• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

سلسلة أبنية تراثية بغدادية - بيوت تراثية ٢

سلسلة أبنية تراثية بغدادية - بيوت تراثية ٢

  • 21-08-2023, 18:29
  • مقالات
  • 209 مشاهدة
د. صلاح عبد الرزاق

"Today News" : بغداد 

بيت الدبلوماسي أمين المميز

الأسرة

ولد محمد أمين المميز عام ١٩٠٨ في محلة الدنگچية التي أصبحت محلة جديد حسن باشا نسبة لوالي بغداد الذي بنى جامعاً فيها. والمحلة قديمة عاشت فيها أسرته حتى عام ١٩٣٥ عندما بنى والده بيتاً في محلة الصرافية. وكانت أسرته من الأسر المعروفة والثرية في بغداد. ويرى المؤرخ إبراهيم آوچي أن أسرة المميز من الأسر التركمانية التي استوطنت العراق وأصولهم من كركوك. وقد سكنت بغداد أيام الوالي (داود باشا) حيث اختص جدهم الأكبر بوظيفة (المميز) بمعنى (المدقق) ، وبها عرفوا لتستعرب العائلة على مر السنون وأشهرهم أحمد المميز. ويذكر أمين المميز بأن جدهم الأعلى أحمد باشا ووالده الوالي حسن باشا قد حكما بغداد حكماً شبه مستقل عن السلطنة العثمانية قرابة نصف قرن. وأن أحمد باشا هو والد عادلة خاتون صاحبة الخيرات والنفوذ.
 
والده هو عبد الجبار حلمي بك بن إبراهيم حلمي أفندي المميز بن محمد بك ، أخ محمد صالح بك الكبير، وهما إبنا إسماعيل الكبير بن الوزير عبد الرحمن باشا والي كركوك. وعبد الرحمن باشا هو زوج فاطمة خاتون بنت حسن باشا (والي بغداد لعشرين عاما من ١٧٠٤ إلى ١٧٢٣). وفاطمة خاتون هي عمة عادلة خاتون بنت أحمد باشا (والي بغداد لخمس وعشرين عاماً من ١٧٢٣- ١٧٤٧). توفيت عادلة خاتون عام ١١٨٢ هـ وزارها الرحالة الألماني نيبور عام ١٧٦٦. وكان أخوه عبد الستار آخر المتولين لوقف عادلة خاتون حتى تصفية الوقف عام ١٩٥٨، ولد في الدنگچية وتوفي في الصرافية عام ١٩٧٠.
ولد عبد الجبار حلمي في الدنگچية وتوفي في الصرافية عام ١٩٣٩ ودفن في مقبرة عادلة خاتون . وأما جد أمين المميز هو حلمي بك ولد في الدنگچية وقتل في الشامية عام ١٩٠٥ ودفن في النجف. وأما أم أمين فهي جميلة بنت سيد فهد ولدت في الصقلاوية توفيت في الصرافية عام ١٩٥٨ ، والدها من عشيرة الچحالة (الكحالة) وهي فخذ من عشيرة المحامدة من عشائر الدليم. وكان والدها سيد فهد مدير ناحية عنة ، ولد فيها ودفن في الفلوجة.
كان آل المميز من السنة الأحناف ، في حين كانت أمه وأجدادها من السنة الشافعية.

أقوال بمدينة بغداد

في كتابه (بغداد هكذا عرفتها) يورد أمين المميز بعض الأقوال التي تمجد ببغداد مثل:
-سأل الشافعي تلميذه يونس بن عبد الأعلى: يا يونس هل دخلت بغداد؟ قال: لا ، قال الشافعي: ما رأيت الدنيا ولا رأيت الناس.
- قال أبو بكر بن عياش: الإسلام ببغداد ، وانها لصيادة لعظماء الرجال، ومن لم يرها لم ير الدنيا.
- قال الجاحظ: الصناعة بالبصرة ، والفصاحة بالكوفة ، والتجارة بمصر ، والخير ببغداد.
- قال أبو عمرو بن العلاء: من أقام ببغداد ومات فيها ، نقل من جنة إلى جنة.
- قال بن جبير: لا يستكرم البغداديون في معمور البسيطة مثواهم، كأنهم لا يعتقدون أن لله بلاداً أو عباداً غيرهم.
- يقول مثل إنكليزي : حتى بغداد ليست بعيدة عن المحب الولهان  To the lover even Baghdad is not far.  

محلة الدنگچية وخارطة بغداد

تعد محلة الدنگچية من أكبر محلات بغداد من حيث المساحة وعدد الدور والمرافق العامة. وقد ظهرت على الخرائط القديمة كأكبر محلة في بغداد مثل خارطة (فيلكس جونز وكينكوود) التي وضعت عام ١٨٥٤. إذ كانت تضم جزءً من محلات الميدان وجديد حسن باشا وباب الأغا والعاقولية وإمام طه والدشتي والصفافير والمولة خانة. في عام ١٩٠٨ وضع الضابط رشيد خوجة أول خارطة تفصيلية وفقاً للمسيح الميداني الذي أجراه شخصياً، فظهرت الدنگچية وأزقتها وحدودها بشكل واضح. وفي عام ١٩١٧ وضع وزير الأشغال الكردي محمد أمين زكي بك خارطة تفصيلية وظهر عليها اسم الدنگچية بوضوح.
بعد احتلال بغداد عام ١٩١٧ قام ضابط إنكليزي بالإشراف على شؤون الطابو، فوضع خارطة جديدة لبغداد تستند إلى المسح الفني الذي تولاه مساحون هنود يعاونهم مساعدون من العهد العثماني من موظفي الطابو، في تشرين الثاني ١٩١٨ وضعوا أول خارطة لمحلات بغداد ، وأعطوا للعقارات تسلسلاتها المستندة إلى أسماء المحلات وللأبواب أرقامها المستندة إلى سجلات البلدية (أمانة العاصمة). وانقسمت محلة الدنگچية إلى محلتي جديد حسن باشا وباب الأغا.

بقيت تلك الخارطة المرجع الأساس في دوائر التسجيل العقاري لمحلات بغداد حتى بدأ الترقيم الحديث في الثمانينيات من القرن العشرين. وجاء التقسيم الإنكليزي ليضم (١٠٠) محلة في الكرخ والرصافة ، في حين كان عدد محلات بغداد وعگودها تربو على (١٠٠٠) محلة. فبعضها كانت تأخذ اسمها من مقام أو ضريح لولي أو جامع، وأخرى سميت بأسماء شخصيات بارزة من سكنتها، وبعضها سمي بأسماء معالم بارزة أو مرافق اشتهرت بها، في حين سميت أخرى بأسماء العوائل والعشائر التي استوطنتها. وكان عدد سكان بغداد لا يتجاوز المائة ألف نسمة، وكلهم مكدسين في تلك الرقعة الضيقة.  

إن اسم الدنكجية مأخوذ من جهاز يسمى بالدنگ، كان منصوباً في دكان في عگد الصخر (قريب من سوق الصفافير حالياً) ويستعمل لتهبيش التمن. وهو عبارة عن صخرة كبيرة مشدودة إلى ذراع طويل من الخشب يشبه العتلة، فيرفع الصخرة عدد من العمال ثم يهوون بها على التمن فتهبشه (أي تفصل السحالة عن حبات التمن الصحيحة). وكان أصحاب العلاوي يقصدون هذا الدكان لتهبيش التمن بكميات كبيرة بدلاً من الجاونات المنزلية. وكان للدنك دوي شديد يصل صداه إلى الدور المجاورة ولمسافات بعيدة فيخرق الهدوء ويؤذي سكان المحلة خاصة عند الفجر وساعات الصباح الأولى.

