• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

مرقد الصحابي عبد الله بن الخباب الذي لأجله قامت معركة النهروان .. سلسلة أبنية تراثية بغدادية ٤١

مرقد الصحابي عبد الله بن الخباب الذي لأجله قامت معركة النهروان .. سلسلة أبنية تراثية بغدادية ٤١

  • 23-03-2024, 14:47
  • مقالات
  • 82 مشاهدة
د. صلاح عبد الرزاق

"Today News": بغداد 

أولاد وأتباع أهل البيت ٧

عبد الله بن الخباب بن الأرت سمّاه الرسول (ص) وكان أول مولود في الإسلام. كان صحابياً جليلا قامت عصابة من الخوارج باغتياله وزوجته الحامل في النهروان جنوب بغداد. فصار شاهداً على جريمة وحشية في صدر الإسلام. ولأجله وللاقتصاص من قتلته قام الإمام علي (ع) بمعركة النهروان.

والده الصحابي الخَبّاب بن الأرت
هو خباب بن الأرت بن جندلة التميمي ، توفي عام ( ٣٧ هـ  / ٦٥٨ م ) عن عمر ٧٣ عاماً. توفي الكوفة بعد العودة من صفين مع أمير المؤمنين (ع) الذي قام بالصلاة عليه ودفنه بظهر الكوفة. ويقال أنه أول من دفنه أمير المؤمنين (ع) بظهر الكوفة ، وكان الناس يدفنون موتاهم في دورهم وأفنيتها بالكوفة. (١)

كان الخباب من السابقين في الإسلام ، وشهد المشاهد مع رسول الله بدءاً من معركة بدر والخندق. وكان سادس ستة وأول من أظهر إسلامه وتحمل الأذى في ذلك. وكان يعمل حداداً للسيوف في مكة. وقد قامت قريش بتعذيبه في مكة قبل الهجرة حتى أنهم أوقدوا له نهاراً وسحبوه عليها فما أطفأها إلا شحم ظهره ، وكان أثر النار بادياً على ظهره ، فما عاد عن دينه. وكان من الصحابة الخلّص للإمام علي (ع) ، ويٌعدّ مع صهيب الرومي وعمار بن ياسر وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن عمرو وحذيفة بن اليمان ومالك الأشتر.
وكان خباب يتردد على فاطمة اخت عمر بن الخطاب ويقرؤها القرآن ، فلما شعروا بوجود عمر أخفى خباب نفسه في المنزل ، وقامت فاطمة بإخفاء الصحيفة. خرج عمر يريد الرسول (ص) ثم أسلم على يديه.  
وعندما هاجر إلى المدينة نزل هو والمقداد في بيت كلثوم بن الهدم ، ومكثا عنده حتى مات كلثوم قبل خروج النبي (ص) إلى بدر ، فتحولا على منزل سعد بن عبادة. فلم يزالا عنده حتى فتحت بنو قريظة. وآخى الرسول (ص) بين خباب بن الأرت وجبر بن عتيك. (٢)

في سيرة ابن هشام ، كان خباب بن الأرت يعمل السيوف بمكة ، وكان قد باع إلى العاص بن وائل سيوفاً عملها له ، حتى إذا صار له مال عند العاص ذهب إليه لاستيفاء ماله لكن العاص قال له: يا خباب أليس صاحبكم محمد الذي أنت على دينه يزعم أن في الجنة ما يشتهي أهلها من ذهب وفضة وثياب وخدم؟ قال خباب: بلى ، قال: فانظرني إلى يوم القيامة حتى ارجع إلى تلك الدار فأقضيك هناك حقك ، فوالله لا تكون أنت وأصحابك آثر عند الله مني ، ولا أعظم حظاً في ذلك. فأنزل الله تعالى (أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً . أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهداً. كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا. ونرثه وما يقول ويأتينا فردا).  

