• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

نجت من مذبحة الرحاب وعاشت عمرها حزينة

نجت من مذبحة الرحاب وعاشت عمرها حزينة

  • 31-05-2020, 12:17
  • مقالات
  • 3921 مشاهدة
د. صلاح عبد الرزاق

بمناسبة رحيل الأميرة بديعة ( 1-2)

في 9 مايس 2020 توفيت الأميرة بديعة بنت الملك علي بن الحسين آخر ملوك المملكة الحجازية الهاشمية، عن عمر بلغ مائة عام. ولدت في دمشق ، وعاشت طفولتها في مكة المكرمة ثم انتقلت مع أسرتها إلى العراق. في عام 2012 أشرفت على إقامة معرض للعائلة المالكة العراقية في المركز الثقافي البغدادي. وفي تلك المناسبة التقيت ولدها الشريف علي بن الحسين . أثناء مراسم المعرض سلمني الشريف رسالة قصيرة من الأميرة بديعة موجهة لي شخصياً تشكرني فيها على الاحتفاء بالعائلة المالكة في العراق. كما تلقيت رسالة أخرى من الأمير رعد بن زيد كبير أمناء الديوان الملكي الهاشمي الأردني لنفس الغرض.

العائلة الهاشمية
تنتسب العائلة الهاشمية إلى جدهم الشريف حسين بن علي (1854- 1931) الذي ينتسب للامام الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) . تولى منصب شريف مكة (1908-1917) ثم أصبح ملك الحجاز (1917-1924) قبل تأسيس المملكة العربية السعودية. قاد الثورة العربية الكبرى بتحالفه مع الانكليز ضد الدولة العثمانية. كان الانكليز قد وعدوه باعلان الدولة العربية بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى (1914-1917) لكنهم أخلفوا وعدهم عندما اتفقت بريطانيا وفرنسا على تقسيم المنطقة بينها في اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 .
وتعويضاً على تلك الخيانة وتجاهلها تأسيس الدولة العربية ، قامت بريطانيا بتنصيب أولاد الشريف حسين ملوكاً في العراق وسوريا والأردن. إذ أرسل الشريف حسين ابنه الأمير فيصل ليكون ملكاً على سوريا مما أثار غضب الفرنسيين فضربوا سوريا بمعركة ميسلون عام 1920 وأسقطوا حكمه. وكانت ثورة العشرين في العراق قد بلغت ذروتها ، فتم ترشيح فيصل (1993-1933) ملكاً على العراق. تم تتويج الملك فيصل الأول في 23 آب 1921 واستمر في الحكم حتى عام 1933 حيث توفي في سويسرا. تولى الملك غازي بن فيصل (1912-1939) الحكم لمدة ست سنوات (1933-1939) حتى مصرعه بحادث سيارة. وبسبب صغر سن الأمير فيصل الثاني (1935-1958) عند وفاة والده ، فقد تم تنصيب الأمير عبد الاله بن علي (1913-1958) وصياً على العرش لمدة أربعة عشرة سنة (1939-1953). ولما بلغ فيصل الثاني الثامنة عشر من عمره تم تتويجه ملكاً ليبقى ست سنوات في الحكم (1952-1958) ثم يلقى مصرعه صبيحة 14 تموز 1958 .

أما الابن الثاني الأمير عبد الله بن الحسين (1882-1951) فقد أصبح ملكاً على الأردن (لمدة ثلاثين سنة (1921-1951) ، ثم أعقبه ولده طلال بن عبد الله (1909-1972) ليبقى في الحكم سنتين فقط ثم تمت تنحيته وتولى ابنه الحسين بن طلال (1935-1999) الحكم للفترة (1953-1999) ، ثم نجله عبد الثاني (1962- ) حيث استلم الحكم عام 1999 ولغاية الآن.  

الأميرة بديعة
هي بديعة بنت علي بن الحسين ، ابنة أخ فيصل الأول ملك العراق وعبدالله ملك الأردن، وشقيقة الملكة عالية زوجة الملك غازي ، وشقيقة الأمير عبد الاله وصي عرش العراق. وهي والدة الشريف علي بن الحسين بن علي بن عبدالله. ولدت بديعة في مكة المكرمة عام 1920 ، وتوفيت في لندن في 9 مايس 2020 .
للأميرة بديعة أربع شقيقات هن الملكة عالية (1911- 1950) ، وعابدية (1907-1958) التي تولت تربية الملك فيصل الثاني بعد وفاة أمه الملكة عالية ، وقد لقيت مصرعها في قصر الرحاب 1958، وجليلة (1922- 1955) التي انتحرت بحرق نفسها عام 1955 عن عمر 33 عاماً، ولها أخ واحد هو عبد الاله (1913-1958) الذي بقيت تندبه وتبكي عليه منذ مصرعه عام 1958 وحتى وفاتها عام 2020. وكان عبد الاله تزوج هيام بنت محمد حبيب أمير ربيعة.

