• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

المرجعية القُمية بعد الخامنئي

المرجعية القُمية بعد الخامنئي

  • 14-06-2020, 10:46
  • مقالات
  • 689 مشاهدة
علي المؤمن

المرجعية القُمية بعد الخامنئي


علي المؤمن

    ستكون مرحلة ما بعد السيد علي الخامنئي صعبة على ايران وعموم الواقع الشيعي العالمي؛ بل لعلها على مستوى موقع القيادة ستكون أكثر صعوبة وتعقيداً من مرحلة ما بعد السيد السيستاني النجفية؛ لأن السيد الخامنئي يمثل المرجعية الدينية من جهة وقيادة الدولة من جهة أخرى، وقد ظل الوهج المعنوي لمرجعيته الدينية ومساحة مقلديه؛ يضفي قوة إضافية على موقع القيادة، ونفوذاَ معنوياً خارج حدود إيران. وهو ما سيفقده القائد القادم فيما لو لم يكن مرجع تقليد.

     ويبدو صعباً ـ عند تشوّف المشهد الإيراني ـ إيجاد شخصية واحدة تسد الفراغين على المدى المنظور؛ بالنظر لصعوبة الشروط التي تجمع المرجعية العليا بموقع ولاية الفقيه؛ فالفقيه الذي ينبغي أن يشغل موقع القيادة لابد أن يكون هو شخصياً معتقداً بولاية الفقيه المطلقة نظرياً وعملياً، وأن يكون على دراية بشؤون الدولة و عملها، وكفوءاً في مجال إدارة النظام العام وتدبيره، وواعياً بتعقيدات السياسة، و لا سيما السياسة الدولية، وهو ما يلخّصه الفقهاء بشرط "الكفاءة"، الذي يضاف الى الشرطين الأساسيين الآخرين: الفقاهة والعدالة. وهذه الشروط يصعب إيجادها في فقيه بعيد عن الدولة والنظام، و لم يشغل موقعاً رأسياً فيها. فالسيد علي الخامنئي ـ مثلاً ـ شغل موقع رئاسة الجمهورية لدورتين كاملتين، قبل أن يتسلم موقع الولي الفقيه. كما كان عضواً في مجلس خبراء الدستور ومجلس خبراء القيادة.

    وربما يوجد الكثير من مراجع الحوزة القمية ممن يعد قريباً من الدولة وشغل مواقع فيها؛ كالشيخ ناصر مكارم الشيرازي والسيد موسى الشبيري الزنجاني والشيخ جعفر السبحاني والشيخ حسين النوري الهمداني والشيخ الصافي الكلبايكاني والشيخ عبد الله الجوادي الآملي، وهم يمثلون اليوم أبرز مراجع الصف الأول والثاني. إلّا أن هؤلاء وغيرهم أكبر سناً من السيد الخامنئي، ويعاني أغلبهم من أمراض الشيخوخة الطبييعية.

    لذلك ينبغي هنا الحديث عن فقيهين يملآن الفراغ الذي سيتركه السيد الخامنئي، وليس فقيهاً واحداً؛ أحدهما للقيادة والآخر للمرجعية؛ ما يعني فصل الموقعين لأول مرة منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في العام 1979؛ أما فصلاً مؤقتاً كما حدث في حالة السيد الخامنئي أو دائماً. وهذا يعني أن البحث سيتجه نحو فقهاء من خارج مواقع مرجعيات التقليد الحالية، ومن خارج الأسماء المعروفة المذكورة أعلاه؛ لأن موقع القيادة في دستور الجمهورية الإسلامية وفي الفقه لا يشترط أن يكون الولي الفقيه مرجعاً للتقليد؛ بل يكفي أن يكون مجتهداً. 

    و لا شك أن توافر الآليات المتعارفة والمقننة على الصعيدين المرجعي والقيادي سيسهل عملية الحسم، ويوصلها الى النتيجة المطلوبة؛ وأهمها وجود جماعة مدرسي الحوزة التي ترشح مراجع التقليد ومجلس خبراء القيادة الذي ينتخب الولي الفقيه (قائد الدولة)؛ وإن لم تكن هذه الآليات مقبولة عند جميع المهتمين بالشأن المرجعي، وبينهم أصحاب الخطوط المرجعية الخاصة من خصوم الجمهورية الإسلامية.

    على مستوى المرجعية الدينية؛ هناك ثلاث مؤسسات حوزوية رأسية في قم سيكون لها دوراً في ترشيح المرجعيات الجديدة في مرحلة ما بعد السيد الخامنئي وغيره من مرجعيات الصف الأول الطاعنة في السن، هي: جماعة مدرسي الحوزة العلمية و مجلس الشورى العليا للحوزة العلمية ومجلس الشورى العليا للحوزات العلمية في إيران. إلّا أن الدور المركزي سيبقى لجماعة مدرسي الحوزة العلمية في قم التي تتألف من (56) مجتهداً، أغلبهم من كبار أساتذة البحث الخارج، وهي المؤسسة الشيعية الدينية الأكثر نفوداً لما يعرف حوزوياً بـ "أهل الخبرة"، وهو بمثابة مجلس شورى حوزوي ينظم عمل أهل الخبرة وجماعات الضغط الداخلي. و مما يزيد من نفوذ هذه الجماعة أن أغلب أعضائها هم في الوقت نفسه أعضاء في شورى حوزة قم وشورى حوزات إيران، و مجلس الخبراء ومجلس صيانة الدستور التابعين للدولة؛ أي أنهم يجمعون بين قيادة الرأي العام الحوزوي وقيادة الرأي الديني السياسي. وهو ما يبدو أنه يساهم في تنظيم عملية حسم موقع المرجعية ويسهلها؛ بل حسم موقع ولاية الفقيه في مرحلة ما بعد السيد الخامنئي أيضاً.

