المبادئ القانونية والأخلاقية التي تهدف إلى حماية كرامة الإنسان
"Today News": بغداد
بسم الله الرحمن الرحيم
تُعدّ قيم حقوق الإنسان الأساس الذي تقوم عليه العدالة والسلام والتنمية في المجتمعات. وهي منظومة عالمية من المبادئ القانونية والأخلاقية التي تهدف إلى حماية كرامة كل إنسان دون تمييز.
وقد أكّد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 أن “الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية والثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم”.
ومع ذلك، فإن واقع العالم اليوم يكشف عن تحديات خطيرة تهدد هذه الحقوق، وتعرّض الإنسان لأشكال متعددة من القهر والعنف والانتهاك، بما يستوجب مراجعة شاملة لآليات الوقاية والحماية والمساءلة.
أولًا: مفهوم الوقاية في
سياق حقوق الإنسان
—————————-
الوقاية هي الركيزة الأساسية لحماية الحقوق قبل وقوع الانتهاكات.
وقد تبنّت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان هذا المفهوم ضمن استراتيجياتها الحديثة، باعتباره نهجًا يهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للنزاعات والانتهاكات، من خلال:
1.تعزيز سيادة القانون.
2.ضمان المساءلة وعدم الإفلات من العقاب.
3.إدماج حقوق الإنسان في السياسات العامة للدول.
4.رفع الوعي والتثقيف الحقوقي في المؤسسات التعليمية والإعلامية.
إن الوقاية تمثل انتقالًا من ردّ الفعل إلى الفعل الاستباقي، ومن الاكتفاء بالتقارير إلى بناء ثقافة حماية متجذّرة في التشريعات والممارسات اليومية.
ثانيًا: التحديات القائمة أمام
منظومة الحماية الدولية
———————————
رغم تطور النظام الدولي لحقوق الإنسان، إلا أن الواقع يُظهر ضعفًا في الالتزام والتنفيذ.
ومن أبرز التحديات القانونية والإنسانية:
1.استمرار النزاعات المسلحة والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، كما في فلسطين، وسوريا، واليمن، والسودان وغيرها من الدول .
2.ازدواجية المعايير الدولية، إذ تُطبّق القوانين بشكل انتقائي يخضع للمصالح السياسية لا للمبادئ القانونية.
3.الإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، نتيجة غياب الإرادة السياسية في تفعيل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
4.الانتهاكات غير المسلحة مثل الفقر الممنهج، والتمييز، والإقصاء، وحرمان الشعوب من حقوقها في التنمية والموارد، وهو ما يعدّ خرقًا للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
5.التدهور الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة الذي يمثل انتهاكًا صارخًا للمادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر العقاب الجماعي.
ثالثًا: الكيان الإسرائيلي
نموذجًا للانتهاكات الجسيمة
—————————————
إن ما جرى في قطاع غزة منذ عام 2023 يمثل جريمة إبادة جماعية وفقًا للمادة (2) من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، حيث استُهدفت البنية السكانية والمدنية على نحو ممنهج.
وقد أكدت محكمة العدل الدولية في قرارها الصادر في 26 كانون الثاني/يناير 2024، أن هناك أدلة معقولة على ارتكاب إسرائيل لأعمال إبادة جماعية، وألزمتها باتخاذ تدابير فورية لوقفها.
ومع ذلك، فإن استمرار العدوان والدعم الدولي الممنهج له يشكّل انتهاكًا لمبدأ عدم التواطؤ المنصوص عليه في المادة (1) من الاتفاقية ذاتها.
وهذا يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية قانونية وأخلاقية لوقف الجرائم، وضمان المساءلة والعدالة للضحايا.
رابعًا: الالتزامات الدولية
للدول والأمم المتحدة
——————————-
تتحمل الدول، بموجب العهدين الدوليين لعام 1966، مسؤولية احترام وحماية وإعمال حقوق الإنسان.
ويترتب على ذلك التزامات محددة تشمل:
1.احترام الحقوق بعدم
ارتكاب أي فعل ينتهكها.
2.الحماية بمنع الأطراف الأخرى من انتهاكها.
3.الإعمال باتخاذ التدابير التشريعية والإدارية لضمان تمتع جميع الأفراد بها فعليًا.
كما أن ميثاق الأمم المتحدة (المواد 1 و55 و56) يربط بين حفظ السلم الدولي واحترام حقوق الإنسان، مما يعني أن حماية حقوق الإنسان ليست خيارًا سياسيًا بل واجب قانوني دولي.
خامسًا: توصيات لتعزيز منظومة الوقاية والحماية
لتحقيق فعالية الوقاية من الانتهاكات وصون الكرامة الإنسانية، توصي هذه
الورقة بما يأتي:
1.تفعيل آليات الإنذار المبكر والرصد المستقل في الأمم المتحدة والمجالس الإقليمية.
2.دعم المحكمة الجنائية الدولية وتمكينها من مساءلة مرتكبي الجرائم الكبرى دون استثناء.
3.تضمين ثقافة حقوق الإنسان في التعليم والإعلام لبناء وعي مجتمعي رادع للانتهاكات.
4.وضع سياسات وطنية وقانونية شاملة لحماية الفئات الضعيفة واللاجئين والنساء والأطفال.
5.إلزام الدول الأعضاء بمبدأ الشفافية في التقارير الدورية أمام مجلس حقوق الإنسان.
6.إنشاء صندوق دولي للوقاية من الانتهاكات لدعم برامج التنمية وبناء القدرات في الدول المتأثرة بالنزاعات.
7- الإلتزام الأخلاقي والقانوني تجاه الإنسانية جمعاء.
إن الوقاية من انتهاكات حقوق الإنسان ليست مسؤولية مؤسساتية فحسب، بل هي التزام أخلاقي وقانوني تجاه الإنسانية جمعاء.
وحين تُسكت الأصوات عن الظلم، تُفقد العدالة معناها، ويُفتح الباب أمام تكرار الجرائم.
لذلك، فإن الواجب الإنساني يقتضي تحرير حقوق الإنسان من التسييس والازدواجية، وجعلها ميزانًا عالميًا موحدًا تُقاس به شرعية الأنظمة وسلوك الدول.
فالكرامة الإنسانية ليست امتيازًا يمنح، بل حقٌّ أصيل يجب صونه والدفاع عنه، لأنها جوهر وجود الإنسان وغايته.
الدكتور وليد الحلي
الأمين العام
مؤسسة حقوق الإنسان
14-10-2025.
اليوم, 11:39 آلاف الفلسطينيين يبحثون عن رفات أحبائهم بين الدمار
11-10-2025, 17:18 تفاصيل جديدة عن إقامة الأسد وعائلته في موسكو .. رفاهية بلا حدود
اليوم, 12:19 إنتخابات العراق بين صناديق الاقتراع والمال السياسي
إبراهيم العبادياليوم, 11:06 المبادئ القانونية والأخلاقية التي تهدف إلى حماية كرامة الإنسان
د. وليد الحليأمس, 12:25 نوبل التي فقدت نُبلها
د.رعدهادي جبارة9-10-2025, 16:51 الوقاية من انتهاكات حقوق الإنسان: حماية الكرامة الإنسانية قبل فوات الأوان
د. وليد الحلي