الخوارج ودورهم التخريبي
بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان في ثورة شعبية شارك فيها ثوار من عدة بلدان إسلامية وخاصة من مصر والعراق. انقسم المشهد السياسي بين معسكرين: الأول يقوده الخليفة الشرعي الإمام علي (ع) ، والآخر يقوده معاوية حاكم الشام الذي رفض مبايعة الإمام علي (ع) وقاد تمرداً ضد السلطة التي اتخذت من الكوفة عاصمة جديدة للدولة الإسلامية.
وصلت الأمور إلى الحل العسكري عندما سار الإمام (ع) بجيشه إلى سوريا للقضاء على التمرد الداخلي. التقى الجيشان في موقعة صفين التي انتهت بحيلة رفع المصاحف على الرماح وشعار (لا حكم إلا لله) الذي رفعه جيش معاوية بتدبير من مساعده عمرو بن العاص. أحدث الشعار بلبلة وارتباك داخل جيش الإمام (ع) ، وكان الذين أعلنوا التمسك بالشعار وإيقاف الحرب جماعة من جيش الأمام (ع)، وهم الذين سيشكلون فرقة الخوارج فيما بعد. ولذلك سُمّوا بالخوارج لأنهم خرجوا عن طاعة الإمام (ع).
 أدرك الإمام علي (ع) تلك الحيلة وحاول منعها لكن الحركة المؤيدة للتحكيم كانت سائدة. وكان الإمام (ع) يقول لهم: (الله أكبر كلمة حقٍ أريد بها باطل أما إن لكم عندنا ثلاثًا ما صحبتمونا لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ولا نقاتلكم حتى تبدأونا وإنما فيكم أمر الله). رفض الخوارج القبول برأي علي (ع) ، وبذلك نجحت خدعة عمرو بن العاص في تشتيت جيش الإمام (ع) وزرع فتنة كانت نتائجها مدمرة في المشهد السياسي الإسلامي.

طرح معاوية وعمرو بن العاص فكرة اختيار حكمين كل منهم يمثل طرفاً في التوصل إلى قرار وإيقاف الحرب. تم اختيار أبو موسى الأشعري ممثلاً عن جانب الإمام علي (ع) وعمرو بن العاص يمثل معاوية. انتهى اجتماع الحكمين بخذلان الأشعري لصاحبه وكتابة اتفاق سياسي لصالح معاوية.

بعد أن أجبر الخوارج الإمام علي (ع) على قبول التحكيم عادوا يكفرونه لأنه قبل به. عاد الجيش إلى الكوفة ، وتجمع الخوارج في قرية حروراء قريبة من الكوفة. وكانوا اثنى عشر ألفاً ، ونصبوا عليهم أميراً للقتال وآخر للصلاة. أرسل الإمام (ع) ابن عباس إلى الخوارج لإقناعهم بالعودة عن العصيان والتمرد ، ونجح في إعادة ستة آلاف منهم ، لكن الأغلبية رفضت احتجاجه في صحة موقف علي (ع).

قرر الخوارج الابتعاد عن الكوفة كلياً ، فاتفقوا على الذهاب إلى المدائن في منطقة النهروان (جنوب بغداد حالياً). وهناك أخذوا بتنظيم صفوفهم يزعمون أنهم يريدون إنفاذ حكم الله.

