• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

الصَّدْر أُمَّة …

الصَّدْر أُمَّة …

  • 9-04-2024, 15:24
  • مقالات
  • 44 مشاهدة
د خليل الطَّيَّار

"Today News": بغداد 

تُخلِّد اَلأُمم عُظماءهَا الأفْذاذ بِخُيلَاء، وَتَردَّد أسْمائهم مُتباهية، وتصًيرهم أَوسِمة عِزٍّ، تُضَاهِي بِمجْدِهم اَلأُمم، تدْليلا على قُدرَة وَرَجاحَة وَسمُو أبْنائهَا العظَام، مُتفاخرة بِمَا قَدمُوه لِلْإنْسانيَّة جَمْعاء مِن إِنْجازات، تكْنزَهَا ذَاكِرة التَّاريخ.
هذَا مَا يَحِق لِلْعراقيِّين ولأمَّتنَا الإسْلاميَّة الحيَّة وجماهيرهَا اليقَظة أن تَرفَع رُؤوسَهَا مُشْرئِبَّة، وقد أَنجَبت تُربَة العرَاق مرْجعًا وَعالِما رَبانِيا، وفيْلسوفًا ومفكِّرًا ومجاهدًا ثوْريًّا، شَكلَت مسيرَته الجهاديَّة والْمعْرفيَّة عَلامَة فَارِقة فِي شَخصِية وَمَكانَة ودوْر عُلَماء الدِّين فِي المجْتمع، واعْتَبر نُبوغه اَلمُبكر ومواقفه الجهاديَّة، اِمْتدادًا لِرسالة الرِّجَال العظماء والْمصْلحين، بَعْد أن تَمكَّن فِي فَترَة وَجِيزَة أن يَحفِر اِسْمه فِي مَشهَد التَّاريخ الإسْلاميِّ المعاصر، كفيْلسوف وعالم دِين ومجاهد حَركِي، ومنظِّر لِأعْرق حِزْب إِسْلاميٍّ فِي المنْطقة هُو"حِزْب الدَّعْوة الإسْلاميَّة" قاد مِن خِلاله مَسِيرَة مُضَمخَة بِالتَّضْحيات والْإيثار، وَتَصدَّى فِيه لِكلِّ أَشكَال اَلقُبح والرَّذيلة والانْحطاط فِي النَّفْس البشريَّة بِتجرُّد وَوضُوح، وَقارِع الظُّلْم والتَّعسُّف السُّلْطويِّ، وواجه بِصلابة وَشَجاعَة جَبرُوت الحاكم، عَلانِية وجهارًا لِيصْعد شهيد إِلى رَبِّه فِي عِلِّيِّين، مُبْقِيا أَثرُه خالدًا لَم يَمْح بِرحيله.
ذاك هُو العالم الرَّبَّانيُّ وفيْلسوف القرْن العشْرين، آية اَللَّه اَلعُظمى اَلشهِيد اَلسعِيد"مُحمَّد بَاقِر الصَّدْر" رَضْوان اَللَّه تَعالَى عليْه، اَلمرْجِع الحرَكيُّ اَلذِي لََا يُمْكِن اِختِزال نُبوغه اَلفكْرِي، وجهاده الرِّساليُّ بِأسْطر وَجِيزَة، بَعْد أن ترك إِنْجازًا غَيْر مَسبُوق، تَجَاوزَت رُؤَاه وفلْسفته مَعارِف وَعلُوم من سَبقُوه مِن العلماء والْمعاصرين لَه، وَتَحرَّك فِي مجالَات مَعرفِية لَم يك بِمقْدور مجايْليه اَلوُلوج لِمساحاتهَا، فَمثَّل عَطائِه صَحوَة وَعْي وَتجدِيد فِي الفكْر الإسْلاميِّ المعاصر، وَقدَّم رُؤًى مُغَايرَة فِي مِضمَار البحْث العقائديِّ وتنْظيراته الفلْسفيَّة.