أما الأخت الرابعة فقد غابت أخبارها وهي الأميرة راجحة التي التقت نادلاً يونانياً في إحدى زياراتها إلى هناك، ثم غادرت العراق وفارقت أهلها لتتزوجه في اليونان. وقد استولى الرجل على مجوهراتها ثم طلقها، فعاشت مشردة حتى تعرف عليها بعض الإيطاليين والإنجليز عام ١٩٣٩ خلال الحرب العالمية الثانية وكانوا يقدمون لها بعض المساعدات، ثم تمكنت من لقاء شقيقها الأمير عبدالإله وطلبت منه الصفح فساعدها في أن تسكن القدس وخصص لها مرتباً مشترطاً ألا تتعرف على العائلة وألا يتعرف عليها منهم أحد. بقيت كذلك حتى تواصلت مع الأمير نايف بن عبدالله في الأردن فسعى عند والده للصفح عنها وكفالتها، أدى ما حدث من الأميرة عزة إلى موافقة الأسرة على زواج أختها راجحة من طيار عراقي كانت العائلة معترضة على مصاهرته. وسبب الاعتراض هو أنهم مالوا للاعتقاد أنه يطمح للثروة من خلال مصاهرتهم، وبالفعل فبعد الزواج ترك الرجل الجيش العراقي وتفرغ لأعماله الخاصة ليصبح من أكبر مستوردي الأدوية في العراق، ولكنه كان كريماً مع زوجته بعد انتهاء ملك العائلة.

قصر الزهور
وهو أول قصر ملكي يبنى في العراق ، ويقع في منطقة الحارثية. وضع تصاميم القصر المهندس الانكليزي جيمس مولسون ولسون (1887 - ؟) الذي كان يشغل منصب معمار الحكومة. وكان يعمل في العراق للفترة (1918-1950) . بوشر بانشاء القصر عام 1932 ، واستمر العمل به سنتين لغاية عام 1934. وأنفق عليه (150 ألف دينار) . وقد بني للملك فيصل الأول لكنه توفي قبل إنجازه ، عام 1933 . انتقل الملك غازي وزوجته الملكة عالية للقصر، وفيه توفي الملك غازي عام 1939 ، وبقيت الملكة عالية وابنها فيصل الثاني يقيمان في القصر حتى وفاتها عام 1950. بعد وفاة أمه انتقل الأمير الشاب إلى قصر الرحاب مع خالته الأميرة عابدية.
بعد سقوط الملكية نجا قصر الزهور من هجوم القوات العسكرية في 14 تموز 1958 ، واستغل القصر كمقر لاقامة كبار الضيوف حيث سمي (قصر الضيوف العظماء) في العهد الجمهوري، ومنهم ميشيل عفلق الذي استخدمه لفترة حتى بني له قصر جديد من قبل صدام. في السبعينيات من القرن العشرين شغلته وزارة الثقافة والاعلام. وفي نهاية عام 1991 استعمل القصر من قبل دائرة السينما والمسرح ليكون موقعاً لتصوير فلم (الملك غازي). وبقي القصر لغاية نيسان 2003 حيث تم تدميره بالكامل من الطائرات الأمريكية.
كان القصر يشبه قلعة انكليزية حيث تبرز أبراجه  العالية ، ونوافذه وشرفاته المحيطة بالقصر. تحيط بالقصر حدائق جميلة تضم أنواعاً مختلفة من الزهور والنباتات. وربما كان ذلك سبب تسميته بقصر الزهور.
يتألف القصر من طابقين ، فالطابق الأرضي يضم عدة قاعات للاستخدام الرسمي كصالة الاستقبال مخصصة للضيوف، وصالة الطعام حيث تضم مائدة كبيرة تسع مائة شخص. والقاعات متصلة ببعضها بأبواب وممرات. أما قاعة العرش فكانت واسعة حيث وضع العرش في الجدار الشمالي ضمن إطار مزخرف. وتم تزيين السقف بزخرفة على شكل المحار يضم 21 ضلعاً.  
أما الطابق العلوي فيضم ثمانية أجنحة (سويت) يتألف من غرفة جلوس وغرفة نوم ملكية الديكور والتأثيث، إضافة إلى حمام فاخر.
على واجهة القصر كان شعار الملكية العراقية الذي يمثل حصاناً وأسداً يحتضنان نهري دجلة والفرات ونخيل، ويعلوه التاج الملكي. وفوق الشعار كانت تنتصب سارية يرفع عليها العلم العراقي.  

