• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

شروط النهضة عند السيد الشهيد محمد باقر الصدر(رض)

شروط النهضة عند السيد الشهيد محمد باقر الصدر(رض)

  • 8-04-2020, 21:53
  • مقالات
  • 991 مشاهدة
فوزي البكري

لاشيء يمكن ان يُفسر الشهيد محمد باقر الصدر ، بمنظومته الفكرية ، ورعايته للعمل الاسلامي ، ومواقفه الوطنية والسياسية ، وحتى مشروع شهادته ، سوى هموم النهضة ، وإثبات قدرة الاسلام على قيادة الحياة ومواجهة التحديات ..وملخص هموم النهضة وسؤالها الاساس هو: ما السبيل الى نهوض المسلمين وتغيير حاضرهم وبناء مستقبلهم المنشود؟

هذا السؤال الذي حاول الإجابة عنه العشرات من العلماء والمفكرين في مطلع القرن الماضي كالأفغاني ومحمد عبدة والكواكبي ، وغيرهم وبعدهم كثير..
لكن آية الله العظمى المفكر الكبير السيد الشهيد الصدر (رض) كانت له إجابة على هذا السؤال تختلف عن كل الإجابات ، ومواقف له تختلف عن كل المواقف ، وشهادة ختم بها حياته اختلفت عن كل الشهادات ، من اجل تحقيق هدفها العظيم .
فأساس ومحرك النهضة لديه هو الإنسان الذي يختلف عن كل انسان تحدث عنه الفلاسفة والمفكرون ، فهو ليس حيواناً ناطقاً كما عرفه فلاسفة الإغريق !  وهو مختلف ايضاً عن انسان دارون الذي وجد أصله في الحيوانات والقرود العليا ، بل هو مختلف حتى عن الإنسان الذي تحدثت عنه بعض المدونات الاسلامية والفقهية..
إنسان السيد الشهيد ، هو محور حركة التأريخ ومحط الخلافة الربانية ، والمستأمن على حمل الأمانة الربانية ، والسبب الأساس في محركية التأريخ على الساحة الإجتماعية، وهو أساس ومبدء جميع البناءات الفوقية للمجتمعات.
وملخص  شروط النهضة عند الصدر الكبير بحدود ما امكننا فهمه واستنباطه من بعض نظرياته وكتبه ،نستعرضه عبر أربعة  عناصر اساسية ، وهي:
ا- الأنسان الخليفة
٢- حركة التأريخ
٣- المثل الأعلى
٤-الرسالات النبوية

اولاً: الإنسان الخليفة: ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة..) البقرة،٣٠.
وتتمثل هذه الخلافة بثلاثة عناصر هي:
١- الإنسان نفسه
٢- الأرض او الطبيعة
٣- العلاقة المعنوية التي تربط الإنسان بالأرض والطبيعة وبأخيه الإنسان، وقد سمّيت في القرآن ب ( الإستخلاف).
 والاستخلاف - كما يذهب السيد الشهيد- لا يتحقق إلا ببعد رابع خارج عن إطار الإنسان والمجتمع ، وهو الذي يعطي للإستخلاف معناه ، وهو الله سبحانه وتعالى. وتبرز هذه العلاقة ذات العناصر الثلاثة ، والبعد الرابع-كما أسماه (رض)- انطلاقاً من الآية الكريمة:( إنا عرضنا الأمانةَ على السماوات والأرض والجبال فأبين أنْ يحمِلْنَها وأشفقن منها وحملها الإنسانُ إنه كان ظلوماً جهولاً) الأحزاب، ٧٢.
حيث بين السيد الشهيد أن الأمانة هي الوجه التقبلي للخلافة، والخلافة هي الوجهالفاعلي والعطائي للأمانة. فكان عرض الأمانة على الإنسان من قبل الله عرض تكويني لا عرض تشريعي، لأن الإنسان  هو الوحيد  الذي يتقبلها تكوينياً بحكم تركيبه وبحكم فطرته وإنسجامه معها بخلاف الجبال والسموات والأرض.

  ومن هنا فإن دخول الله تبارك وتعالى كبعد رابع في هذه العلاقة من أجل إحداث تغيير نوعي في بنيتها، لا مجرد إضافة عددية،
وأن هذا الدخول يتم من خلال الدين القيم المتطابق مع الفطرة الإنسانية، قال تعالى:( فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) الروم،٣٠.
وثمة ملاحظة اشار إليها السيد الشهيد ، وهي أن جميع المجتمعات البشرية تشترك وتتفق بالعنصرين الأول والثاني، ولكنها تختلف بالعنصر الرابع الذي هو عنصر مرن ومتحرك. حسب وصفه.

