضطردة. كما أن شهرة وسمعة الكلية ورصانة مناهجها ونسب النجاح العالية بين طلابها جعلت كثير من الأثرياء والموسرين والقادرين على دفع رسومها وكلفتها إلى تسجيل أبناءهم فيها . ففي عام ١٩٤٥ بلغ عدد الطلاب (٤١٠) طالباً ووصل عام ١٩٤٩ إلي (٥٠٤) طلاب. وفي عام ١٩٥١ بلغ (٧٧١) طالباً وفي نهاية الخمسينيات بلغ ( ٧٤٨) طالباً . وبعد أحداث ١٤ تموز ١٩٥٨ وسقوط النظام الملكي وهجرة الكثير من العائلات السياسية والثرية خارج العراق ، انخفض العدد. بعد ذلك عادت الأعداد بالارتفاع حتى بلغت (١٠٣٦) طالباً عام ١٩٦٥ ثم (١٠١٨) عام ١٩٦٩.

الكادر التدريسي والشهادة

منذ البداية حرصت إدارة كلية بغداد على توظيف أساتذة ذوي خبرة علمية وتعليمية. وكان لأسلوب الآباء الذين درّسوا فيها تأثير كبير في تحقيق أفضل المستويات الدراسية ، حيث كانوا حريصين على توعية وتثقيف طلابهم. كما قامت الكلية بتوظيف أفضل الكفاءات من داخل العراق وخارجه ممن حصلوا على أعلى الشهادات الدراسية. ولم يدرّس فيها أحد لا يملك شهادة عالية سوى السيد نجدت فتحي صفوت الذي درّس اللغة العربية عام ١٩٤١ وهو ما زال طالباً في كلية الحقوق، ثم أصبح سفيراً في وزارة الخارجية العراقية.

كان من الطبيعي أن يتولى عملية التدريس هم الآباء الذين أسسوا الكلية . فقد كان يتولى التدريس الأسقف وليم رايس وزملائه الثلاثة الآخرون ، ثم تبعهم عام ١٩٣٣ ثلاثة قساوسة آخرون. وفي عام ١٩٣٤ وصل قس يسوعي آخر ، ثم تبعهم ثلاثة آباء يسوعيون ، ثم أضيف إليهم قس كلداني وأربعة محاضرين لم يكونوا من رجال الدين. أولئك المدرسون جاؤا متطوعين من أنحاء الولايات الأمريكية وتحملوا مشقة السفر آنذاك والغربة والأجواء الحارة في العراق. لقد كانوا يعتقدون بأن عملهم واجب ديني مقدس واجب التنفيذ. ولم يستلموا راتباً أو أجوراً على قيامهم بالتدريس. ولم يتزوجوا واتصفوا بالتقشف والبساطة وتحمل الآلام اقتداءً بالمسيح (ع). وكانوا يرتدون الملابس الدينية السوداء في فصل الشتاء ، والملابس البنية الفاتحة في فصل الصيف. واتصفوا بالهدوء والعزلة عن المجتمع البغدادي ، وتكريس وقتهم وجهدهم للتدريس وتربية الطلاب. وكانوا يقضون اغلب وقتهم بالتدريس أو المطالعة أو أداء الصلوات والتعبد في الدير وحضور القداس الديني في الكنيسة.

كان أساتذة كلية بغداد من خريجي أكبر الجامعات الأمريكية والأوربية وبمختلف الاختصاصات، مثل جامعة جورج تاون وهارفرد وكلية بوسطن وجامعة اوكسفورد. وفي السنة الأولى لافتتاحها عام ١٩٣٢ كان اثنان من الآباء اليسوعيين يحملون شهادة الدكتوراه في الفلسفة ، وتسعة يحملون البكالوريوس ، خمسة منهم أمضوا فترة طويلة في التدريس في الفلبين وجامايكا ، وأثنان في سوريا ولبنان. وكلهم كانوا يتحدثون بعدة لغات كالإنكليزية والفرنسية والألمانية والاسبانية والإيطالية. وكان الأب مكارثي اليسوعي حاصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية، والأب روبرت سلفن اليسوعي لديه دكتوراه بالأنثروبولوجيا ، والأب ليوكي يحمل دكتوراه بالعلوم. وفي سنواتها الأخيرة كان ٧٠٪ من المدرسين يحملون شهادة الماجستير.
كان أغلب الأساتذة من حملة الجنسية الأمريكية والقليل منهم من البريطانيين. وكان غالبية الأساتذة الآخرين من العراقيين والعرب من خريجي دار المعلمين العالية وكلية الحقوق وكلية التجارة والاقتصاد وكلية الصيدلة وكلية العلوم ، وفيهم المسلمون والمسيحيون. كان الاباء اليسوعيون يدرّسون الدروس العلمية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء والإنكليزي التي يجري تدريسها باللغة الإنكليزية. أما الأساتذة العراقيون والعرب فكانوا يدرّسون مناهج التاريخ والجغرافيا واللغة العربية.