ولَا يُمْكِن أن تُختَزَل ذِكْرى اِسْتشْهاده وتقْرأ مِن زَاوِية مُقارعته لِأعْتى نِظامًا دِكْتاتوريًّا دمويًّا، بِقَدر مَا تُعَد أَبشَع جَرِيمَة اُقْتُرفت بِحقِّ اِغتِيال لِلْفكْر والْوَعْي الإنْسانيِّ بِرمَّته، قطع فِيه النِّظَام اَلبعْثِي اَلمقِيت حُلْم بُرُوز واسْتمْرار نَابِغة لِعَصر اِصطلَى بِالْمشْكلات والتَّحدِّيات والنَّزعات المنْحرفة، وتزايدتْ فِيه ظلامه الإنْسان وَتَشوهَت عَقائِده الفكْريَّة والدِّينيَّة وخرجتْ عن أُسسِها ومنْطقهَا اَلسلِيم، فَتَصدَّى لَهَا بِعَقل اَلمُفكر والْعالم الإسْلاميِّ تَفسِير وَتنظِير وَقدَّم مُعالجات لِإشْكالاتهَا لَمّ تك أيَّ قِراءة فِي عَصرِه قَادِرة على تَفكِيك عِللهَا، وتوصيف تحدِّياتهَا، وَترسِيم مُعْضلاتهَا وَتلمِس بدائلهَا.
فَوضِع لَهَا فيْلسوف العرَاق الأنْبغ "مُحمَّد بَاقِر الصَّدْر" إِرْثًا وَكنُوزا تنْظيريَّة غَيرَت مِن خِطَاب وقواعد التَّحْليل والْبَحْث المعْرفيِّ، وَأَعادَت الاعْتبار لِقيمة وَرَجاحَة الفكْر الإسْلاميِّ وقدْرَته على تَشخِيص وَتصوِيب مساراتهَا ، فكانتْ حُقُول كَتبَه قد سبقت عَصرُها فِي أُطْروحتهَا. وَهِي تَقدُّم فهْمًا مُجَددا فِي مُعَالجَة مُعضلَات ومتاهات أَزمَة الإنْسان فِي ظِلِّ الأفْكار المادِّيَّة والْوجوديَّة والْوضْعيَّة، وَنجَح فِي إِثبَات أنَّ المعْرفة الدِّينيَّة لََا تَطرَح نفْسهَا نقيضًا لِلْمعْرفة العلْميَّة، بل تُسْهِم فِي مُعَالجَة نواقصهَا، وتعالج هفواتهَا. ولم يَكتَف فِي مِضمَار التَّنْظير، بل وَضْع يُجانِبه مُعالجات لِإشْكاليَّات اِجْتماعيَّة واقْتصاديَّة، وتشْريعيَّة غَايَة فِي التَّعْقيد عُدَّتْ مُتَفردَة، وغيْر مَسبُوقة. مَثلَت نُبُوغ عَالِم دِين ومفكِّر وفيْلسوف تَجاوُز عَصرِه وَهُو فِي قِمَّة نُضْجِه اَلفكْرِي وقصْر عُمْرِه، مِمَّا جعل اِسْمه فِي مَرمَى قُوَى الاسْتكْبار العالميِّ، سارعتْ لِلتَّصَدِّي لِوعْيه المتنامي وجهاده ضِدَّ الطُّغْمة الفاسدة فحرَّكتْ أَدوَات البعْث الكافر لِلْخلَاص مِنْه، فَكَان يَوْم 4 / 9 / 1980 يَوْم فَاجِعة اِسْتشْهاده على يد جَلَاوزَة النِّظَام لِينْهي حَيَاة أَبرَز رِجَال الفكْر الإسْلاميِّ المعاصر خُطَط وَقَاد مَسِيرَة مُضَمخَة بِالتَّضْحيات والْإيثار وترْك اِسْمِه يَتَربَّع فِي قِمَّة شَواهِد الرِّجَال العظماء الَّذين أنْجبَهم تَارِيخ الجهَاد الإسْلاميِّ الحرَكيِّ، وَالذِي اِختزَل تَوصِيف حَياتِه بِمقولته الشَّهيرة "لَيسَت حَيَاة كُلِّ إِنسَان إِلَّا بِقَدر مَا يُعْطِي لِأمَّته مِن وُجوده وحياته وَفكرِه" وَهُو مَا جَاهَد لِتحْقيقه، فِعْلا لََا قوْلا طِيلة مَسِيرَة حَياتِه الجهاديَّة والْفكْريَّة، لِيتحَوَّل مِن فَرْد إِلى أُمَّة.
فَسَلام عليْه يَوْم ولد ويوْم اُستُشهِد ويوْم يَبعَث حيًّا مع النَّبيِّين والشُّهداء والصِّدِّيقين . . .

أخر الأخبار