لم يبق من محلة الدنگچية أثر اليوم ، فقد اختفى اسمها ومعظم أبنيتها ومعالمها. أما مركز الدنگچية أي محلة باب الأغا فقد ذاع صيتها وصارت مضرب الأمثال والقصص. ويعود اسم الأغا إلى أحد الأغوات الانكشارية العثمانية يدعى أحمد أغا ، حكم بغداد حكماً استبدادياً ومزاجياً، فكان يسجن من يشاء ويعفو عمن يشاء.

تقع محلة الدنكجية في جانب الرصافة وتضم شارع المتنبي وشارع الرشيد ومحلة رأس القرية وشارع البنوك (السموأل). وتقع فيها دوائر السراي والقشلة وأمانة العاصمة والبريد والبرق والثانوية المركزية والمدرسة الرشدية (المركز الثقافي البغدادي حالياً)، إضافة إلى سوق السراجين (السراي) وسوق الهرج وسوق الأقمشة وسوق السجاد والشورجة ، ومحلات الصاغة والخياطة والخفافين والصفارين. وتوجيد فيها خانات مختصة مثل (خان الرماح الكبير) و (خان الرماح الصغير) في سوق السراي التي تباع فيها المواد العتيقة المستلكة، ومنها (خان الجبن) و (خان محمود أفندي) و (خان التتن) التبغ ، وخان الگمرك (الريجي) و(خان عبد الهادي الشهربلي) و(خان الچلبي) و (خان البرواري) و (خان المنكنة) و (خانات العطار) الخمس ، الخان الذي تأسس فيه البنك العثماني. ويوجد (خان دلة الكبير) الذي كانن مركزاً للشرطة في عهد الاحتلال البريطاني ثم عاد إلى عهده السابق. و كذلك (خان الأورطمة) الذي يسمى (خان مرجان) ، و(خان كبك) ، (خان مخزوم) ، و (خان العدلية) وقف عادلة خاتون الذي كان مخزناً للگمرك ثم أدمج بالمدرسة المستنصرية ، و (خان الباچچي) المجاور لجامع الخفافين ، و(خان أحمد أغا كركوكلي) ، وأخيراً (خان جغان) الشهير.

أما أشهر جوامع محلة الدنگچية فهي جامع الآصفية (مرقد الشيخ الكليني) الواقع في رأس جسر الشهداء ، و (جامع الوزير) المجاور لسوق السراي ، و (جامع الخفافين) المجاور لـ (مرقد السيد إسماعيل بن إبراهيم الأصغر بن الامام الكاظم (ع) ) ، و (جامع القبلانية) و (جامع الكببچية) و (جامع عادلة خاتون) الذي تهدم في الأربعينيات ، و(جامع عثمان أفندي) و (مسجد سلطان حمودة) و (مسجد الصفافير) و (مسجد السكة خانة).

وكانت المحلة تضم عدد من المقاهي مثل (مقهى المميز) الواقع بجوار المدرسة المستنصرية ، ويطل على نهر دجلة وكان يسمى بـ (الگهوة المعلگة) لأنها تقع في الطابق الثاني فوق مجموعة من الدكاكين. وقد ذكرها عدد من الرحالة الأجانب والمؤلفين عن بغداد. وقد بقي مقهي المميز قائماً حتى الستينيات عندما تم تهديمها من أجل فتح كورنيش المستنصرية الذي افتتحه عبد الكريم قاسم.  ويقع في المحلة (مقهى الشابندر) و (مقهى الزهاوي) و (مقهى حسن عجمي) وغيرها.

نشأة أمين المميز

درس أمين في كتّاب الملا إبراهيم ابن الملا أحمد الشيخلي في جامع عادلة خاتون . حيث تعلم الحروف وحفظ القرآن حتى قام نبيه المميز بأخذه إلى مدرسة حكومية تعطيهم كتباً وأقلاماً وورقاً ملوناً (آبرو) وملابس كشافة. تم تسجيل أمين وأخيه عبد الستار في المدرسة الحيدرية التي تقع في الزقاق خلف جامع السراي. وقد أختير بيت الشيخلي ليكون مقراً للمدرسة الحيدرية. وهو منزل واسع فيه عدد كبير من الغرف وحديقة وسرداب. في المدرسة الحيدرية وجد أمين أجواءً جديدة كلها نشاطات وفعاليات مدرسية جذابة ومنافسات علمية ورياضية من قبل زملائه الطلاب الأكبر سناً. أما هو فقد كان ضمن فرقة  (فروخ الذيب)  يرتدون ملابس تشبه ملابس الكشافة ، ومعه عقال وغترة. وكانت جمعية الكشافة التي أسسها السوري ساطع الحصري (١٨٨٠- ١٩٦٩) ويرأسها اللواء جميل الراوي (١٨٨١- ١٩٤١) هي التي تزود فروخ الذيب بالملابس والشعارات. تخرج من المدرسة الحيدرية عام ١٩٢٥.
انتقل أمين إلى المدرسة المأمونية الواقعة في ساحة الميدان والتي أنشأها حكمت سليمان (١٨٨٩- ١٩٦٤) عام ١٩٠٨ عندما كان مديراً لمعارف ولاية بغداد في العهد العثماني. التحق بالمدرسة الثانوية المركزية التي كانت المدرسة الثانوية الوحيدة في بغداد وتخرج منها عام ١٩٢٩.

حادثة انيس النصولي

 يتحدث أمين المميز عن ذكرياته في الثانوية المركزية فيذكر ثلاث حوادث ذات صبغة سياسية:

 الأولى مظاهرات النصولي في ١ كانون الثاني ١٩٢٧. وكان أنيس زكريا النصولي (١٩٠٢ – ١٩٥٧) وهو مدرس لبناني يعمل في بغداد قد نشر كتابه (الدولة الأموية في الشام) ويهديه إلى بني أمية بقوله ( ومن أحق بتاريخ أمية  من أبناء بني أمية؟ ومن أحق بتاريخ معاوية والوليد من أبناء معاوية والوليد؟ ). الأمر الذي أثار الأوساط الشيعية الذي اعتبروا الكتاب موجهاً ضد الشيعة. الذي لديهم موقف حاد ضد معاوية ويزيد والوليد. وقامت احتجاجات شيعية ضد الكتاب فقرر وزير المعارف عبد المهدي المنتفكي (١٨٨٩- ١٩٧٢) فصل النصولي. ولما اعترض زملاؤه السوريون وأصروا على استقالتهم شملهم قرار الفصل. عندها قام طلاب الثانوية المركزية ودار المعلمين بتظاهرات أمام وزارة المعارف . وزدت التظاهرة إلى صدام مع الشرطة. وقد انتقد مدير التعليم العام ساطع الحصري فصل النصولي. والحصري معروف بطائفيته وسبق أن فصل الشاعر محمد مهدي الجواهري (١٨٩٩- ١٩٩٧) لأنه كتب قصيدة يمدح فيها أحد مصايف إيران!!!