بالنسبة لقضية التبشير المسيحي ، لم تسجل أية نقطة على ممارسة التبشير بين الطلاب المسلمين. وكان الطلبة غير المسيحيين غير مجبرين على حضور دروس الدين المسيحي . بمعني أن التبشير كان بين المسيحيين أنفسهم. كما لم تسجل حادثة واحدة بأنهم قاموا بإقناع طالب مسلم على ترك دينه والتحول إلى المسيحية. لقد كانوا حذرين جداً لأن هكذا حادثة حساسة ستجلب على الكلية متاعب وغضب شعبي وديني وحكومي قد يهدد مستقبل كلية بغداد.

لقد عرف الآباء اليسوعيون انصرافهم لتدريس الطلاب ، وكذلك اهتمامهم بتعلم اللغة العربية ودراسة الإسلام. فقد سبق الذكر أن الأب مكارثي اليسوعي قد درس الفلسفة الإسلامية. كما أن الأب جون دونيو الحاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ العربي الوسيط (١٩٦٦-١٩٦٩) و قام بدراسة المذهب الشيعي في الشرق الأوسط خلال القرن العاشر. وتخصص الأب مارتن مكديرموت بدراسة المذهب الشيعي وخصوصاً بسيرة وإنجازات الشيخ المفيد. إذ تم ترجمة كثير من مؤلفاته ومقالاته إلى العربية والفارسية مما جعله مشهوراً في المستوى الإقليمي. ووجهت له جهات إيرانية دعوات لزيارة إيران والمشاركة في المناسبات الدينية والندوات الأكاديمية والعلمية.

وكانت الكلية لا تتردد بتقديم المساعدة لوزارة التربية العراقية. ففي عام ١٩٦٤ قامت بدورات في اللغة الإنكليزية لعدد كبير من مدرسي ومعلمي المدارس العراقية من مختلف أنحاء البلاد. وتضمن منهاج الدورة محاضرات في علم اللغة وطرق التدريس، فضلاً عن إجراء دروس عملية في مختبر اللغة الإنكليزية حول النظام الصوتي والتمارين النموذجية. وكان الأب روبرت سلفن والسيد كميل تبشراني يشرفان على التدريس في الدورات.

 في عام ١٩٦٦ طلبت وزارة التربية من كلية بغداد تجربة تدريس اللغة الإنكليزية في العراق بالطرق الحديثة وبنفس منهاج الكلية. وفي شهر آب ١٩٦٦ أقدم الأب سوليفان اليسوعي على إنشاء ست مختبرات للغة الإنكليزية في المدارس الرسمية لوزارة التربية. وكان الآباء أنفسهم من أعد النصوص المستخدمة للمتكلمين بالعربية ، بعد تجربتها سابقاً في كلية بغداد. وكان من المؤمل أن تشاع هذه التجربة في جميع المدارس الحكومية خاصة في بغداد ، لولا الظروف السياسية بعد انقلاب ١٩٦٨ البعثي ، ومغادرة الآباء العراق بشكل نهائي. في حين استعانت دول مجاورة بخبراتهم. إذ تعاقدت الحكومة السعودية بالكادر التدريسي للكلية ، واستقدمت الأبوين كومل وسوليفان إلى السعودية للإشراف على تدريب العاملين المدنيين في الحكومة السعودية على اللغة الإنكليزية ، واستخدام التجهيزات الصوتية المختلفة.  

