• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

الشيخ معروف الكرخي .. اعتنق الإسلام وصار قطباً صوفياً سلسلة مراقد المتصوفة والزهاد في بغداد ٣

الشيخ معروف الكرخي .. اعتنق الإسلام وصار قطباً صوفياً سلسلة مراقد المتصوفة والزهاد في بغداد ٣

  • 14-01-2024, 13:18
  • مقالات
  • 194 مشاهدة
د. صلاح عبد الرزاق

"Today News": بغداد 
السيرة والتحول الديني
هو معروف بن فيروز الكرخي ، قال عنه العلامة مصطفى جواد بأنه (من موالي الإمام الرضا (ع) ، ولد مسيحياً ، وقيل مجوسياً ، ثم اعتنق الإسلام. (١). وجاء في كتاب (سير أعلام النبلاء) للذهبي (معروف الكرخي علم الزهاد ، بركة العصر ، أبو محفوظ البغدادي ، واسم أبيه فيروز ، وقيل : فيرزان ، من الصابئة .وقيل : كان أبواه نصرانيين ، فأسلماه إلى مؤدب كان يقول له قل : ثالث ثلاثة ، فيقول معروف : بل هو الواحد ، فيضربه ، فيهرب ، فكان والداه يقولان : ليته رجع ، ثم إن أبويه أسلما ). (٢)
وهناك عدة روايات أنه بعد أن رفض عقيدة والديه ، (التجأ إلى الامام الرضا (ع) وتشرّف على يده بدين الإسلام ، وحاز أعلى مقام وبقي في ملازمة خدمته. (٣)
وذكر الذهبي أن فيروز أسلم على يد علي بن موسى الرضا ، ورجع إلى أبويه فدق الباب ، فقيل: من بالباب؟ فقال: معروف ، فقيل له : على أي دين؟ فقال: على الإسلام ، فأسلم أبواه. (٤) وقيل أنه بعد إسلامه عمل حاجباً وبواباً وخادماً للامام الرضا (ع).

ويذكر الذهبي أن نسبته إلى الكرخ ، وهو اسم تسع مواضع ذكرها ياقوت الحموي في كتاب ، واشهرها كرخ بغداد ، والصحيح أن معروفاً الكرخي منه. وقيل من كرخ جُدّان ، وهي بليدة بالعراق تفصل بين ولاية خانقين وشهرزور ، والله تعالى أعلم بالصواب) (٥)

هل التقى معروف بالإمام الرضا
يلاحظ أن مصادر السير والتراجم لا تذكر نسب معروف ، ولا سنة ولادته ، ولا المدينة التي ولد فيها. بل تكتفي بذكر اسمه ودين والديه ، ثم تتحدث بإسهاب عن كراماته وأقواله ومناظراته. وهناك عدة ملاحظات قد تؤدي إلى سبيل تحديد إجابات لتلك الأسئلة وهي:
١-اسم فيروز اسم فارسي مشهور ، وهناك عدة شخصيات تسمت به مثل الفيروزابادي الشيرازي (١٣٢٩- ١٤١٥ م) صاحب كتاب (القاموس المحيط). فهو إيراني المولد.
٢- أن هناك اجماع على أنه كان مسيحياً ، وأنه رفض عقيدة التثليث في صباه.
٣- أنه اعتنق الإسلام على يد الأمام علي الرضا (ع) الذي كان موجوداً في مدينة طوس حيث وصلها عام ٢٠١ هـ الموافق ٨١٦ م بعد مبايعته بولاية العهد في عهد المأمون العباسي. ومكث الامام الرضا سنتين في طوس حيث مات عام ٢٠٣ هـ الموافق ٨١٨ م . (٦)
٤- وعليه فقد التقى فيروز (معروف فيما بعد) في تلك الفترة ، وكان الإمام (ع) يلتقي الناس والعلماء والشعراء وأصحاب الأديان والمتكلمين. وقد نقلت كتب التاريخ مناظراته العميقة مع زعماء الصابئة والمجوس والنصارى. وعلى الأرجح أن فيروز قد زار الإمام (ع) وتحدث معه ، وربما كان في صباه.
٥- كل كتب السير والتراجم تذكر أن معروفاً توفي عام (٢٠٠) هجرية . وهذا يناقض قضية لقائه بالإمام الرضا (ع) واعتناقه الإسلام ، لأن الأمام (ع) كان في الحجاز آنذاك ولم يكن باستطاعة معروف لقائه آنذاك.
٦- ذكر صاحب كتاب (خير الزاد في تاريخ مساجد وجوامع بغداد) عن معروف (وكان وفاته سنة أربع ومائتين هجرية على أحد الأقوال) (٧)
 ويذكر صاحب كتاب (تذكرة الأولياء) أن معروفاً توفي في عام مائتين (٨). وورد على الهامش (وقيل ٢٠١ هـ ، وقيل ٢٠٤ هـ ، ابن خلكان جزء ٥ : ص ٢٣٣ ، اليافعي جزء ١: ص ٤٦٠ ، ودليل خارطة بغداد ص ٨٩). ويذكر الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) أنه توفي سنة (٢٠٠) هج (٩) وينقل صاحب (الآثار في مقابر بغداد) (أن معروفاً من موالي الأمام الرضا بن موسى الكاظم (رض) كان من أعلام الزهاد الصالحين المتصوفين توفي ببغداد سنة (٢٠٠) هـ على أرجح الآراء ، نقلا عن ابن الجوزي (المنتظم) ، ص ٨٨ ). (١٠)

من الواضح أن إجماع المؤرخين على وفاة معروف الكرخي عام (٢٠٠) هـ وكان قد بلغ من العمر طويلاً، لا يمكن قبول لقائه بالإمام الرضا (ع) الذي توفي عام (٢٠٣) هـ . ولذلك يجب التأكد من تاريخ مولد ووفاة معروف الكرخي.  

يقول العلامة مصطفى جواد أن معروف الكرخي عاصر هارون الرشيد وانه من جملة المشايخ المشهورين بالزهد والورع ، ودفن في سنة ٢٠٠ هـ (٨١٦م) في موضع تربته الحالية التي كانت تعرف بمقبرة باب الدير. (١١)

وقيل أن عمر الشيخ معروف عند وفاته كان ستين عاماً. وبذلك يعني أن مولده كان سنة (١٤٠ هـ) الموافق (٧٥٨م). لم يتزوج الشيخ ولم يترك ذرية. وكان له إخوة أحدهم الشيخ عيسى الذي التحق به ، ولما توفي دُفن إلى جانب أخيه معروف.