يقول أمين المميز: توجهت التظاهرة نحو وزارة المعارف ، وكانت يومئذٍ بجوار بناية المتحف العراقي في شارع الجسر القديم. فتصدت الشرطة لتفريقهم ، ولما عجزت عن ذلك استعانت بالاطفائية التي أخذت تسلط عليهم خراطيم الماء البارد في ذلك اليوم القارس البرودة. غير أن أخي عبد الستار المميز وزميله كامل إبراهيم ومعهما أنور نجيب وطالب رفعت هجما علي الأوسطة علي وإبراهيم شندل وهما من كبار رجال الإطفاء، وانتزعا منهما خراطم الماء ووجهاها نحوهما ونحو المستر فيشر مدير الاطفائية الإنكليزية. وفي النهاية تغلبت الشرطة والاطفائية على التظاهرة بقيادة السيرجنت دين رئيس عرفاء شرطة السراي. وتوقيف زعماء التظاهرة وغلق المدرسة الثانوية. وتم طر بعض الطلاب طرداً مؤبداً وهم حسين جميل ، عبد اللطيف محي الدين ، أنور نجيب ، فائق السامرائي. وطُرد آخرون لمدة شهر وهم فؤاد درويش وخالد إبراهيم الچوربچي وأخوه عبد الرحمن وأخي عبد الستار عبد الجبار المميز وعبد القادر إسماعيل وكامل إبراهيم. أما زعيم المتظاهرين المدرس يوسف زينل فقد فصل من الوظيفة وأبعد عن بغداد إلى الفاو ثم إلى قضاء عانة بموجب قانون العشائر النافذ آنذاك.

وأما أمين المميز فقد تعرض لعقوبة خفيفة حيث يقول: بينما كنت عائداً من المدرسة الثانوية لأتسقط أخبار أخي ومصير الطلاب الآخرين ، متوجهاً إلى بيتنا في الدنگچية ماراً من أمام مركز شرطة السراي، وإذا برئيس العرفاء عبد الرزاق يركض ورائي ويربت على كتفي قائلاً: تعال المدير يريدك. ثم اصطحبني إلى المركز وأدخلني غرفة الحرس حيث بقيت هناك حوالي ثلاث ساعات ، ثم عاد ليقول لي: گوم روح لبيتكم.

أما الطلاب المفصولون فقد سافر بعضهم إلى خارج العراق لمتابعة دراستهم منهم حسين جميل وعبد اللطيف محي الدين اللذين سافرا إلي دمشق، وأنو نجيب الذي سافر إلى بيروت ثم إلى باريس، وأخي عبد الستار سافر إلى لبنان والتحق بالكلية الوطنية في الشويفات. وبعد مرور فترة من الوقت وهدأت الأوضاع تم إلغاء قرارات الفصل وعاد الطلاب إلى صفوفه.

يتحدث أمين المميز بنفس غير وطني عندما يهاجم وزير المعارف الشيعي السيد عبد المهدي المنتفكي (والد السيد عادل عبد المهدي) ، ويقول أن الوزير استخدم مدرسين يحملون الجنسية الإيرانية مثل محمد الدشتي وأحمد أمين ، وبضعة طلاب من رسٍّ فارسي وعناصر أخرى من المغرضين والانتهازيين والمشاغبين، غير أن محاولاته باءت بالفشل.
ويستمر المميز في ازدرائه للطلاب الآخرين ويتهمهم بتلقي أوامر من صاحب دكان إيراني فيقول (إن هؤلاء الطلاب من المدرسة الثانوية وبعضهم من دار المعلمين وآخرون من مدرسة (شرافت ايرانيان) التي كانت إلي جانب الكرخ قبل انتقالها إلى بناية (الأليانس) في الحيدرخانة ثم إلى الوزيرية ، كانوا يتلقون توجيهاتهم من دكان (مرزا كاظم) الواقع في سوق السراي في الركن المؤدي إلى جامع الوزير. وكان هذا المرزا المشبوه بتعاطي بيع القرطاسية وأقلام الپاندان ، ويعتمر كلاو أسود ، ويتكلم العربية برطانة فارسية بغيضة!!
ويدافع المميز عن هوية التظاهرة بأنها ليست طائفية بدليل مشاركة طلاب شيعة فيها أمثال محمد جواد جعفر وأخيه ضياء جعفر وصادق عبد الغني والسيد جواد الجصاني ومحمد جواد حسين وعبد الحميد الچرچفچي وعبد العزيز مكية وعبد الهادي المختار ومحمد جواد الخطيب وطالب صابئي.

أما الحدث الثاني الذي شهدته المدرسة الثانوية المركزية فكان عام ١٩٢٨ عندما زار بغداد الصهيوني السير ألفريد موند (١٨٦٨- ١٩٣٠) Alfred Mond فتجمع طلاب المدرسة الثانوية ودار المعلمين وخرجوا بتظاهرة متوجهين إلى جسر الخر ، ينادون بسقوط الصهيونية ووعد بلفور ويهتفون لفلسطين. تصدت كتيبة من شرطة الخالية بقيادة مدير شرطة بغداد حسام الدين جمعة وفرقت المتظاهرين بالخيزرانات والهراوات والدونكيات وسنابك الخيل، وغير اتجاه موكب الضيف إلى الكاظمية ثم بغداد. واثر تلك المظاهرة تم فصل عدد من الطلاب ، وأوقف الخياط اليساري عاصم فليح ، وأبعد المدرس يوسف زينل مرة ثانية وكان معتمد (نادي التضامن) الذي دبرت المظاهرة بين جدرانه.

أما المظاهرة الثالثة فكانت يوم تشييع جثمان شيخ زوبع الشيخ ضاري المحمود المتهم بقتل المسؤول السياسي البريطاني الكولونيل جيراد ليچمان (١٨٨٠- ١٩٢٠) Gerard Evelyn Leachman الذي أغتيل في ١٢ آب ١٩٢٠. وكانت المحاكمة تجري في المحكمة الكبرى (المركز الثقافي البغدادي حالياً) وهي قريبة من المدرسة الثانوية. يقول أمين المميز: كنا نتهرب من الصفوف ونقصد المحكمة لمتابعة سير المحاكمة. وكان يرأس المحكمة قاض بريطاني اسمه القاضي الكسندر. وقد دافع عن المتهم عدد من المحامين هم الشيخ أمجد الزهاوي وداود السعدي وعلي محمد الشيخ علي وياسين قدوري. وبعد صدور الحكم على الضاري بالاعدام وتبديله بالسجن المؤبد، تظاهرنا في ساحة المحاكم ثم تفرقنا بعد نقل المحكوم عليه في سيارة السجن السوداء ، وهو في أشد حالات المرض. وبعد وفاته في مستشفى السجن تم تشييع جثمانه إلى مقبرة الشيخ معروف في مظاهرة كبيرة وعاطفية سار فيها الطلاب من كافة المدارس وأبناء الشعب يحملون اللافتات وصور الفقيد وجريدة الاستقلال مجللة بالسواد.

أمين المميز في الجامعة الأمريكية

تخرج المميز من المدرسة الثانوية عام ١٩٢٩ ، فحصل مباشرة على بعثة علمية إلي الجامعة الأمريكية في بيروت. وهذا أمر طبيعي لمن لديه عائلة ذات نفوذ وناجح في الثانوية . وبناء على طلبه تحملت الحكومة نصف النفقات بتوسط من عبد العزيز القصاب. ولأن حالته المادية جيدة ، فأراد عدم الالتزام بالعمل بسلك التعليم لأربع سنوات بل لسنتين فقط.
قضى أربع سنوات في الجامعة الأمريكية  في كلية الإدارة والعلوم حيث تعلم الإنكليزية ودرس علوم الطبيعة والرياضيات والتاريخ والاقتصاد والاجتماع والتربية والحقوق والزراعة.
 
