• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

جمهورية الصدر (رض)

جمهورية الصدر (رض)

  • 9-04-2020, 14:42
  • مقالات
  • 555 مشاهدة
فوزي البكري


عنوان اعتباري يحيل إلى المضامين الفكرية والمفهومية التي كتبها السيد الشهيد محمد باقر الصدر  في قضايا المجتمع والسياسة،وقد تمحور معظمها  في احدى ابرز البنى الاجتماعية التي تستقطب القوة والنفوذ ألا وهي ( الدولة).وبحسب فلسفته التأريخية أكد السيد الشهيد (قدس سره) على عراقة الدولة في التأريخ البشري وربط نشأتها بولادة النبوات واعتبرها ظاهرة نبوية قابلة للتطور مع تطور المجتمعات.ففي البدء كان المجتمع مجتمع وحدة وفطرة وكان الانسان يمارس خلافة الله على الأرض وفقاً لذلك  ( كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ..)، ثم انتقلت البشرية الى مرحلة الاختلاف نتيجة للإستغلال والتناقض في المصالح والتنافس على السيطرة  والتملك منا ادى الى انقسام المجتمع إلى اقوياء وضعفاء وبالتالي الى مستغلِّين ومستضعَفين ،
وكان لابد من حلٍّ لهذا الجدل الاجتماعي من ثورة  على الاستغلال وجذوره وتجسيداته ، وهذا ما حصل على أيدي النبوات التي ظهرت معها فكرة الدولة التي اخذت على عاتقها استئصال مواقع الاستغلال والفساد وإعادة الاعتبار للمستضعفين بوضعهم في مواقع التأثير والقيادة: ( ونريد ان نَمُنَّ على الذين اُستضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين). يقول السيد الشهيد: وكان لابد في هذه الظروف من ثورة تعيد المسيرة الى طريقها الصالح وتبني المجتمع الموحد من جديد على اساس اعمق واوعى من اساس الفطرة ، وتُهيّئ الجماعة لإستئناف دورها الرباني في خلافة الله على الارض.

لمحة عن جمهورية افلاطون ومدينة  
الفارابي الفاضلة :
 كان الجدل محتدماً بين فلاسفة الاغريق حول معنى العدالة ومفهومها وكانت المحاولات جادة لتأسيس علاقات اجتماعية ونظام سياسي يقوم على اساس العدل ، وما كتاب( الجمهورية ٣٨٠ق.م) لافلاطون الا نتاج تلك الحورات التي كان يديرها الفيلسوف سقراط مع تلامذته ومنهم افلاطون حول معنى العدالة ، ويشير اتباع سقراط الى السفسطائي ( ثراسيماكوس) -الذي يعتبر العدالة صناعة الفقراء للقضاء على الاقوياء -، بأنه حتى لدى مجموعة من اللصوص لابد وان يكون لديهم مفهوم للعدالة فيما بينهم ، وإلا لما تمكنوا من الاستمرار في اللصوصية!
 جمهورية افلاطون لم تستطيع مغادرة طبيعة المجتمع الطبقي السائدة وقتئذ، بل وضع لكل طبقة معياراً اخلاقياً يناسبها،فطبقة التجار والحرفيين تناسبهم فضيلة ضبط النفس ، وطبقة الحراس تناسبهم فضيلة الشجاعة،  فيما اعتبر طبقة الملوك الذين يترأسون الدولة وهم الفلاسفة تناسبهم فضيلة الحكمة. لقد اُعتبرت جمهورية افلاطون مجرد يوتوبيا إذ لامكان لها على الأرض ولايمكن تطبيقها.
أما جمهورية الفارابي ، فهي عبارةعن كتابه المسمى : (آراء اهل المدينة الفاضلة) الذي نسجه على منوال افلاطون مع اضافات جوهرية اُخذت من منظومة الفكر والحضارة الاسلامية.
فمفهوم العدالة الاسلامي وسّع في محيط الدائرة لتشمل المجتمع كله بل النعمورة كلها، خلافاً لعدالة افلاطون التي اقتصرت على ثلاث طبقات اجتماعية.
وتميزت المدينة الفاضلة بافكار جديرة بالاحترام ، كفكرة ان البشر  على تنافرهم محتاجون إلى الاجتماع والتعاون، وقد اسس عليها فيما بعد عالم الاجتماع الاسلامي ابن خلدون نظريته في العمران البشري.
وكذلك فكرته ان الخير والشر انما ينالان بالاختيار والإرادة.
وأن الاجتماعات البشرية عظمى ووسطى وصغرى،  بحيث تشمل البشر جميعاً، وتنال السعادة فيها كلها بالتعاون والعدل .
وأن للمدينة الفاضلة مدن اخرى متضادة معها؛ وهي مدن اما جاهلة أو ضالة أو فاسقة أو متبدلة !
وهذه المدينة المتبدِّلة هي التي يكون آراء اهلها هي نفس آراء اهل المدينة الفاضلة ولكن افعالها متضادة معها ، تماماً كما نشاهده اليوم في دولنا التي يتحدث حكامها عن الفضيلة لكن افعالهم متضادة معها!!
ومن افكار المدينة الفاضلة ان رئيسها هو الامام وقد اشترط فيه (١٢) شرطاً حلقياً وخُلقياً  لابد ان تجتمع في الرئيس. ومن طريف الرأي ان الفارابي افترض في حالة عدم اجتماع الشروط كلهافي شخص واحد بل في  شخصين لاصبح كلاهما رئيساً للدولة!