منطقة النهروان
يصف ياقوت الحموي (  ٥٧٤هـ/1178م - 626هـ/ 1229م) بلدة النهروان فيقول:
وهي كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي حدّها الأعلى متصل ببغداد. وفيها عدة بلاد متوسطة، منها: إسكاف وجرجرايا والصافية ودير قنّى وغير ذلك، وكان بها وقعة لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب، رضي الله عنه، مع الخوارج مشهورة، وقد خرج منها جماعة من أهل العلم والأدب فمن كان من مدنها نسب إلى مدينة ، ومن كان من قراها الصغار نسب إلى الكورة، وهو نهر مبتدؤه قرب تامرّا أو حلوان، فإني لا أحققه ولم أر أحدا ذكره، وهو الآن خراب ومدنه وقراه تلال يراها الناس بها والحيطان قائمة، وكان سبب خرابه اختلاف السلاطين وقتال بعضهم بعضا في أيام السلجوقية إذ كان كل من ملك لا يحتفل بالعمارة إذ كان قصده أن يحوصل ويطير، وكان أيضا في ممر العساكر فجلا عنه أهله واستمرّ خرابه، وقد استشأم الملوك أيضا من تجديد حفر نهره وزعموا أنه ما شرع فيه أحد إلا مات قبل تمامه، وكان قد شرع فيه نهروان الخادم وغيره فمات وبقي على حاله، وكان من أجمل نواحي بغداد وأكثرها دخلا وأحسنها منظرا وأبهاها مخبرا، قال ابن الكلبي:
وفارس حفرت النهروان وكان اسمه نهروانا أي إن قلّ ماؤه عطش أهله وإن كثر غرقوا، وقال حمزة الأصبهاني: ويقبل من نواحي أذربيجان إلى جانب العراق واد جرّار فيسقي قرى كثيرة ثم ينصبّ ما بقي منه في دجلة أسفل المدائن، ولهذا النهر اسمان أحدهما فارسي والآخر سرياني، فالفارسي جوروان والسرياني تامرّا، فعرّب الاسم الفارسي فقيل نهروان والعامة يقولون نهروان، بكسر النون، على خطإ، وقرأت في كتاب ابن الكلبي في أنساب البلدان قال:
تامرّا ونهروان ابنا جوخي حفرا النهرين فنسبا إليهما، وقد ذكر أبو علي التنوخي في نشوراه خبرا في اشتقاق هذه اللفظة لا أرى يوافق لفظ ما ذكره أنه مشتق منه إلا أني ذكرت الخبر بطوله، قال أبو علي:
حدثني أبو الحسين بن أبي قيراط قال: سمعت علي بن عيسى الوزير يحدث دفعات أنه سمع أباه يحدّث عن جده عن مشايخ أهل العلم بأخبار الفرس وأيامهم، قالوا: معنى قولهم النهروان ثواب العمل). (٣)

مقتل عبد الله بن خباب وزوجته
في تلك الفترة قام الخوارج بفرض تفسيراتهم وآرائهم على الناس. فكانوا يوجهون أسئلة تحتمل عدة أجوبة على الناس البسطاء ، فإذا أجاب بأنه يتولى الخليفة الشرعي علي بن أبي طالب (ع) قاموا بقتله، وإن أجاب بغير ذلك قاموا بقتله أيضاً بحجة أخرى. فصار الناس يقولون نحن مشركون ولسنا مسلمين فيتركه الخوارج لسبيله تطبيقاً للآية الكريمة (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ، ثم أبلغه مأمنه ، ذلك بأنهم قوم لا يعلمون).

بعد فشل التحكيم واستمرار معاوية في التمرد ضد الدولة قرر الإمام علي (ع) شن حرب ثانية عليه ، ودعا أنصاره والمسلمين للالتحاق به للتوجه إلى الشام. لم تحدث معركة ثانية بين الإمام علي (ع) ومعاوية. فقد حدثت تطورات أمنية أبرزها مصرع عبد الله بن حباب على يد الخوارج ، أدت إلى توجه الإمام (ع) لقتال الخوارج في النهروان.
كان عبد الله بن خباب والياً على النهروان من قبل الإمام علي (ع) متوجهاً إلى الكوفة ومعه زوجته الحامل. في الطريق رآه جماعة من الخوارج.
 فقالوا: هذا رجلٌ من أصحاب محمد نسأله عن حالنا وأَمْرنا ومخرجنا؛ فانصرفوا إليه فسألوه،
فقال: أمّا فيكم بأعيانكم فلا، ولَكن سمعتُ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: (يكُونُ مِنْ بَعْدِي قَوْمٌ يَقْرَأونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقيِهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميّة ).
لم يرق لهم هذا القول ولا تحدي هذا الرجل المؤمن لهم ، فهجموا عليه وأخذوه إلى جانب النهر وذبحوه ، وبقروا بطن زوجته وهي حامل فقتلوها وطفل معها.  