كان تعيين الآباء اليسوعيين في كلية بغداد يخضع لقوانين وتعليمات وزارة المعارف العراقية التي كانت تلزمهم بتقديم مستمسكاتهم كجواز السفر ودفتر الإقامة وشهادة عدم المحكومية وحسن السلوك وشهادات التخرج. وكانت وزارة المعارف تملك ملفاً لكل واحد منهم يحتوي على معلومات دقيقة ، مع العلم أن مديرية أمن بغداد ومديرية التحقيقات الجنائية والاستخبارات العسكرية كانت لديهم معلومات خاصة لكل واحد منهم. ولم يثبت عليهم أي خرق أو مخالفة أو ميول مخالفة للقانون والنظام العام.  

كان عدد الآباء في بداية عمل الكلية عام ١٩٣٢ هو أربعة آباء يسوعيين. ارتفع إلى خمسة عشر أستاذاً في نهاية الثلاثينيات ، ووصل إلى ثمانية عشر في مطلع الأربعينيات . وفي عام ١٩٤٥ أصبح العدد خمس وعشرين أستاذاً. ومع نهاية عقد الأربعينيات بلغ كادر الكلية ست وعشرين أستاذاً منهم ستة عراقيين واثنان من مصر. وفي عام ١٩٥٢ كان بينهم بريطاني وثلاثة عراقيين.

وكانت كلية بغداد تمنح شهادات إعدادية رصينة يمكن لحامليها التقديم في الجامعات الغربية. وقد ساعدهم على ذلك هو إتقانهم اللغة الإنكليزية مقارنة بطلاب المدارس الحكومية. وكان أغلب خريجي كلية بغداد يواصلون دراساتهم في الجامعات الأمريكية بالدرجة الأولى ثم في الجامعات الغربية.
وكان على الطلبة العراقيين من خريجي المدارس الحكومية والمقبولين في بعثات حكومية إلى أمريكا وأروبا، كان عليهم دراسة اللغة الإنكليزية في الجامعة الأمريكية في بيروت قبل توجههم إلى جامعاتهم.

عرفت كلية بغداد بانضباط طلابها ومدرسيها والتزامهم بالتعليمات والتوجيهات بما يشبه النظام العسكري. إذ كانت الإدارة حازمة وشديدة في ترسيخ الانضباط العالي بين الطلاب ، ومراقبة شؤون الطلبة الخاصة ، وتتابع أحوالهم وأحوال عوائلهم ، وعن غياباتهم وسلوكهم. الأمر الذي جعلها أفضل المدارس الأجنبية في العراق يومذاك.

 كانت كلية بغداد تطبق الأنظمة واللوائح الداخلية بدقة دون محسوبية أو انحياز. فالطالب المثابر الناجح ينتقل من مرحلة إلى أخرى حسب معدله السنوي. ومن لا يحقق الدرجة المطلوبة يجري نقله خارج الكلية حتى لو كان ثرياً أو ابناً لمسؤول في الدولة. ولي صديق تم نقله بعد الثالث المتوسط لأن درجته في البكالوريا لم تكن مرضية لإدارة الكلية ، فانتقل إلى إعدادية المأمون للبنين عام ١٩٦٩ وهي مدرسة حكومية وكانت حالة عائلته ميسورة جداً.  

تعريق كلية بغداد عام ١٩٦٩

بعد سيطرة حزب البعث على السلطة في ١٧ تموز ١٩٦٨ ، بادر إلى فرض أيديولوجيته القومية على السياسة والثقافة والاعلام والعلاقات الخارجية والمنظمات الحزبية والواجهات الأخرى. وكان مما خضع لهيمنه هو قطاع التربية والتعليم حيث فرض البعث مفاهيمه القومية على المناهج الدراسية من الابتدائية وحتى الجامعية التي ترسيخ مفاهيم التعصب القومي العربي واحتقار القوميات واللغات الأخرى .
في أول سنة في الحكم أصدر نظام البعث قانون رقم (٥) لسنة ١٩٦٨ الخاص بالمدارس الأهلية والأجنبية. إذ ألزم القانون جميع المدارس العراقية الأهلية والأجنبية بتنفيذ مواده وتعليماته ، ومن يخالف القانون يتعرض للعقوبة والملاحقة.

