• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

شخصيات عرفتها ٢١ .. الشيخ مجيد الصيمري

شخصيات عرفتها ٢١ .. الشيخ مجيد الصيمري

  • 21-05-2023, 20:23
  • مقالات
  • 446 مشاهدة
د. صلاح عبد الرزاق

"Today News": بغداد 
النشأة والسيرة
ولد الشيخ مجيد عبد الكريم علي حسين يعقوب الصيمري في ١ تموز ١٩٣١ في قرية البوخليف التابعة لقضاء الجزائر (الچبايش) في عمق أهوار الجنوب والتابعة لمحافظة ذي قار . كان والده فلاحاً ، وكان خطيباً مرموقاً يقرآ في المجالس الحسينية في المناطق المتاخمة لمدينة سوق الشيوخ.
في الخامسة من عمره دخل مدرسة العبادية الابتدائية ، وهي أول مدرسة في تلك المنطقة. وسميت بهذا الاسم لأنها كانت تقع في أرض عشيرة عبادة. وبعد انقلاب تموز ١٩٥٨ سميت (مدرسة الأحرار). كان دون السن القانوني لدخول المدرسة فدخل بعنوان مستمع. ولما رأت إدارة المدرسة استيعابه للدروس قبل كطالب حتى وصل إلى الصف السادس الابتدائي عام ١٩٤٠. وبسبب الحرب العالمية الثانية تم تأجيل الامتحانات الوزارية (البكالوريا) إلى عام ١٩٤١ ، فشارك فيها بنجاح.  
 
في ذلك العام فقد الصيمري والده فصار يتحمل مسؤولية إعالة عائلته المكونة من الأم وأخوين وأختين، لكونه كان أكبر إخوته ، فتوقف عن مواصلة الدراسة. وكان يميل إلى مواصلة طريق والده فاشتغل بالزراعة لكن حب الناس لوالده ومنهم أخواله طلبوا منه أن يكون خطيبهم في أشهر محرم وصف ورمضان. وكان الصيمري في سن العاشرة ، وكان يجيد الألحان الشعرية والمنهج التقليدي في إلقاء المجلس والمأساة فقط. ولم يكن باستطاعته إلقاء محاضرات فكان يستعين بكتاب (المجالس السنية) للمجدد السيد محسن الأمين. كما استعان بكتب (مثير الأحزان) للعالم ابن نما و كتاب (الدر النضيد) للسيد الأمين وغيرها من كتب الأشعار الحسينية المعروفة آنذاك. فكان يقرأ لمستمعيه في تلك الكتب ، وهم راضون عنه بل ومعجبين بجرأته الأدبية ويشجعونه. لقد شابه أستاذه الشيخ أحمد الوائلي الذي صعد المنبر في سن العاشرة.
 
خلال تلك السنوات الثلاث قام بتنمية شخصيته وحفظه للقصائد المختارة حتى أصبح من الخطباء المحترمين في المنطقة، وكان أصحاب المجالس يتفقون معه قبل المواسم. في عام ١٩٤٤ انقطع عن القراءة بسبب نزاع حصل بين تلك القرى في المنطقة، لكنه بقي يتواصل معه بزياراته للأطراف المتخاصمة. الأمر الذي عزز مكانته لدى الجميع، وزاد احترامهم له. فكانت تجربة اجتماعية غنية له علمته كيف يحترم مشاعر الناس ومشاركتهم في أحزانهم وأفراحهم.
 