قصر الرحاب
انتقلت بديعة مع عائلتها إلى العراق مع أسرة عمها الملك فيصل الأول وسكنت معه في عدة منازل منها بيت الحكمة وقصر شعشوع ، حتى تزوجت واستقلت في منزل خاص. قام مهندس مصري بتصميم قصر الرحاب الذي كان قصراً بسيطاً لا تتجاوز غرفه سبعة غرف من ضمنها غرفتين للضيوف وغرفة الطعام وغرفة مكتبة. كان القصر خالياً من أجهزة التدفئة والتبريد حيث كانت تستخدم المدافئ النفطية. أما جهاز التبريد فلم يدخله إلا بعد زيارة الأمير عبدالاله لأمريكا فجلب جهازاً صغيراً لتبريد غرفة واحدة فقط. في مدخل القصر رفعت الآية الكريمة (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
بعد وصول حزب البعث للسلطة تحول القصر إلى معتقل سمي (قصر النهاية) حيث كان يدار من قبل مدير الأمن العام ناظم كزار. وتعرض فيه مئات السياسيين والاكاديميين والعلماء إلى صنوف التعذيب والقتل. تم تهديم القصر عام 1973 بعد الكشف عن مؤامرة ناظم كزار لقتل البكر وصدام. بعد ذلك تم إنشاء مبنى المخابرات العراقية المتألف من عدة عمارات وزنازين وأقبية ومكاتب. وقد قصف المبنى عام 1990 من قبل الطائرات الأمريكية في حرب عاصفة الصحراء.

هروبها من المذبحة
تزوجت بديعة من الشريف حسين بن علي بن عبدالله الذي كانن يحمل الجنسية السعودية ، ورزقت منه بثلاثة أبناء هم علي ومحمد وعبدالله.
بعد زواجها بقيت في بغداد لكن في منزل مستقل. وكانت الأميرات يسكن في (قصر الأميرات) في منطقة المنصور، وسمي الشارع باسم شارع الأميرات. بني القصر عام 1954 ، وقام عبد السلام عارف بمصادرة القصر وبيعه في المزاد العلني. وقد اشتراه شخص كان يعمل تاجر مواشي، وما تزال أسرته تسكن القصر.
شهدت العائلة المالكة تهديدات جدية أولها انقلاب الضابط بكر صدقي عام 1936 ، ثم انقلاب العقداء الأربعة وتولي رشيد عالي الكيلاني رئاسة الوزراء عام 1941. واضطر عبدالاله إلى الهرب من العراق ثم عاد وتم شنق العقداء الأربعة.
عموماً كانت العائلة المالكة لا تميل إلى العنف أو الاعدامات . وكانت مقبولة عند الشيعة والسنة والأكراد، تقول الأميرة بديعة في مذكراتها إن والدها كان يستقبل في الأيام العشرة الأولى من محرم كل عام وفود المعزين بجده الحسين، بل وكان يشاركهم اللطم رغم أنه سني، وكذلك حاول رئيس الوزراء محمد الصدر تزويج الملك فيصل الثاني من الأميرة شاهيناز أخت شاه إيران، ولكن العائلة لم توافق بعد أن لاحظوا أن الأميرة كانت تشرب الخمر.
 
نجت الأميرة بديعة وزوجها وابناءها من مجزرة قصر الرحاب التي قتل فيها جميع أفراد العائلة المالكة بما فيهم والدتها الأميرة نفيسة زوجة الملك علي  وكانت في سنة متقدمة. كما نجت زوجة الأمير عبد الاله حيث تعرضت لاصابة رصاصة لكنها تمكنت من الهرب والنجاة. أما الأميرة بديعة فلم تكن في القصر بل في منزل آخر ، ثم لجأ زوجها وأسرته غلى السفارة السعودية ببغداد حيث أمنت له السفارة خروجه سالماً مع أسرته بالطائرة من بغداد إلى القاهرة. بقيت الأسرة مدة قصيرة في مصر ثم انتقلت إلى سويسرا ، لتستقر نهائياً في لندن. توفي زوجها الشريف حسين عام 1998 .
دونت مذكراتها في كتابها (وريثة العروش) الذي يعد وثيقة تاريخية مهمة لأنها تحدثت فيه عن تفاصيل يومية للعائلة المالكة خلف جدران القصر.

أخر الأخبار