وكان لموقف واشنطن في دعم إسرائيل في حرب عام ١٩٦٧ وانتصار الأخيرة على الجيوش العربية واحتلال القدس قد أنتج عداءً واسعاً لأمريكا . وتم إغلاق السفارة الأمريكية في بغداد ، مما جعل أغلب المواطنين الأمريكان يخرجون من العراق ، لكن الآباء اليسوعيين ظلوا يمارسون أعمالهم في الكلية.

بدأت حكومة البعث بالتحرش بالآباء واتهمتهم بالتجسس لصالح أمريكا وإسرائيل ، وتقديم معلومات استخباراتية عن الأوضاع الداخلية في العراق، وأنهم يرسلون تقاريرهم بين حين وآخر إلى حكومتهم. كما اتهمتهم باستخدام المرصد الفلكي لمشاهدة المواقع العسكرية في بغداد ، ومراقبة معسكر الرشيد والقاعدة الجوية فيه ومعرفة عدد الطائرات !! واتهمت حكومة البعث كلية بغداد بأنها تقوم بتخريج طلاب عراقيين تبعدهم عن الاعتزاز بعروبتهم ووطنهم ليكونوا أدوات طيعة بيد الحكومات الأجنبية مستقبلا. والأنكى من ذلك أن قيادة البعث بررت قرارها بتعريق المدارس الأمريكية ومنها كلية بغداد بأنه يصب في صالح العملية التربوية السائدة في العراق. وأنه من الضروري أن كل المؤسسات الحيوية والتربوية والتعليمية أن تخضع لمفاهيم البعث والقومية العربية لتمحو عنها طابع الغربة وتضفي عليها طابع الوطنية. وأن الآباء القائمين على إدارتها غير صالحين في نظر الحكومة ليعوّل عليهم مسؤولية تربية الناشئة على الروح الوطنية الصادقة.

في ٤ آب ١٩٦٩ اتخذت وزارة التربية قرارها بتعريق كلية بغداد ، وطالبت برحيل الآباء اليسوعيين خلال عشرة أيام ، دون إعطاء تبرير أو توضيح أو تعويض مادي. وبذلك تمت مصادرة جميع ممتلكات الجمعية العراقية الأمريكية التي تشرف على كلية بغداد. وكانت أملاك الجمعية تضم (١٩٥) فدان من الأراضي الزراعية و (١٥) بناية رئيسة جاهزة للتدريس ، إضافة إلي المكتبة وسبع مختبرات كبيرة مجهزة بأحدث المستلزمات العلمية المتطورة.

لم يعارض الآباء اليسوعيون القرار ورحلوا بهدوء ، ولم يكن أحد منهم في موقع الاعتراض على القرار. وكانت سلطات البعث قد مارست أساليب العنف والوحشية وإلقاء الرعب في نفوس العراقيين. ففي أيلول ١٩٦٩ تم شنق (٣٤) عراقياً في بغداد والبصرة بتهمة التجسس لصالح جهات أجنبية. وكان من بينهم يهود عراقيون ومسلمون شيعة . وقد شاهدتُ بعيني الجثث المعلقة في ساحة التحرير بعد أن جاءتنا باصات كبيرة إلى إعدادية المأمون للبنين حيث كنت أدرس ، ونقلتنا إلى ساحة التحرير لنشاهد تلك الممارسات الوحشية.

بعد مغادرة الآباء اليسوعيين العراق مُنحت مهلة شهر لمدير الكلية الأب هارولد باورس لغرض إكمال عملية تسليم الكلية مع جميع مبانيها إلي لجنة مكلفة من وزارة التربية العراقية. وكان عدد كبير من طلاب الكلية قد توجهوا إلي المطار ساعة رحيل الآباء وتوديعهم أثناء مغادرتهم البلاد للمرة الأخيرة. وبذلك خسر العراق ، ولأسباب سياسية ، مؤسسة علمية أكاديمية رصينة على مستوى عال من التعليم.