أثناء الدراسة الجامعية انضم المميز إلي (النادي العراقي) وهو نادي سياسي قومي يعقد اجتماعاته خارج الجامعة. وكان يرأسه الكردي علي حيدر سلمان (١٩٠٥- ١٩٩١). وكان يخطب في النادي كبار القوميين أمثال: الشيخ اللبناني إبراهيم المنذر(١٨٧٥- ١٩٥٠) وعلي ناصر الدين. كما أصبح المميز عضوا في (جمعية العروة الوثقى) والعروة الوثقى كان اسم جريدة أصدرها جمال الدين الأفغاني (١٨٣٨- ١٨٩٧) وتلميذه الشيخ محمد عبده (١٨٤٩- ١٩٠٥) في باريس عام ١٨٨٣. وكان يرأس جمعية العروة الوثقى في بيروت ممدوح زكي ثم الأردني سليمان النابلسي (١٩٠٨- ١٩٧٦) وعوني الخالدي (١٩١٢- ١٩٨٥) حيث كان أمين المميز نائباً له.

كان المميز يرتاد مكتبة الجامعة الأمريكية حيث اطلع على مختلف الفنون والعلوم الحديثة ، وهناك تولدت لديه نزعة الكتابة والتأليف. وكان يلتقي بمجموعة من الطلاب المثقفين أمثال الفلسطيني إبراهيم طوقان (١٩٠٥- ١٩٤١) والشاعر حافظ جميل (١٩٠٨- ١٩٨٤) والفلسطيني المسيحي جورج الفاهوم والموصلي المسيحي كامل قزانچي (١٩٠٧- ١٩٥٩) وبهجت كشمولة وغيرهم.

وصار المميز يميل للتمثيل فشارك في الحفلات السنوية للجامعة . ففي السنة الأولى مثل دور زوجة بغدادية ترتدي الچرغد (عصابة الرأس) والفوطة (الخمار الأسود) والهاشمي المطرز (لباس نسائي أسود خفيف) وهي تهز الكاروك (المهد) وتلولي (تهدهد) لطفلها (دليلول يالولد يا ابني دليلول – عدوك عليل وساكنن الچول دليلول ).
وفي السنة الثانية مثل دول شرطي هندي في خان دلة أيام الاحتلال البريطاني.

يقول المميز: من أفضال الجامعة الأمريكية الكثيرة عليّ أنها غرست في نفسي حب الأسفار والضرب في آفاق الأرض الواسعة. ففي السنة الأولى قمت بأول وأمتع سفرة في حياتي هي سفرتي الأولى إلى القاهرة في ربيع عام ١٩٣٠. وهناك شاهدت أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب والأهرامات والقناطر الخيرية وحديقة الحيوانات والمتحف المصري وقلعة محمد علي ومسيج سيدنا الحسين (ع) والأزهر الشريف وخان الخليلي.

 وفي ربيع السنة الثانية ١٩٣١ قمت بسفرة إلي فلسطين والقدس والمسجد الأقصى والقبة الصخرة ، وشاهدت اليهود متعلقين بحائط المبكى . وزرت حيفا ويافا وهاله إقبال الشباب العربي للذهاب إلى تل أبيب مسادً لمغازلة الفتيات اليهوديات وقضاء الليالي الحمراء معهن. كما زرت بحيرة طبرية وأكلت سمها المقلي وليس (المسگوف) العراقي. وزرت نابلس وهي أكبر مدن فلسطين بعد القدس وقضيت فيها وقتاً أطول مع زملائي في الجامعة الأمريكية. وهي مدينة تشتهر بالصابون النابلسي الشهير ، وكذلك الكنافة النابلسية اللذيذة.
وأما شرق الأردن فكانت صحراء جرداء آنذاك. وطفت في بعض أرجاء سوريا ولبنان الجميلة. وفي صيف السنة الثالثة ١٩٣٢ قمت برحلة بحرية إلي إسطنبول عبر جزر الأرخبيل اليوناني على ظهر الباخرة (باتريا). وزار قصر يلدز والتقى بشخصيات عراقية في الزيارة.

يتحدث المميز عن ميوله وصداقاته في الجامعة الامريكية التي يصفها بأنها أقرب للفلسطينيين والأردنيين من الطلاب العرب الآخرين. فكانت له صداقات مع سليمان النابلسي ، أحمد الخلي ، الأردني سعيد الدجاني  ، الأردني يعقوب أبو غوش ، الفلسطيني ضياء النمري، والشاعر الأردني وإبراهيم طوقان حسني فريز.


المميز في سلك التدريس

وعن مغادرته بيروت يقول: تخرجت عام ١٩٣٣ من كلية الآداب والعلوم بدرجة بكالوريوس علم ، مع أربعة من رفاقي من أعضاء البعثة العلمية وهم عوني الخالدي وشريف يوسف وعبد العزيز مهدي والآنسة فلم سرسم. يروي المميز فيقول:
عدت إلى بغداد في خريف ١٩٣٣ لأواجه مصاعب ومتاعب الحياة العملية التي لم ألمسها في الحياة الدراسية. فعُينت في السنة الأولى مدرساً للتاريخ الطبيعي في مدرسة الكرخ المتوسطة. وكان مديري أمين الهلالي ، وأحب زملائي إليّ من بين المدرسين أستاذي الشاعر ناجي القشطيني (١٨٩٩- ١٩٧٢). في السنة الثانية تشبثت بالنقل إلى الغربية المتوسطة الواقعة في باب المعظم، ولقربها من منزلي في الصرافية. وكانت تعتبر مدرسة نموذجية. في السنة الثانية ١٩٣٤ نقلت إلى المدرسة الغربية ، وكان مديرها طه مكي ، ومن الزملاء المدرسين فيها أستاذي العلامة محمد بهجت الأثري (١٩٠٤- ١٩٩٦) وزميلي الموصلي بشير يوسف فرنسيس (١٩٠٩- ١٩٩٤). درّست فيها العلوم الطبيعية صباحاً واللغة الإنكليزية مساءً.

لم أكن مرتاحاً من إدارة وسياسة وزارة المعارف ربان تعيين فاضل الجمالي (١٩٠٣- ١٩٩٧) مديراً للتربية والتدريس العام. وكان قد نال شهادة الدكتوراه في التربية والتعليم في جامعة كولومبيا. وكان الجمالي يتبع (تقرير مونرو) الأمريكي لإصلاح نظام التعليم في العراق في أوائل الثلاثينيات ، بعد أن كان على النمط اللاتيني أيام ساطع الحصري. بقي الجمالي في الوزارة حتى حركة مايس ١٩٤١ حيث نقل إلى وزارة الخارجية. تدرج الجمالي في الخارجية من مدير عام إلى وزير للخارجية عدة مرات.
كنت مع بعض زملائي قد مللنا من إدارة الجمالي في وزارة التربية ، وفكرنا بمغادرتها إلى وزارات أخري . وقد هاجر معظمهم إلى وزارة الخارجية. ولم يخطر ببالي يوماً ما أن ينقل الجمالي إلى وزارة الخارجية . ولو خطر ببالي ولو على سبيل الافتراض لما تشبثت للتعيين في تلك الوزارة بتاتاً. ولا يمكن تصديق مبررات المميز بكرهه لفاضل الجمالي لأنها تبدو واهية . ولعل هذه النظرة الكراهة نشأت لدى المميز بعد تعيين الجمالي في الخارجية.