ثانياً: حركة التأريخ:
 والمقولة الأساسية هنا للسيد الشهيد هي:( أن الإنسان أو المحتوى الداخلي للإنسان هو الأساس لحركة التأريخ)
ولابد لنا ان نحدد اولاً، كيف هي حركة التأريخ، وثانيا ، كيف هو المحتوى الداخلي للإنسان. ومن خلال النقاط التالية:
١- ان حركة التأريخ تتميز عن كل الحركات الأخرى بأنها حركة غائبة لا سببية فقط.
٢-ان حركة التأريخ حركة هادفة لها علة غائبة متطلعة للمستقبل.
٣- ان المستقبل هو المحرك لإي نشاط من النشاطات التأريخية.
٤- أن المستقبل معدوم فعلاً ولا وجود له إلا في الوجود الذهني البشري، وبذلك يصبح الوجود الذهني هو الحافز والمحرك والمدار لحركة التأريخ.
٥-أن الوجود الذهني  يجسد الجانب الفكري الذي يضم تصورات الهدف، والجانب الإرادي الذي يحفز الإنسان ويمده بالطاقة للتحرك نحو الهدف.
٦-أن الفكر والإرادة هما المحتوى الداخلي للإنسان، الذي يصنع الغايات ويجسد الأهداف، وهو الأساس لحركة التأريخ، وللبناء العلوي بكل مايضم من انظمة وعلاقات.
٧-أن العلاقة بين المحتوى الداخلي للإنسان والبناء الفوقي والتأريخي للمجتمعات هي علاقة تبعية وسببية، كما بينته الآية الكريمة:(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)الرعد،١١.
٨-أن البناء الداخلي للإنسان استناداً للآية السابقة، يجب ان يسير جنباً إلى جنب مع البناء الخارجي( أي الأبنية العلوية)، ولا يمكن أن يفترض إنفكاك البناء الخارجي عن البناء الداخلي. ولهذا سمّى الإسلام عملية بناء المحتوى الداخلي ب( الجهاد الأكبر) ، وسمّى عملية البناء الخارجي ب( الجهاد الأصغر).
٩- اذا ما انفصل الجهاد الأصغر عن الجهاد الأكبر فقد محتواه ومضمونه وقدرته على التغيير الحقيقي الصالح في الساحة التأريخية والإجتماعية، والقرآن الكريم يعرض لحالة من حالات الإنفصال هذه بقوله تعالى:( ومِنَ الناس من يُعجبك قولُه في الحياة الدنيا ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألدُّ الخصام. وإذا تولى سعى في الأرض ليُفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد) البقرة،٢٠٤و٢٠٥.

ثالثاً: المثل الأعلى.

بما أنه تم تقرير أن الأساس في حركة التأريخ ، هو المحتوى الداخلي للإنسان، فما هو المحور الذي يستقطب عملية بناء ذلك المحتوى، وما هي نقطة البدء فيها ؟

ويجيب السيد الشهيد (رض) عن هذا التساؤل، معتبراً ان المحور الذي يحدد الأهداف والغايات، والنشاطات والتحركات، ويمنح الانسان تصوراته عن الحياة والكون هو( المثل الأعلى) الذي تختلف في تصويره وتجسيده الأمم فتختلف تبعاً لذلك مساراتها في التأريخ.
ان المثل الأعلى الذي هو هدف لجميع الانسانية هو الله سبحانه وتعالى، وأن الإنسانية كلها تكدح نحوه كما أشارت الى ذلك الآية القرآنية:( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فمُلاقيه) الإنشقاق،٦.
ويقرر السيد الشهيد(رض) ان هذا الكدح البشري هو سير تصاعدي وتكاملي ، وقد شبهه بتسلق الجبال، فحيث يستهدف المتسلق الوصول إلى القمة، كذلك الإنسانية حينما تكدح نحو الله فإنما هي تتسلق إلى قمم كمالها وتكاملها وتطورها.
وبين السيد الشهيد ايضاً، ان الآية تتحدث عن حقيقة قائمة وواقع موضوعي، فهي لا تدعوا الناس لكي يسيروا في طريق الله كما هو الحال في آيات اُخرى ، بل هي تتحدث عن واقع ثابت وحقيقة قائمة ، وهي أن كل سير وكل تقدم للإنسان في مسيرته التأريخية الطويلة الأمد، هو تقدم نحو الله سبحانه وتعالى.
وحتى الذين يسيرون وراء مثل منخفضة ، حينما يسيرون انما يسيرون وراء سراب وحينما يصلون لا يجدون شيئاً سوى الله سبحانه وتعالى فيوفيهم حسابهم.