 
العودة للزراعة وتجربة منبرية جديدة
في عام ١٩٤٥ بدأ تأثير الحرب العالمية الثانية يزداد حتى اضطرت الحكومة إلى توزيع المواد الغذائية بالبطاقة للفترة ١٩٤٢- ١٩٤٥. اضطر الصيمري إلى الخروج للمشاركة في موسم الحصاد في منطقة الغراف ، فنزل وأسرته في منطقة بني ركاب. كان وصولهم ليلة الجمعة فاقترح بعضهم على الشيخ أن يقوم بقراءة مجلس حسيني في مضيف الشيخ فيصل المنشد ليلا. ولما نزل من النبر أبدى الحاضرون اعجابهم به لصغر سنه لأن عمره كان آنذاك ١٤ عاماً فقط ولحسن صوته. فطلب منه الشيخ المنشد أن يقرأ في مضيفه عشر ليالي.
وفي الصباح ذهب إلى مضيف الشيخ إبراهيم آل شاتي وطلب منه إلقاء مجلس حسيني لمدة عشرة أيام صباحاً. وبعد انتهاء الأيام العشرة أمر كلاهما بمنح الصيمري طنين ونصف الطن من القمح. وكانت تلك الكمية تعد ثروة بسبب شحة الطعام وقتذاك. بعد انتهاء الموسم عاد الصيمري وأهله إلى ديارهم.
في طريق العودة مروا بقرية آل خليوي فطلب منه الشيخ طاهر الخليوي أن يقرأ له في مضيفه. فلبى طلبه وأخذ يقرأ ثلاثة مجالس يستلم بعد المجلس ديناراً واحداً وهو مبلغ ليس بالقليل آنذاك. وبعد ذلك عقد اتفاق أن يقيم لديهم ويعطونه ستة دناني شهرياً ، و٥٠ ديناراً في شهر محرم . أما في شهر رمضان فله ما تجمعه العشيرة له من القمح.
 
الهجرة إلى البصرة
مكث الشيخ الصميري ثلاث سنوات في ربوع آل خليوي من عام ١٩٤٤ إلى عام ١٩٤٧. كان الشيخ يبحث عن حاضرة علمية وأدبية فوجدها في البصرة قبل أن يغادرها إلى النجف الأشرف. توجه إلى رئيس أسرته الحاج عبد النبي موسى في البصرة، الذي كان وكيلا لأملاك بعض الأثرياء هناك. فأقام عنده حتى عام ١٩٤٩ ثم انتقل إلى مرابع الشيخ حبيب الشاوي في كرمة علي حتى عام ١٩٥١.
 
استمر الصيمري في اعتلاء المنبر الحسيني بعد أن تطورت شخصيته وزاد وعياً ونضجاً. فكان ينتقل من منطقة إلى أخرى في مدينة البصرة مثل منطقة (الخمسة ميل). ويروي الصيمري في مذكراته أنه كان يعتلي المنبر يوماَ وحدثت معركة حامية بين الجاموس ، فغادروا المجلس وتركوا الشيخ لوحده. فعاتبهم على ما فعلوا ، ونبههم إلى أهمية المحاضرات الإسلامية.
بعد أن توطدت علاقات الصيمري بالوجوه الاجتماعية في البصرة وصارت له شهرة بين جمهورها من خلال محاضراته الأسبوعية في المعقل والعشار والبصرة القديمة وناحية الهارثة ومناوي باشا ، انتقل إلى محلة مناوي باشا واستأجر منزلاً فيها.
 
كان الصيمري يملك عقلاً منظماً لذلك دعا بقية الخطباء في البصرة لتشكيل جمعية للخطباء والدراسة العلمية بهدف بناء شخصية الخطيب بالمستوى العصري وتوجيه مسيرة الأمة نحو الوعي والتربية الحقيقية. في عام ١٩٥٤ تشكلت أول جمعية للخطباء في العراق. وكان الخطباء يتلقون دروساً في علم النحو وشرح قطر الندى لابن هشام ثم شرح ألفية ابن مالك. كما تعرفوا على أصول البلاغة وأشعار المتنبي والمعري والكميت وابي فراس الحمداني والبحتري وغيرهم.
بعد انقلاب قاسم ١٩٥٨ وهيمنة الشيوعيين على الشارع ، عاد الصيمري لمواصلة دراسته. قدم أوراقه إلى ثانوية نقابة المعلمين في العشار حتى أكمل الدراسة المتوسط. وأكمل الدراسة الثانوية مساء، وفي النهار كان يعد نفسه للدراسة الحوزوية.
 
درس الصيمري الفقه والأصول عن السيد محمد عبد الحكيم الصوافي، ودرس النحو والمنطق عن الشيخ حسين يوسف البحراني إمام جامع البحارنة في العشار الواقع في شارع أبي الأسود الدؤلي.
 
رغم نجاح الصيمري في إلقاء المحاضرات الإسلامية الواعية لكنه تعرض لبعض المضايقات من الشيوعيين وبعض المشايخ المعممين أمثال الشيخ محمد حسن المظفر الذي كان يحرض على التصدي للصيمري بل والاعتداء عليه وضربه، رغم أنه من عشيرته الصيامر. لكن وقف مع الصيمري بعض المخلصين وهددوا الشيخ المظفر إذا ما تعرض لأي اعتداء أو إهانة. وفيما بعد ندم المظفر على ما فعله وطلب العفو والمغفرة من الصيمري.
 