الاستقالة من التعليم والنشاطات الأدبية والاجتماعية

 بعد انتهاء عقده لمدة سنتين مع وزارة المعارف ، قدم المميز استقالته في ٢٥ أيلول ١٩٣٥.  جاء في كتاب الاستقالة (بما أني أشعر أن رغبتي في متابعة السير في مسلك التعليم أخذت تتضاءل بعد تلك الجهود التي بذلتها برغبة وهوس شديدين طيلة المدة التي قضيتها في خدمة هذا المسلك إبّان العهد الذي كان يُساء به إلى الكفوء ، ويُحسَن إلى غير الكفوء لبعض الاعتبارات). وفي ١٥ تشرين الأول ١٩٣٥ أجاب مدير المعارف طه الهاشمي (١٨٨٨- ١٩٦١) على كتاب الاستقالة بموافقة معالي الوزير عليها.

بقي المميز عدة أشهر بعد استقالته يعمل محاضراً في اللغة الإنكليزية والتربية (دار العلوم) بإلحاح من مدير الكلية الشيخ نعمان الأعظمي (١٨٧٤- ١٩٣٦). وساهم في تحرير جريدة (أبو حمد) الأسبوعية وهو اسم حارس المحل في سوق حنون ، التي كان يصدرها عبد القادر المميز (١٩٠٠- ؟) ، وله عمود فيها بعنوان (رؤوس أقلام). كما كتب في بعض الصحف والمجلات بتوقيع (أ. م).
واقتصر نشاطه الاجتماعي على (نادي بغداد) الذي أسسه نخبة من الشباب المتخرجين من الجامعات الأجنبية والكليات العراقية. وسرعان ما أغلقت وزارة الداخلية النادي وسحبت إجازته بدعوى تجاوزه حدود تلك الاجازة بممارسة السياسة. بعد فترة قدم بعض أعضاء النادي المنحل طلباً لوزارة الداخلية لتأسيس نادٍ آخر باسم (نادي الشباب)، فصدر الإجازة بتأسيسه ، واتخذ مقره في البتاويين خلف سينما الأورفلي. وباشر النادي أعماله قبيل سفر المميز إلى لندن عام ١٩٣٦.

العمل في السلك الدبلوماسي

شارك أمين المميز في امتحان القبول في السلك الدبلوماسي ، ونجح ثانياً من بين ٢٢ متسابقاً. وكان لشهادته وإجادته للغة الإنكليزية ومعلوماته العامة بالبلدان والأدب واللغة العربية قد مهدت له ذلك النجاح. في ٢٥ كانون الأول ١٩٣٥ صدرت الإرادة الملكية بتعيينه ملحقاً بوزارة الخارجية. وفي الأول من كانون الثاني ١٩٣٦ باشر عمله في وزارة الخارجية. تدرب لمدة ثلاثة في شعب الوزارة (الشرقية والغربية والقنصلية والتشريفات والحسابات) ، وعلى الضرب علي الآلة الكاتبة ، وأصول حفظ الأوراق مع الخبير البريطاني المستر گري الذي كانت الوزارة قد استقدمته من لندن لتنظيم الأرشيف. كما راجع دوائر كاتب العدل وجوازات السفر للاطلاع على كيفية سير العمل فيها.
في الأول من نيسان ١٩٣٦ صدر الأمر بنقله ملحقاً في المفوضية العراقية في لندن خلفاً للسيد هاشم جواد الذي نُقل إلى ديوان الوزارة.
غادر بغداد في أواسط نيسان على متن ناقلا شركة نيرن إلى بيروت. ومن هناك ركب الباخرة المتوجهة إلي مرسيليا بفرنسا ، ومنها بالقطار إلى باريس ثم إلى ميناء كاليه ، ثم عبر القنال الإنكليزي بحراً إلى ميناء دوفر البريطاني، ومن هناك ركب القطار متوجهاً إلى محطة فيكتوريا وسط لندن، واستأجر تاكسي إلي مبنى المفوضية العراقية في ٢٢ شارع كوينز گيت Queen's Gate. وجدت العلم العراقي منكساً فسالت البواب لويس فأجاب لمناسبة وفاة ملك مصر فؤاد الأول (١٨٦٨- ١٩٣٦) الذي توفي في ٢٨ نيسان ١٩٣٦. كانت المفوضية (القنصلية) برئاسة الوزير المفوض علي جودة الأيوبي (١٨٨٦- ١٩٦٩) والمستشار عطا أمين (١٨٩٧- ٢٠٠٣) والملحق العسكري نور الدين محمود والملحق السابق هاشم جواد، ونائب القنصل صالح مهدي والمحاسب البير ننّيس والكاتبة المحلية مس ريد.

فضيحة الأميرة عزة بنت الملك فيصل الأول

يذكر أمين المميز أنه في صباح أواخر أيام شهر مايس ١٩٣٦ فوجئ بخبر في صدر الصحف مفاده أن الأميرة عزة كبرى بنات الملك فيصل الأول وشقيقة الملك غازي قد تزوجت في أثينا من يوناني اسمه (أنستاس خارا لومبولوس) يعمل سفرجي في القصر الملكي ببغداد. وأنها قد اعتنقت الدين المسيحي واستبدلت اسمها العربي باسم (انستاسيا) وأن الزواج قد عُقد في إحدى الكنائس ، وأن العريسين غادرا أثينا بالطائرة إلى جزيرة رودس لقضاء شهر العسل.
يقول المميز: اتصلت بعلي جودة الأيوبي وأيقظته من نومه وأبلغته الخبر فذهل من سماعه، واتصل بأوتيل كلارج لابلغ نوري السعيد (١٨٨٨- ١٩٥٨) وزير الخارجية الذي كان يومئذٍ في زيارة رسمية إلى لندن تتعلق بقضية فلسطين، فاجتمعا في المفوضية وتداولا بالأمر بحضور عطا أمين الذي هو زوج عمة الأميرة عزة. تم إعداد برقية رمزية موجهة من وزير الخارجية شخصياً إلى رئيس الوزراء ووكيل وزير الخارجية ياسين الهاشمي (١٨٨٤- ١٩٣٧) شخصياً، وإبلاغه بما نشرته الصحف البريطانية ، والطلب منه الحيلولة دون نشر الخبر في الصحف المحلية ريثما تتم معالجة الأمر ، مضيفاً بأنه سيبذل قصاري جهده لعدم تمادي الصحف البريطانية بنشر الخبر وتهويله للتشهير بالعراق وبالعائلة المالكة. في صباح اليوم التالي وردت برقية من ياسين الهاشمي تتضمن بعض التخريجات غير المقنعة للقارئ الإنكليزي ، يناشد فيها نوري السعيد أن يقوم بكل ما يستطيع مع الصحف البريطانية ، وأن يبذل المستحيل في سبيل ذلك. ولكن ماذا يستطيع نوري السعيد أو غيره. أن يفعله مع الصحافة البريطانية التي تتلهف لمثل هذه الفضائح لرواج صحفها؟

 يعلق أمين المميز على هذه الفضيحة الملكية فيقول: لقد بُذلت جهود جبارة في بغداد لتلافي هذه الفضيحة وتطويقها ومحاولة (طمطمتها). فقد بلغنا أن تحسين قدري مدير التشريفات الملكية قد آُرسل إلى اليونان للوقوف حول الحقيقة غير أنه لم يحظ بالعريسين لسفرهما إلي رودس ن فعاد بصحبة الأميرة راجحة إلى بغداد. كما جري البحث لايفاد رستم حيدر رئيس الديوان الملكي والسكرتير الخاص للملك غازي (١٩١٢- ١٩٣٩) ولوالده الملك فيصل الأول (١٨٨٣- ١٩٣٣) إلي أوربا لمحاولة فسخ الزواج وإعادة الجانح إلى جادة الصواب.
لقد كان لهذه الفضيحة وقع سيء جداً في العراق ، وأثرت على سمعة العائلة المالكة ومكانتها، وعلى النظام الملكي من أساسه في بلد شديد الحساسية لمثل هذه الزمور كالعراق. فلم يسبق أن حصلت مثل تلك الفضيحة في عائلة مالكة ، لا شرقية ولا غربية ، بل وعربية إسلامية هي أشرف الأسر العربية نسباً.