أما الأبنية التي استثنيت من قرار المصادرة فهي الدير والكنيسة والمقبرة فقد تم تمليكها لبطريركية الكلدان الكاثوليك . ومبنى القسم الداخلي بالطلاب قد تم تسليمه إلى رهبانية بنات مريم الكلدانيات ليتحول إلى دار أيتام. في ٣ كانون الثاني ١٩٧٠ قرر مجلس قيادة الثورة المنحل تشكيل لجنة خاصة لغرض الاشراف على نقل أثاث البناية المذكورة. ووردت عبارة (بيع الأثاث الذي لا تحتاجه الكلية). وتم بيع قسم من الأثاث بمبلغ (١٠٤،٢٥٠) دينار. بعد دخول القوات الأمريكية عام ٢٠٠٣ تحولت البناية إلى ثكنة عسكرية تابعة للجيش العراقي.

تم تشكيل لجنة حكومية تتولى الإشراف على قرار تعريق الكلية ، تألفت من الدكتورة سعاد خليل إسماعيل خريجة الجامعة الأمريكية ببيروت ، والدكتور مسارع الراوي خريج جامعة كاليفورنيا الأمريكية ، وخليل العاني مدير إعدادية النضال في الرصافة.

بقيت الكلية تسير وفق مناهجها السابقة وتدريس المواد العلمية باللغة الإنكليزية والعربي والاجتماعيات باللغة العربية حتى تأميم الكلية عام ١٩٧٢ وشمولها بالتعليم المجاني. في ذلك العام تم تشكيل لجنة خاصة من وزارة التربية ترأسها عبد المجيد كامل التكريتي للإشراف على تعريب المناهج في الكلية واستخدام المناهج السائدة في المدارس الحكومية. ولم يتبق من المناهج القديمة سوى درس اللغة الإنكليزية. كما بقي درس الديانة المسيحية التي كان يشرف عليه فرنسيس دقاق. وبعد عامين تم إلغاء الدروس المسيحية كلياً.

الانتقال الاجباري للكلية عام ٢٠٠٧

أثناء نشاط منظمة القاعدة الإرهابية وتصاعد الفتنة الطائفية عامي ٢٠٠٦ و ٢٠٠٧ وهجمات وجرائم التصفية التي شنتها هذه المنظمة في بغداد تلقت إدارة المدرسة تهديدات بضرورة غلق أبوابها وإلا تتعرض للعنف والقتل.
قررت وزارة التربية نقل طلاب وأساتذة كلية بغداد للدوام في ثانوية المتميزين الواقعة في الرصافة .
وقد رحبت إدارة المتميزين بطلاب كلية بغداد لكن حدثت صعوبات في الإدارة والتدريس. إذ بلغ عدد الطلاب المنقولين (١٧٠٠) طالباً ،، يضاف إليهم عدد الطلاب المتميزين ، فصار العدد (٢٥٠٠) طالباً في بناية قديمة واحدة. كما أن طلاب كلية بغداد اعتادوا الدراسة باللغة الإنكليزية في حين يدرس المتميزون باللغة العربية ، فحدث تغيير جذري في دراسة طلاب الكلية.

في عام ٢٠٠٩ وأثناء تصدينا للمسؤولية في محافظة بغداد حرصت على زيارة كلية بغداد في موقعها المؤقت. وشاهدنا الصفوف المكتظة وضعف وسائل الإيضاح عدا عن عدم الاهتمام بالنظافة .

في عام ٢٠٠٧ تم فتح ملحق لكلية بغداد في منطقة زيونة لكن وزارة التربية أجبرت الطلاب والأساتذة إما الدوام في الملحق أو العودة للموقع الأصلي في الأعظمية. وفي عام ٢٠٠٩ تم افتتاح فرع آخر للثانوية في منطقة البياع بالكرخ. وفي عام ٢٠٠٩ افتتح فرع لكلية بغداد خاص بالبنات سرعان ما تم دمجه مع ثانوية العقيدة الواقعة في الباب الشرقي مقابل ساحة التحرير.