في النجف الأشرف
في عام ١٩٦١ قام الصيمري بزيارة النجف الأشرف والتقى بعدد من الأصدقاء منهم الشيخ عبد الهادي الفضلي والسيد جعفر القزويني والسيد مهدي الحكيم. وزار الشيخ محمد رضا المظفر عميد كلية الفقه وكان من المجددين المجتهدين، وينتسب إلى عشيرة الصيامر أيضاً. عرض الشيخ المظفر على الصيمري أن ينتسب للكلية ، فحاول الاعتذار بإعالة عائلته ، لكن المظفر رفض هذا التبرير ونادى على الشيخ عبد الهادي الفضلي الذي كان يعمل في الكلية آنذاك. تم تحديد أسبوع للاطلاع على إمتحان القبول وتكفل بذلك الفضلي والسيد طالب الرفاعي.
درس الصيمري على أيد أساتذة أكفاء أمثال الشيخ محمد رضا المظفر والسيد محمد تقي الحكيم والشيخ محمد تقي الايرواني والشيخ مهدي مطر والشيخ محمد مهدي شمس الدين وآخرين. في عام ١٩٦٥ تخرج من كلية الفقه . وفي نفس العام توفق لأداء مراسم الحج.
 
 
أيام المد الأحمر في العراق
بعد قيام الجمهورية عام ١٩٥٨ انتشر الفكر الشيوعي والماركسي حتى سيطر على الشارع العراقي. يرى الشيخ الصيمري أن يقظة الشعب العراقي وتربية الشباب تربية سياسية وفكرية إسلامية هي التي وقفت بوجه المد الأحمر كما يسميه. ويعود ذلك ، برأيه ، إلى عدة عوامل:
١-دخول المرجعية حلبة الصراع السياسي ، وتأسيسها لحركة جماعة العلماء.
٢- كتابات السيد محمد باقر الصدر التي أغنت الفكر الإسلامي وساهمت في تحصين الأمة بالثقافة الأصيلة.
٣- تصدي بعض خطباء المنبر الحسيني الذين ساهموا في تغيير الساحة نتيجة الوعي الفكري والسياسي اللذين أحدثتهما المدرسة الإسلامية الحديثة التي أرسى قواعدها مجموعة من الكتاب الإسلاميين أمثال السيد محمد باقر الصدر ، السيد محمد حسين فضل الله ، الشيخ محمد مهدي الأصفي ، الشيخ محمد مهدي شمس الدين ، الشيخ عبد الهادي الفضلي وغيرهم ممن تصدوا وعرضوا الفكر الإسلامي.
٤- التنسيق بين الخطباء الواعين مع مرجعية السيد محسن الحكيم الذي كان يتابع كل مناطق العراق وشؤون العمل فيها. إضافة إلى الاتصال فيما بين الخطباء أنفسهم وتبادل المعلومات حول المناطق التي يخطبون فيها ، والتعرف على سكانها وتوجهاتهم السياسية ومستوى الثقافة الإسلامية لديهم، ووجود وكلاء المرجعية من عدمه ومدى كفاءتهم.
 
وحول فتوى السيد محسن الحكيم بأن الشيوعية كفر وإلحاد يقول الصيمري بأنها ساهمت في إنهاء المد الشيوعي في العراق لأنهم وجدوا فيها الحماية لأنفسهم من الخوف والرعب والقتل والسحل الذي لم يكن مألوفاً من قبل. وحاول الشيوعيون الحد من تأثيرها باتهام الذين قدموا الاستفتاء بأنهم بعثيون، ليستفيدوا من هذا الاتهام ، ولمهاجمة المرجعية وعزلها عن الناس. ولكن هذه الكذبة لم تنطلي على أحد لأن الذي قدم الاستفتاء هو آية الله الشهيد السيد قاسم شبر.
 
