• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

الإمام الصادق (ع) إشعاع الفكر والعلم

الإمام الصادق (ع) إشعاع الفكر والعلم

  • 5-05-2024, 11:33
  • مقالات
  • 79 مشاهدة
د. صلاح عبد الرزاق

"Today News": بغداد 

ولادته المباركة
ولد الإمام جعفر الصادق عليه السلام عام 82 هجري في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.
أبوه الإمام الباقر (ع) ، ولدته لزين العابدين بنت عمه فاطمة بنت الحسن (ع) ، وأمه فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الخليفة الأول. وكان الإمام علي (ع) قد تزوج أم محمد وهي أسماء بنت عميس، بعد وفاة أبي بكر عنها، فصار ربيبه وترعرع في كنفه حتى شهد معه معركة الجمل وصفين، وقتله معاوية في مصر. وأم فروة هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، عم القاسم وشقيق السيدة عائشة. فعلى قول عبد الحليم الجندي في كتابه (الإمام الصادق) : فجعفر الصادق قد ولده النبي (ص) مرتين، وعلي مرتين والصديق مرتين.

نشاطه العلمي
نشأ الإمام في عصر تتنازع فيه الأهواء، وتضطرب فيه الأفكار، واشتداد الظلم على أهل البيت (ع) وأتباعهم ومنها سب الإمام علي (ع) على المنابر. وبانهيار الدولة الأموية ونشوء الدولة العباسية شهدت تلك الفترة انفراجاً ففتح أبواب مدرسته لبث أحكام الدين والحديث حتى حضر مجلسه ألفان وقيل أربعة آلاف من الطلاب وبينهم العديد من العلماء المشهورين الذين نقل عنهم البخاري ومسلم والترمذي ومنهم من صار إماماً لمذهب أمثال :
- أبو حنيفة النعمان صاحب المذهب الحنفي الذي قال (لولا السنتان لهلك النعمان) إشارة إلى السنتين اللتين قضاهما في المدينة يدرس عند الإمام الصادق (ع).
- مالك بن أنس مؤسس المذهب المالكي الذي روى (ما رأت عين أفضل من جعفر بن محمد)
- سفيان الثوري وهو من حملة الحديث وبقي مذهبه معمولاً به حتى ما بعد القرن الرابع الهجري. وقد روى سفيان الحديث والمواعظ والآداب عن الصادق (ع).

وهناك الكثير من الأئمة والأعلام الذين نقلوا عن الإمام الصادق (ع) لا يسع المجال لذكرهم. أما أشهر حملة فقهه وخواص أصحابه فهم:
-أبان بن تغلب الذي كان يجلس بجوار سارية النبي في المسجد النبوي فيأتيه الناس يسألونه فيجيبهم بمختلف الأقوال، ثم يذكر قول أهل البيت ويورد حججه. وكان الإمام الصادق (ع) يوصي أصحابه بسماع الأحاديث من إبان والتي سمعها عنه (ع).
-مؤمن الطاق نسبة إلى محلة (طاق المحامل) حيث كان متجره. وكان مناظراً لا يشق له غبار وله مناظرات مع أبي حنيفة النعمان .
-هشام بن الحكم ممن اشتهروا بقوة الحجة في الاحتجاجات الكلامية . فحاجج المعتزلة والأشعرية . وكان يحظى برعاية الإمام (ع) وتشجيعه.
- ومنهم جابر بن حيان الكوفي الذي اشتهر بالكيمياء ، والمفضّل الذي اشتهر بعلم الحيوان والتشريح في كتابه (توحيد المفضل) .

