• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

عراقيون يستغيثون من جبهات روسيا وأوكرانيا: أعيدونا .. “لماذا ذهبوا؟ من أرسلهم؟

عراقيون يستغيثون من جبهات روسيا وأوكرانيا: أعيدونا .. “لماذا ذهبوا؟ من أرسلهم؟

  • أمس, 22:47
  • تقاير ومقابلات
  • 10 مشاهدة
"Today News": متابعة 


في زمنٍ تتداخل فيه خطوط الحرب والسياسة، يتحول العراقيون من ضحايا لصراعات داخلية إلى وقود لصراع خارجي بعيد عن حدود بلادهم. من موسكو إلى دونباس، ومن بغداد إلى النجف، يمتدّ خيط واحد يربط بين الفقر والاحتيال والتجنيد الممنهج، في حربٍ ليست للعراق فيها مصلحة ولا موقف، لكنها تكشف هشاشة الواقع الاقتصادي والأمني الذي جعل شباباً عراقيين يبحثون عن المال ولو في جبهات الموت.

يقول النائب عامر الفايز، عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية، في حديثٍ لـه ، إنّ “انخراط بعض الشباب العراقي في الحرب الروسية الأوكرانية جاء نتيجة إغراءات مالية، وتم بمحض إرادتهم وليس نتيجة ضغوط من أي جهة”.

ويضيف أنّ “من يرغب منهم بالعودة يمكنه التقديم بطلب رسمي إلى السفارة العراقية في موسكو، التي ستتولى متابعة ملفاتهم وتقديم المساعدة اللازمة وفق السياقات القانونية”.

ويؤكد الفايز أن “أعداد العراقيين المشاركين محدودة جداً، بخلاف ما يُتداول في وسائل الإعلام التي تبالغ بالأرقام”، لكنه يعترف باحتمالية “وجود أذرع غير معلنة داخل العراق قد تسهم في تشجيع بعض الشباب على الانخراط في الحرب الروسية – الأوكرانية، وربما تكون مرتبطة بجهات خارجية، إلا أن ذلك يبقى غير مثبت رسمياً”.

رغم أن النائب الفايز يقلل من حجم المشاركة، فإن تقارير صحفية تشير إلى أن ما لا يقل عن خمسة آلاف عراقي جُنّدوا منذ عام 2022 عبر وسطاء وشركات وهمية في بغداد والبصرة والنجف.

أما Amwaj Media فتؤكد أن بعضهم جرى استدراجهم بعقود “وظائف مدنية في روسيا” قبل أن يُجبروا على القتال. وفي المقابل، يقول السفير الروسي في بغداد إن الأعداد “لا تتجاوز العشرات”، نافياً وجود تجنيد رسمي أو عقود صادرة عن الجيش الروسي.

التصريحات الرسمية تُحاول رسم صورةٍ قانونية هادئة، لكنها لا تُخفي حجم القلق المتصاعد داخل الأوساط السياسية من احتمال توسع الظاهرة وتحولها إلى مسار منظم تديره شبكات تجنيد غير مشروعة.

على بعد آلاف الكيلومترات من بغداد، وثّقت صحيفة عكاظ السعودية نداءات لمقاتلين عراقيين يقاتلون في صفوف الجيش الروسي داخل الأراضي الأوكرانية، ناشدوا فيها إعادتهم إلى البلاد بعد أن وجدوا أنفسهم “محاصرين ومقطوعي التواصل”، دون أي استجابة رسمية حتى الآن.

وبحسب الصحيفة، فإن هؤلاء الشبان كانوا قد سافروا بعقود “عمل” أو “هجرة” عبر وسطاء محليين، لكنهم أُرسلوا لاحقاً إلى خطوط النار بعد سحب جوازاتهم ووثائقهم. بعضهم قال إنّه لم يتلقَّ الرواتب الموعودة، وآخرون تحدّثوا عن معاملة أقرب إلى الأسر، لا إلى التجنيد الطوعي.

ورغم انتشار هذه المناشدات على نطاقٍ واسع، التزمت الحكومة العراقية الصمت، مكتفية بالحديث عن “إرادة شخصية” و“دوافع مالية”، ما أثار موجة استياء داخل الأوساط الحقوقية والإعلامية التي طالبت بتحقيق رسمي في ظروف سفرهم وتجنيدهم.

اللواء المتقاعد جواد الدهلكي كشف في حديث له ، بعداً أعمق للقضية، قائلاً إنّ “منظمة فاغنر الروسية قامت بتجنيد شباب عراقيين وإرسالهم إلى جبهات القتال هناك كوقود بشرية، بعد إغرائهم بالمال والجنس ومنح الإقامة”.