المنبر الواعي
يعد الشيخ الصيمري من رعيل الرواد الذي سعوا لتخليص المنبر الحسيني من الشوائب والخرافات ، والتأكيد على ترسيخ الوعي والفكر والعلم. فالصيمري يرى آن منهج المنبر الحسيني يجب أن يسير على النحو الآتي:
١-فتح أبواب القواسم المشتركة بيننا وبين أصحاب المعتقدات الأخرى. وإذا كنا قد اختلفنا معهم في الدين فلنحافظ على باب المشاركة في الخلق، وأن نطلعهم على ديننا من خلال الحوار والمناقشة بالكلمة الطيبة.
٢- الالتزام العملي والسلوك الديني وهو أفضل أسلوب يطلع غير المسلمين من خلاله على الإسلام.
٣- احترام الرأي الآخر ومعنى ذلك أن تعترف بوجود رأي آخر لا الايمان به، ليتسنى لك معرفته والاطلاع عليه ومناقشته بشكل هادئ.
٤- اجتناب مواجهة أصحاب المعتقدات والأفكار بالهجوم على معتقداتهم والطعن بأفكارهم وتكفيرهم، لأن مواجهة من يخالفنا بهذا الأسلوب لن يبق لنا شيئاً بيننا وبينهم نتحاور عليه، ونجعل منهم أعداء لنا.
٥- يجب تبني خطاب إسلامي واضح يخاطبون به كل الشعوب من أجل كشف التضليل الإعلامي الغربي واتهاب كل فعل إسلامي بأنه إرهاب.
 
 
ارتداء العمامة وجولات في المدن الشيعية
حتى عام ١٩٦٢ كان الشيخ الصيمري يرتدي العقال والشماغ حتى جاءته دعوة من أهالي مدينة القرن يطلبون منه تولي مجالس الوعظ والتوجيه في شهر رمضان في مسجد جيتا الكبير. وعندما علم آية الله الشيخ مرتضى آل ياسين أرسل عليه وقال له : حكمت عليك أن تطالع أهل القرنة بعمتك البيضاء في شهر رمضان. فاستجاب له وذهب إلى السيد الحكيم الذي استقبله بأبوته وحنانه وشرفه بالعمة والدعاء.
 
بعد نجاحه في القرنة والمدينة والبصرة صار الصيمري يتجول في المدن الشيعية لإلقاء محاضرات ومجالس حسينية فزار العمارة وقلعة صالح والمجر الكبير وسوق الشيوخ والناصرية والديوانية والرميثة والبطحاء والخضر والنجف الأشرف والكوفة وطويريج وكربلاء وبغداد والشعلة والكاظمية والحلة والزبير والنعمانية والحيرة وغماس والحمزة الشرقي. كما انفتحت أمامه آفاق الخارج فزار البحرين والقطيف والكويت ولبنان وسوريا.
وبعدما هاجر إلى إيران حاضر في مدنها التي يقطنها عرب، أو يقيم فيها عراقيون مثل قم ومشهد ويزد وأصفهان وكاشان وطهران ودولت آباد وإنديمشك وآراك والأهواز والمحمرة وعبادان.
 
معارض سياسي في السجن
منذ عام ١٩٧٠ شن النظام البعثي حملة اعتقالات ضد كوادر الحركة الإسلامية شملت قادة في حزب الدعوة الإسلامية كالحاج عبد الصاحب دخيل الذي أذيب جسده بحامض التيزاب عام ١٩٧١ . وبعد شهر اعتقل السيد حسن شبر في ٢٦ تشرين الأول ١٩٧١ وأخذ إلى سجن قصر النهاية ومورست معه شتى صنوف التعذيب لكنه لم يعترف فأطلق سراحه في ٣٠ كانون الثاني ١٩٧٢.  
في عام ١٩٧٢شن النظام حملة اعتقالات طالت السيد محمد باقر الصدر ، لكن بسبب تدهور حالته الصحية تم إطلاق سراحه. وكان من بين المعتقلين الحاج محمد صالح الاديب ، وهو أحد مؤسسي حزب الدعوة، والشيخ عارف البصري ، فيما غادر القيادي محمد هادي السبيتي إلى لبنان ، وغادر الشيخ محمد مهدي الآصفي إلى الكويت.
 