وبسبب تناقض الروايات وخاصة تزامن وفاة الشيخ معروف عام ٢٠٠ هـ ووفاة الامام الرضا (ع) عام ٢٠٣ هـ مما يعني أن الشيخ معروف جاء إلي بغداد في شبابه ثم توفي بعمر الستين عاماً. فمتى التقى بالإمام الرضا (ع) الذي توفي في طوس بإيران عام (٣٠٣ هـ) ؟ ولا مجال للقاء حيث كان الامام الرضا يقيم في المدينة المنورة منذ ولادته حتى مغادرته إياها عام (٢٠١ هـ) حيث وصل طوس عبر الأهواز ونيسابور. فهنا يصبح احتمال اللقاء مستحيلاً . لذلك أعتقد أن الشيخ معروف الكرخي لم يلتق بالإمام الرضا (ع) قبل اعتناقه الإسلام ، وربما سافر معروف إلي طوس بعد اعلان ولاية العهد للإمام الرضا (ع) ، وانه التقاه هناك ، لكن وفاة معروف قبل سفر المام الرضا (ع) إلي طوس تمنع تصديق هذا الافتراض.
إن ارتباط الطرق الصوفية بالأئمة الالتيشيعة أمر مشهور ، وكلها تذكر صورة من الارتباط مع إمام شيعي سواء بالنسب كما هو الشيخ عبد القادر الكيلاني أو من خلال التلمذة كما في حالة الشيخ معروف الكرخي. ولذلك نجد أتباع الطرق الصوفية يعتزون بهذه الصلة ويكتبون سلسلة الطريقة التي تصل بالنهاية إلى الإمام علي بن آبي طالب (ع)، ولا مجال لذكر أمثلة أخرى عن بقية الطرق الصوفية.

ويرى ابن الجوزي أن الشيخ معروف ولد عام (١٢٠ هـ) والأخبار تقول أنع سمع من الامام جعفر الصادق (عليه السلام). والصادق توفي في سنة (١٤٨ هـ). ويُفهم من هذا الخبر أن عمره حينما سمع الصادق (ع) كان في حدود الثمان والعشرين. (ابن الجوزي (مناقب معروف الكرخي وأخباره) ، ص ٢٤.
ويضيف ابن الجوزي (أما قصة إسلامه ، وحجابته للإمام علي الرضا ، فمحض خبر من الأخبار، لأن التحقق التاريخي يرفضها ، وربما تقع الأولى ، لبعد الثقة بين الرجلين ، لأن الرضا ، ولد في المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، ونشأ في رحابها ، ثم تحول إلى طوس خراسان ، ومات بها.  

ويميل الدكتور كامل مصطفى الشيبي إلى فكرة عدم وجود صلة بين الأمام الرضا (ع) وبين الشيخ معروف الكرخي. (١٢)

جامع الشيخ معروف الكرخي

بعد وفاته شُيّد مرقد يضم قبر الشيخ معروف . جاء في كتاب (دليل خارطة بغداد المفصل) أنه في عام ٤٥٩ هـ (١٠٦٧م) احترق المقام الذي شيد فوق قبر معروف الكرخي فأعاد بناءه الخليفة القائم بأمر الله
(١٠٠١ -١٠٧٥م) . وذكر ابن الجوزي في حوادث ٤٥٩ هـ خبر احتراق ضريح الشيخ معروف وكان السبب أن القيّم به كان مريضاً فطبخ له شعير ، فبعدت النار إلى خشب وبواري هناك ، وارتفعت إلي السقوف ، فأتت على الكل ، فاحترقت القبة والساباط وجميع ما كان) (١٣)

وفي سنة ٦١١ هـ (١٢١٤م) بالقرب من هذا المقام الأمير علي أصغر ابن الخليفة الناصر لدين الله الملقب بالملك المعظم ، وقد توفي قبل أبيه. وربما أعيد بناء القبر بهذه المناسبة. وقد سلم المقام من التخريب في أثناء حصار المغول لبغداد سنة ٦٥٦ هـ (١٢٥٨م). (١٤)

تم تشييد الجامع عام ٦١٢ هـ / ١٢١٥م من قبل الخليفة الناصر لدين الله العباسي (٥٧٥- ٦٢٢ هـ / ١١٨٠- ١٢٢٥ م). وكان ذلك بمناسبة دفن ابن الخليفة بقرب قبر معروف الكرخي، وعلى مسافة قليلة من قبر جدته السيدة زمرد خاتون. (١٥)
وتم بناء مئذنة مع الجامع ، وهي أقدم مئذنة بغدادية دُوِّن عليها تاريخ إنشائها ، وهو سنة ٦١٢ هـ (١٢١٥م). وتقع بحسب تصميم الجامع الأصلي ، على يمين الداخل إلى مصلاه. وهي مبنية بالطابوق والجص ، ويبلغ محيطها ٧،٤٢ متراً، أما بابها فنافذ إلى المصلى . ولها حوض تحمله عدة صفوف من المتدليات على هيئة عقود ، وفي أحدها تاريخ الانشاء المذكور. وتزين قمة المئذنة ، وهي مستدقة نسبياً قطع صغيرة من الآجر المزجج تؤلف بينها خطوطاً متقاطعة. وهذا الرصف بالمربعات نجد مثله في قمة مئذنة مسجد الحظائر (جامع الخفافين) المشيد سنة ٥٩٨ هـ (١٣٠٢م). (١٦)
وقد وصف ابن الساعي البغدادي (ت ٦٧٤ هـ / ١٢٧٦م) المرقد فقال (قبره يُزار ويُتبرّك به ، وتُسأل عنده الحوائج فتُقضى ، ويُعرف بالترياق المجرّب. عليه قبة حسنة فيها قناديل من الفضة ، وحوله مسجد معلق تقام فيه الجماعة في الصلوات الخمس) (١٧)