الاسس الفكرية لجمهورية الصدر:

* ١-الانسان هو خليفة الله في الارض وهو محور حركة التأريخ، وانه بفكره  وإرادته يحقق الغايات الإلهية وينفذ إرادة السماء، وأن الله شرفه بالخلافة ولهذا امر الله الملائكة ان تسجد له وتدين له بالطاعة كل قوى الكون المنظور وغير المنظور.
* ٢-أن الله سبحانه وتعالى أناب الجماعة البشرية في الحكم وقيادة الحياة واعمارها ، وعلى هذا الأساس تقوم نظرية حكم الناس لأنفسهم وشرعية الجماعة البشرية في حكم نفسها بوصفها خليفة عن الله.
* ٣- ومن هنا كانت الخلافة في القرآن أساساً للحكم ، وكان الحكم متفرعاً على جعل الخلافة، وبذلك يكون حكم الجماعة القائم على أساس الاستخلاف حكماً مسؤولاً، لأن الجماعة فيه ملزمة بتطبيق الحقّ والعدل ورفض الظلم والطغيان. وإذا ما قبلت الجماعة  بالظلم فإن القرآن يسمّيها:( ظالمة لنفسها)ويعتبرها مسؤولة عن رفض الظلم ولو بالهجرة والانفصال عنه.
* ٤-مسؤولية الانسان تعني انه كائن حر، إذ بدون الاختيار والحرية تنتفي المسؤولية، ولهذا اجتباه الله تعالى للخلافة ووضع له قانون تكامله من خلال بعث الانبياء والرسل، والإحساس بالمسؤولية لدى الإنسان سواء كان حاكماً أو محكوماً يجب أن يكون من أجل الله سبحانه وفي سبيله بإخلاص وصدق. وليس من أجل منافع شخصية أو براغماتية كما هو سائد في سياسة الحكام مع المحكومين، وسياسة القادة السياسيين مع الأتباع.
* ٥- الميزة الاساسية للنظام الاسلامي ، تتمثل في الفهم المعنوي والاخلاقي للحياة الفردية والإجتماعية، فليس الفرد هو القاعدة المركزية في التشريع والحكم، وليس الكائن الإجتماعي الكبير هو الشيئ الوحيد الذي تنظر إليه الدولة وتشرّع لحسابه. فالوعي السياسي للإسلام ليس وعياً للناحية الشكلية في الحياة الإجتماعية فحسب، بل هو وعيٌ عميقٌ مردّه إلى نظرة كاملة نحو الحياة والكون والاجتماع والسياسة والإقتصاد والإخلاق.
* ٦-ان سبيل الله الذي تنشده الدولة الصالحة والانسان الصالح والمجتمع الصالح هو سبيل الانسانية جمعاء، والعمل في سبيل الله ومن أجل الله هو العمل من أجل الناس ولخير الناس جميعاً وهو تدريب نفسي وروحي مستمر  يمارسه الاسلام بحق اتباعة.
* ٧-تستمد الدولة وحدتها من رسالتها الفكرية التي لاتعترف بحدود، فهي  المظهر  الأعلى للوحدة السياسية وانعكاس هذه الوحدة على المحكومين والاتباع.  جمهورية الصدر (رض)
* ٨-تتولى الدولة ضمان العيش الكريم لجميع افراد الشعب، وتوفير الامكانيات الضرورية للعمل والانتاج والحيلولة دون احتكار الثروة بيد اقلية معينة، وتجسيد المساواة بين الحاكمين والمحكومين في القانون وفي الحياة الواقعية، وأن يسلك الحاكمون سُبل المعيشة الاعتيادية اسوة بالمواطنين وعدم استغلال امكانات الدولة لأنفسهم لأن ذلك سيفقدهم دورهم الصالح وينزع ثقة الأمة منهم.
صياغات قانونية ودستورية:                          
* ١-ان الله تعالى هو مصدر السلطات جميعاً.
* ٢-ان الشريعة الاسلامية هي مصدر التشريع.
* ٣- المرجع نائب  الامام المعصوم العام ، هو الممثل الاعلى للدولة والقائد الاعلى للجيش. ومن صلاحياته البت في المرشحين للسلطتين التشريعية والتنفيذية،  وفي دستورية القوانين، وتشكيل مجلس المئة المتكون من مجتهدين ومفكرين وعلماء دين ومؤلفين اسلاميين، الذي تمارس المرجعية اعمالها من خلاله، وكذلك يؤسس المرجع ديوان المظالم للبت في شكاوى المتظلمين واجراء ما يناسبها من حلول عادلة.
* ٤-الامة هي صاحبة الحق في ممارسة السلطتين التشريعة والتنفيذية ومن خلال نظام الانتخاب الحر.
* ٥- انتخاب مجلس يمثل الامة استناداً الى فكرة اهل الحلِّ والعقد على النحو الذي ينسجم مع قاعدة الشورى وقاعدة الاشراف الدستوري من نائب الامام.
* ٦- افراد الامة متساوون في ممارسة العمل السياسي بمختلف اشكاله كما أن لهم ممارسة شعائرهم الدينية والمذهبية، وتتعهد الدولة بتوفير ذلك لغير المسلمين من مواطنيها الذين يؤمنون بنظامها السياسي واطاره العقائدي.
* ٧-الاساس التي تقوم عليه العلاقات الخارجية للدولة هو الحق والعدل وليس الاستغلال أو المصالح المتبادلة في جميع القضايا التي تواجهها سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الانساني.

أخر الأخبار