معركة النهروان
لما علم أمير المؤمنين علي (ع) بحادث مقتل عبد الله بن خباب أرسل إلى الخوارج يطلب تسليم قتلته ليقتص منهم. رفضوا هذا الطلب قائلين: كيف نسلمك قتلته ، وكلنا قتله؟ فقال: أو كلكم قتله؟ فقالوا: نعم.
بعد عودة المبعوث إلى الكوفة أبلغ الإمام (ع) ، فقرر الخروج إلى النهروان لقتال الخوارج. إذ لا يمكن الخروج من العراق باتجاه الشام والجبهة الداخلية غير مستقرة بل ومهددة من قبل جماعات مسلحة خارجة على القانون.
قبل الحرب بذلت محاولات الصلح وحفظ الدماء ، وأمر الإمام عليٌّ (ع) أبو أيوب الأنصاري أن يرفع راية أمان للخوارج ويقول لهم: من جاء إلى هذه الراية فهو آمن ، ومن انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن ، إنه لا حاجة لنا فيكم إلا فيمن قتل إخواننا. فانصرف منهم طوائف كثيرون ، وكانوا أربعة آلاف فلم يبقَ منهم إلا ألف أو أقل مع قائدهم عبد الله بن وهب الراسبي. أما بقية الخوارج فقد رفضوا عناداً واستكباراً العودة إلى الحق. عندها لم يكن سوى الحل العسكري لحل الأزمة.

زحف الخوارج إلى جيش الإمام علي (ع) فقدّم بين يديه الخيل وقدم منهم الرماة وصفَّ الرجَّالة وراء الخيَّالة وقال لأصحابه: كفوا عنهم حتى يبدأوكم. وأقبل الخوارج يقولون: لا حكم إلا لله ، الرواح الرواح إلى الجنة. وبعد معركة حاسمة وقصيرة أخذت وقتًا من اليوم التاسع من شهر صفر عام ٣٨هـ/ ٦٥٩م )
وأسفرت هذه المعركة الخاطفة عن عددٍ كبير من القتلى في صفوف الخوارج. فتذكر الروايات أنهم أصيبوا جميعًا ، ويذكر المسعودي: أن عددًا يسيرًا لا يتجاوز العشرة فروا بعد الهزيمة الساحقة. أما جيش علي فقد قُتل منه رجلان فقط، وقيل قتل من أصحاب عليٍّ اثنا عشر أو ثلاثة عشر، وقيل لم يقتل من المسلمين إلا تسعة رهط.
عامل علي بن أبي طالب (ع)  الخوارج قبل الحرب وبعدها معاملة المسلمين. فما إن انتهت المعركة حتى أصدر أمره في جنده ألا يتبعوا مُدبِرًا أو يذففوا على جريح أو يمثِّلوا بقتيل. يقول شقيق بن سلمة: لم يسْبِ عليٌّ يوم الجمل ولا يوم النهروان.

