• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

العلاقات الأمريكية العراقية.. قراءة في البيان الختامي: الملفان الأمني والسياسي

العلاقات الأمريكية العراقية.. قراءة في البيان الختامي: الملفان الأمني والسياسي

  • 18-06-2020, 13:34
  • مقالات
  • 609 مشاهدة
د. صلاح عبد الرزاق

 ربما حققت حكومة الكاظمي أول إنجاز لها لكن على الصعيد الخارجي بعد جولة المباحثات التي دامت ساعتين بين الوفدين الأمريكي والعراقي عبر دائرة تلفزيونية مغلقة في 11 حزيران 2020.

هذا المقال يتناول العلاقات العراقية الأمريكية في العامين الماضيين وصولاً إلى قراءة في البيان الختامي للمباحثات العراقية الأمريكية حيث يتم تسليط الضوء على مسار العلاقة وأبرز نقاط التوتر والخلاف التي سادتها.

تركيبة الوفدين العراقي والأمريكي

ضم الوفد العراقي اكل من :

1-         السفير عبد الكريم هاشم (وكيل وزارة الخارجية)

2-         السفير فريد ياسين (سفير العراق في واشنطن)

3-         د. حامد خلف (مدير مكتب المالكي للفترة 2010-2014)

4-         محمد الحاج حمود (وكيل سابق لوزارة الخارجية)

5-         حارث حسن

تضمن الوفد فريق من الخبراء في الشؤون الأمنية والقانونية والدولية لكن لم يكشف النقاب عن أسمائهم. يلاحظ أن الأسماء المعلنة كلهم من الشيعة ، حيث لم يظهر في الواجهة شخصية سنية أو كردية. لكن التمثيل السني والكردي حضر من خلال الاختصاصيين من الوزارات التي شاركت في الاجتماع.

 وشارك ممثل عن إقليم كردستان هو رئيس ديوان رئيس الاقليم فوزي حريري في الاجتماع ، لكن لم يتم تمثيل المحافظات ولا الكتل السياسية . ويبدو أن مشاركة الاقليم جاءت بطلب أمريكي لأن اتفاقية الاطار الاستراتيجي لم تشهد حضور ممثل عن الاقليم.

اعتمدت تشكيلة الوفد على مبدأين هما التناظر والاختصاص ، أي لكل عضو في الوفد الأمريكي ما يناظره في المنصب والاختصاص في الوفد العراق. وضم الوفد العراقي ممثلين بدرجة مدير عام للوزارات والدوائر المعنية التالية:

1-         مستشار رئيس الوزراء

2-         رئيس ديوان رئاسة الاقليم فوزي حريري

3-         وزارة الخارجية

4-         العمليات المشتركة

5-         وزارة الدفاع

6-         وزارة الداخلية

7-         وزارة المالية

8-         وزارة النفط

9-         وزارة الكهرباء

10-       وزارة التجارة

11-       وزارة الصحة

12-       البنك المركزي العراقي

13-       جهاز مكافحة الارهاب

14-       مجلس القضاء الأعلى

15-       لم يذكر حضور ممثلين وزارات الثقافة والتعليم العالي والزراعة وهي تمثل محاور من اتفاقية الاطار الاستراتيجي.

أما الوفد الأمريكي فقد ضم كل من:

1-         السفير ماثيو تولر ، سفير الولايات المتحدة في بغداد

2-         ديفيد هيل (وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية)

3-         فرتسيس فانون (مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الطاقة)

4-         ديفيد شنكر (مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط)

5-         ديفيد كولي (نائب مساعد وزير شؤون العراق في الخارجية الأمريكية)

6-         ممثلون وزارة الخزانة والدفاع والطاقة ومجلس الأمن القومي.

ماذا جرى في الحوار ؟

رغم التوقعات الكثيرة والافتراضات المبالغ فيها في طبيعة المحادثات والملفات التي ستبحثا (المفاوضات) لكن وقائع الاجتماع الذي دام ساعتين فقط (من الساعة 9 – 11 صباحا بتوقيت واشنطن، أي من 3- 5 مساءً بتوقيت بغداد) ، تضمن كلمة افتتاحية لكل من رئيسي الوفدين وهما ديفيد هيل وعبد الكريم هاشم ، ثم التعريف بأعضاء الوفدين .

سبق الاجتماع اتصالات ومقترحات وأوراق عمل حيث تم الاتفاق بين الجانبين على كل ما سيطرح في الاجتماع.