كان وقع الفضيحة بالغاً جداً على عميد الأسرة الهاشمية الأمير عبدالله (١٨٨٢- ١٩٥١) (الملك عبد الله ملك الأردن لاحقاً) شقيق الملك فيصل الأول الراحل فأرعد وأزبد وهدد ولكن ما عساه أن يفعل و (الفاس وقع بالراس). إن كل ما فعله العراق لتهدئة خواطر الأمير عبد الله وامتصاص استياء الرأي العام العراقي ونقمته هو إصدار مرسوم لتنظيم الأحوال الشخصية المتعلق بزواج الأمراء والأميرات وتطبيق العقوبات على من يخالف أحكام المرسوم كالتجريد من اللقب والحرمان من الإرث والحقوق والامتيازات الملكية الأخرى. وقد طبق المرسوم للمرة الأولى والأخيرة بحق الأميرة المذنبة عزة.

ويضيف المميز على قصة الأميرة فيقول: ومن مفارقات القدر أن الأميرة عزة بقيت تسكن في روما ، بعد أن قضى زوجها اليوناني وطره منها وابتز ما عندها من مال ومجوهرات، نبذها وتركها معدمة معوزة. أرسلت من يتوسط لها عند الأمير عبد الله فقبل توبتها وآواها في عمان ، فأنقذها من بؤسها.

يتذكر أمين المميز حضور أول حفل ملكي في لندن عندما دعي إلي حفل استقبال أقامه الملك إدوارد الثامن (١٨٩٤- ١٩٧٢) في قصر باكنغهام في ٢١ تموز ١٩٣٦ حيث جلس الملك في سرادق مزركش والمدعوون يمرون أمامه . وكانت هذه المناسبة الأخيرة للملك قبل تنازله عنن العرش للزواج من المطلقة الأمريكية المسز سمبسون ، دوقة ويندسور ، وهو اللقب الذي حملته بعد زواجها من دوق ويندسور وهو الأمير إدوارد الثامن فيما بعد.

الصحافة البريطانية
بعين ثاقبة يتناول المميز أبرز الصحف البريطانية فيصف صحيفة التايمس بقوله: إن جريدة التايمس Times The هي مؤسسة قائمة بذاتها لا نظير لها في عالم الصحافة. فهي أكبر من كونها السلطة الرابعة – كما يعبر عنها في الصحافة – فإنن التايمس هي فوق العرش ومن يتربع عليه. وهي فوق الكنيسة وأساقفتها. وهي فوق الحكومة والأحزاب ورؤسائها، وهي فوق الدولة وحكامها. إنها المشرفة والحامية والرقيب على ما يعرف عندها بـ (المصلحة البريطانية العليا). فلهذا السبب صارت توصف بالمُرعِدة The Thunderer لأن لمواقفها ولمقالاتها الافتتاحية ولما تنشره في صفحة (رسائل إلى المحرر) دوياً كدوي الرعد سواء في داخل إنكلترا أو فيما وراء البحار.
إن جريدة التايمس هي أقدم الصحف البريطانية وأكثرها استقلالاً وأقواها نفوذاً في الأوساط الحاكمة. وقد صدر العدد الأول منها عام ١٧٨٨ .

ولهذه المنزلة الفريدة للتايمس فقد جندت نخبة ممتازة من رجال الفكر والقلم والاختصاص في بريطانيا ، والذين يتقاضون أعلى الرواتب في دنيا الصحافة. قبل المستر جورج داوسون تولى رئاسة التايمس شخصيات كانت لهم شهرة عالمية أمثال ويكهام ستيد وإدوارد سترلنگ. وبعد تقاعد المستر داوسون في أوائل الحرب العالمية الثانية ، والذي أشغل رئاسة تحرير التايمس أطول من أي محرر آخر، منذ جون ولتر محررها الأول، تولى محررون آخرون لم يستمروا طويلا في رئاسة التحرير.

أزمة ملابس ناجي الأصيل

في عام ١٩٣٦ تم تعيين رؤوف الجادرجي (١٨٨٢- ١٩٥٩) رئيساً للمفوضية بدلاً من علي جودت الأيوبي. في ١٢ مايس ١٩٣٧ حدد البلاط الملكي الإنكليزي هذا التاريخ موعداً لتتويج الملك جورج السادس (١٨٩٥- ١٩٥٢). وتمت دعوة الهيئات الدبلوماسية والدول الصديقة لحضور هذا الاحتفال. استلمت المفوضية العراقية الدعوة من وزارة الخارجية البريطانية وأحيلت إلى بغداد لتعيين الوفد العراقي. أبرقت الخارجية أسماء الوفد المؤلف من وزير الخارجية ناجي الأصيل رئيساً والوزير المفوض والمستشار عضوين. وكان رؤوف الجادرجي لا يستسيغ وزير خارجيته لكنه انصاع لقرار صديقه الحميم رئيس الوزراء حكمت سليمان.

بعد بضعة أيام ورد كتاب من وزارة الخارجية بتوقيع الوزير يطلب من المفوضية الاتصال بالخياط الإنكليزي الشهير شولتي والاتفاق معه للسفر إلى باريس لأخذ مقاييس (أولچي) لملابس ناجي الأصيل لخياطة البدلات الرسمية التي تقتضيها حفلات التتويج. وكان شولتي لديه محلاً في شارع الخياطين المسمى Savile Row المجاور لشارع ريجينت ستريت Regent Street وزبائنه من الشخصيات المعروفة آنذاك مثل الملك فيصل الأول وحاشيته والأغا خان وابن كولبنكيان وجعفر العسكري وغيرهم. وكان ناجي الأصيل قد قدم إلى لندن عام ١٩٢٢ لتمثيل ملك الحجاز الملك الشريف حسين (توفي في ١٩٣١) فبقي في لندن وتعرف على الخياط شولتي. وكان شولتي يتقاضى أجوراً باهضة فالبدلة الواحدة كانت تكلف خمسة عشر باوناً.
وما أن اطلع رؤوف على هذا الكتاب حتى قامت قيامته، فأبرق إلى حكمت سليمان مباشرة يقول له بأنه إذا وصل ناجي الأصيل إلى لندن ، فليس بوسع رؤوف منع الصحف البريطانية من نبش ماضي ناجي الأصيل عندما جاء إلي لندن ممثلاً للملك حسين وعنن فضائحه المالية وعلاقاته بالشركة الإنكليزية- الفرنسية للاعمار في الشرق الأوسط. ولما وصلت البرقية إلى رئيس الوزراء ، تلقت المفوضية برقية من وزارة الخارجية بإلغاء الوفد واقتصار تمثيل العراق على الوزير المفوض رؤوف الجادرجي والمستشار عطا أمين. وقد نشرت إحدى الصحف البريطانية خبر تغيير الوفد العراقي تحت العنوان الساخر (نقطة انزعاج للعراق Iraq Spot of Bother) ومنذ ذلك الحين توتورت العلاقة بين الوزير المفوض رؤوف الجادرجي ووزير الخارجية ناجي الأصيل إلى الحد الذي صار رؤوف يوجه رسائله المهمة إلى رئيس الوزراء مباشرة ومتجاوزاً وزير الخارجية !!