خطبة الإمام علي (ع) بعد معركة النهروان
قال الإمام علي ( عليه السلام ) بعد أن حمد الله وأثنى عليه : ( أيّها الناس أمّا بعد أنا فقأت عين الفتنة ولم يكن ليجترئ غيري ، ولو لم أك بينكم ما قوتل أصحاب الجمل وأهل النهروان ، وأيم الله لولا أن تنكلوا وتدعوا العمل لحدّثتكم بما قضى الله على لسان نبيّكم ( صلّى الله عليه وآله ) لمن قاتلهم مبصراً لضلالتهم عارفاً للهدى الذي نحن عليه) .
ثمّ قال ( عليه السلام ) : ( سلوني قبل أن تفقدوني ، إنّي ميّت أو مقتول بل قتلاً ، ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم ) ، وضرب بيده إلى لحيته ، ( والذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فئة تضلّ مائة أو تهدي مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وسائقها ) .
فقام إليه رجل فقال : حدّثنا يا أمير المؤمنين عن البلاء ، قال ( عليه السلام ) : ( إنّكم في زمان إذا سأل سائل فليعقل ، وإذا سئل مسئول فليثبت ، ألا وإن من ورائكم أُموراً أتتكم جللاً مزوجاً ، وبلاء مكلحاً مبلحاً ، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، إن لو فقدتموني ونزلت كرائة الأُمور وحقائق البلاء ، لقد أطرق كثير من السائلين ، وفشل كثير من المسئولين ، وذلك إذا قلصت حربكم وشمرت عن ساق ، وكانت الدنيا بلاء عليكم وعلى أهل بيتي ، حتّى يفتح الله لبقية الأبرار ، فانصروا قوماً كانوا أصحاب رايات يوم بدر ويوم حنين ، تنصروا وتؤجروا ، ولا تسبقوهم فتصرعكم البلية) .
فقام إليه رجل آخر فقال : يا أمير المؤمنين حدّثنا عن الفتن ، قال ( عليه السلام ) : ( إنّ الفتنة إذا أقبلت شبهت ، وإذا أدبرت نبهت ، يشبهن مقبلات ويعرفن مدبرات ، إنّ الفتن تحوم كالرياح ، يصبن بلداً ويخطئن أُخرى ، ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أُمية ، إنّها فتنة عمياء ، مظلمة مطينة ، عمت فتنتها وخصت بليتها ، وأصاب البلاء من أبصر فيها ، وأخطأ البلاء من عمي عنها ، يظهر أهل باطلها على أهل حقّها ، حتّى تملأ الأرض عدواناً وظلماً وبدعاً ، ألا وإن أوّل من يضع جبروتها ويكسر عمدها وينزع أوتادها الله ربّ العالمين .
وأيم الله لتجدن بني أُمية أرباب سوء لكم بعدي كالناب الضروس ، تعضّ بفيها ، وتخبط بيديها ، وتضرب برجليها ، وتمنع درها ، لا يزالون بكم حتّى لا يتركوا في مصركم إلاّ تابعاً لهم أو غير ضار ، ولا يزال بلاؤهم بكم ، حتّى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلاّ مثل انتصار العبد من ربّه ، إذا رآه أطاعه ، وإذا توارى عنه شتمه .
وأيم الله لو فرّقوكم تحت كلّ حجر لجمعكم الله لشرّ يوم لهم ، ألا إنّ من بعدي جماع شتّى ، ألا إنّ قبلتكم واحدة ، وحجّكم واحد ، وعمرتكم واحدة ، والقلوب مختلفة ) ، ثمّ أدخل أصابعه بعضها في بعض .
فقام رجل إليه فقال : ما هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال ( عليه السلام ) : ( هذا هكذا يقتل هذا هذا ، ويقتل هذا هذا ، قطعاً جاهلية ليس فيها هدى ولا علم يرى ، نحن أهل البيت منها بمنجاة ولسنا فيها بدعاة ) .
فقام رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما نصنع في ذلك الزمان ؟ قال ( عليه السلام ) : ( انظروا أهل بيت نبيّكم ، فإن لبدوا فالبدوا ، وإن استصرخوكم فانصروهم تؤجروا ، فلا تسبقوهم فتصرعكم البلية ) .
فقام رجل آخر فقال : ثمّ ما يكون بعد هذا يا أمير المؤمنين ، قال ( عليه السلام ) : ( ثمّ إنّ الله تعالى يفرج الفتن برجل منّا أهل البيت كتفريج الأديم ، بأبي ابن خيرة الإماء ، يسومهم خسفاً ، ويسقيهم بكأس مصبرة ، فلا يعطيهم إلاّ السيف هرجاً هرجا ، يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر ، ودّت قريش عند ذلك بالدنيا وما فيها ، لو يروني مقاماً واحداً قدر حلب شاة أو جزر جزور لأقبل منهم بعض الذي يرد عليهم ، حتّى تقول قريش : لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا ، فيغريه الله ببني أُمية فيجعلهم ( مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلاً سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً )) . (٤)

زيارتي لمرقد الصحابي عبد الله بن الخباب
في ٢٥ شباط ٢٠٢٣ توجهت جنوباً نحو (ناحية النهروان) التابعة لقضاء المدائن في محافظة بغداد. وبعد المرور بمركز القضاء حيث يقع مرقد الصحابي سلمان الفارسي ، توجهت نحو (قرية أم العبيد) التي تبعد (٢٥ كم) عن ناحية النهروان ، حيث اجتزت أراضي زراعية وبراري حتى وصلت إلى المرقد الشريف.

يقع المرقد في أرض منبسطة لا تبدو فيها سوى بضع أبنية قليلة ، المرقد تحيط به القبور من ثلاث جوانب. وتبدو من بعيد بناية المرقد الذي تتوسطه قبة خضراء تبرز بوضوح لعدم وجود أبنية مجاورة.

في مدخل المرقد توجد لوحة توضح عائدية المرقد إلى ديوان الوقف الشيعي. ولوكن المنطقة شهدت أعملاً طائفية سابقاً فيوجد حراس وكرفانات لحماية المرقد. بعد اجتياز الباب الخارجي تجتاز فناء كبير تجد مصلى صيفياً مسقفاً بالألواح المعدنية (الچينكو) ، ومنبراً لإلقاء المحاضرات. الأرضية مفروشة بالبسط والسجاد. كما توجد شجرة سدر معمرة تظهر في الصور القديمة للمرقد.