    و أول ما يتبادر الى الذهن في هذا المجال هو أن يتم طرح أسماء مرجعيات الصفين الأول والثاني في حوزة قم؛ لتخلف المرجعية العليا الحالية؛ كما هو الحال مع النجف، و أبرزهم: الشيخ حسين الوحيد الخراساني (مواليد العام  1921= ٩٩ عاماً) والشيخ ناصر مكارم الشيرازي (مواليد العام 1927 = 93 عاماً) والشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني ( مواليد العام 1928 = ۹۲ عاماً) والسيد موسى الشبيري الزنجاني ( مواليد العام 1928 = 92 عاماً) والشيخ جعفر السبحاني ( مواليد العام 1929 = 91 عاماً)، والشيخ عبد الله الجوادي الآملي (مواليد العام 1934 = 86 سنة)، وهم المعول عليهم في تزعم المرجعية العليا في ايران؛ لكنهم جميعاً طاعنون في السن ويعانون من أمراض الشيخوخة أيضاً. ولا يختلف الأمر عن المرجعيات الرديفة، كالشيخ النوري الهمداني ( مواليد العام 1925 = 95 عاماً) والسيد كاظم الحائري ( مواليد العام 1938 = 82 عاماً) والشيخ محمد علي كرامي القمي (مواليد العام 1938 = 82 عاماً) والسيد محمد صادق الروحاني ( مواليد العام 1927 = 93 عاماً) والسيد محمد علي العلوي الكركاني ( 1939 = 81 عاماً).

    أما الخطوط المرجعية الخاصة؛ كالمرجعية الشيرازية، أو الشخصيات التي طرحت مرجعياتها خارج السياقات المتعارفة، وبينهم علماء دين عراقيين و إيرانيين وأفغانستانيين وباكستانيين معروفين؛ فليس لها حظوظ في بلوغ المرجعية العليا أو مرجعيات الصف الأول في قم، ؛ لأن أعراف الحوزة القمية وسياقاتها لا تختلف كثيراً عن المعايير و السياقات النجفية.   

    و من خلال التوقف عند أعمار مراجع الصفين الأول والثاني ؛ يتبين أن السيد علي الخامنئي (مواليد العام 1939= 81 عاماً) هو أصغرهم سناً، وأنه يتمتع بصحة جيدة ولا يعاني من أمراض الشيخوخة، وأنه ربما يرث أغلب مقلدي هؤلاء المراجع. لذلك ينبغي الحديث عن مرحلة ما بعد السيد الخامنئي ومرجعيات الصف الأول والصف الثاني.

    و يبدو أن الأقرب الى التحقق بعد مرحلة الخامنئي ومراجع الصفين الأول والثاني في قم؛ هو المشهد النجفي تحديداً؛ أي بروز  فقهاء من أساتذة البحث الخارج المرموقين، ممن لم يطرحوا مرجعيتهم حتى الآن، ومن المؤكد أن أغلبهم سينشر رسالته الفقهية العملية بعد رحيل مراجع الصفين الأول والثاني في قم، ومن هؤلاء: السيد علي المحقق الداماد والشيخ علي كريمي الجهرمي والسيد محمد جواد العلوي البروجردي والسيد علي أصغر الميلاني والسيد أحمد المددي والشيخ صادق الآملي اللاريجاني والشيخ علي أكبر سيفي المازندراني  والشيخ محسن الوحيد الخراساني والشيخ جواد الفاضل اللنكراني.

    ومن بين هؤلاء؛ فقيه واحد فقط شغل مواقع رأسية في الدولة، وهو الشيخ صادق الآملي اللاريجاني (مواليد العام 1961 = 61 عاماً)، رئيس السلطة القضائية السابق ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الحالي. وهو من الفقهاء الإيرانيين النشيطين فكرياً وبحثياً؛ فضلاً عن تميزه العلمي والفقهي. وإذا قُدّر للشيخ اللاريجاني أن يُنتخب ولياً للفقيه بعد السيد الخامنئي؛ فإنه الوحيد القادر على الجمع بين المرجعية الدينية وقيادة الدولة، كما هو الحال مع السيد الخامنئي. لكن الذي يضعف حظوظه هي عمامته البيضاء؛ لأن المجتمع الإيراني؛ ككل المجتمعات الشيعية يميل بوضوح الى العمامة السوداء كقيادة دينية تذكّره بسلالة رسول الله وعلي والزهراء.  

    ولذلك؛ فإن الأنظار تتجه الى فقيه شاب آخر هو السيد إبراهيم رئيسي (مواليد العام 1960 = 60 عاماً) الرئيس الحالي للسلطة القضائية وعضو مجلس الخبراء. وخلافاً لموقع المرجعية الذي يتم اختيار من يشغله وفق السياقات التقليدية المتعارفة؛ فإن الولي الفقيه في الجمهورية الإسلامية يختاره مجلسٌ رسمي من الفقهاء أهل الخبرة منتخب انتخاباً شعبياً مباشراً كل أربع سنوات، اسمه "مجلس خبراء القيادة"، وهي سلطة خبروية فقهية مستقلة، تتألف من (84) مجتهداً، و تختص بانتخاب الولي الفقيه (قائد الدولة) ومراقبته وعزله.

أخر الأخبار