ولما ارتفت القبور بجانبه قام والي بغداد علي باشا الذي تولى ولاية بغداد سن ١١٠٧ هـ (١٦٩٦م)، ثم عاد إليها عام ١١١٥ هـ ( ١٧٠٤ م)، وجدد منارته في الموضع التي كانت فيه سابقتها ، وأعاد من تلك النقوش والريازة الموجودة في المنارة السابقة قسماً جعله كالطوق أو المنطقة تحت الحوض تحت الحوض مع حَجَر التاريخ الذي كان في السابق ، فجعله في أحد الطوق التي تحت حوضها ، وشاد على جميع المصلى قبة كبيرة ، ووقف له نهر في الدجيل. (١٨)

شهد الجامع إعماراً آخر عام ١٨٩٤ من قبل والي بغداد حسن باشا (من ١٨٩١-١٨٩٦م) . وقد شيّد قبة مغلفة بالكاشي القاشاني وقد كتب عليها من خارجها: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ...) (البقرة : ٢٥٥). وقد بنى قبة فوق قبر الشيخ معروف.
وفي داخل قبة مصلاه كتب (بسم الله الرحمن الرحيم . الله نور السموات والأرض) وتاريخ ١٣١٢ هـ (١٨٩٤ م).
كما كتب فوق باب الجامع الأبيات الآتية بالتركية بالكاشي القاشاني قام بخطه مملوكه عثمان ياور وكان من الخطاطين المضاهين لحافظ عثمان الخطاط الشهير. كما كتب على المحراب قطعة بخطه أيضاً وهي آية (كلما دخل عليها زكريا المحراب ). وبنى على قبر معروف قبة ، وجدد الباب الخارجي ، ووضع فوقه رخامة خضراء مثبتة في جدار المرقد ، مكتوب فيها ستة أبيات بالتركية جاء فيها:
شهنشاه فاروق دجلة      
              حامي دين ظل الله
عبد الحميد خان دائماً    
           خير وشر نور مقصدى
صادق قولي حاجي حسن  
             بادشاه وزير بي نظير
جلب رضاي باكده
              دستور عالي مرصدي
بو قبه ميمناي قام
             إقدام اليه بولدي ختام
اشته ديدي تاريخ نام
             معروف كرخي كنبدي


وتتولى عائلة السويدي إدارة شؤون الجامع . وقد انتقلت التولية من ملا أحمد بن سُوِيْد خال عبد الله أفندي السويدي الذي كان أول من عُرف بالسويدي. وكان ملا أحمد مشهوراً بخدمة الشيخ معروف ومتولياً على أوقافه. وأصبح منم بعده السيد يوسف أفندي السويدي، وكان من العلماء المعروفين ، وعُيّ قاضياً لبلدة شهرزور في كركوك براتب أربعة آلاف قرش صحيح. (١٩)

في عام ٢٠٠١ تم إعمار المرقد والجامع بشكل واسع ، وتمت توسعته ، وأضيف إليه مرافق جديدة ومئذنة. والواقع أن الاعمار الجديد قد طمر معالم الجامع والمرقد القديم ، ولا يمت له بصلة . وصارت المئذنة التاريخية داخل حرم الجامع.
إن أكبر أقسام الجامع هو الذي يضم ضريح الشيخ ، فهو يمتاز بارتفاعه كثيراً عن مستوى الأرض التي حوله. لذلك قاوم الحوادث وحفظ نفسه من الغرق الذي اجتاح بغداد على مر العصور. إن سبب هذا الارتفاع هو ان البناء قائم فوق البناء الأصلي القديم المشيّد في سنة ٦١٢ هـ ( ١٢١٥م) ، فضلا عن علو المقابر المحيطة بالجامع حتى سامتت سطحه في القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي). (٢٠)

ويؤكد ذلك وصف الجامع الذي ورد في المصادر القديمة بأنه يقع على ربوة عالية عن مستوى الأرض المحيطة به . فقد وصفه بذلك ابن الساعي في القرن السابع الهجري بأنه معلق. (٢١) كما تظهر الصور المأخوذة للجامع في القرن التاسع عشر بأنه يقع على مرتفع من الأرض.

وصف الجامع والمرقد كما رأيناه
في ٩ شباط ٢٠٢٣ زرنا جامع الشيخ معروف الكرخي وشاهدنا الإعمار والتجديد الذي بدأ عام ١٩٩٧ وانتهى في ١٥ حزيران عام ٢٠٠٠م. ففي الوقت الذي كان يتعرض الشعب العراقي للحصار الاقتصادي ويعاني من نقص الغذاء والدواء كان رأس النظام ينفق على بناء المساجد وإعمار القديمة منها بشكل باذخ.
رافقنا الشيخ عثمان الحيالي بجولة في الجامع وقال: يتكون الجامع من ثلاث طوابق ، أكبرها الطابق العلوي ، وأصغرها هو الطابق السفلي حيث يوجد قبر الشيخ معروف الكرخي.

كان ديوان رئاسة الجمهورية يشرف على بناء الجامع . وكان مهندس المشروع محمد الجدة ، ومدير المشروع باسم الطائي. ومهندس الانشاءات علاء الكيلاني. المبنى عبارة عن هيكل حديدي وكونكريت مسلح.

مدخل الجامع يبدأ ببوابة واسعة تتسع لدخول السيارات ، ثم بشارع عريض ، مكسو بالكاشي الاسمنتي (شتايگر)، وأرصفة الشارع على شكل مدرجات من جانبيه. والشارع محمي بسياج حديدي مع أعمدة إنارة. ينتهي الشارع بساحة واسعة مكسوة بالمرمر الأبيض تطل عليها باب الجامع .

باب الجامع من الخشب المزّن بزخارف أرابيسك ، من ثلاثة مصاريع ، الوسطي واسع لدخول الزوار والمصلين. يعلو الباب قوس رخامي عالي والجدار مكسو بالمرمر الأبيض ، في الجزء الخلفي منه تظهر عبارة بسم الله الرحمن الرحيم على شكل الطغراء العثمانية، تتلوها الآية الكريمة (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر).
أما الجزء المستحدث والغرض منه تغطية الكتابة الأصلية التي تذكر اسم صدام ، هذا الجزء بلا نقوش جميلة، بل كتب عليه (مرقد حضرة الشيخ معروف الكرخي المتوفى سنة ٢٠٠ هـ).

