بحث علمي للدكتور الحلي بعنوان : كرامة المرأة .. بين التوعية الصحية والاستغلال التجاري
- اليوم, 13:30
- العراق
- 15 مشاهدة
"Today News": بغداد
قدم الأمين العام لمؤسسة حقوق الإنسان الدكتور وليد الحلي بحثه حول "تشرين الوردي والكرامة الموعودة- ازدواجية الاهتمام العالمي بصحة المرأة واستغلال حقوقها" في الندوة التي عقدت في جامعة الهادي ببغداد حول "سرطان الثدي" في يوم الأحد 19 تشرين الأول 2025.
وبين الحلي في بحثه إن قضايا المرأة الصحية، وعلى رأسها التوعية بمرض سرطان الثدي، هي من أبرز اهتمامات العالم في شهر تشرين الأول، المعروف بـ "تشرين الوردي" وُلدت في الأصل لهدف نبيل، هو نشر الوعي، ودعم الأبحاث، وإنقاذ الأرواح النسائية من المرض، ولكنه فقد إنسانيته باستغلاله المرض تجاريا.
أهم النقاط التي ذكرها الدكتور الحلي في الندوة نذكر ما يلي:
أولا: التوعية بين النبل والانحراف:
لقد نجحت الجهود الطبية في تسليط الضوء على أهمية التشخيص المبكر ودعم العلاج، وهو هدفٌ إنساني نبيل يستحق كل تقدير. غير أنّ هذا الهدف السامي انحرف في العقود الأخيرة عن مساره، فتحوّل إلى فرصة تسويقية تتخذ من المرأة وسيلة للدعاية والربح، وتستبدل كرامتها بالسلعة، وقضيتها الإنسانية بالموضة.
الإشكالية الجوهرية اليوم هي أن قضايا المرأة الصحية، وحقوقها الأساسية، أُخرجت من سياقها الإنساني القيمي، وأصبحت مادة خام للتسويق التجاري، تشئ جسد المرأة، وتُقلّل من قيمتها الذاتية والروحية.
ثانيا: الازدواجية الأخلاقية في الخطاب التوعوي:
لقد أصبح الشريط الوردي شعاراً تجارياً تتسابق الشركات على وضعه على منتجاتها، من أدوات التجميل إلى الأطعمة والمشروبات، بحجة دعم التوعية. لكن الحقيقة المؤلمة أن هذا “الدعم” كثيراً ما يُخفي استغلالاً دعائياً بأسم المعاناة، فيُقدَّم جسد المرأة كوسيلة إعلانية تُختزل فيها قيمتها في الجمال والمظهر لا في الإيمان أو الرسالة.
يتجلى ذلك في الخطاب الإعلاني الذي يربط الوقاية بـالحفاظ على الجمال” أو “الخوف من فقدان الأنوثة”، عوضا عن “الحفاظ على الحياة والكرامة”. وهكذا يتحوّل الوعي الصحي إلى صناعة استهلاكية، تُنتج صوراً تُغري الغرائز أكثر مما تُغذي الفكر أو القيم.
هذا الانحراف يُفرّغ مفهوم “تمكين المرأة” من محتواه الحقيقي، فيجعلها ضحية تسليعٍ جديدٍ باسم الحرية والجرأة، بينما جوهر الحملات يضعف الحياء الفطري، ويشيّئ المرأة كأداة عرضٍ لا كإنسانة صاحبة رسالة.
ثالثا: الرؤية الإسلامية: كرامة تُصان لا تُستغل
جاء الإسلام برسالة واضحة في صون كرامة الإنسان، رجلاً كان أم امرأة، قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ الإسراء: 70، وهذه الكرامة ليست شعاراً نظرياً، بل تشريعٌ إلهيّ يحمي الجسد والروح معاً. فالمرأة في التصور الإسلامي مكرّمة بذاتها، شريكة في بناء الحضارة، لا تابعة ولا وسيلة متعة فحسب. قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13].
فالتقوى لا الجمال، والعمل لا الجسد، هو معيار الكرامة. ومن هنا، يجب أن تنطلق كل معالجة لقضايا المرأة من احترام إنسانيتها وصون عفتها، لا من استغلال ضعفها أو تسليع جسدها.
رابعا: الحلول الإسلامية لصون المرأة في التوعية الصحية نذكر:
1- فصل التوعية عن التسويق التجاري:
ينبغي على المؤسسات الصحية والخيرية أن تفصل بين الرسالة الإنسانية والمصالح التجارية، فلا يجوز ربط حملات السرطان بمنتجات تجميل أو أزياء أو أغذية فاخرة. فالربط بين المرض والدعاية يُفرغ الرسالة من معناها الأخلاقي، ويحوّلها إلى تجارة بالمعاناة.