أما الذين جعلوا الله تعالى هدفاً لمسيرتهم، فإن الله سبحانه هو المثل الأعلى وهو المطلق الموجود في نهاية الطريق وفي طوله ايضاً، وبما ان المسافة بين الانسان وبين المثل الأعلى هي مساحة وفسحة لا متناهية، فإن الاهداف والغايات تبقى لامتناهية ايضاً ، فتعطي للانسان طاقات ايمانية هائلة، وتمنحه مجالاً للتطور والتكامل لا متناهي  ايضاً.
 رابعاً: الرسالات النبوية :

ان احدى اهم اهداف النبوات والرسالات ، هو إحداث التغييرات الكيفية في المسيرة الإنسانية ، وإعطاء الحلول الموضوعية للجدل الإنساني ،من خلال تأكيد فكرة التوحيد والمعاد لكي تمنح الإنسان شعوراً بالمسؤولية الموضوعية، وتعريفه بحقيقته وحدوده الكونية الواقعية، فتكون النبوة والرسالات عاملاً حسياً موجهاً لحركة الإنسان ، مما يمنحه شعوراً معمقاً وموضوعياً بالمسؤولية تجاه قضايا الحياة المختلفة ، لهذا يقول الشهيد الصدر(رض): لماذا كان الأنبياء على مر التأريخ أصلب الثوار على الساحة التأريخية، وفوق كل مساومة، وفوق كل مهادنة، وفوق كل تململ..لماذا انهار كثير من الثوار على مر التأريخ ولم نسمع أن نبياً من أنبياء التوحيد انهار او تململ أو انحرف عن الرسالة التي بيده وعن الكتاب الذي يحمله من السماء؟ لأن المثل الأعلى اعطاه نفحة موضوعية من الشعور بالمسؤولية تجسد في كل كيانه ومشاعره وافكاره. ومن هنا كان النبي معصوماً على مر التأريخ.
وحينما ننزل هذا التطبيق على واقع الاسلام النظري فإن السيد الشهيد يؤكد أن الإسلام هو الرسالة الوحيدة القادرة على حل التناقضات الاجتماعية ، التي تبرز بصيغ مختلفة بين القوي والضعيف سواء كان هذا القوي فرداً أو عصابة أو طبقة أو شعباً أو امة..
حيث تعمل الرسالة الاسلامية على تصفية التناقضات الإجتماعية من خلال حل جدلها في المحتوى الداخلي للإنسان .
 ولكن المشكلة المعاصرة للإسلام تتمثل بتعطيل دوره عن العمل على الساحة التأريخية والإجتماعية ، مما أدى إلى عدم فهم المسلم لرسالته على نحو صحيح حتى ينطلق بها في آفاق الحياة لبناء شخصيته اولاً، وبناء مجتمعه ثانياً، وبناء حضارته ثالثاً.
أما اسباب ذلك التعطيل  فقد ذكر السيد الشهيد  ثلاثة اسباب هي:
١- إنحسار الإسلام عن مسرح الحياة والمجتمع بسبب عدم تطبيقه على الصعيد الإجتماعي والإقتصادي.
٢-ضبابية الإسلام وإبهامه جعلت الإنسان المسلم لا يعي قدرة الاسلام على تحريك الحياة وقيادتها.
٣-وجود الحكام والحكومات الفاسدة والمنحرفة.

أما العلاجات التي كان يراها السيد الشهيد للخروج من هذا المأزق  فهي:
١-صياغة الحياة الإنسانية وفق المبادىء التي تجعل الإسلام واقعاً حياً معاشاً، وليس فقط مثالاً أعلى.
٢-إدراك الإنسان المسلم لرسالته بوضوح لمعرفة معالمها وحدودها وقدرتها العظيمة على صناعة الحياة والإنتصار العظيم.
٣- تطبيق مبادىء الإسلام عبر أدوات فعّالة وأفكار مماثلة في التنظيم .
ويبدو ان السيد الشهيد (رض) يقصد بعبارته( ادوات فعالة وأفكار مماثلة) السعي لإقامة الدولة الاسلامية ، مما لم يمكنه التصريح بها في ذلك الوقت عندما كان يكتب افتتاحيات مجلة الأضواء في خمسينيات القرن الماضي.انتهى.
فسلام على شهيد الأمة المظلوم محمد باقر الصدر يوم ولد ، ويوم اُسشهد، ويوم يبعث حياً.

أخر الأخبار