البناء الجديد يغطي البناء القديم كلياً حتى لم يبق منه سوى المنارة التي صارت جزداً من حرم الجامع الداخلي. إذ ترتفع جدران الجامع عدة أمتار ثم تحيط بها من الأعلى كشيدة زرقاء مائلة مزينة بزخارف من القاشاني ، تشكل خلف الجامع بروزاً ليكوّن شرفة تطل على المقبرة. وتحتها شباك عالي من السقف إلى الأرض ، قريباً من قبة المرقد. شكل السقف يشكل عين حيث أطراف الستارة بمثابة الجفون ، والقبة الزرقاء بمثابة حدقة العين التي تنظر إلى السماء.  

وقد بنيت مئذنة حديثة الطراز غريبة الشكل مثل مآذن جامع أم القرى التي أخذت شكل بنادق فوهاتها إلى السماء. وهو توظيف قبيح وإساءة للمنارة الإسلامية الشهيرة بطرازها التقليدي البغدادي. ولعل المهندس أراد بهذه المنارة تعويض المنارة التاريخية التي تمت تغطيتها عن المشهد البصري من الخارج. هذه المنارة الغريبة أخذت شكل عمود مستدق ، متعدد الأضلاع، ينتهي بحوث ذي شرفة مفتوحة ، يعلو الشرفة سقف مضلع ، لتنتهي بقبة صغيرة. المنارة مغلفة بالحجر مثل جدار الجامع الخارجي. يبلغ ارتفاع المنارة ٤٣ متراً . وهي تشابه تماماً منارة (جامع المعز) في العطيفية.

حرم الجامع
بعد اجتياز بوابة الجامع تواجه قاعة الحرم ، وهي دائرية الشكل بلا أعمدة حيث تغطيها القبة الواسعة التي استخدمت فيها مواد انشائية حديثة وليس الطابوق والجص كما هي العادة. إذ تم تركيب هيكل حديدي على شكل أقواس شعاعية من المحيط إلى المركز حيث تلتقي، ثم تم إكساء الفراغات بينها و تغطيتها من الداخل والخارج. توجد محاريب ذات أقواس دائرية ، مائلة تصل القبة بالجدار تحتها ، ثم تستند على مجموعة من المحاريب الغائرة في الجدار ، يعلو كل منها سقف مدبب بشكل مثلث متساوي الساقين. وفوق مدخل الجامع توجد شرفة تطل على الحرم. تتدلى من القبة ثريا برونزية تشابه الثريات الفاطمية في مساجد القاهرة. وتتدلى حول محيط القبة ثريات صغيرة. يلاحظ خلو القبة والمحاريب والجدار من كتابات أو آيات قرآنية كما هي العادة في المساجد الإسلامية.

على جانب القاعة يظهر محراب الجامع وإلى جانبه المنبر بسلمه المتعدد الدرجات. والمحراب والمنبر يقعان وسط قوس عال مغلف بالمرمر، يخلوان من الزخارف.
إلى جانب المنبر تظهر المنارة التاريخية ، حيث يرتفع حوضها ثلاثة أمتار عن أرضية حرم الجامع، المنارة القديمة معالجة ومرممة بشكل واضح ، يعلوها قبة تغطيها كليا. وتم إبقاء كتابة من الطابوق المنجور على المنارة العتيقة تقول (بنيت هذه المنارة سنة اثني عشر وستمائة) (الموافق ١٢١٥م).
الأرضية مفروشة بالكاربت الأحمر يمنح المكان بهاء وصفاء.

ضريح الشيخ الكرخي
على الجانب الآخر من جهة المحراب ، يوجد باب خشبي يؤدي إلى قاعة صغيرة  يقع في ركن منها  ضريح برونزي مربع الشكل ، ذو تصميم حديث  وزخارف نباتية ناتئة، ويتمثل بقوس في كل جانب يضم شباكاً متموجاً . وفي الأركان أربعة أعمدة تسند الأقواس. أما السقف فهو من البرونز تحيط به كتابات. وبجانب الضريح ومن أحد أركانه تم نصب جدار زجاجي يفصل الرجال عن النساء من زوار المرقد. تعلو الشباك ما يشبه القبة غائرة في السقف ن مصنوعة من السقوف الثانوي ، مزينة بزخارف ومحاريب ، وتتدلى منها ثريا برونزية ومصابيحها مركبة بشكل شعاعي من المركز إلى المحيط.
هذا الشباك خالي تماماً لأن القبر الحقيقي للشيخ معروف يقع تحته بعمق (٢٠) متراً. وقد وجد هذا الشباك لتسهيل زيارة المرقد.

سرداب الجامع وقبر الكرخي
بعد نزول سلم عميق داخل الأرض تدخل قاعة صغيرة تحيط بها مجموعة من الأواوين الصغيرة بداخل الجدار مدخلها مقوّس ، تمتد إلى الداخل بعمق حوالي المترين. في أحد هذه الأواوين يقع القبر الأصلي للشيخ معروف الكرخي وعليه رخامة خضراء مكتوب عليها (مرقد الشيخ معروف الكرخي قدّس الله سرّه العزيز ، المتوفى سنة ٢٠٠ هـ) . أما بقية الكتابة فقذ تم تغطيتها بلوح مرمر أبيض وأسود ، كانت تضم اسم المجرم صدام .

وفي إيوان آخر يوجد قبر الشيخ عيسى شقيق الشيخ معروف . وفيه توجد ثلاث رحلات تحمل مصاحف. ويوجد جدار واطئ من الطابوق يسد مدخل الإيوان الذي يضم القبر. كما يوجد في السرداب قبر الحافظ الدارقطني حيث كتب على الشاهد (بسم الله الرحمن الرحيم ، رنما يخشى الله من عباده العلماء. مرقد الامام الحافظ المحدث علي بن عمر بن أحمد البغدادي الدارقطني. توفي في ذي القعدة سنة ٣٨٥ هـ (٩٩٥ م) إمام الحديث في زمانه).

