• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

محمد باقر الصدر: حضارة في رجل

محمد باقر الصدر: حضارة في رجل

  • 24-07-2020, 21:02
  • مقالات
  • 565 مشاهدة
محمد عبد الجبار الشبوط

"Today News": بغداد 

لا ينبغي ان يفاجأنا برنامج تلفزيوني يستهدف سمعة الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر. ولا ينبغي ان تصدمنا مصفوفة الاكاذيب التي استخدمها معد ومقدم البرنامج وضيفه المغمور لتحريف التاريخ والتعريض بالجبل الشامخ الذي لا تهزه الرياح. فهذا الرجل، ذو النبوغ الفلسفي المبكر، مثّل، منذ بدأت انامله تخط انتاجه الفكري، المعادل الموضوعي  لتيار العلمانية العراقية التي ظهرت بعيد الولادة المشوهة للدولة العراقية الحديثة مطلع القرن الماضي، ووصلت ذروتها على يد الحزب البدوي المتخلف، اعني حزب البعث العربي الاشتراكي.
تعمدت ان استخدم مصطلح "العلمانية العراقية" لتسليط الضوء على خصوصيتها. فهذه العلمانية تختلف عن العلمانية الغربية كما تتمظهر الان في بريطانيا وكندا والولايات المتحدة مثلا. وابرز ما تتميز به هذه العلمانية هو عداؤها المطلق للدين ولكل مايمت اليه بصلة، الى درجة ان هذه العلمانية قلدت الدين في اخص خصوصياته، واعني التقديس، واعني بالتقديس اضفاء الصفة المطلقة المتعالية على ما تؤمن به. واذا كان الدين يقدس الخالق الاعظم، الله، الذي لا يمكننا ان نناقش في ذاته المقدسة،  فان العلمانية العراقية تقدس موقفها من الدين، بحيث وضعت نفسها في موقف الضد المطلق للدين، وهذا ما لا تفعله علمانية بريطانيا واليابان وروسيا وكندا والولايات المتحدة واستراليا والاتحاد الاوروبي، بما فيه المانيا. لان هذه العلمانيات توصلت الى مصالحة تاريخية بعد ان بردت الفورة العشوائية التي مثلتها الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩.
كشف صدام حسين في لقائه مع محمد باقر الصدر، قبل اعدامه، عن طبيعة الحقد الذي يكنه صدام لا للصدر كرجل فقط، وانما لما يمثله من ضد نوعي حضاري للبعث، بوصفه اعلى درجات التخلف الحضاري العلماني في العراقي. وقد روى ليس تفاصيل الحوار السكرتير الصحفي لصدام انذاك صباح سلمان بعد هروبه الى منطقة كردستان المحررة هاربا من بطش سيده. في ذلك الحوار اتضحت الصورة كاملة. فنحن بازاء شخصين يمثل كل منهما اتجاها في التاريخ لخصتهما اية قصيرة في القران الكريم حيث تقول: "لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ". الصدر الذي شاء ان يتقدم، وصدام الذي شاء ان يتأخر. وحتى اذا اخذنا بالمقولات الماركسية فنحن ازاء اتجاهين متناقضين في التاريخ، وما كان لهما ان يلتقيا، وما كان بمقدورهما ان يتوصلا الى تسوية تاريخية فيما بينهما. كان صدام قادرا على تصفية غريمه جسديا ليعوض بذلك عن عجزه بتصفيته فكريا، فيما كان الصدر قادرا على تصفية غريمه فكريا، لكنه يعجز عن تصفيته جسديا. وبما ان صدام كان يمثل الطرف القوي سلطويا، فقد كانت النهاية محسومة: اعدام جسد الصدر، ليبقى فكره حيا.
وهنا تكمن المشكلة التي مازال يعاني منها البعث الى اليوم. وبالمناسبة لا اعني حزب البعث كتنظيم سياسي، وانما كنهج سياسي قائم على مقولات متخلفة حضاريا. البعث بهذا المعنى يعاني من بقاء الفكر الذي انتجه ومثله الصدر، والباقي شامخا متحديا الفكر العلماني العنصري الشوفيني الذي يمثله البعث. وهذه معركة مازالت مفتوحة، وستبقى كذلك حتى يتحقق النصر النهائي لخط التقدم على خط التاخر، وهو امر محتوم بحكم السنن التاريخية من النوع الثالث حسب تقسيمات الصدر. وما دامت المعركة مفتوحة، فليس مفاجئا ان ينبري ممثلو خط التخلف من البعثيين وغيرهم لرمي نبالهم وسهامهم على صدور ممثلي خط التقدم وفي المقدمة منهم محمد باقر الصدر واصحابه والسائرون على طريقه. ستحسم المعركة لصالح خط التقدم، وسوف يذهب خط التاخر الى مزبلة التاريخ، كما يقول انجلز.

أخر الأخبار