توجهنا نحو إدارة المرقد حيث استقبلنا سماحة الشيخ فراس أحمد الابراهيمي البدران أمين المرقد. حدثني الشيخ فقال:
-مضى عليه ثلاث سنوات في عمله كأمين المرقد.
-مساحة المرقد تبلغ عدة دوانم ، وتوجد خطة لإعمار المرقد كلياً وفق تصميم حديث وبمساحة (٤٠٠) متر مربع. وقد أطلعني على المخططات الجديدة للمرقد التي تتضمن بناء قبة جديدة ومنارتين ومصلى كبير ، وتجديد الضريح ، ومرافق خدمية للزوار.
- زار المرقد المرجع السيد أبو الحسن الأصفهاني عام ١٩٣١ ، بعد حضوره مراسم نقل رفات الصحابة عبد الله بن جابر الأنصاري وحذيفة بن اليمان. وقد قال : إن زيارة عبد الله تعادل زيارة الإمام الحسين (ع)
-توجد قنطرة العباس التي دافع عنها العباس بن علي (ع) ومنع هروب الخوارج من باب القنطرة ، وهو أحد أبواب مدينة النهروان. ولذلك سمي بسبع القنطرة. والقنطرة هي جسر صغير يقام فوق النهر. وما تزال آثار وبقايا القنطرة باقية إلى اليوم.
- وقد شهد المعركة الإمامان الحسن والحسين (ع) والعباس ومحمد بن الحنفية ومالك الأشتر.

وصف الضريح
بناء المرقد متواضع جداً ويخلو من الزخارف والعناصر الفنية والجمالية. فالجدران مطلية بالجص والأصباغ توحي بأنها بنيت بأيد متبرعين فقراء.
يقع القبر في وسط الضريح ، وعليه ستارة خضراء كتبت عليها آيات قرآنية ونقشت رسوم للكعبة والمسجد النبوي. ووضع شباك بسيط من الحديد والزجاج وبلا زخرفة. ويقع المرقد تحت القبة ، التي تتدلى منها ثريا .
وقد عُلقت لوحة فوق الضريح كُتب فيها: (الصحابي الجليل عبد الله بن الخباب (رضي الله عنه) من أصحاب أمير المؤمنين ، قتله الخوارج في النهروان).

سيرة الصحابي عبد الله بن الخباب
توجد لوحة معلقة على الحائط تتناول سيرة عبد الله بن الخباب وجريمة قتله هو وزوجته وابنه من قبل الخوارج ، هذا نصها:
 
( ترجمة الشهيد السعيد عبد الله بن الخباب بن الأرت
هو عبد الله بن خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن زيد بن مناة بن تميم
من أصحاب أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وعامله على النهروان.
قتله الخوارج قبل وقعة النهروان بعد أن لقيهم وفي عنقه مصحف ، وهو على حمار ، ومعه امرأته وهي حامل. فقالوا له: إن هذا الذي في عنقك ليأمرنا بقتلك. فقال لهم: ما أحياه القرآن فأحيوه ، وما أماته فأميتوه. ثم قالوا: حدثنا عن أبيك ، فقال: إني سمعت أبي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ستكون فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه ، يمسي مؤمناً ويصبح كافراً ، فكن عند الله المقتول ، ولا تكن عند الله القاتل. قالوا: فما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى خيراً. قالوا: فما تقول في علي قبل التحكيم وفي عثمان في السنين الست الأخيرة؟ فأثنى خيراً. قالوا فما تقول في علي بعد التحكيم والحكومة؟ قال: إن علياً أعلم بالله ، وأشد توقياً على دينه وأنفذ بصيرة. فقالوا: إنك لست تتبع الهدى ، إنما تتبع الرجال على أسمائهم. ثم قربوه على شاطئ النهر فأضجعوه وذبحوه. وبقروا بطن زوجته وهي حامل فذبحوها وذبحوا طفله الرضيع فوقه.
ولما التقى الجمعان (في معركة النهروان) استنطقهم علي عليه السلام بقتل عبد الله بن خباب فأقروا كلهم كتيبة بعد كتيبة فقال الإمام علي عليه السلام: والله لو أقر أهل الدنيا كلهم بقتله هكذا وأنا أقدر على قتلهم به لقتلتهم. ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم : شنّوا عليهم. فأنا أول من يشد عليهم . وحمل بذي الفقار حملة منكرة ثلاث مرات ، كل حملة يضرب به حتى يعوجّ متنه ، ثم يخرج فيسوّيه بركبتيه ثم يحمل به حتى أفناهم.