وفي إيوان آخر كان الشيخ عبد القادر الكيلاني يجلس فيه عن ملازمته لقبر الشيخ معروف.
ويوجد إيوان مغلق بجدار، يقال أنه يؤدي إلى نفق تحت الأرض يصل مرقد الشيخ بالعتبة الكاظمية. وأن الشيخ معروف كان يسلك هذا النفق لزيارة الإمام الكاظم (ع) الذي هو والد الامام الرضا (ع) الذي أسلم الشيخ معروف على يديه. والايوان مغلق بجدار واطئ من الحجر، ولم نتأكد من أنه فعلاً نفق طويل ، بل ربما كان سرداباً عادياً أو مقبرة تضم بعض القبور.
ويوجد إيوان مغلق مسدود بباب برونزي فيه شباك يشابه ما موجود في شبابيك الأضرحة المقدسة.

في أحد الأركان يوجد بئر قديم وعميق ، ما زال يتدفق بالماء، ومزود بدلو نحاسي مع حبل حيث يأتي الزوار لشرب الماء طلباً للبركة والشفاء من الأمراض. وتوجد مضخة ماء تسحب الماء نحو الأعلى إضافة إلى السحب باستخدام الدلو. أما أعلى البئر مغلف بالمرمر ، كما يوجد غطاء نحاسي كبير يغطي فوهة البئر لحمايته من سقوط الحشرات أو الأوساخ فيه.

كتابات على جدران الجامع
شاهدت عدداً من اللوحات الرخامية الكبيرة عليها كتابات محفورة بعضها يتحدث عن سيرة الشيخ الكرخي ، وأخرى تذكر أقواله وحكمه . وجميع اللوحات مثبتة في الطابق العلوي عدا الرخامة الخضراء الموجودة في غرفة المرقد في الطابق السفلي التي تم وضعها عام ١٨٩٤ م عند إعمار الجامع والمرقد من قبل والي بغداد حسن باشا.

اللوح الأول
كتب فيه :
( حضرة الشيخ معروف الكرخي (قدس الله سره العزيز)
قال جازته الصوفية والعلمية عن فريد عصره أبي سليم داوود الطائي.
وهو من حبيب العجمي وهو من الامام الحسن البصري وهو من الامام  
الهمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه ورضي الله عنه) وهو تلقى
الكتاب والعلم والحكمة من حضرة درة صدفة الوجود صاحب الاسراء
والمعراج والشفاعة والمقام المحمود خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا
الشارع صلاح ديننا ودنيانا محمد المصطفى (صلى الله عليه وسلم) فصار حضرته أحد الدعائم
الكبرى في الصرح الصوفي ومن كبار الشيوخ الذين أرشدوا العارفين انتهت
الزعامة العلمية في عصره إليه فهو الحجة العلم في التصوف والمعارف
الإلهية وإمام يستفتى في الفقه والحديث والتفسير وعلوم
الكلام ونال مرتبة الاجتهاد وأجمعت الأمة بأنه مجدد
القرن الثاني عشر الهجري . فتخرج على يديه ومن حلقته كبار متصوفة
وعلماء بغداد وأئمتهم وعنده تلتقي السلاسل الصوفية
والعلمية ومنه أخذ الشيخ سرّي السقطي وسلمها إلى
الشيخ جنيد البغدادي إلى أن طلبت إلى مجدداً لقرن الخامس
الهجري الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله عنهم أجمعين).

اللوح الثاني
ورد فيه :
( جامع حضرة الشيخ معروف الكرخي
١-توفى حضرته سنة ٢٠٠ هـ ودفن في حجرة داره التي عاش فيها وكان ....
٢- جدد تشييد مرقد ومسجد لحضرته بعد وفاته
٣- جدد الخليفة العباسي القائم بالله المسجد والمرقد سنة ٤٥٩ هـ
٤- جدد الخليفة الناصر لدين الله المرقد والجامع لإقامة الصلوات الخمس والجمع ..
٥- جدد السلطان العثماني عبد الحميد الجامع والمرقد فجعل مساحات ...
٦- جدد وطور السيد رئيس جمهورية العراق القائد صدام حسين الجامع ...
مساحته ٨٠٠ مترا مربعا تعلوه قبة وحرم للصلوات الخمس ...
ومئذنة شاهقة برتفاع ٤٣ متراً على هيئة هندسية محم....
الشرعية والإدارية المحيطة بالجامع سنة ١٤١١ هـ - ١٤٢١ هـ )

اللوح الثالث
رقد ألصقت عليه ملصقات بيضاء لاخفاء الكتاب التي عليه ، وهي تتضمن وصف للجهات والأشخاص الذين قاموا بإعمار الجامع . وقد تمكنا من قراءة جزء مما ورد في اللوح:
(بسم الله الرحمن الرحيم (برسمة الطغراء العثمانية)
سيد الأمر وتوجيهات القائد السيد ص ... ح...
.... دائرة الشؤون الهندسية ذنون الزيا.... توسيع وتطوير
مرقد وجامع حضرة الشيخ معروف الكرخي (قدس سره العزيز)
باشراف مباشر من قبل الرائد الحاج علي.. صالح احمد ... المهندس...
...................
عبد الوهاب صالح.... .... احمد عبد الرحمن  احمد الجدة
عبد الرحمن عبد القادر .... علاء قاسم محمد وعبد الله الكيلاني
.... الموصلي .... تصاميم الصحيات .... إبراهيم فالح
...علوان الشاوي تصاميم الكهرباء ... )

اللوح الرابع
وهو عبارة عن لوحة سوداء خط عليها باللون الأصفر ويحيطها إطار خشبي أسود ومثبتة على الجدار بعنوان (السلسلة القادرية) وهي الطريقة الصوفية التي وصل إليها الشيخ معروف الكرخي:
(بسم الله الرحمن الرحيم ، الله جل جلاله
إلى أمين الوحي سيدنا جبريل عليه السلام
إلى سيد الخلق أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
إلى الإمام أمير المؤمنين وإمام الواصلين سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الكريم
(ثم تنشعب السلسلة إلى طريقين:
الأول :  
إلى الامام سيد شباب أهل الجنة سيدنا الامام الحسين رضي الله عنه
إلى الامام سيدنا علي زين العابدين رضي الله عنه
إلي الامام سيدنا محمد الباقر رضي الله عنه
إلي الامام سيدنا جعفر الصادق رضي الله عنه
إلى الامام سيدنا موسى الكاظم رضي الله عنه
إلى الامام سيدنا علي الرضا رضي الله عنه