العمل في باريس

في ١١ آب ١٩٣٨ صدر الأمر بنقل أمين المميز إلى المفوضية العراقية في باريس. ولم يكن راغباً به لأنه سجّل طالباً مسائياً في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن ، إضافة إلى أنه اعتاد الحياة الإنكليزية ولا تروق له الحياة الفرنسية وصخب باريس.
لم يمض شهر على المميز في باريس حتى تلبد الجو السياسي في أوربا في أيلول ١٩٣٨ بسبب الخلاف بين الدول الغربية وألمانيا حول چيكوسلوفاكيا ، فصارت طبول الحرب تقرع وكان صوتها في باريس أعلى من غيرها. في نهاية أيلول اجتمع رؤساء الدول الأربع الألماني هتلر (١٨٨٩- ١٩٤٥) والإيطالي موسوليني (١٨٨٣- ١٩٤٥) والبريطاني تشمبرلين (١٨٦٩- ١٩٤٠) والفرنسي إدوارد دالاديه (١٨٨٤- ١٩٧٠) في مدينة ميونخ الألمانية. تم توقيع اتفاقية ميونيخ بين هتلر وتشمبرلين ، وحملها الأخير ليقول لشعبه أنه جلب السلم معه ، ولكن بعد ستة أشهر مزقها هتلر باحتلاله چيكوسلوفاكيا لتبدأ مدافع الحرب بإطلاق قذائفها.

العودة إلى بغداد

أثناء زيارة وزير الخارجية الجديد توفيق السويدي (١٨٩٢- ١٩٦٨) إلى باريس في زيارة عمل طلب منه المميز إجازة للسفر إلى بغداد فوافق عليها. غادر أمين بصحبة محي الدين المميز إلى بغداد بعد فراق دام سنتين. تم تعيين معاوناً لمدير الشعبة الشرقية. وفي ٣٠ أيلول ١٩٣٩ استدعي لدور الضباط الاحتياط الثالثة للخدمة العسكرية. وفي ٢٠ آذار ١٩٤٠ تسرح من الدورة. وبعد حركة مايس ١٩٤١ (بزعامة رشيد عالي الكيلاني (١٨٩٢- ١٩٦٥) تم إلغاء دورات الاحتياط كلها.
بعد تسريحه من الدورة استأنف عمله بوزارة الخارجية ، فعرضت عليه الوزارة نقله ثانية إلى المفوضية العراقية في لندن فوافق مبدئياً.


وفاة الملك غازي الغامضة
في الصباح الباكر من يوم ٤ نيسان ١٩٣٩ استيقظ أمين من نومه ليشاهد موكباً من عدة سيارات مدنية وعسكرية وشرطة يتقدمها نعش ملفوف بالعلم العراقي متوجهاً نحو البلاط الملكي. أسرع إلى المذياع فسمع البيان الأول ينعى وفاة الملك غازي في حادث سيارة قرب قصر الحارثية. ثم تلى البيان تقرير الأطباء الذي فحصوا جثة الملك وهم صائب شوكت وصبيح الوهبي (توفي ١٩٨٣) وجلال حمدي والدكتور سندرسن باشا (١٨٩١- ١٩٧٤) طبيب العائلة المالكة والدكتور براهام الأخصائي في الجراحة بالمستشفى الملكي. ثم تلت البيانات المتعلقة بتنصيب ولي العهد فيصل الثاني ملكاً على العراق وتسمية خاله الأمير عبد الاله وصياً على العرش لحين بلوغ الملك سن الثامنة عشرة. خرج العراقيون حزناً على الملك الشاب. وانتظمت النساء البغداديات في حلقات لطم وعويل من باب المعظم إلي البلاط الملكي . تم دفن الملك غازي في المقبرة الملكية بالأعظمية بحضور كبار الشخصيات ورجال الدين.

يعقب المميز على وفاة الملك غازي فيورد بعض الأحداث التي سبقت أو أعقبت الحادث منها:
١-أنه اطلع قبل أسبوعين أو ثلاثة قبل الحادث على مجلة أسبوعية تصدر في لندن اسمها (بريطانيا العظمى والشرق الأوسط) نشرت مقالاً عن الوضع السياسي في العراق واختتم المقال بقوله (أن كثيراً من رجال السياسة في بغداد وفي (وايت هول White Hall) في لندن يعتقدون بأن تغيير الملك أصبح أمراً لا مناص منه). وبعد الحادث نشرت جريدة (مانشستر گارديان) مقالاً جاء فيه (إن رجال السياسة في العراق ، كما هو معلوم لدى الدوائر السياسية البريطانية ، كانوا يفكرون منذ مدة في تبديل ملكهم لعدم صلاحيته للحكم، وأن وفاته قد حلّت لهم هذه المشكلة خير حل الآن).
٢-  في عام ١٩٤٦ أي بعد سبع سنوات على وفاة الملك غازي حضر المميز مأدبة أقيمت في فندق كلاردج بلندن ضمت عدداً من ساسة العراق منهم نوري السعيد ، رؤوف الجادرجي ، شاكر الوادي إضافة إلى بعض الشخصيات البريطانية . فجاء الحديث عن وفاة الملك غازي . ولما انتبه نوري السعيد إلى الحديث ، قال بغضب وانفعال: كل من يگول أن وفاة الملك غازي مو قضاء وقدر هو مغرض.
ويذكر المميز أنه في عشية تشييع الملك غازي وصله منشور مكتوب باليد ومختوم بعبارة (واغازياه) وضعه أحدهم تحت باب الدار ليلاً، ويتهم المنشور الانكليز ونوري السعيد ورشيد عالي الكيلاني بتدبير مصرع الملك غازي


زواج أمين المميز

في ٢٣ نيسان ١٩٣٩ ، وبينما كان يتأهب للسفر إلى لندن ، توفي والد أمين المميز. وبعد إكمال مراسيم الدفن في مقبرة العائلة بجامع عادلة خاتون ، وأقيمت الفاتحة في داره في الصرافية. أبلغ وزارة الخارجية بأن ظروفاً عائلية قد استجدت ولم تعد تسمح له بالسفر إلى الخارج، فصرف النظر عن نقله إلي لندن.
بعد انقضاء فترة الحداد العائلي عزم أمين على الزواج ، فقدم طلباً بتاريخ ٤ تموز ١٩٤٠ ، وحسبما يفرضه قانون الخدمة الخارجية ، طلباً للاستئذان بالزواج من ابنة خاله. وفي ٨ تموز جاءت الموافقة مذيلة بكلمة ( مبروك) بخط المدير العام رشيد الخوجة. وفي ٥ تموز لبس حلقة الخطوبة.
يصف المميز ليلة عرسه فيقول:
كانت مراسم العرس بسيطة للغاية لأن العروس ليست غريبة ، فلا مشاية ولا خطابة ولا چفافي ، ولا حفلة مهر في بيت العروس ، ولا حگ ملفوف بچفية بيضاء، ولا وگفة ، ولاا صواني ولا شمعة عسل ارتفاعها متر ونص ، ولا قفل ولا مفتاح ، ولا مزيقة ولا حِنة ، ولا حمام ولا حفافة ولا سردوج ولا چماشور ، ولا زفة أم سلاح ، ولا جر خنجر أو دوس رجل ليلة الدخلة، ولا عبرت الجسر ولا حضرت عزيمة عشاء.
فقد استعضت كل هذه التقاليد والمراسيم بإقامة حفلة ساهرة في بيتي بالصرافية (وهذا ما سأتناوله فيما بعد)، وقد وصف الحفلة المرحوم مصطفى علي بأنها أروع حفلة أقيمت في المُخرّم منذ أيام البويهيين والسلاجقة (الصرافية الحالية هي منطقة المُخرّم المعروفة في تاريخ بغداد). وكل ما في الأمر أننا تلقينا مصباح (الصبحية) مرطباني من كاهي (علوان) يعلوه (شيف) كبير من الگيمر من جارتنا في الدنگچية (أم سلّومي) جاءت للتهنئة.