أهم الملفات التي ناقشها الاجتماع:

1- الملف الأمني وتواجد القوات الأمريكية ، ومواطن القلق الأمني للولاايات المتحدة .

2- الملف السياسي في العراق ، حيث تناول الانتخابات المبكرة ، والعدالة لضحايا التظاهرات في العراق ، والأمور الانسانية . ويقوم العراقيون بمناقشة مواطن القلق الأمريكي.

3- الملف الاقتصادي حيث تتم مناقشة الوضع الاقتصادي وما يعانيه العراق من مشاكل مالية ، وما هي الخطط التي وضعتها الحكومة العراقية لمعالجة المشاكل الاقتصادية والمالية خصوصاً بعد انخفاض أسعار النفط وتأثير ذلك على صعوبة توفير سيولة مالية لدفع رواتب الموظفين وبقية التخصيصات الحاكمة .

كما تناول الاجتماع قضية الطاقة ومشكلة الكهرباء واستيراد الطاقة الكهربائية من ايران. وهنا يأتي دور أمريكا في دعم الاصلاح الاقتصادي والطاقة، وعرض كيفية تقديم المساندة للعراق في هذه الجوانب.

4-         ملف الثقافة مثل إعادة الآثار العراقية المنهوبة ، وتمديد برامج التبادل الثقافي، وأعادة أرشيف المخابرات العراقية وحزب البعث الذي تم نقله إلى أمريكا بعد سقوط النظام.

5-         ملف الصحة والتعاون بين البلدين لمواجهة جائحة كورونا.

قراءة في البيان الختامي للحوار العراقي الأمريكي

بروتوكولياً ، إن صدور بيان مشترك بين طرفين أو أكثر في ختام الاجتماع يعني وجود تفاهم واحترام متبادل بين الطرفين. وإذا ما ذكر في البيان أنه سيجري عقد اجتماعات ولقاءات أخرى ، فهذا دليل على وجود إرادات لاستكمال الحوارات والمفاوضات ، وأن العلاقة تسير نحو التوثيق والتقوية.

 في بداية البيان جدّدت الولايات المتحدة (تأكيدها على احترام سيادة العراق، ووحدة أراضيه، والقرارات ذات الصلة الصادرة عن السلطات التشريعية والتنفيذية العراقية). ويبدو ذلك أحد مطالب الوفد العراقي كي يتفادى التشكيك بمصداقيته ووطنيته من قبل الأطراف السياسية أو التخوين في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي. كما يؤكد تمسكه بالثوابت الوطنية والالتزام بالدستور العراقي والدفاع عن مصالح العراق.

الملف السياسي

جاء في البيان (أعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن وقوفها إلى جانب جمهورية العراق، ليس من خلال التعاون الثنائي الوثيق على المستويين الأمني والسياسي فقط، ولكن من خلال دعمها للعراق وحكومته الجديدة.

وجددت الدولتان تأكيدهما على أهمية مساعدة العراق في تطبيق برنامجه الحكومي والإصلاحي بالشكل الذي يلبي طموحات الشعب العراقي، بما في ذلك مواصلة الجهود الإنسانية، واستعادة الاستقرار، وإعادة إعمار البلد، وتنظيم انتخابات حرة وعادلة ونزيهة.

 وأكدت الولايات المتحدة، بالتعاون مع شركائها الدوليين، على دعمها المتواصل للتحضيرات التي يجريها العراق للانتخابات، وجهود دعم سيادة القانون، وحقوق الإنسان، وإعادة النازحين وتسهيل عملية اندماجهم، ولاسيما الأقليات في المجتمع العراقي التي تعرضت للإبادة على يد تنظيم داعش الإرهابي).

يلاحظ أن عبارة (التعاون الثنائي الوثيق على المستويين الأمني والسياسي) تتضمن تفسيرات وملاحظات مختلفة. منها التدخل الواضح في الشأن السياسي الداخلي من خلال تناول ملف الانتخابات القادمة التي يبدو أن واشنطن ستبذل جهودها في توجيه نتائج الانتخابات نحو جهات ترغب بصعودها أو تقويتها على حساب كتل سياسية ترغب واشنطن بازاحتها من المشهد السياسي أو تقليص نفوذها.