في ١٤ تموز ١٩٧٢ تعرض الشيخ الصيمري للاعتقال في النجف الأشرف ثم نقل إلى مديرية الأمن العامة في بغداد ثم إلى سجن الفضيلية وحكم عليه بالسجن لسنة واحدة. وكان معه في السجن قرابة (٤٠٠) سجين. وفي ١٤ تموز ١٩٧٣ أفرج عنه وسافر إلى البصرة فالتقي صدفة بالشيخ عباس المظفر الذي رحب به ونصحه ( بترك المعارضة للنظام ، لأن ذلك العمل سياسي ، ونحن لا نتحمل العمل السياسي ، لأن الدولة متعسفة وقاسية وظالمة. وإذا كنت ترى عملك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإنهما واجبان كفائيان ويكفيك أمر غيرك). فأجابه الصيمري: يا سماحة شيخنا الجليل إذا تنحتنا أنا وأنت عن نصرة الإسلام والدفاع عن المسلمين ، وتخلينا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعن معارضة النظام القائم ن قسيكون ابتعادنا عن تحمل المسؤولية وعن التصدي لمعارضة النظام سنة لغيرنا ممن يروق لهم القعود عن مناصرة الحق والميل إلى نصرة الباطل المتمثل بالظالمين. وسيحاسبنا التاريخ وتلعننا الأمة بكل أجيالها المعاصرة والقادمة، وغداٍ لنا موقف بين يدي الله. وأضاف الصيمري: لماذا نلعن قاتلوا الحسين ع عند زيارته ونقول (لعن الله أمة قتلتلك ، ولعن الله أمة ظلمتك، ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به).
 
في ١٤ آب ١٩٧٤ مع مجموعة كبيرة من بينهم الشيخ عارف البصري، ثم أفرج عنه عام ١٩٧٨ فلم يبق طويلا لأنه تعرض لما يشبه إقامة جبرية في منزله. في عام ١٩٧٩ قرر الشيخ الصيمري الهجرة إلى الكويت مشياً على الأقدام ثم التحقت به وزوجته أم جهاد. وهناك استقبله الشيخ محمد مهدي الآصفي.
في الكويت تعرض الشيخ الصيمري لمحاولة اختطاف من قبل السفارة العراقية . وكان قد سبقه السيد عبد المنعم الشوكي الذي تم اختطافه وانمحت أخباره. فاضطر الصيمري لمغادرة الكويت متوجهاً إلى إيران عام ١٩٨٠.
 
الهجرة إلى إيران
استقر في مدينة قم المقدسة وبقي فيها أحد عشر عاماً. وحدث أن معسكر الشهيد الصدر في مدينة الأهواز قد طلب من الشيخ الصيمري ليتولى الاشراف المعنوي والتربوي في المعسكر. وتصادف عند وصولهم إلى المعسكر ليلا أن تعرض لهجوم من قبل جماعات مناوئة للدولة لكن لم تحدث خسائر بشرية.
بدأ الشيخ الصيمرى بإلقاء محاضرات إسلامية وتربوية تساهم في ترسيخ الوعي الإسلامي الناضج. وقد وجد أن أهل الأهواز عرباً فصار يلقي بمحاضراته لهم مع العراقيين المقيمين هناك.
بادر الشيخ الصيمري إلى تأسيس حوزة علمية لتدريس المقاتلين مبادئ العلوم الإسلامية كالفقه والأصول والتفسير والمنطق والنحو. الأمر الذي خلق جواً روحياً في نفوس الشباب ، وراح كثير منهم يحي الليل بالعبادة وقراءة القرآن وصلاة الليل. وقد تأهل بعضهم فيما بعد لدخول الحوزة العلمية في قم ، بعما تم الاستيلاء على المعسكر من قبل الحرس الثوري الإيراني. فغادروا المعسكر وعاد كثير منهم إلى قم وغيرها من المدن. وقد انقسموا قسمين للدراسة: الأول من كانوا قد درسوا في النجف الأشرف فتأسست لهم حوزة (  عشرة الفجر). والصنف الثاني الذي بدأ دراساته في المعسكر فدخلوا (حوزة الشهيد الصدر). واختار بعضهم الالتحاق بالحوزة الحرة. وقد وفق بعضهم حتى وصل مرحلة البحث الخارج وصاروا من الفضلاء.
 