زيارة كلية بغداد

في ٢٢ آذار ٢٠٢٣ قمت بزيارة كلية بغداد الثانوية بالأعظمية ، محلة الشماسية. وكان برفقتي الدكتور عصام العبيدي قائم مقام قضاء الأعظمية. استقبلنا مدير الكلية الدكتور رياض عطا عبدالله العبيدي ، الذي مضى عليه في منصبه منذ عام ٢٠١١ . كانت حفاوة واستقبال المدير قد غمرتنا أولاً في مكتبه حيث شاهدنا أرشيف الكلية الذي يعود لعام ١٩٤٧ ، وصور قديمة للآباء الأمريكان المؤسسين للثانوية ، وكذلك صور الكادر التدريسي العراقي والطلاب ونشاطاتهم المنشورة في مجلة (العراقي) التي كانت الكلية تصدرها سنوياً وباللغتين العربية والإنكليزية. وتتصدها مقالات بأقلام الطلاب أنفسهم. مثل بديع رفائيل بطي ، الشيخ محمد عجيل الياور عندما كان في الصف الخامس الاعدادي ، وأسعد الخضيري.  

أرفدنا الدكتور رياض بالمعلومات الآتية:
- كانت أرض كلية بغداد ، ومساحتها تبلغ (٢٩) دونم ، بستاناً تابعاً لقصر رشيد باشا الزهاوي (توفي في ٢٩ كانون الثاني ١٩١١) وهو أخو الشاعر جميل صدقي الزهاوي. وكان رشيد باشا قد هاجم كربلاء عام ١٩٠٣ حيث قتل فيها عدد من المتظاهرين ، وسمت اسم (واقعة الزهاوي).

- تأسست الكلية عام ١٩٣٢ ، وكانت في منزل في محلة المربعة بشارع الرشيد. ثم انتقلت إلى البتاوين قرب الباب الشرقي عام ١٩٣٤، بعدها انتقلت عام ١٩٣٦ إلى محلة الشماسية ، ثم إلى المجمع الحالي بالأعظمية في ١٦ نيسان عام ١٩٥٣.
- يبلغ عدد الطلاب (١٤٠٦) طلاب و (٨٧) مدرس ومدرسة ، و(٦) معاونين (معاون لكل مرحلة) ، و (٣٩) موظف وموظفة.
- يوجد فيها (٥٥) صفاً ، المشغول منها (٣٤) صفاً.
- تضم الكلية مختبرات الكيمياء ، الفيزياء ، الأحياء ، الحاسوب ، ومختبر صوت عاطل.
- اطلعنا على المناهج الدراسية بالإنكليزية التي استمرت حتى عام ٢٠١٥ حيث تحولت إلى العربية.
- للكلية ساحات رياضية لكرة القدم ، والسلة ، والطائرة.
- توجد (كنيسة القلب المقدس) بجوار الثانوية وبمساحة تبلغ (٣) دونمات ، وتم فصلها بسند عقاري مستقل عن الكلية بعد تأميم الكلية. وهي تابعة لديوان أوقاف المسيحيين والصابئة والإيزديين.  
- معدل القبول في كلية بغداد هو ٩٥٪ من امتحان البكالوريا للسادس الابتدائي. بعد ذلك يتم إجراء اختبار ذكاء وتحصيلي في أربع مواد هي العربي والإنكليزي والرياضيات والعلوم.

- من أشهر طلاب كلية بغداد هم الدكتور اياد علاوي والدكتور أحمد الجلبي وعادل عبد المهدي (حضروا في المدرسة ولم يتخرجوا منها). إضافة إلى شخصيات مهنية شهيرة نبغت في مجال الطب والهندسة والعمارة والتخطيط والإدارة والقانون ، أمثال اللورد دارا درزي الجراح والمستشار في وزارة الصحة البريطانية ، عزرا إسحق العالم بطب العيون وترقيع الشبكية (يهودي فرنسي من أصل عراقي) ، شانت اسانسيليان موسيقار أمريكي من أصل عراقي ، غسان موسى كاظم طبيب عيون في ليفربول ، كنعان مكية كاتب ومؤسس (الذاكرة العراقية) ، منجد المدرس أستاذ في جراحة العظام حاليا في أستراليا ، وليث كبة مفكر وكاتب ومستشار في مكتب رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري.