ويضيف أنّ “الظاهرة لم تعد مجرد استغلال اقتصادي بل تحولت إلى توظيف سياسي وأمني، تُستخدم فيه الفئات الهشة كأدوات في نزاعات دولية”.

ما أورده الدهلكي يتقاطع مع تقارير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) التي حذّرت من تضاعف ظاهرة تجنيد المرتزقة عبر الإنترنت منذ عام 2020، خصوصاً عبر الدارك ويب، حيث يتم استقطاب الشباب عبر قنوات مجهولة تقدم وعوداً مالية مغرية، ليجدوا أنفسهم لاحقاً في مناطق نزاع مثل ليبيا وسوريا وأوكرانيا. وتشير التقديرات إلى أن العراق، بحكم هشاشة مؤسساته الأمنية والاجتماعية وارتفاع البطالة بين الشباب، يُعدّ بيئة خصبة لهذه الأنشطة.

في أيلول الماضي، أصدرت محكمة في النجف حكماً بالسجن المؤبد على مواطن عراقي بتهمة “تجنيد وإرسال مقاتلين لصالح روسيا”، في سابقة اعتبرها المراقبون تحولاً جذرياً في التعاطي مع الظاهرة، حيث صنّفتها المحكمة ضمن جرائم الاتجار بالبشر لا كأفعال فردية. هذا القرار يُظهر أن الدولة بدأت تنظر إلى الملف من زاوية أمنية شاملة، إذ إن تجنيد المواطنين في صراعات خارجية يهدد ليس فقط القانون، بل السيادة الوطنية نفسها.

وفي تطوّر لافت، كشفت مصادر أوروبية مطّلعة أن عدة دول في الاتحاد الأوروبي فتحت تحقيقات بشأن تورط نائب عراقي في عمليات تجنيد مشبوهة يُشتبه بأنها كانت واجهة لعمليات غسيل أموال وتمويل غير مشروع مرتبطة بالحرب الروسية – الأوكرانية.

وبحسب التسريبات، فإن التحقيقات تُركّز على تحويلات مالية نُفّذت عبر شركات في أوروبا الشرقية يُعتقد أنها مملوكة لوسطاء على صلة بالنائب المذكور، وأن بعض هذه التحويلات استُخدمت لتغطية نفقات سفر وتجنيد لمقاتلين أجانب بينهم عراقيون.

ورغم غياب رد رسمي من بغداد، إلا أن هذه التطورات تُشير إلى انتقال الملف من نطاقه المحلي إلى مستوى دولي تتقاطع فيه القوانين الأوروبية والعلاقات الدبلوماسية العراقية.

الملف لم يعد إنسانياً أو قانونياً فحسب، بل اكتسب بُعداً سياسياً ودبلوماسياً حساساً. فمشاركة عراقيين في حربٍ تخوضها روسيا تضع بغداد في موضع حرج بين موسكو وواشنطن، خصوصاً أن الإدارة الأمريكية تضغط على الحكومات لمنع رعاياها من القتال إلى جانب القوات الروسية.

كما يثير الملف مخاوف أمنية داخلية، إذ قد يعود بعض هؤلاء المقاتلين بخبرات قتالية متقدمة أو ارتباطات خارجية، ما يجعلهم عنصراً خطراً في المشهد العراقي الهش.

اقتصادياً، يكشف الملف عن جانب أكثر إيلاماً: فالعروض المالية التي أغرت الشباب بالقتال في الخارج، هي ذاتها التي لم تقدّمها الدولة لهم في الداخل. كثيرون منهم رأوا في الحرب “وظيفة مؤقتة”، بينما عجزت مؤسسات الدولة عن توفير بدائل اقتصادية أو فرص عمل تحفظ كرامتهم.

الظاهرة التي بدأت كقضية فردية لشباب يسافرون بحثاً عن المال، تحوّلت إلى ملف أمني دولي يتقاطع فيه التجنيد غير المشروع مع شبكات الاتجار بالبشر وغسيل الأموال.

فمنظمة فاغنر، ووسطاء المال، وشبكات التوظيف الإلكترونية، كلها خيوط تمتد نحو أرضٍ عراقية تعاني هشاشة الاقتصاد وضعف الرقابة. ومع دخول العواصم الأوروبية على خط التحقيق، يصبح السؤال أكبر من “لماذا ذهبوا؟” إلى “من أرسلهم؟” و”من استفاد؟”.

الجواب لم يأتِ بعد، لكن ما يجري يضع العراق أمام اختبارٍ جديد في قدرته على حماية شبابه من حروبٍ لا تخصه، ومن أسواقٍ تُتاجر بدمائه على أكثر من جبهة.

أخر الأخبار