نوبل التي فقدت نُبلها
"Today News": متابعة
كانت جائزة نوبل للسلام تُمنح في بداياتها لشخصيات من الطراز الأول، لعبت دورًا متميزًا في خدمة السلام والحرية والعمل الإنساني، مثل نيلسون مانديلا، والأم تيريزا, ومارتن لوثر كينغ, وألبرت شوَيتزر.
إلا أن هذا البريق لم يدم طويلًا، إذ ما لبث أن تمخض الجبل فولد فأرًا، فصارت الجائزة تُهدى لمن لا يستحقها، من أمثال مناحيم بيغن، وشيرين عبادي، وتوكل كرمان، وآخرهم ماريا كورينا ماجادو التي ما إن مُنحت الجائزة حتى قدّمتها لعدو بلادها ترامب! لتكون مصداقًا للمثل المعروف: (وهبها من لا يملك، لمن لا يستحق).
■□غاندي ونوبل
ويعترف عدد من المديرين السابقين لهذه الجائزة بأمر بالغ الأهمية، هو أن نوبل للسلام لم تمنح جائزتها للمهاتما غاندي، رجل السلام العالمي، ونبي اللاعنف الإنساني في مواجهة عنف الاستعمار البريطاني.
لقد كان غاندي تجسيدًا للسلام، ورمزًا إنسانيًا خالصًا، ومع ذلك تجاهلته اللجنة تمامًا في حياته، حتى إذا ما توفّي عام 1948، عجزت عن منحه الجائزة بعد موته، لأن النظام الداخلي للجنة لا يجيز منحها بعد الوفاة.
وهكذا، بقي غاندي — الذي علّم العالم أن يقاوم الظلم بلا عنف — محرومًا من جائزة وُجدت أصلاً لتكريم دعاة السلام.
☆الدالاي لاما!!
لكن في عام 1989، مُنحت الجائزة إلى الراهب البوذي الدالاي لاما، زعيم حركة استقلال التبت، الذي أصبح بفضل الجائزة شخصية دولية معروفة، جال أكثر من ثمانين دولة للتعريف بحركته الانفصالية عن الصين.
فبات واضحًا أن هذا التقدير لم يكن إلا مطية لتنفيذ واحدة من الأجندات الغربية الرامية إلى العبث بوحدة الصين وتقييد صعودها السياسي والاقتصادي والصناعي.
☆بيغن؛إرهابي حائز على نوبل!!
وعندما مُنحت الجائزة لـمناحيم بيغن اندهش العالم،إذ كان الأخير معروفًا لدى سلطات الانتداب البريطاني في الأربعينيات كأحد مؤسسي التنظيمات الإرهابية الصهيونية التي ارتكبت عمليات تفجير وقتل بحق البريطانيين و الفلسطينيين على حد سواء، ومنها تفجير فندق الملك داوود، حتى رُصدت مكافأة مالية تبلغ 15.000جنيه استرليني لكل من يساعد في القبض عليه.
لم يتوقف ذلك الجزار ذو الأصول البولندية من أعمال القتل ضد الفلسطينيين، فأسس ميليشا "أرغون" الصهيونية التي شاركت مع فصيل "شتيرن" في مجزرة دير ياسين في أبريل-نيسان من عام 1948، حيث أُبيد أكثر من 250 فلسطينيًا ذبحًا وحرقًا.
وحين صار رئيسًا لوزراء إسرائيل، ارتكب جرائم أخرى مثل قصف المفاعل النووي العراقي في العام 1981 و اجتياح لبنان في العام 1982 وارتب خلالها مع ارييل شارون مجزرة صبرا وشاتيلا.
حتى الرئيس المصري أنور السادات الذي شاركه توقيع اتفاق "كامب ديفيد" لم يخفِ امتعاضه من تقاسم الجائزة معه، فقال [ كما نقل الكاتب أنيس منصور ]:
"لم أكن راغبًا في أن ينالها [بيغن] معي، كنت أفضّل أن أفوز بها وحدي، أو تُمنح لنا بطريقة لا تجمع بيننا في مجلس واحد."ولذلك فوّض السيد مرعي رئيس حزب الشعب المصري لاستلام الجائزة بدلاً عنه.
☆نوبل غدت بلا نبل!
لم يكن الكيميائي السويدي ألفريد نوبل، مخترع أصابع الديناميت، يدرك أن ابتكاره سيكون مدعاة لنشر الموت والدمار.
فحين قرأ نعيه خطأ في صحيفة فرنسية بعنوان "وفاة بائع الموت"! اهتزّ ضميره وقرر أن يُكفّر عن ذنبه،فور ارتكاب تلك الصحيفة خطأ إعلان موته بدل شقيقه الراحل، فطفق يحاول تطهير وتبيض سمعته التي تلطخت بالقتل،فآثر -في صحوة ضمير- أن ينشئ بعد موته من تركته البالغة250مليون دولار، جائزة خاصة لتكريم المبدعين في الطب و الكيمياء والفيزياء والأدب والسلام ؛ خدمةً لعبقرية الخير بدلًا من عبقرية الشر التي صنعت له الثروة والعار معًا واستحق بها صفة(تاجر الموت)!!.