جماعة العلماء المجاهدين في العراق
في ايران واصل الشيخ الصيمري نشاطه في (جماعة العلماء المجاهدين في العراق) التي تأسست في النجف عام ١٩٥٧ من قبل عدد من العلماء على رأسهم الشيخ مرتضى آل ياسين وبدعم المرجع السيد محسن الحكيم. وأصدرت مجلة (الأضواء) التي كان يكتب افتتاحيتها السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد حسين فضل الله. استمرت الجماعة بالعمل حتى عام ١٩٧٠ عندما بدأت المواجهة بين نظام البعث والحوزة العلمية والمرجعية الدينية. في ذلك العام بدأ حزب البعث بتهجير فئات شيعية بتهمة الأصل الإيراني ومنهم كوادر حوزوية. بعد توافد تجمع الكوادر الإسلامية العراقية في ايران بعد عام ١٩٧٩  أعيد تشكيل جماعة العلماء في مدينة قم ، وأضيف إليها كلمة (المجاهدين). وبحسب الشيخ الصيمري فإن (البعض من العلماء حاولوا أن يجعلوا منها واجهة سياسية ، ورفض آخرون بقصد جعلها جمعية علمائية توجه العمل السياسي لا أن تكون واجهة له ، فانسحب القسم الأول واستمر القسم الثاني). وكان الصيمري من القسم الثاني حيث استمر بنشاطات الحوزة وتقديم الخدمات المتاحة. كما كان يتابع شؤون الجالية العراقية في أنحاء إيران وإرسال مبلغين اسبوعياً أو موسميا إلى تجمعاتهم حسب قربهم من قم المقدسة. وكان المسؤول عن التبليغ والمبلغين هو الشيخ هاني الثامر بالمعروف بالغفاري. وكانت الجماعة تدار من قبل لجنة إدارية تفرز عن طريق الانتخاب. ولما بدأت الهجرة المعاكسة من إيران إلى بلدان العالم الأخرى تقلص عدد العلماء والكوادر ، فتحمل الشيخ محمد باقر الناصري مسؤولية الإدارة والأمانة. فحمل الناصري الأمانة بهمة وعمل دؤوب فكان يتابع الجاليات العراقية المقيمة في أوربا وأمريكا وآسيا وأفريقيا وأستراليا. وكان يزوروها رغم بعد السفر وشيخوخته.
 
الهجرة إلى كندا
لم يمكث الشيخ الصيمري طويلا في إيران فسافر إلى سوريا وبقي فيها مدة من الزمن شارك خلالها في تأسيس حسينية في حي السيدة زينب ع تكون مكاناً لإقامة الشعائر والنشاطات والدروس والمحاضرات ، وتكون مقراً لجماعة العلماء المجاهدين في العراق، ومسكناً لطلاب الحوزة العلمية ومكتبة وقاعة للمطالعة والمحاضرات.
 
في الثاني من نيسان عام ١٩٩٠ هاجر الشيخ الصيمري ومعه زوجته وابنته إلى كندا استجابة لدعوة من إخوته وأولادهم في مونتريال. وصل إلى المطار فذهب إلى قاعة اللاجئين ليقدم طلب اللجوء مباشرة. بعد إجراء التحقيق في المطار خرج منه حيث تم استقباله من قبل أقاربه وأصدقائه.
كانت الوقت في شهر رمضان ، وكانت أول مناسبة يحاضر فيها الشيخ الصيمري ذكرى شهادة الامام علي (ع) بحضور عراقي ولبناني. وينقل الصيمري أنه بعد انتهاء المجلس ، وكان الجو ممطراً ، شاهد في الشارع جماعات يحملون مظلات ويضربون ظهورهم بالسلاسل !! فتساءل : هل ما أشاهده مواكب عزاء للامام علي (ع) ؟ فجاءه الجواب: كلا ، هؤلاء ليسوا شيعة ، وليست هذه مواكب عزاء ، لكن هؤلاء مسيحيون يخرجون في يوم (الجمعة الحزينة) حيث يعتقدون أن المسيح (ع) قد صلب فيها.
 