العلاقة مع الآخر
عاصر الإمام الصادق انفتاح الحضارة الإسلامية على مختلف الفلسفات والأفكار غير الإسلامية التي تخوض في مسائل كلامية وفقه وأخلاق وفلسفة. وكانت مدرسة الإمام الصادق (ع) مفتوحة للنقاش والمناظرة في جميع المسائل. فلم يعش الصادق (ع) عقدة أو حاجزاً نفسياً تجاه أي شخص سواء اختلف أو اتفق معه. لقد كان الصادق شخصية حوارية تنفتح حتى على الزنادقة والملحدين من أجل هدايتهم وإعادتهم إلى سبيل الرشاد. كان لا يعنّف مهما كان أسلوب الطرف المقابل هجومياً وعنيفاً. وهذه مسألة يجب أن نعرفها جميعاً، وهي أنك كلما كنت قوياً في حجتك كنت هادئاً في حوارك، فالذين يعنفون ويشتمون هم الذين يعيشون الهزيمة النفسية حتى أمام فكرهم، لأنك إذا أردت أن يحترمك الآخر فعليك أن تحترمه. لقد كان الإمام الصادق (ع) وهو يرى أن الإسلام هو خط الله الوحيد في الحياة، لا يلغي الآخر، كما أن القرآن لم يلغ الآخر، حيث اعترف بوجودهم لأنهم موجودين. فقد حاور الملحدين والمشركين والمنافقين وأهل الكتاب دون أن يعني اعترافاً بشرعيتهم بل بوجودهم.
وتروي كتب الكلام والفرق العديد من الاحتجاجات التي شارك فيها الإمام الصادق (ع) منها:
-دخل عليه ابن أبي العوجاء وهو من الملاحدة فسأله الإمام : أنت مصنوع أم غير مصنوع؟ فقال: لست بمصنوع، فقال الصادق: فلو كنت مصنوعاً، كيف كنت؟ فلم يحر ابن أبي العوجاء جواباً وقام وخرج.
-ودخل عليه أبو شاكر الديصاني وهو زنديق فقال: يا جعفر بن محمد دلني على معبودي!
    فقال الإمام : أجلس! فإذا غلام صغير في كفه بيضة يلعب بها، فقال الإمام: ناولني يا غلام البيضة! فناوله إياها، فقال الصادق: يا ديصاني  ! هذا حصن مكنون، له جلد غليظ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مايعة، وفضة ذائبة. فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة، ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة، فهي على حالها، لا يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها، ولا يدخل إليها داخل مفسد فيخبر عن إفسادها، لا يدري للذكر خلقت أم للأنثى، تنغلق عن مثل ألوان الطواويس، أترى له مدبراً؟
قال: فأطرق ملياً ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأنك إمام وحجة من الله على خلقه، وأنا تائب مما كنت فيه.

هكذا يعلمنا الإمام كيف نتحاور بطريقة علمية وعقلية رصينة، بل نراه قد لجأ إلى الدليل الحسي والتجربة العملية عندما أخذ البيضة ثم تحدث عن محتوياتها والاستنتاجات التي توصل إليها من تركيبتها. هذا يعطينا الأسوة الحسنة والمثال الأوفى في مواجهة حملات التشكيك والطعن بالإسلام والعقائد والأحكام الإسلامية ، أي نرد عليها واحدة بعد أخرى من أجل دحضها وإثبات عدم موضوعيتها وأنها تفتقد للمنطق والدليل العقلي أو العملي. فبين حين وآخر نسمع بإغلاق صحيفة أو مجلة في بلد إسلامي لأنها تطاولت على المقدسات الإسلامية ، فبدل إغلاقها يفضّل الرد على تلك المقالة وبيان ضعفها للناس وفي نفس الصحيفة أو المجلة أو وسيلة الإعلام ، بدلاً من المظاهرات وفتاوى التكفير والضجيج الاعلامي . وكذلك أفضل الرد على الكتابات والمؤلفات التي تثير الشكوك بالعقائد الإسلامية ، فالحجة تقارع الحجة ، والمنطق يقارع المنطق، والدليل يقارع الدليل، فهذا أقوى للمسلمين. إضافة إلى أننا على يقين بأن حجة القرآن هي الأقوى ، فما الخوف من شبهة أو مقالة أو قصة أو رأي. نرد على المقالة بمقالة ، وعلى الكتاب بكتاب.

أخر الأخبار