كما سيكون التدخل الأمريكي وراء مطالبات وشعارات حقوق الانسان وإعادة النازحين السنة وحماية الأقليات في المجتمع العراقي ، ويقصد بهم الايزيديون والمسيحيون والأقليات الأخرى. أن واشنطن لم تستطع تبديد الشكوك تجاه سياستها في العراق منذ توقيع اتفاقية الانسحاب . كما أنها لم تحترم بنود اتفاقية الاطار الاستراتيجي عندما امتنعت عن حماية الحدود العراقية الشمالية-الغربية وامتنعت عن ضرب معسكرات وقوات داعش رغم الطلب الصريح من الحكومة العراقية قبل احتلال الموصل. بل أن تصريحات رئيس الأركان الأمريكي السابق ديمبسي في لجنة في الكونغرس اعترف بأنهم كانوا على اطلاع على تدفق عناصر داعش بسياراتهم وأسلحتهم نحو الموصل لكنهم لم يتعرضوا لها نكاية بحكومة المالكي الذي تقرر اسقاطه من قبل الادارة الأمريكية آنذاك.

ووصل الأمر إلى مشاركة الطائرات الأمريكية في تنفيذ عمليات قصف لمعسكرات الحشد الشعبي، وبلغ الأمر ذروته عندما قامت طائرات أمريكية مسيرة بارتكاب جريمة اغتيال الشهيدين المهندس وسليماني عندما ضربت سيارات مدنية في مطار بغداد الدولي. وهي مخالفة صريحة لقواعد الاشتباك بضرب أهداف مدنية ، واعتداء صارخ على السيادة العراقية التي طالما أعلنت واشنطن أنها تحترمها. ولم تقدم أمريكا اعتذارها للشعب والحكومة العراقية على هذه الجريمة بل تفاخر الرئيس ترامب بارتكابها على الملأ.

الملف الأمني

يعد الملف الأمني أخطر الملفات التي تحدد مدى استقرار الوضع الداخلي سياسياً واجتماعياً وحتى اقتصادياً. لكن هذا الملف ما يزال يعاني من قصور عراقي وأمريكي مشترك.

كشف البيان بأن أمريكا (ستواصل خلال الأشهر المقبلة تقليص عدد القوات المتواجدة في العراق والحوار مع الحكومة العراقية حول وضع القوات المتبقية وحيث يتجه تركيز البلدين صوب تطوير علاقة أمنية طبيعية تقوم على المصالح المشتركة). فالحديث عن (تقليص) وليس (انسحاب) كما طالب البرلمان العراقي أو بيانات بعض الزعامات والكتل السياسية. ويبدو أن حكومة الكاظمي اتجهت نحو تلبية رغبات واشنطن في إبقاء قوات وقواعد أمريكية لأن العراق وافق على هذه الفقرة دون تحفظ.

ورغم تأكيد الولايات المتحدة (أنها لا تسعى الى اقامة قواعد دائمة أو تواجد عسكري دائمي في العراق، كما اتفق عليها مسبقاً في اتفاقية الاطار الاستراتيجي لعام 2008 والتي تنص على ان التعاون الامني يتم على اساس الاتفاقات المتبادلة)، لكن ما تزال قاعدة عين الأسد مثلاً أكبر قواعدها في العراق. والواضح أن المباحثات لم تتناول مستقبل هذه القاعدة وغيرها . فالاشارة إلى (تقليص عدد القوات المتواجدة في العراق) لا يعني هذه القواعد أو غيرها كالموجودة في أربيل والتاجي وبلد، بل ربما يعني مجرد عملية إعادة انتشار القوات الأمريكية في بعض المعسكرات. وهي الخطوة التي بدأتها إدارة ترامب بعد قرار البرلمان بسحب القوات الأجنبية.

من جانب آخر لم تتضمن المباحثات الاتفاق على جدول زمني يلزم القوات الأمريكية بانسحاب قواتها. مما يعني أن فكرة الانسحاب التام غائبة عن أذهان المفاوضين.

هذا الاقرار العراقي ببقاء القوات والقواعد الأمريكية سيزيد من التوتر والقلق لدى الجهات المناهضة لاستمرار ما تسميه (الاحتلال) الأمريكي ، وخاصة الكتل السياسية الموالية لايران ،. ومن غير المعلوم أن تهديدات بعض الفصائل المسلحة بتصعيد المواجهة وإطلاق المزيد من قذائف الكاتيوشا سيؤدي إلى رد فعل عسكري أمريكي بقصف معسكراتها ومقراتها. وهذا يعني أن الوضع الأمني والسياسي القادم مهدد بالتدهور ، وإلى مزيد من التظاهرات والبيانات المناهضة لواشنطن.