الغريب أنه لم تجر أية تنقيبات عن معركة النهروان ، ولا تحديد موقعها ، ولا الكشف عن الأسلحة ولا عظام القتلى. فهي بالتأكيد ما زالت تحت الأرض تنتظر التنقيبات من فرق آثارية متخصصة.

أما ترجمة والده الخباب بن الأرت:
فهو الخباب بن الأرت التميمي بالنسب ، الخزاعي بالولاء ، والزهري بالحِلف.
أحد السابقين الأولين الذين آمنوا إذ هو سادس ستة في الإسلام. وهم الذين عُذّبوا في الدين وصبروا على أذى المشركين. روي أن قريشاً أوقدت عليه ناراً ، فما أطفأها إلا ودك ظهره. وكان أثر النار ظاهراً عليه.
شهد بدراً وما بعدها من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم نزل الكوفة ، ومات بها سنة ٣٧ هـ.
روي أن أمير المؤمنين علي عليه السلام وقف على قبره فقال: رخم الله خباباً ، أسلم راغباً ، وهاجر طائعاً ، وعاش مجاهداً. وابتلي في جسده أحوالاً ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً. )

وفي لوحة أخرى معلقة على جدار المدخل مكتوب عليها :

( زيارة الصحابي الشهيد عبد الله بن الخباب (رض)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم
الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً ،
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. لقد جاءت رسل بالحق .
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين ورحمة الله وبركاته
السلام عليك أيها العبد الصالح والولي الناصح. السلام عليك يا بن صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله)
السلام عليك يا من سمّاك رسول الله صلى الله عليه وآله (عبد الله).
السلام عليك يا صاحل أمير المؤمنين (عليه السلام) وعزيزه
السلام عليك لما صبرت واحتسبت لحبك واتباعك وولائك واخلاصك لأمير المؤمنين (عليه السلام).
السلام عليك أيها الشهيد المظلوم المذبوح ، وعلى زوجتك الطاهرة الصابرة المذبوحة والمبقور بطنها والمذبوح جنينها.
السلام عليك يا من أقام أمير المؤمنين (عليه السلام) معركة النهروان لأجله ، وأخذ بثاره .
السلام عليك يا من قال بحقه أمير المؤمنين (لو أقرّ مَنْ في الأرض جميعاً على قتلهم عبد الله بن خباب وكانوا تحت يدي لقتلتهم جميعاً).
السلام عليك وعلى أهل بيتك الصابرين المحتسبين المظلومين المستشهدين على حب أمير المؤمنين (عليه السلام) . السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقب الدار.
 اللهم إني قصدت زيارة العبد الصالح والولي الناصح عبد الله بن الخباب (رض) صاحب أمير المؤمنين (عليه السلام) وعزيزه ، عارفاً بحقه ، شاهداً له بالثبات على الدين والإخلاص والولاء لإمامه علي أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فاكتبنا اللهم من الزائرين العارفين المحتسبين والثابتين على ولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام).
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليماَ.
ثم ادخل بقدمك   اليمنى وقل: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ).


الهوامش
١- شمس الدين الذهبي (سير أعلام النبلاء) ، ج ٢ ، ص ٣٢٣
٢- محسن الأمين العاملي (أعيان الشيعة) ، ج ٦ ، ص ٢٠٥ وما بعدها
٣- ياقوت الحموي (معجم البلدان ) ، ج ٥ ، ص ٣٢٥
٤- ابراهيم بن محمد الثقفي الكوفي ( الغارات) ، ج١ ، ص ٦ وما بعدها ، تحقيق السيد جلال الدين المحدث ،  ١٣٩٥ هجرية

أخر الأخبار