أما الطريق الآخر الموازي لسلسلة الأئمة (ع) فيبدأ:
إلى سيدنا الحسن البصري
إلى سيدنا حبيب العجمي
إلى سيدنا داود الطائي

بعد ذلك تجتمع السلسلة كالتالي:
إلى سيدنا معروف الكرخي رضي الله عنه
إلي سيدنا السّري السّقطي رضي الله عنه
إلي سيدنا أبي القاسم الجنيد البغدادي رضي الله عنه
إلى سيدنا أبي بكر الشبلي رضي الله عنه
إلي سيدنا عبد الواحد التميمي رضي الله عنه
إلى سيدنا أبي الفرح الطرطوسي رضي الله عنه
إلى سيدنا أبي الحسن الهنكاري رضي الله عنه
إلى سيدنا أبي سعيد المبارك المخزومي رضي الله عنه
إلى سيدنا شيخ الطريق ومعدن الشريعة والحقيقة حضرة الغوث الأعظم
السيد الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره العزيز
(هدية من طرف مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني
بغداد شريف عراق )

لوحة المئذنة القديمة
كتب حديثاً على جانب المئذنة على الطابوق المنجور ما نصه:
(أعيدت صيانة المنارة
سنة إحدى وعشرين
وأربعمائة بعد الألف للهجرة)
(١٤٢١ عـ الموافق عام ٢٠٠٠ ميلادي)


مجموعة الآيات القرآنية
على جانب من الجامع تم بناء مجموعة من الأقواس الرخامية المدببة التي تستند على أعمدة رخامية. وتحت كل قوس كتب آيات قرآنية تعلوها البسملة برسمة الطغراء العثمانية. الخط من المعدن البارز والملصق على الرخام :

( بسم الله الرحمن الرحيم
إنما يخشى الله من عباده العلماء ، إن الله عزيز غفور ، إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور. صدق الله العظيم)

(بسم الله الرحمن الرحيم ، ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون ، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، لا تبديل لكلمات (مكتوبة لكمات) الله ، ذلك هو الفوز العظيم ، ولا يحزنك (سقطت لا يحز) قولهم ، ان العزة لله جميعاً وهو السميع العليم. صدق الله العظيم )

(بسم الله الرحمن الرحيم . قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون. صدق الله العظيم)
( بسم الله الرحمن الرحيم . محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ، تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل. صدق الله العظيم)

(بسم الله الرحمن الرحيم . لقد جاءكم رسول من أنفسكم ، عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم. صدق الله العظيم)

(بسم الله الرحمن الرحيم . قل ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ، واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي ، اشدد به أزري وأشركه في أمري. صدق الله العظيم)

(الا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ، إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا . صدق الله العظيم)

(وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه ، فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين ، فاستجبنا له ونجيناه من الغم ، وكذلك ننجي المؤمنين. صدق الله العظيم).

( وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ، فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر واتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين. صدق الله العظيم)


لوح قصيدة (في حضرة الضوء)
وهي قصيدة من اثنين وعشرين بيتاً من الشعر العمودي. مكتوبة بخط جميل ، ومزينة بزخرفة تشابه المصحف المجيد. وقد كتبها عبد الله حميد جاسم الوهب ، جاء فيها:
في حضرة الضوء تزهو اليوم أنفاق
                 تعانق البدر والأنوار أطباق
تخضر من خدها الفضّي أروقة
                 فتستجيب لحرف (الميم) أوراق
وتنتشي (العين) من عينين قد عرفا
                 إن السماحة للعافين ميثاق
ترف من (رائه) رايات منتصر
                 تسمو لتبقى جموع الحق تنساق
قد فاز من يحتمي في (واو) خلواته
                 فعنده يزدهي فأل وأرزاق
فذ فاح من (فائه) فتح ومعرفة
                 تفتحت منه للأرواح آفاق
تاريخ جُبّ على نهج الصفاء سمت
                 فيه النفوس وللأنوار عشاق
كأنما خُلقوا من رحمة وسُقوا
                 شهداً فطابت بدنيا القُرب أذواق
مرّوا على الأرض غيماً دافئاً وروَوا
                 أرضاً لغيث الهدى والحب تشتاق
كانوا بها وطناً كانوا لها سكناً
                يا طيبهم والهوى للمسك توّاق
تطوف أزواجُهم حباً ومعرفة
                وحولهم أنفس السما ظل وأغداق
صفاتهم في عيون الدهر ماثلة
                وطيب أحرفهم بالذكر رقراق
لم يسلكوا غير درب النور مُتّجهاً
                وفي يديهم لزحف الشر إغلاق
بغداد تشّهدكم كم من الكرام بها
                وفقدها بعدهم يُتم وإشفاق
يا روح معروف بُثي في شبيبنا
                نوراً ليغمرنا حب وإشفاق
كوني لخوف الورى أمناً وملتحداً
               كوني المحبة فالتقييد إطلاق
وارجعي من كتاب الله عزتنا
              ففيه تسموا على الأعراق اعراق
وفيه نمضي إلى عليائنا ألقاً
                وجيل أحوالنا للحب سبّاق
يا أهل معروف يا روّاد حضرته
               بكم سيمحى بساح الروح إخفاق
يا كل طهر وإيمان ومعرفة
                إنّا ورب الهدى نشتاق نشتاق
نشتاق للجبل الراسي بخلوته
               معروف من جاله للناس ترياق


مقبرة الشيخ معروف الكرخي

تحيط المقبرة بالجامع والمرقد من جميع الجهات. وهي مقبرة قديمة كانت تسمى بمقبرة باب الدير. ولعلها سميت بذلك نسبة إلى الدير الذي كان في جوارها ، وهو الدير الذي كان يُعرف باسم (دير الجاثليق). وكان يسمى أيضاً (دير كليل يشوع) أي أكليل يسوع أو (دير مار كليل يشوع). وكان هذا الدير من أهم ديارات بغداد الرئيسة بدلالة أن ستة من الجثالقة دفنوا فيه. ويستخلص مما جاء في كتاب (أخبار مطاركة كرسي المشرق) من (كتاب المجدل) لعمرو بن متي وماري بن سليمان أن عمارة الدير جُددت في سنة ٢٠٨ هـ (٨٢٣ م). وقد بقي عامراً بعد ذلك أكثر من خمسمائة عام حيث كان قائماً في زمن عبد الحق المتوفى سنة ٧٣٩ هـ (١٣٣٨ م). (٢٢)

