• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

مرور 57 عاماً.. انقلاب 8 شباط 1963: صفحة دموية من تاريخ بعث العراق

مرور 57 عاماً.. انقلاب 8 شباط 1963: صفحة دموية من تاريخ بعث العراق

  • 8-02-2020, 14:52
  • مقالات
  • 1390 مشاهدة
صلاح عبد الرزاق

في صبيحة منتصف شهر رمضان ، يوم الجمعة 14 رمضان الموافق 8 شباط 1963 أفاق العراقيون على بيان تذيعه الإذاعة العراقية يعلن فيه استلام حزب البعث العراقي السلطة والإطاحة بالزعيم عبد الكريم قاسم. لم يكن العراقيون على علم بأنهم سيمرون بزمن هو من أحلك الأزمنة التي مروا بها من قبل، لما تضمنه من عنف ودموية ووحشية وفوضى قام بها الحكام الجدد.

خلفيات الانقلاب                                                        
شهدت السنوات الخمس الأولى من عمر الجمهورية العراقية (منذ الاطاحة بالملكية في 14 تموز 1958) مجموعة من التطورات والتغيرات الكبيرة في المجتمع العراقي والدولة الجديدة، سياسياً واجتماعياً واقتصادية وثقافياً. فقد كانت فترة مليئة بالقرارات الثورية التي تخص الجماهير المسحوقة طول التاريخ، والمشاريع التنموية الجديدة. كما شهدت الساحة السياسية انفتاحاً لكنها شهدت مصادمات حادة وأحياناً دموية بين التيارات السياسية وخاصة بين حزب البعث العراقي والحزب الشيوعي العراقي.                                        
وكان عبد الكريم قاسم قد أصدر القانون رقم (80) الذي حدد بموجبه المناطق التي تنقب فيها شركات النفط الأجنبية في العراق، وأنشأ شركة النفط الوطنية، مما أثار غضب بريطانيا وأمريكا اللتان أخذتا تخططان للإطاحة به لأسباب كثيرة. فأعطت الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر للمخابرات الأمريكية بدعم البعثيين وإسقاط قاسم. يقول الملك حسين (إنني أعلم بكل تأكيد بأن ما حدث في العراق يوم 8 شباط 1963 كان بدعم المخابرات الأمريكية CIA. لقد عقدت عدة لقاءات بين حزب البعث والمخابرات الأمريكية، ومنها اجتماعات عقدت في الكويت). وكان علي صالح السعدي أحد رموز الانقلاب يصرح أمام الصحافة اللبنانية (لقد جئنا إلى السلطة بقطار أمريكي).
وكشفت وثائق وزارة الخارجية البريطانية عن التوجه الغربي لدعم انقلاب بعث العراق. ففي برقية سرية مرسلة من السفارة البريطانية في بغداد إلى لندن مؤرخة في 28/1/1963 ، أي قبل عشرة أيام من الانقلاب، أن روي ملبورن القائم بأعمال الولايات المتحدة قال للسفير البريطاني (أن وزارة الخارجية [الأمريكية] تفكر أنه حان الوقت لترد على تهجم قاسم المستمر.. وأن الوقت قد حان للبدء في بناء رصيد مع معارضي قاسم، من أجل اليوم الذي سيحدث فيه تغيير في الحكومة في بغداد).
وتكشف برقية من السفارة البريطانية في واشنطن إلى وزارة الخارجية يوم 8/2/1963 أن مدير قسم الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأمريكية السيد سترونغ قال (إن انقلاب 8 شباط لو أنتج نظاماً ذا طبيعة بعثية، فإن سياساته سوف تكون مقبولة على الأرجح من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وأن هناك فوائد من الاعتراف المبكر [بحكومة الانقلاب]، ولكنهم سوف يفضلون انتظار الاعتراف من قبل عدد من الدول العربية قبل أن يمنحوا الاعتراف بأنفسهم، لكي لا يعطوا الانطباع أنهم وراء الثورة وأن قادتها كانوا تابعين للولايات المتحدة).
وفي خرق لكل الأعراف الدبلوماسية فإن وزارة الخارجية كشفت تورط المخابرات المركزية الأمريكية في الانقلاب بعد ساعات من بداية التمرد ضد قاسم وقبل أن تكون نتائجه أكيدة تماماً. فقد أعطوا تعليمات للقائم بالأعمال في سفارتهم ببغداد للإتصال لانقلابيين ووعدهم بالاعتراف. وكتبت الصحف والمجلات الغربية وخاصة الأمريكية والبريطانية مقالات رحبت فيها بالانقلاب، وتوقعت تحسناً في العلاقات بين العراق والغرب بعد الانقلاب.

