الومضة

الومضة

• 18-07-2020, 14:42
• مقالات
• 565 مشاهدة

مشاركة عبر :

د. علي داود العطار

الومضة وفقا لمعناها اللغوي هي برقةٌ من الضوء، إلتماعة خفيفة واحدة، بظهورٍ مفاجئٍ قوي وسريع، احساسٌ خاطف يمر في المخيلة أو الذهن.

الومضة هي مقدمة الإبداع ومنطلقه، فهي الشرارة التي توقد المشعل، مستفيدةً من الوقود المخزون،   ودونها يبقى الحال على ما هو عليه.

الومضة المبدعة هي نتيجة صراع بين صورٍ ذهنية مختلفة واحياناً متعارضة، وواقعٍ مُعاش، فيتمرد الذهن على القالب ويعترض على النظام، ليُنتج منه جديدٌ خارج المألوف والأعراف، إما بتفاعل الموجود والطموح او بتقابلهما، بحثاً عن حل لمشكلة او تحدي يواجهه صاحبها.

للومضة علاقة وثيقة بالألم، فذروة اللذة في العملية الإبداعية هي عندما تسعى وتسعى وانت في ذروة الألم، لكنك لا تملّ ولا تكلّ وتستمر، وهنا تولد الومضة. ويحصل ذلك عند الحيرة بين ما موجود وما يفترض ان يكون، فالألم كفيل بنشأة الومضة وتزويدها بالطاقة لتتحول الى مبادرة.

تحصل الومضة الا بعد التجرد من مقاييس اللحظة، فتكون خارج المألوف والمعتاد، لتكون مبدعة، ودون ذلك فليست ومضة.

لصاحب الومضة مقومات ومؤهلات، ذاتية ومكتسبة، تمكّنه من انتزاع الجديد من الموجود، وكلما اتسع الخزين المعرفي لصاحبها، تقرّبت ومضته من قابلية التحول لمبادرة، رغم التجرد والعفوية.

تبدأ الومضة عشوائيةً طوباويةٌ مثالية، متحررةً من قيود الحاضر والتزامات القادم، وجمالها في هذا التحرر، ثم يأتي دور التعقل والنضح لتهذيبها وتوجيهها ومنع ضمورها، فكلما كان صاحبها مؤهّل، تزيد من فاعليتها لتتحول الى مبادرة. وبكل الاحوال فحصول الومضة المبدعة فضيلة ودونها الجمود.

يختلف مُنْتَج الومضة وفقا لمادته، فغاية الومضة الفنية هي الابداع الفني ولذتة الاستمتاع به، وغاية الومضة الفكرية هو نيل السعادة الحياتية،  وتختلف نسبة الحاجة لضرورات العقلنة وفقا لمُنتجها، وفي كلاهما تفصيل.

الومضة هي من تؤسس للّحظات التاريخية والإنجازات العظيمة، وهي وليدة ألم وظروف، وردّ فعلٍ لواقع، وإرضاءً لحاجة، تتأثر بهذا الواقع شدةً او رخاء، لتنطلق من رحم المعاناة.

إن كنت تبحث عن الومضات، فتصفح الأبيات المتناثرة للشعراء، ومسودات وقصاصات المؤلفين، والكلمات المتناثرة للمفكرين، ومخططات المعماريين، ونقوش الرسامين، واوليات افكار المخترعين.

• طباعة