• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

النظام الصالح وفرة الانتاج

النظام الصالح وفرة الانتاج

  • 30-03-2020, 13:05
  • مقالات
  • 527 مشاهدة
محمد عبد الجبار الشبوط

انا اؤمن بان القران الكريم كتاب معرفة غزيرة. وان قراءته بهذه الذهنية سوف تفتح الكثير من كنوزه المعرفية المفيدة.
ولا لضرورة ان يتضايق غير المتدين، او صاحب العقيدة الدينية او السياسية المخالفة، من الاستشهاد بالقران الكريم، طالما كان ذلك مفيدا لفتح المزيد من افاق المعرفة، بما في ذلك تعميق ونشر الفهم الحضاري للاسلام.
مناسبة هذا الكلام هو استشهادي بقوله تعالى:"وأن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا". (الجن 16)
والاية في مثل قوله تعالى:"وَلَو أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (الاعراف 96)

هذه الاية، وهي من الايات المكية، تحكي هذا النص على لسان الجن الذين استمع نفر منهم للقران الكريم وتعجبوا منه، لكنهم قالوا انه "يهدي الى الرشد"، فآمنوا به.
وتتفاوت مستويات فهم القران تبعا لمستوى ثقافة المفسر، التي هي انعكاس لثقافة عصره.
فالمفسرون القدماء فسروا  كلمة "الطريقة" بانها الاسلام. وتوقفوا عند هذا القول.
ومثلهم قال مفسر معاصر ان الجن والانس لو استقاموا علي طريقه الاسلام لله لرزقهم الله رزقا كثيرا.
لكن السيد محمد باقر الصدر الذي يمثل مستوى اخر في فهم القران  قال: "ان المجتمع الذي تسوده العدالة في التوزيع هو ا الذي يحصل على وفرة الانتاج"، معتبرا ان الاستقامة على الطريقة تعني العدالة في التوزيع، والسقي بالماء الكثير يعني وفرة الانتاج.
وهذا التفسير يفتح الباب للفهم الحضاري لهذه الاية. وهو ما احاول القيام به الان. فالانتاج هو حصيلة تفاعل عناصر المركب الحضاري  مع بعضها في اطار منظومة القيم الحافة بهذه العناصر، وهي: الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل. فالانسان الذي يتعامل مع الطبيعة على وفق جدول زمني علمي، في اطار منظومة قيم تشجع على العمل، وطلب العلم، واكتشاف ثروات الطبيعة، والعدل في توزيعها قبل الانتاج وبعد الانتاج، وغير ذلك من القيم المستقيمة التي تشكل اسس النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي...هذا الانسان، اي المجتمع والدولة، سيكون قادرا على زيادة الانتاج. فيكون معنى الاية ان الناس "لو استقاموا"، اي اقاموا نظاما سياسيا واجتماعيا واقتصاديا عادلا وصالحا، فان ذلك سوف يؤدي الى وفرة الانتاج. ذلك ان هذا النظام الصالح سوف يكون اطارا سليما لاشتغال واستثمار عناصر المركب الحضاري بشكل سليم وصحيح، لان هذا النظام يحول دون الكسل والاتكالية والسلبية وهدر الثروات الطبيعية والاحتكار وغير ذلك من المفردات غير الصالحة، ويؤكد على العكس من ذلك، على المثابرة والاجتهاد والايجابية واستثمار الثروات الطبيعية، وهذه كلها من عوامل زيادة الانتاج.  
وهذا كله يساعد على رسم خارطة الطريق المؤدية الى القضاء على الفقر والعوز وتقود الى الثراء والرفاهية والسعادة على اساس من العدل والمساواة.
وكل ذلك منوط بمعالجة الخلل الحاد الذي يصيب المركب الحضاري بعناصره وقيمه. وهذا هو شرط معالجة الظواهر السلبية في المجتمع، مثل الفقر والحاجة. فلا يمكن القضاء على الفقر قبل معالجة الخلل الحاد في المركب الحضاري، اما المعالجات الاخرى، مهما كانت محاسنها الظاهرية، فلا تعدو في احسن الحالات ان تكون مساعدات انسانية دافعها الشفقة والاحسان ولا تشكل حلا جذريا لمشكلة اجتماعية اقتصادية حضارية. والحل الجذري هو كما قلت: اصلاح الخلل في المركب الحضاري كشرط لتحقيق وفرة الانتاج. وهذا يتم من خلال نظام اخلاقي وقيمي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا يحكم حركة الانسان والمجتمع قبل الانتاج وبعد الانتاج. وهذا هم ما يقدمه الفهم الحضاري للقران الكريم. وهو فهم مفتوح لكل البشر بغض النظر عن موقفهم العقائدي والديني.

أخر الأخبار