لم يكن الشيخ الصيمري ليستقر في مكان واحد ، ولا في مدينة واحدة. لذلك صار يلبي دعوات العراقيين واللبنانيين المقيمين في أنحاء كندا، وهي بلد كبير مترامي الأطراف ، والسفر بين مدنها يحتاج لركوب الطائرات . فالسفرة من تورنتو إلى فانكوفر تستغرق أربع ساعات وهكذا. سافر الصيمري إلى فانكوفر ليلقي محاضرات ودروس خلال عشرة أيام. وهناك دعاه لبنانيون لزيارة مدينة فكتوريا مركز مقاطعة برتش كولومبيا. ركب الشيخ في سيارة التي انطلقت نحو الميناء لتدخل في سفينة ضخمة يمكنها نقل عشرات السيارات . أما المسافرون فيصعدون في الطابق الأعلى ليجدوا هناك مطاعم ومقاهي ومحال تجارية وصالات للاستراحة. ويتذكر الشيخ الصيمري كيف أن سيدة كندية طلبت منه الإجابة على بعض اسئلتها المتعلقة بتعاليم الإسلام مثل نظرة الإسلام للمرأة وعدم مصافحة الرجل للمرأة ومنع زواج المسلمة بغير المسلم. فشرح لها الشيخ ، عبر صاحبه الذي يجيد الترجمة ، بإجابات تفصيلية ، ثم شكرته ، وتوثقت العلاقة معها.
 
تجارب متواصلة في تأسيس مراكز اسلامية
استقر الشيخ الصيمري وعائلته في مدينة تورنتو الصناعية بناء على رغبة العراقيين المقيمين فيها. وكان الشيخ محمد مهدي الناصري قد بقي في مونتريال. لم يكن الصيمري بالذي يقنع ويجلس في شقته في عمارات تكسيدو لكنه صار يدور من بيت إلي بيت محاضراً ومبلغاً ومجيباً على أسئلة أبناء الجاليتين العراقية واللبنانية. بعد عام على وصوله لكندا بدأ بتأسيس مركز إسلامي (مركز المصطفى) بدعم أحد التجار. كان المركز منارة للعمل والنشاط الإسلامي للرجال والنساء ، وتعليم الأولاد في عطلة نهاية الأسبوع. لم يمض سوى عام حتى بدأت المشاكل والواشون لينتهي أمر المركز.
سرعان ما اتفق بعض المؤمنين في المنطقة يرأسهم المرحوم الدكتور صلاح جواد شبر على استئجار مكان آخر. وبدأوا بتسجيل أسماء المشتركين من عراقيين ولبنانيين لكن بعد أشهر قليلة تقلص عدد المتبرعين فانتهى أمر الحسينية أيضاً.
 
واصل الصيمري الاتصال بشخصيات عراقية أخرى واتفق معهم على شراء مبنى في شارع (سن رايز) وتم تأسيس (مسجد الرسول الأعظم) ليكون منطلقاً للنشاطات الدينية وليست السياسية. وقد ارتأي الشيخ الصيمري عدم تعلق صور الشخصيات الدينية والشخصية على جدران المسجد. وكان المتبرع الحاج محمد علي (أبو عارف) قد اشترط عدم العمل السياسي من خلال المسجد ، وعدم التهجم السياسي على حركة أو حزب. أما المناسبات السياسية فيمكن استئجار قاعة في كل مناسبة، وهو يتكفل بدفع نصف إيجار القاعة. وأن المهم هو المحافظة ديننا وأخلاقنا وشبابنا ونساءنا وأولادنا ، وتدريس تعاليم الإسلام وسيرة أهل البيت (ع). لم يكن الجميع على ذلك التوجه لأن قسم أصر على إقامة مناسباتهم في المسجد. وتعرض الشيخ الصيمري للاتهامات وتمزق الصف وكثر البهتان حتى صار الأخوة أعداءً. الامر الذي جعل سماحته يغادر مدينة تورنتو كلها متوجهاً إلى مدينة لندن أونتاريو. في ٢٩ آب ١٩٩٧ انتقل الشيخ الصيمري إلى لندن أونتاريو حيث أعد له حفل توديع في تورنتوا من قبل الأصدقاء والمحبين. شعر أهالي تورنتو بالفراغ الذي تركه الصيمري وعادوا للاتصال به من أجل عودته إليها لكنها رفض العودة ، وبقي على اتصال بهم في المناسبات الدينية والاجتماعية.
 
نشط الشيخ الصيمري في لندن أونتاريو مع الجالية العراقية هناك. وأمل عمل سعى إليه هو تأسيس جامع أو حسينية في مبنى ملك للجالية ليوفر مناخاً للعمل الإسلامي وإحياء المناسبات الإسلامية والتربوية. في شهر أيلول ١٩٩٧ بدأت الجمعية المؤسسة (رابطة الامام المهدي المنتظر) لهذا الغرض بجمع التبرعات من المحسنين والمهاجرين عراقيين وغير عراقيين. وحدثت اتصالات مع محسنين في السعودية ومكتب السيد السيستاني في إيران لكن لم تكتب لها النجاح في شراء مبنى للمركز الإسلامي. ومع كل تلك المعوقات بقيت الرابطة تمارس نشاطاتها الإسلامية والتربوية.
 