لكن نوبل لم يكن يدري أن الجائزة التي أنشأها ستتحول لاحقًا إلى أداة مثيرة للجدل، تتقاذفها الأهواء السياسية والمعايير المزدوجة، تُمنح تارةً لمعارضي الدكتاتوريات وتارةً لمؤيديها، كما لو كان ثمة فرق بين دكتاتور ودكتاتور!
ومع مرورالوقت،وفي الظروف التي تتفجر النزاعات الدولية، غدت الجائزة مجرد مفرخة لصناعة رموز ثقافية تستعمل بدقة ساعة احترام الصراعات الدبلوماسية،وما الفائزون بها -بغض النظر عن نمط شخصياتهم- سوى أدوات تقود فيالق الرأي العام في حروب سرية ترتدي قبعةالأدب وربطة عنق الدبلوماسيين وجلباب دعاة السلام!!
إذن؛فجائزة نوبل لم تسلم من التسييس منذ بداياتها. ففي أول نسخة لها عام 1901 فاز بها كاتب فرنسي (برودوم)، الذي قد لا يعرفه كثيرون اليوم، بينما حُرم منها الكاتب الروسي العظيم ليو تولستوي [صاحب الروائع الكونية مثل"الحرب والسلم"و`أنا كارينينا` أن يتوج بها في عامها الثاني،لكنه انتظر انتظر سنوات طويلة رغم ترشيحه المتكرر بين عامي 1902 و1906،بشكل لاتبتعد كثيرا عن عملاق الأدب الروسي دوستو يفسكي، وكان المانع من تتويجه بها فقط لأسباب دينية وسياسية بسبب التوتر بين روسيا والسويد، آنذاك.
حتى أن الكاتب المرموق بروتون فيلدمان كتب عن جائزة نوبل للأدب قائلًا:
"إن الجائزة تُرى على نطاق واسع جائزة سياسية، جائزة نوبل للسلام متنكرة في زي أدبي."
وأثناء كتابتي لهذه السطور تذكرت الجائزة التي منحت للفنان عادل إمام في فيلمه الرائع [مرجان أحمد مرجان-2007) كشاعر مبدع!!! بالنظر لقصيدته (الحلزونة)! و ديوانه (السنونو)!من باب الشيء بالشيء يُذكر.
☆5رؤساءونواب نالوها:
وللعلم فقط،نذكر من فاز بالجائزة من الرؤساء ونواب الرؤساء الاميركيين،في حين خابت آمال ترامب في نيلها،وهم:
☆تيودورروزفلت(1906) أول رئيس امريكي يفوز بجائزة نوبل للسلام،حيث دخل تيودور روزفلت التاريخ كأول رئيس أمريكي (وأول أمريكي على الإطلاق) يفوز بجائزة نوبل للسلام عام 1906، تكريمًا لدوره في إنهاء الحرب الروسية – اليابانية (1904–1905) عبر وساطته التي أفضت إلى معاهدة بورتسموث.
☆وودروويلسون(1920):
تقديرًا لجهوده في إنهاء الحرب العالمية الأولى وتأسيس عصبة الأمم.
☆جيمي كارتر(2002):
عن جهوده في حل النزاعات الدولية، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة.
☆آل غور (نائب الرئيس، 2007):
في ضوءجهوده في نشر الوعي حول تغير المناخ و تثقيف العالم بمخاطره.
☆باراك حسين أوباما (2009):
نظرا لدوره في تعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب. وقد تبرع بجزء كبير من قيمة الجائزة لعدد من المؤسسات الخيرية.
طبعا ذكرنا ذلك، بغضّ النظر عن مدى استحقاقهم وجدارتهم لنيل الجائزة،من عدمه.
☆☆ النتيجة ☆☆
وأكاد أقول إن حمير غزة وبغالها أولى وأحق بنيل الجائزة من الطاغية ترامب الذي بقي طامعًا بنيلها، وهو بنفس الوقت يشحن (ليل نهار) مئات الآلاف من الأطنان من الصواريخ والقذائف والمقاتلات الحربية والقنابل الفتاكة التي صُنعت بأمريكا وأُعطيت لطغمة تل أبيب لكي تنشر الموت والدمار وتمزق بها أجساد أطفال غزة ونسائها، بيد النتن ياهو الذي عاث فسادًا في مدينة منكوبة بحيث لم يترك فيها جدارًا سليمًا أو سقفًا واحدًا يؤوي الأبرياء المجوّعين والمشردين، ومعظمهم من الأيتام والأرامل والهائمين على وجوههم بلا مأوى.
فالخيل والحمير والبغال — على الأقل — ساعدت أهل غزة وحملتهم في رحلة التشريد المتكرر وخففت من آلامهم، والقرآن يمدح دورها الكبير في حياة الإنسان فيقول عنها:
﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)
وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)
وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (7)
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)﴾ [النحل: 5–8]
فما رأيك أنت؟؟
د. رعد هادي جبارة
الباحث في العلاقات الدولية والدبلوماسي السابق
اليوم, 12:25 نوبل التي فقدت نُبلها
د.رعدهادي جبارة9-10-2025, 16:51 الوقاية من انتهاكات حقوق الإنسان: حماية الكرامة الإنسانية قبل فوات الأوان
د. وليد الحلي6-10-2025, 19:40 القرآن والسيرة ينظّمان حياتنا بين الفرح والحزن
د.رعدهادي جبارة6-10-2025, 10:34 جيل زد 212 المغربي .. نموذج الاحتجاج المعولم
إبراهيم العبادي