ويذكر صاحب (خير الزاد في تاريخ مساجد وجوامع بغداد) أن (دير كليل يشوع) أي أكليل يسوع قد تم ترميمه من قبل الجاثليق طيمثاوس الأول (توفي سنة ٢٠٨ هـ / ٨٢٣ م) وأعاد ما ألحق به من أضرار بالدير القديم أي دير مار فثيون (عند مشهد المنطقة). وقد دُفن الشيخ الزاهد معروف الكرخي قريباً من هذا الدير، فصار قبره فيما بعد مقبرة أخذت بالاتساع حتى أضحت من كبريات مقابر بغداد ، وسميت بمقبرة باب الدير لمجاورتها ذلك الدير. (٢٣)

وتُعد من أكبر المقابر في بغداد من حيث المساحة. إد تبلغ مساحتها على (١١٠،٠٠٠ متر مربع). وتنقسم إلى أربعة أجزاء كبيرة بسبب فتح الشوارع العريضة ، وتوسيع أخرى قديمة أثناء تحديث منطقة الكرخ في ثمانينيات القرن العشرين.

أشهر المدفونين في المقبرة
ولما كانت مقبرة الشيخ معروف من المقابر القديمة في بغداد فقد صارت مكاناً لدفن الكثير من المشايخ والمؤرخين والمحدثين. وهذه قائمة بأشهر المدفونين في مقبرة الشيخ معروف:
١-العلامة أبي الثناء الألوسي (ت ١٢٧٠ هـ)
٢- ضريح المجدد داود السعدي (ت ١٢٩٧ هـ)
٣- ضريح أسرة السنوي (١٣٤٥ هـ) ومنهم قبر الشيخ عبد المجيد القسيم السنوي (١٢٧٦-١٣٤٥ هـ)
٤- ضريح الشيخ مشوح الذي جُدّد عام ٢٠٠٠ م
٥- ضريح الشيخ كاظم أبو السعد الرفاعي (ت ١٢٨١ هـ)
٦- قبر يوسف السويدي كتب على شاهده ( المرحوم يوسف آل السويدي العباسي ، رئيس مجلس الأعيان. توفاه الله ليلة الأربعاء ٢٣ ربيع الأول ١٣٤٨ هـ (٢٨ آب ١٩٢٩)
٧- قبر الوزير ناجي السويدي (هذا ضريح ناجي بن يوسف بن نعمان العباسي الشهير بالسويدي المدفون بساحة الشيخ معروف. وقد أرّخ وفاته أحد أصدقائه بقوله:
ضاقت ساحة معروف ليلا   بغير ..ث..ة وبلا سراج
هل الكوكب الدري فيها     يشع نوره من غير ناجي
ناجي الفضل عنه فقال أرخ  (بكل فضيلة قبر ناجي)  
سنة ١٣٦٣ هـ (١٩٤٤)  وكتب على القبر هذا التاريخ  ٣ / ٩ / ١٩٣٩ م.
الجدير بالذكر أن ناجي السويدي كان وزيراً للمالية في حكومة رشيد عالي الكيلاني. وبعد فشل انقلاب مايس ١٩٤٤ بقيادة العقداء الأربعة هرب مع مجموعة من الوزراء ورشيد عالى إلى آيران. وتم تسفير ناجي وبقية الوزراء إلى جنوب أفريقيا حيث توفي هناك. وفي وقت لاحق تم نقل رفاته إلى بغداد.
٨- العلامة عبد الرحمن الآلوسي (ت ١٨٦٦م) وابنه حامد أفندي ( ١٨٧٣ م)
٩- الشيخ طه والشيخ نوري الشيرواني
١٠- غرفة تضم قبور آل الحريري
١١- قبور أسرة آل القشطيني
١٢- قبر والدة رئيس الوزراء نوري السعيد. جاء في شاهد القبر (هذا ضريح مرقد فاطمة بنت السيد عبد الرزاق. وهي الامرأة الوحيدة التي دخلت جمعية العهد في الاستانة عضواً عاملاً وحضرت جلساتها  السرية لتحرير الأوطان العربية. وقد ربّت نجلها الكريم الجنرال نوري باشا السعيد على مبدئها من فك أغلال الوطن الثقيلة ، ولكنها رحمها الله تعالى لقيت منيتها قبل أن تشاهد ما كانت تؤمّل له . وذلك في شهر رجب ١٣٣٣ هـ المصادف سنة ١٩١٥ ميلادية. إلى روحها الفاتحة). من الأرجح أن هذا الشاهد قد كُتب بعد وقاتها بسنوات ، وبعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام ١٩٢١ ، وكان لنوري السعيد دور واضح فيها. لأن النص سماه (نوري باشا) وكان عام ١٩١٥ مجرد ضابط برتبة عالية في الجيش العثماني. ولعل الشاهد قد صُنع عام ١٩٢٢ عندما كان نوري السعيد مديراً للشرطة العراقية ، أو في عام ١٩٣٣ عندما أصبح رئيساً للوزراء لأول مرة. وهذا الشاهد يمثل وثيقة تاريخية تخص أول سيدة عراقية انتمت إلى جمعية سرية تسعى لاستقلال البلدان العربية.
١٣- الوجيه البغدادي الشهير عبد القادر الخضيري حيث ورد في شاهد قبره (بسم الله الرحمن الرحيم . كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام . هو الباقي :
 هذا الضريح  سقته سحباً لناظر
                    دمعاً سيح من الغمام الماطر
ذا روضة خضراء ليست حفرة
                    فأقول تسقى بالسحاب الهامر
أيقال فيها فرح من بعده
                    قد حل فيها الطاهر ابن الطاهر
نجل الخضيري الذي من لحضه
                     وجنى بيده كل روض زاهر
مذ عطّرته الخلد طيباً أرخوا
                   (بشر الجنان لروح عبد القادر)  
إن حساب الجمل حسب ما ورد في شاهد القبر يساوي عام ١٢٩٣ هـ . وهو لا يتطابق مع تاريخ وفات وفاة عبد القادر المثبت عام ١٣٤١ هـ.        
١٤- والد الزعيم عبد الكريم قاسم حيث كتب على القبر ( بسم الله الرحمن الرحيم . إن الأبرار لفي نعيم. صدق الله العظيم. المرحوم بإذن الله محمد بكر والد الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم مؤسس الجمهورية العراقية. توفي في ٥ / ٨ / ١٩٥٦ م ، ٢٩ ذو الحجة ١٣٧٥ هـ ). وذكر الدفان في المقبرة أن الزعيم زار والده مرة واحدة عام ١٩٥٩.
١٥- التاجر البغدادي محمود البنية
١٦- رشاد عارف سعيد عضو مجلس السيادة (١٩١٣-١٩٩٣)
١٧- الفنان يحيى حمدي (١٩٢٥- في بداية التسعينيات)
١٨- عبد الرحيم السويدي (ت ١٩٠٩م) ، نعمان السودي ، عبد الرحمن السويدي (١٧٨٥م)
١٩- محمد سعيد (ت ١٨٠٨م) ، أبو المحامد أحمد (ت ١٧٩٥ م)
٢٠- محمود أفندي الآلوسي مفتي بغداد  (ت ١٨٥٣ م) ، وولده عبد الباقي أفندي (ت ١٨٨٠م)
٢١- قبور الشهداء الذين استشهدوا في الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٤.