2- الاحترام البصري والإعلامي للمرأة:
ينبغي إخضاع المحتوى الإعلامي لضوابط شرعية تحظر استخدام جسد المرأة كوسيلة تأثير بصري. المطلوب تقديم صور تعبّر عن الإيمان، الصبر، الأمومة، والرسالة، لا عن الجسد والزينة. ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: 31].
3- ترسيخ الحياء والعفة كجزء من الوقاية:
الحياء ليس ضعفاً، بل درعٌ نفسي وأخلاقي يحمي المرأة من الانكشاف، ويمنحها قوة داخلية تحفظ خصوصيتها. يمكن للتوعية الصحية أن تبنى على مفهوم الحياء لا على “الجرأة الإعلامية”، لأن الإسلام جعل الحياء جوهر الإيمان.
4- تمكين المرأة الرسالية في قيادة الحملات:
ينبغي أن تتولى النساء الواعيات قيادة الإعلام الصحي، ممن يملكن فهماً طبياً وإيماناً قيمياً، ليقدمن رسائل متوازنة تمزج بين العلم والعفاف، القوة والإيمان.
5-الحجاب: صيانة للكرامة لا تقييد للحرية
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ…﴾ الأحزاب: 59،
من أبرز ملامح الكرامة التي أرادها الإسلام للمرأة أن تعيشها، هو الحفاظ على عفتها وصيانتها من كل ما يُشوّه إنسانيتها، أو يُعرضها للابتذال. وكان الحجاب أحد أبرز التشريعات التي تهدف إلى ذلك، إذ ليس الحجاب مجرد غطاء للرأس والجسد، بل هو تعبير عن منظومة أخلاقية تقوم على الحياء والوقار والاحترام المتبادل.
كما قال عزّ وجلّ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا…﴾ النور: 31، ليكون الحجاب ساترًا لرأسها وجسدها ما عدا وجهها واليدين، حتى لا يستغلها البعض لتحويل المرأة إلى أداة تسويقية أو زينة استهلاكية تُختزل فيها شخصيتها.
إن الدعوات التي تنادي بتعرية المرأة باسم “الحرية” لا تهدف إلى تحريرها، بل إلى تفريغها من معناها الإنساني، وتحويلها إلى موضوع إغراء وتسليع. أما الإسلام، فارتقى بها لتكون كائناً حرًا في ضميره، فاعلاً في مجتمعه، مؤثراً في صناعة الحياة، محفوظ الكرامة والقدر.
6-المرأة صانعة القيم وحارسة الأخلاق:
قال الإمام علي (ع): “المرأة ريحانة وليست بقهرمانة.”
فهي ناعمة في جوهرها، قوية في رسالتها. الإسلام قدّمها كأمٍّ ومربية ومجاهدة وصانعة أجيال. التوعية الإسلامية يجب أن تُذكّرها بأن صحتها أمانة ورسالة، لا مجالاً للربح أو الزينة.
7-تشريعات ورقابة أخلاقية للإعلام الصحي:
ينبغي وضع ضوابط شرعية وإعلامية تمنع الترويج التجاري باسم “التوعية”، وتفرض الشفافية في التمويل، وتغرم الجهات التي تستخدم المرض في دعاياتها.
8-كرامة المرأة: فريضة
ربانية لا شعار
كرامة المرأة في الإسلام ليس شعارًا يُرفع، بل هي حقيقة تُعاش، وتشريع إلهي يضمن للمرأة إنسانيتها ودورها في بناء الحضارة. والمجتمعات التي تريد النهضة الحقيقية. تكرّم المرأة بعقلها وروحها وقيمها وعلمها.
تتجلى المرأة في حفظ جسدها من الابتذال، وعقلها من التهميش، وروحها من الإهانة. فالمرأة ليست جسداً يُعرض ولا سلعة تُباع، بل هي عمود الحياة وصانعة الأجيال. وإنقاذ جسدها من السرطان لا يكتمل إلا بإنقاذ روحها من التشييء، فكرامتها رسالة، واحترامها عبادة، وصونها مسؤولية أمةٍ بأكملها.
المرأة بعقلها وروحها وقيمها وعلمها. إن الاهتمام الصحي بالمرأة لا يكتمل إلا بصون كرامتها القيمية، لأن العناية بجسدها دون احترام روحها انتقاصٌ لإنسانيتها. فالرعاية الصحية حق إنساني شامل، لا يُسوّق ولا يُشترى، بل يُمنح بعدل ورحمة.
المكتب الأعلامي
مؤسسة حقوق الإنسان
20 تشرين الأول 2025