• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

بين الرصانة والابتذال .. ظاهرة الكلمات الهابطة في الأدب ووسائل التواصل

بين الرصانة والابتذال .. ظاهرة الكلمات الهابطة في الأدب ووسائل التواصل

  • اليوم, 12:45
  • مقالات
  • 12 مشاهدة
د.رعدهادي جبارة

"Today News": بغداد 

 إنَّ القرآن الكريم، وهو أرقى نموذج للبيان البشري والإلهي، يعلّمنا كيف نتناول أدقَّ القضايا و أخصَّها بألفاظ راقية وكلمات سامية ومصطلحات نظيفة تحفظ المعنى و توقّر السامع وتحترم القارئ. فعندما يذكر العلاقة الخاصة بين الزوج وزوجه، يختار تعابير من قبيل:
 ❖(أو لامستم النساء) [النساء:43]
❖(من قبل أن يتماسا) [المجادلة:3-4]
❖(ولم يمسسني بشرٌ) [آل عمران:47]
❖(وأنتم لباس لهنّ) [البقرة:187]
❖(فالآن باشروهن) [البقرة:187]
❖(فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحبّ التوابين ويحبّ المتطهرين) [البقرة:222]

أجل؛كلها ألفاظ توحي بالحياء والسمو، وتؤدي المعنى بأبهى صورة وعفة لسان، دون أن تجرح السمع أو تخدش الحياء وتسمي العورات.
  لكن في العقود الأخيرة راجت بين عدد من الشعراء والرواديد، بل وحتى بعض المؤثرين في وسائل التواصل، كلمات هابطة تحمل إيحاءات جنسية فجة، أو مصطلحات مستوردة من ثقافة الشذوذ والانحلال. صارت هذه الألفاظ عند بعضهم موضع فخر ومباهاة، يتبارون في إطلاقها، وكأنهم يختبرون صبر المستمع على تقبّل القبح.
  هذه الظاهرة ليست جديدة في الرفض؛ فقد عبّر شعراء قدامى عن امتعاضهم من اللغة النافرة المستقبَحة، ولذلك قال صفي الدين الحلي منتقداً:

_ إِنَّماالحَيزَبونُ وَالدَردَبيسُ
وَالطَخا وَالنُقاخُ وَالعَطلَبيسُ

_وَالسَبنَتى وَالحَقصُ وَالهِيَقُ
وَالهِجرِسُ وَالطِرقَسانُ وَالعَسطوسُ

_لُغَةٌ تَنفُرُالمَسامِعُ مِنها
حينَ تُروى وَتَشمَئِزُّالنُفوسُ

_وَقَبيحٌ أَن يُذكَرَالنافِرُ الوَحشِيَ مِنها وَيُترَكَ المَأنوسُ

❖لماذايلجأشاعرإلى الابتذال؟
الأسباب متعددة:
●إحداث صدمة لإثارة الانتباه أو تمرير موقف سياسي أو اجتماعي.
●الافتقار للذخيرة اللغوية الرفيعة التي تمكنهم من التعبير القوي دون فجاجة.
●مجاراة جمهور معيّن يهوى سماع هذه الألفاظ ويعتبرها دليل شجاعة أو صدق.

❖أثر هذه الظاهرة
1■تسطيح الذائقة: إذ تعتاد الأذن على سماع الكلمات الساقطة حتى تفقد قدرتها على التمييز بين الجميل والقبيح.
2■تشويه صورة الأدب: فيتحول من أداة إلهام و تهذيب إلى وسيلة لإثارة الغرائز أو استفزاز الحياء.
3■تأثير سلبي على الأجيال الناشئة: التي تتشرّب هذه الألفاظ فتكررها بلا وعي في بيئاتها اليومية.

❖صعوبةالمثال في نقدالابتذال
قد يظن القارئ أن عرض أمثلة صريحة من تلك الألفاظ ضروري لفهم المشكلة، لكن الحقيقة أن نقلها كما هي قد يكون ترويجًا غير مقصود لها، أو إشهارًا لأصحابها. لذلك، تجنّب هذا المقال إيراد الكلمات بنصّها الكامل، مكتفيًا بالإشارة إلى طبيعتها وأثرها، حفاظًا على نظافة النص من جهة، وصونًا لذوق القارئ من جهة أخرى. فالغاية هنا هي نقد الظاهرة، لا إعادة إنتاجها.
❖نماذج سامية:
التاريخ الأدبي زاخر بأمثلة لعمالقة عبّروا عن الغضب والثورة بلسان راقٍ، من البارودي وحافظ إبراهيم إلى محمد مهدي الجواهري – شاعر العرب الأكبر – وأبي القاسم الشابي، ومن محمود درويش إلى سميح القاسم، فهم رفعوا القضايا الكبيرة بألفاظ لا تخدش الذوق ولا تجرح السمع، بل تثير الوعي وتحفّز الكرامة.
❖خاتمة
الأدب رسالة، والخطابة والكتابة أمانة، ومن يقف أمام الناس أو يكتب للناس عبر وسائل التواصل المختلفة، فهو مؤتمن على الكلمة وأثرها. إن العودة إلى اللغة الرفيعة ليست ترفًا ولا محافظة زائفة، بل هي حماية للذوق العام ، وعفة الأدب، وصون لكرامة المستمع. وكما قال الشاعر الأخطل التغلبي:
 إنَّ الكلامَ لفي الفؤادِوإنَّما
جُعلَ اللسانُ على الفؤادِدليلا

❖فلنكن أدلّاء على الجمال لا على القبح، وعلى السمو لا على الابتذال.
الفحشُ في القول وبذاءةُ اللسان؛ ذنبٌ مُستوجبٌ لمَقتِ الله وغضبه سبحانه، ومَنْ مَقته الله وغضِبَ عليه فقد خاب وخسر خُسْرَانًا مُبينًا
❖الفحشُ في القول و بذاءةُ اللسان؛ ذنبٌ مُستوجبٌ لمَقتِ الله و غضبه سبحانه، ومَنْ مَقته الله وغضِبَ عليه فقد خاب وخسر خُسْرَانًا مُبينًا.
أليس كذلك؟


د.رعدهادي جبارة
الأمين العام
للمجمع القرآني الدولي

أخر الأخبار