سقاية الخضيري
وهي من منشآت المرحوم عبد الرزاق جلبي الخضيري والد عبد القادر الخضيري. وقد دفن بالقرب من هذه السقاية عبد القادر ، وشيّد عليه قبر رصين بالرخام والآجر. وقريباً من هذه السقاية بناية عليها غرفة لعبد المجيد أفندي الخضيري عليها رخامة وضعت على بابها مؤرخة ١٣٤٠ هـ (١٩٢١م).

ضجة حول تجريف قبور المقبرة

في نهاية تشرين الثاني عام ٢٠٢٣ أثيرت ضجة كبيرة حول نية وزارة الإعمار والبلديات إنشاء شارع وسط المقبرة ومن نتائج ذلك تجريف عدد من القبول. وقد انهالت صيحات الاستنكار ونداءات احترام مقدسات الناس . وتحدثت القنوات التلفزيونية والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي عن ضرورة تراجع الوزارة عن هذا المشروع. وفي ٣ كانون الأول ٢٠٢٣ صرح وزير الاعمار والبلديات بأن الوزارة لن تشق الشارع بل ستقوم بإنشاء مجسر يعبر المقبرة ، لتقليل عدد القبور التي يتم رفعها. ونفى الوزير أنه لا صحة لما يُشاع حول رفع المقبرة بالكامل وإنما فقط القبور التي تقع تحت أعمدة الجسر. وأضاف أنه تم التنسيق مع الوقف السني وعرض الأمر على الفقهاء وفق القواعد الشرعية.

الهوامش
١-مصطفى جواد (دليل خارطة بغداد المفصل) ، ص ٩٠
٢- شمس الدين الذهبي (وفيات الأعيان) ، ج ٩ - ص ٣٤٠- ٣٤٩
٣ - مرتضى نظمي زادة البغدادي (تذكرة الأولياء) ، ص ٢٢١ ، ، الطبعة الأولى ، بيروت: ٢٠١٢
٤- الذهبي (وفيات الأعيان) ، ج ٥ ، ص ٢٣١.
٥-  الذهبي (وفيات الأعيان) ، ج ٥ ، ص ٢٣٣
٦- باقر شريف القرشي (موسوعة سيرة أهل البيت) ، ج ٣١ ، ص ٣٩٤ ، دار المعروف للنشر ، قم : ٢٠٠٩
٧- محمد سعيد الراوي (خير الزاد في تاريخ مساجد وجوامع بغداد) ، ص ٤٦٦ ، وزارة الثقافة العراقية ، الطبعة الأولى ، بغداد: ٢٠١٣  
٨- مرتضى نظمي زادة البغدادي (تذكرة الأولياء) ، ص ٢٢٦
٩- الخطيب البغدادي (تاريخ بغداد) ، ج ١٣ ، ص ٢٠٩
١٠- سعدي إبراهيم الدراجي (الآثار في مقابر بغداد) ، ج ١ ، ص ٨١ ، وزارة الثقافة العراقية ، بغداد: ٢٠٢٣
١١- مصطفى جواد ، مصدر سابق ،  ص ٨٩
١٢-كامل مصطفى الشيبي  (الصلة بين التصوف والتشيع) ، ص ٣٥٦ ، دار المعارف بمصر ، الطبعة الثانية.
١٣- سعدي الدراجي ، مصدر سابق ، ج١ ، ص ٨٢ نقلا عن ابن الجوزي (المنتظم ، ج ١٦ ، ص ١٠٢ )
١٤- مصطفى جواد ، مصدر سابق ، ص ٩٠
١٥- محمد سعيد الراوي ، مصدر سابق ، ص ٤٦٢ .
١٦- محمد سعيد الراوي ، مصدر سابق ، ص ٤٦٢  
١٧- سعدي الدراجي ، مصدر سابق ، ج ١ ص ٨٢
١٨- محمد سعيد الراوي ، مصدر سابق ، ص ٤٦٣
١٩- عبد الحميد عبادة (العقد اللامع بآثار بغداد والمساجد والجوامع) ، ص ٤٥٢ ، الطبعة الأولى ، أنوار دجلة ، بغداد ٢٠٠٤ ، تحقيق عماد عبد السلام رؤوف.
٢٠- سعدي إبراهيم الدراجي ، مصدر سابق ، ج ١ ، ص ٨٣
٢١- سعدي الدراجي ، مصدر سابق ، ص ٨٣.
٢٢- مصطفى جواد ،  مصدر سابق ، ص ٩٠
٢٣- محمد سعيد الراوي ، مصدر سابق ، ص ٤٦١

أخر الأخبار