تحدد تاريخ ١٥ تموز ١٩٤٠ موعداً لإقامة الحفلة التي دعوت إليها زملائي بوزارة الخارجية وأصدقائي وأصدقاء أخي المرحوم عبد الستار المميز وأصدقاء عبد القادر المميز والأقرباء من بغداد والفلوجة والرمادي والصگلاوية (حيث أهل عروستي).
ضاقت الحديقة على سعتها بالمدعوين. وقد أحيا الهزيع الأول من الليل چالغي بغداد، فصار الهواة والمحترفون من قراء المقام العراقي يتبارون في المقامات والبستات. وقد نذر عبد القادر المميز أن يعزف على القانون ليلة عرسي، وهو من أبرع هواة العزف على القانون في بغداد ، ولكنه أقلهم ممارسة لعزفه إلا في المناسبات الاستثنائية.
وما أن انتصف الليل حتى أقبلت عفيفة إسكندر تتهادى كالبطة وسط هتاف وتصفيق الحاضرين، يحصبها (تخت) أوتيل الجواهري برئاسة صالح الكويتي (اليهودي) وبطانته. فغردت ورقصت وأبدعت في ظرائفها ونكاتها ، ونثرت من ابتساماتها الحلوة على المدعوين.
استمرت الحفلة حتى أخذت الديكة تؤذن تبعاً لأذان ديك العرش، والعصافير تزقزق وبلابل التين تغرد ، والفخاتي تشدو وتهدر. ولما طلعت الشمس وارتفعت ولم يعد بالإمكان الجلوس في الحديقة، انتقل الباقون من المدعوين إلى سراديب البيت ، وظلوا حتى منتصف النهار يأكلون و يشربون ويغنون ويمرحون ويتبردون بهواء (البادگيرات) البارد، يتقدمهم ظرفاء بغداد حسين فخري وإبراهيم المتولي.

صدمة في اليوم السابع للعرس
 في اليوم السابع من ليلة الزفاف الموافق ٢٢ تموز ١٩٤٠ تلقيت هدية الزواج من وزارة الخارجية. كانت الهدية التي أعدها موسى الشابندر (١٨٩٧- ١٩٦٧) ووقعها نوري السعيد ، وبلغني بها رشيد الخوجه (١٨٨٤- ١٩٦٢) ، الإرادة الملكية والأمر الوزاري بإلغاء وظيفتي في وزارة الخارجية. ولم يجد زملائي أنسب من يوم السابع من زفافي لتقدين تلك الهدية!!
لم يتحدث المميز عن سبب إقالته من وزارة الخارجية ، ولماذا اتهم موسى الشابندر بهذه العقوبة. علماً أنه ليس من العادة إقالة موظف دبلوماسي دون وجود قضية وتحقيق وتهمة محددة، لكنه سكت عليها ولم يذكرها.

العودة إلى وزارة الخارجية

خلال الحرب العالمية الثانية انقسم العراق وساسته إلى فريقين، فريق يرى بأن مصلحة العراق والعرب بالوقوف إلى جانب بريطانيا وحلفائها. وفريق آخر يرى بأن مصلحة العراق هي بالوقوف إلى جانب ألمانيا وحلفائها. ولم يكن هناك طرف ثالث يرى مصلحة العراق بعدم الانحياز إلى أي من الفريقين المتحاربين. دب الخلاف بين السياسيين وقادة الجيش حتى انتهى إلي حوادث مايس ١٩٤١ بانقلاب رشيد عالي الكيلاني والعقداء الأربعة ، وسقوط الحكومة والتجاء أركانها إلى إيران وهروب الملك إلى جبال الأكراد، ثم سقوط حكومة الكيلاني ، وعودة السياسيين من الخارج، وتشكيل حكومة برئاسة جميل المدفعي ، وتولي ومنصب الخارجية علي جودة الأيوبي الذي كان صديقاً لأمين المميز من أيام المفوضية العراقية في لندن.
من أولى الخطوات التي اتخذها الأيوبي هي إعادة أمين المميز إلى السلك الدبلوماسي. وفي ٢٠ آب ١٩٤١ صدرت الإرادة الملكية بإعادة تعيينه في السلك الخارجي. فقام مدير الخارجية العام صبيح نجيب للعمل في الشعبة الغربية . وهنا لا يخفي المميز مشاعرة تجاه الإيرانيين فيقول (كنت سعيداً بهذا التنسيب والابتعاد عن مغثات إيران ومشاكساتها وعنجهيات سفرائها وجربزاتهم وقفتقات مذكراتهم ولجاجة سفاراتهم) على حد وصف المميز التي تعبر عن حقده لإيران لأسباب طائفية سبق أن عبّر عن كرهه لها منذ أيام الدراسة في الثانوية المركزية كما سبق. فهل كان الاتراك وغيرهم مريحين له؟

في عام ١٩٤٤ تألفت وزارة جديدة برئاسة حمدي الباچه چي ( ١٨٨٦- ١٩٤٨)، وتولى منصب وزارة الخارجية أرشد العمري (١٨٨٨- ١٩٧٨) الذي رشحه للنقل إلى واشنطن. لكنه طلب مهلة ريثما يتم طبع كتابه (الانكليز كما عرفتهم) . وبعد انتهاء طبع الكتاب قدم المميز نسخة منه إلى العمري فوجده قد تغير رأيه وأن أمريكا لا تروق له، فانقطع أمله بالسفر إلى واشنطن.

خلاف حول التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة

في صيف ١٩٤٥ تحدد موعد اجتماع مؤتمر سان فرانسيسكو لتوقيع ميثاق الأمم المتحدة يوم ٢٦ حزيران ١٩٤٥. وتألف الوفد العراقي برئاسة وزير الخارجية أرشد العمري وعضوية علي جودة الأيوبي ونصرة الفارسي (١٨٩٤- ١٩٧٩) (وهو تركي الأصل) وفاضل الجمالي وعدد من المعاونين من خارج وزارة الخارجية. وسافر الوفد إلى الولايات المتحدة، وهناك دبّ الخلاف بين أعضاء الوفد، واستنكف وزير الخارجية ورئيس الوفد أرشد العمري عن التوقيع . ولم يوقع على الميثاق سوى فاضل الجمالي، وكان يومئذٍ مديراً عاماً بوزارة الخارجية وليست له صفة سياسية أو مسؤولية أمام البرلمان.

يقول المميز: عاد أرشد العمري إلى بغداد ليواجه موجة عارمة من الشغب السياسي من خصومه في داخل البرلمان وخارجه. وكان هناك لغط حول أعماله وإجراءاته في أمريكا. وفي أحد المج

أخر الأخبار