 تنفيذ الانقلاب
تقدمت دبابات الانقلابيين صباح يوم الجمعة من معسكر (أبو غريب) شرقي بغداد، لاحتلال وزارة الدفاع حيث يقيم رئيس الجمهورية عبد الكريم قاسم، ودار الاذاعة في منطقة الصالحية (وسط بغداد).
وانطلقت في اثرها الطائرات الحربية من قاعدة الحبانية، فقصفت مدرج الطائرات في معسكر الرشيد، وحالت بذلك دون استخدامه. وقامت بعدة طلعات فوق بغداد وخاصة وزارة الدفاع لرفع معنويات المهاجمين وزعزعة معنويات عبد الكريم قاسم وأنصاره. توجه بعض المشاركين وهو يرتدون بدلات عسكرية إلى مرسلات الإذاعة في أبو غريب وبث البيانات والتعليمات قبل أن يتم الاستيلاء على إذاعة بغداد الرئيسية في الصالحة. ومن خلال استوديو احتياطي تمكن الانقلابيون من بث البيان رقم واحد بصوت حازم جواد.
أما عبد الكريم قاسم فقد آثر البقاء في وزارة الدفاع لإدارة المعركة لسهولة الاتصال، ولمناعة مبنى الوزارة. لقد اعتقد قاسم أنها مجرد حركة تمرد صغيرة، كالتي مرت من قبل، وأنه سيتمكن من إخمادها في ساعات قلائل على غرار ما صنع للقضاء على حركة عبد الوهاب الشواف عام 1959، من خلال بيان يوجهه للقضاء على التمرد، وقصف بالطائرات لمقر التمرد وقيادته، لكن اغتيال قائد القوة الجوية جلال الأوقاتي وتدمير مدرج الطائرات في معسكر الرشيد والسيطرة على الاذاعة ومحاصرة وزارة الدفاع حالت دون ذلك.
تمكن الانقلابيون من السيطرة على دار الإذاعة التي أصبحت مقراً للحركات وإدارة الانقلاب. بقي قاسم ومعه العقيد فاضل عباس المهداوي، رئيس محكمة الشعب، والمقدم قاسم الجنابي والنقيب كنعان خليل. أما بقية الضباط فقد هربوا تحت جنح الليل.                                                    
في الساعة الثانية ليلاً أرسل قاسم صديقه الصحفي يونس الطائي ليتفاوض مع الانقلابيين، لكنه أيقن أن رئيسه قد انتهى، وطلب السماح له بالخروج إلى أي مكان يريدون، دون أن يعلم أن قرار إعدام الزعيم قاسم قد اتخذ من قبل. في صباح 9 شباط استسلم قاسم، وتم جلبه إلى دار الإذاعة. ولم يكن يفكر أنهم سيعدمونه، بل ربما ينتظر محاكمته. وبالفعل طلب منهم محاكمته ولكن رصاصات الغدر التي أطلقت عليه في الاستوديو كانت هي الرد. وأعدم رفاقه معه وعرضت جثثهم على شاشة تلفزيون بغداد كي يصدق الشعب أنه مات.

الحرس القومي البشع
استلم حزب البعث العراقي السلطة، فتم تعيين العقيد عبد السلام عارف رئيساً للجمهورية، والعقيد أحمد حسن البكر رئيساً للوزراء وعلي صالح السعدي وزيراً للداخلية، وصالح مهدي عماش وزيراً للدفاع، وطالب شبيب وزيراً للخارجية. لم تحقق الحكومة أي من شعاراتها بل انشغلت في صراعات ضد الشيوعيين والقاسميين وعبد الناصر والأكراد.
 ولعل واحد من أهم معالم القمع والإرهاب هو الحرس القومي الذي تأسس في 28 شباط 1963 ويتألف من قوة عسكرية هدفها معاونة الجيش لضبط الأمن الداخلي. وقد أخذت مجاميع وعناصر الحرس القومي تقيم الحواجز في الشوارع ، وتفتش السيارات والعابرين، مدنيين عسكريين، حتى صارت منظمة رهيبة لا يستطيع أحد مواجهتها أو الاعتراض على تصرفاتها، تبث الرعب والخوف بين المواطنين. وكانت عناصر الحرس القومي من الشباب المنحرف الأخلاق لا يتوانى عن ارتكاب الرذيلة والفاحشة في مجتمع محافظ. (فكانوا يرتادون الحانات الليلية، فيفرضون على أصحابها ما يشاؤون، وعلى الفنانين والفنانات من طلبات الأغاني إلى طلبات المضاجعة) ورغم الجرائم البشعة التي ارتكبها، فما زال قسم من البعثيين حتى الآن يتفادون ذكرها أو التعليق عليها، ولا تجد لها ذكر في كتاباتهم ومؤلفاتهم ومذكراتهم.
ولم يتم الكشف عن تلك الجرائم إلا بعد سقوط الانقلابيين في الانقلاب الذي دبره عبد السلام عارف ضد حزب البعث في 18/11/1963. فقد تم الكشف عن فضائع لا تصدق، من اعتقالات وتعذيب واغتصاب وقتل. وصدر في نفس العام كتاب (المنحرفون) الذي يصور فضائع تلك الفترة. وقد تضمن صوراً لأدوات التعذيب من آلات قطع الأصابع إلى الخوازيق التي يجري إجلاس المعتقل عليها، إلى العصي والهراوات والكيبلات ، وأرائك اغتصاب الفتيات والسيدات، والاعتداءات على الناس، والسرقة. كما تم الكشف عن العديد من المقابر الجماعية من ضحايا تلك الفترة.

أخر الأخبار