العودة لأرض الوطن
تزوج عام ١٩٦٥ في عيد مولد الرسول (ص) في ١٧ ربيع الأول في مدينة البصرة. رزق ببنت واحدة (إيمان)، فقام بتربية ابن شقيقة زوجته (جهاد حبيب الصيمري) فعرفت كنيتة الشيخ به فيقال أبو جهاد الصيمري.
في آب ٢٠٠٥ عاد الشيخ الصيمري وعائلته إلى البصرة ، وعاش في منزله الذي بناه عام ١٩٦٠. هذا البيت الذي شهد أول حلقة للدعاة في البصرة كان يحضرها الشيخ عارف البصري والسيد هاشم الموسوي (أبو عقيل) والسيد علي الموسوي شقيق السيد هاشم وآخرون. وكان الشيخ الصيمري يسمي منزل بدار الأرقم. عاد الشيخ إلى نشاطه بين أهله وأحبائه ومريديه فكان إمام مسجد الامام موسى بن جعفر (ع) في محلة المشراق بالبصرة. وقد تعرض لمحاولة اغتيال بسبب ظروف البصرة المتوترة لكن الله نجاه منها.
وبعد وفاته قامت السيدة أم جهاد بترميم البيت وفتحت بعض الغرف على بعضها لتكون قاعة صف كبيرة لتدريس البراعم وتحتضن السيدات ومجالس العزاء.
 
لقائي بالشيخ الصيمري
في عام ٢٠٠٨ كلفت بإدارة الحملة الانتخابية لائتلاف دولة القانون لخوض انتخابات مجالس المحافظات لعام ٢٠٠٩. وكانت مهامي تتطلب زيارة اللجان الانتخابية الفرعية في المحافظات. فكنت أزور المحافظات والتقي بأعضاء اللجان وأعطي توجيهات والتعرف على مشاكل كل محافظة على حدة.
وزرت محافظة البصرة لعدة أيام حيث كنت أبيت في القصور الرئاسية لتوفر الحماية خاصة بعد الاشتباكات المسلحة في نيسان ٢٠٠٨ مع بعض الجماعات.
وكان بودي زيارة سماحته نظراً لطول الفترة حيث كنت أراه في بعض المناسبات واللقاءات في الحج أو في غيره. في ١٢ أيلول ٢٠٠٨ زرت الشيخ الصيمري بمعية بعض الأصدقاء من أهالي البصري. استقبلنا كعادته بترحاب وسرور وجلسنا نتبادل أطراف الحديث ونتذكر تلك الأيام الخوالي وسنوات الهجرة في إيران وسوريا وكندا، وعن الأوضاع السياسية بعد سقوط نظام صدام.
وعندما حان وقت صلاة الظهر ووقفنا خلف سماحته أصر عليّ أن أتقدم وهو يصلي خلفي. رفضت بشدة لمكانة الشيخ وجهاده وعلمه وورعه وسنه، لكنه أصر بشدة معتذراً بأنه سيصلي جالسا. عندها أقمت الصلاة بالحاضرين. وهذه أول التفاتة يقوم بها شخص بمنزلة الصيمري ويقدمني للصلاة أمامه.
بعد ذلك جاء سماحته بنسخة من مذكراته بعنوان (من ذاكرة الزمن) وكتب الاهداء بخط يده الكريمة.
 
وفاته
في يوم الاربعاء ٢٦ تشرين الأول ٢٠١١ توفي الشيخ مجيد الصيمري في البصرة . وجرت له مراسم تشييع من مسجد الرضا (ع) بعد الصلاة عليه بحضور المئات من أهالي البصرة وجمع من العلماء وتلامذة الشيخ الفقيد الذين عرفوا جهاده وصموده وصلابته في الله. ثم نقل جثمانه إلى النجف الأشرف في اليوم التالي حيث وري الثرى ليرجع إلى ربه راضياً مرضياً ويدخل في عباد الرحمن وجنته الخالدة بإذن الله.
وقد أصدرت جهات وشخصيات دينية وسياسية يعزون بها رحيل الصيمري عن دار الفناء.

أخر الأخبار