إن القبول بوجود قواعد أجنبية في العراق يعد مخالفة دستورية حيث أن المادة ( السابعة -ثانياً) تضمن أن لا تكون أراضي العراق مقراً أو ممراً أو ساحة للارهاب . وكذلك المادة (الثامنة) التي تفرض على العراق الالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وطالما أعلنت واشنطن وبلسان الرئيس ترامب وغيره من المسؤولين الأمريكان بأن القواعد الأمريكية في العراق تهدف إلى مراقبة أو ضرب إيران. وبذلك يصبح العراق مقراً لاستهداف دولة جارة ، والمساعدة في أية عملية استخبارية وعسكرية حربية ضد إيران.

 ويجدد البيان (التزام الحكومة العراقية بحماية القوات العسكرية للتحالف الدولي، والمرافق العراقية التي تستضيفهم بما ينسجم مع القانون الدولي والترتيبات المعنية بخصوص تواجد تلك القوات وبالشكل الذي سيتم الاتفاق عليه بين البلدين). وهذا التزام ثقيل لن تستطيع الحكومة العراقية الايفاء به في ظل التعقيد السياسي والأمني الحالي. كما أن رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي أعلن في رسالته المؤرخة في 5 كانون الثاني 2020 الموجهة للبرلمان العراقي أنه (سيصعب على القوات الاجنبية حماية نفسها من ضربات تأتي من داخل العراق او خارجه، وسيصعب على القوات العراقية القيام بحمايتها بعد الذي حصل مؤخراً وتغلب لغة التفرد بقرارات الرد وعدم اللجوء للحلول السلمية والسياسية). وهي إشارة إلى قرارات واشنطن الانفرادية وإبلاغ القائد العام للقوات المسلحة قبل نصف ساعة من قصف معسكر للحشد قرب الرطبة غربي العراق، أو ضرب مطار بغداد الدولي واغتيال الشهيد أبو مهدي المهندس دون علم الحكومة العراقية.

من جانب آخر تقوم الادارة الأمريكية برسم سياساتها ووضع أهدافها والقيام بعملياتها اعتماداً على معلوماتها الاستخبارية الخاصة ، ولا تجد نفسها معنية بإطلاع الحكومة العراقية عليها. وقد تكون جهات أخرى كالاسرائيلية متورطة بعمليات قصف بعض الأهداف الحشدية ، ولا تعلن عن تبنيها لها، الأمر الذي يجعل القوات الأمريكية متهمة بها ، لكنها لا تشير إلى ضلوع إسرائيل بها ، رغم اقرار محللين إسرائيليين بأن تل ابيب تقف وراءها. كل ذلك يجعل فصائل الحشد الشعبي تقوم بتوجيه ضرباتها لأهداف عسكرية أمريكية ، وبالتالي يتصاعد التوتر ويدخل العراق في دوامة سياسية وأمنية أخرى.

وردت في البيان المشترك عبارة (بالترتيبات المعنية بخصوص تواجد تلك القوات وبالشكل الذي سيتم الاتفاق عليه بين البلدين) . وهذا يعني بوضوح أن هناك ترتيبات أمنية جديدة ستطلب واشنطن من بغداد القيام بها ، وقد تحتاج إلى مفاوضات صعبة كي يحافظ الوفد العراقي على مصالح العراق وأمنه القومي.

ومن غير المعلوم طبيعة الترتيبات القادمة ، وهل ستمس الحشد الشعبي أو الفصائل المسلحة خارج الحشد التي تتهمها إيران بأنها عميلة لايران ، وتنفذ سياسة إيران؟ وهل يمكن توقع قرارات من حكومة الكاظمي بقصقصة أجنحة الجماعات الشيعية المسلحة ، ومحاصرتها تمهيداً للقضاء عليها أو جعلها تضطر لمغادرة العراق إلى دول مجاورة؟ وهل ستمضي هذه الترتيبات والقرارات بهدوء أم ستثير عاصفة سياسية تستخدم فيها البيانات والتظااهرات والتصريحات ، وربما أعمال أمنية تهدد السفارة الأمريكية أو حتى مؤسسات عراقية؟ وما هي الاجراءات التي ستتخذها حكومة الكاظمي تجاه الفصائل المسلحة؟

أخر الأخبار