جولة في أبنية الكلية العريقة

بعد ذلك قمنا بمرافقة مدير الثانوية بجولة في الأبنية القديمة والأقسام التي أضيفت إليها بعد توسعها. وقد ذكر أنه جرت عملية إعمار مثلاً في البناية رقم (٣) التي قامت محافظة بغداد بتأهيلها عام ٢٠١٣. وقد تم استبدال الكاشي بعد تهالك القديم. كما تم إضافة طابق آخر للبناية رقم (٤) مع سلم خارجي من الطابوق لعدم وجود سلم داخلي ، لأن البناية الأصلية كانت من طابق واحد.

البناء بالطابوق الأصفر ، وعلى النمط الإسلامي من حيث الأقواس أو المواد الانشائية في الديكور والتزيين. وهناك مزاوجة مع النمط الإنكليزي في مدخل البناية رقم (١) حيث توجد ثلاث طوابق من الشبابيك الضيقة تمنح الدرج الإنارة الكافية. ويشابه البناء بناية المحطة العالمية في علاوي الحلة. أما القاعات والصفوف العلوي فتعلو الشبابيك أقواس من الآجر ، والزجاج المخصص للإنارة فقط. وينطبق ذلة على بقية أبنية الكلية.  ويرى بعض الباحثين أن تصميم البناء يشابه النمط الأمريكي في بوسطن.
ويوجد رواق مسقف في الطابق الأرضي يؤدي إلى أبواب الصفوف . والرواق يستند على أعمدة آجرية ، تعلوها عقود تشابه النمط الاندلسي في مساجد قرطبة وأشبيلية.

زرنا مختبر علوم الحياة حيث توجد حيوانات محنطة لطيور وسلاحف وأخرى لأجنة بشرية في قوارير زجاجية ، وهياكل عظمية ، ومجسمات لأعضاء جسم الانسان. وصور ولوحات وسائل إيضاح ومجاهر للطلاب. ويمكن مشاهدة الطاولات والخزانات الخشبية القديمة والكراسي التي تعود إلى سبعين عاما مضت.
كما شاهدنا جانباً من المكتبة التي تضم أربعة آلاف كتاب ، بعضها قديم كالنشريات والدوريات والموسوعات وكتب علوم الأحياء والفضاء والكواكب والجيولوجيا وبالإنكليزية. وكانت المكتبة والمختبرات والمكاتب قد تعرضت للعبث والنهب بعد سقوط النظام في ٩ نيسان ٢٠٠٩. كما استغل النظام البائد حدائق كلية بغداد لتخزين الصواريخ بعيداً عن الطائرات الأمريكية. كما دخلت القوات الأمريكية الكلية بدباباتها وآلياتها بلا اكتراث أنها مؤسسة تربوية تعليمية.
ودخلنا بعض الصفوف والتقينا بالطلاب في درس الحاسوب حيث السبورات من النوعي الذكي الحديث وتعمل باللمس. وهي تسهل عمل المدرس من خلال استحضار الملفات المطلوبة والصور ووسائل الايضاح والاحصائيات وجداول المعلومات وغيرها.

ما يؤخذ على كلية بغداد أنها منذ تأسيسها كانت مخصصة للذكور ، فحرمت أجيال من الإناث دخول هذه الثانوية العريقة ومنعتهم من الترقي والدراسة والتفوق.
ما زالت في الذكرى باصات الكلية ذات اللون الأصفر التي تخترق شوارع بغداد صباحاً تنقل الطلاب من محلات سكناهم إلى موقع الكلية ، وبعد الظهر وهي تعيدهم من الثانوية إلى بيوتهم. وهو اللون نفسه المستخدم في أميركا وبريطانيا وبعض الدول العربية والإسلامية لباصات المدارس.


المصدر
كلية بغداد ١٩٢٨ – ١٩٦٩ ، دراسة تاريخية
أطروحة ماجستير قدمها عبد الستار محمد علوش
إلي كلية التربية الجامعة المستنصرية عام ٢٠١٢

أخر الأخبار