تتجه ديون الولايات المتحدة الأميركية إلى أعلى مستوياتها منذ الحرب العالمية الثانية، حيث بلغت 36 تريليون دولار، وهو رقم مرشح للاستمرار بالتصاعد، إذ تنفق الحكومة الأميركية ما يزيد عن إيراداتها السنوية بنحو تريليوني دولار.
ويُعد هذا العجز المالي المزمن أحد أبرز المؤشرات على التدهور المالي الذي تعيشه البلاد، وهو تدهور تسببت فيه ثماني محطات وقرارات رئيسية، من أبرزها حرب العراق وذلك وفق ما جاء في تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" .
وبحسب التقرير، فإن وزارة الخزانة الأمريكية تُجبر على الاقتراض سنوياً لتغطية هذا الفارق الهائل بين الإيرادات والنفقات، ما يعني أن الدين الوطني سيواصل الارتفاع، بل وقد يتجاوز قريباً كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، أعلى مستوياته التي بلغها في نهاية الحرب العالمية الثانية، في حال لم تُتخذ إصلاحات جوهرية.
وأضاف التقرير، أن القسم الأكبر من هذا الدين قد تراكم على مدى العقدين الماضيين، إذ يشير إلى أنه في عام 2001 كانت الدولة تسجل فائضاً مالياً نتيجة تحصيل الضرائب بإجمالي يفوق الإنفاق على الخدمات الحكومية.
غير أن التقرير يوضح أنه "منذ ذلك الوقت، ساهم أربعة رؤساء أميركيين، وعشر دورات للكونغرس، وحربان كبيرتان، من بينهما غزو العراق، في تراكم هذا الدين، إلى جانب قرارات سياسية داخلية، وارتفاع كلفة برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، فضلاً عن التخفيضات الضريبية المتكررة، واتفاقات الإنفاق التي تم التوافق عليها بين الحزبين، إلى جانب النفقات الضخمة التي خُصصت للتعامل مع جائحة كورونا".
ويُعدد التقرير ثماني لحظات رئيسية ساهمت في وصول الولايات المتحدة إلى هذا الوضع، من أبرزها حروبها في العراق وأفغانستان، حيث يذكر أنه بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 شنت الولايات المتحدة غزوها للعراق، وكان الدين العام حينها يبلغ 6.5 تريليونات دولار، وقد استمرت في خوض حروب في الشرق الأوسط لمدة تقارب العقدين، ما أدى إلى زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري ونفقات المحاربين القدامى.
ويستند التقرير إلى دراسة لجامعة هارفارد، التي أشارت إلى أن "حربي العراق وأفغانستان كلّفتا الولايات المتحدة ما بين 4 و 6 تريليونات دولار".
كما أوضح التقرير، أن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن وقّع أول تخفيضين ضريبيين كبيرين أصبحا قانوناً، حيث خفّض معدلات الضرائب على الدخل ومكاسب رأس المال وأرباح الأسهم.
وقدّر مكتب الميزانية في الكونغرس عام 2012 أن هذه التخفيضات أضافت نحو 1.5 تريليون دولار إلى الدين الوطني، الذي كان حينها عند مستوى 5.7 تريليونات دولار.
كما سلّط التقرير الضوء على "الجزء د" من برنامج الرعاية الصحية "ميديكير"، الذي مثّل توسعاً كبيراً في التغطية الصحية لكبار السن لتشمل الأدوية، وقد جرى اعتماده عندما كان الدين يبلغ 8.4 تريليونات دولار.
وفي العام 2008، ومع وصول الدين إلى 10.1 تريليونات دولار، أدت أزمة الأسواق المالية إلى تعميق الركود الكبير، الذي يعد أسوأ انكماش اقتصادي منذ الكساد الكبير، ووفقاً للخبير الاقتصادي برايان ريدل، فقد أقرّت إدارتا بوش وأوباما معاً إجراءات طارئة تقدر بحوالي تريليوني دولار لمواجهة آثار الأزمة.
وفي عام 2013، عندما بلغ الدين 16.8 تريليون دولار، مدّدت إدارة الرئيس باراك أوباما الإعفاءات الضريبية لجميع الفئات باستثناء الأثرياء، بينما وافق الجمهوريون على تمديد بعض تدابير التحفيز الاقتصادي، في إطار صفقة قُدّرت كلفتها الإجمالية بنحو 4 تريليونات دولار.
وفي عهد الرئيس دونالد ترامب، وخلال ولايته الأولى، جرى تمرير مشروع قانون شامل لتخفيض الضرائب، ركّز على خفض معدل الضريبة على الشركات الكبرى من 35% إلى 21%، كما شمل تخفيضات ضريبية لغالبية دافعي الضرائب الأفراد.
وقدّرت كلفة هذا الإجراء بنحو 1.5 تريليون دولار، بينما قدّر الأثر التراكمي له بنحو 2.9 تريليون دولار، في وقت كان الدين العام يبلغ 20.5 تريليون دولار.
وفي عام 2020، واجهت الولايات المتحدة جائحة كورونا، حيث وقّع ترامب على أول وأضخم حزمة إغاثة ضمن ثلاث حزم أقرها الكونغرس.
وقد بلغت قيمة الحزمة الأولى، التي جاءت بتوافق بين الحزبين، نحو 3.4 تريليونات دولار، تلتها حزمة ثانية بقيمة 900 مليار دولار.
وفي عام 2021، أقرّ الديمقراطيون بقيادة الرئيس جو بايدن حزمة ثالثة بقيمة 1.9 تريليون دولار، في وقت وصل فيه الدين إلى 27.7 تريليون دولار
ويتابع التقرير بالإشارة إلى أن بايدن نجح عام 2022 في دفع الكونغرس للموافقة على زيادة الإنفاق في مجالات الرعاية الصحية للمحاربين القدامى، والبنية التحتية، وعدد من الهيئات الحكومية، وهو ما ساهم في ارتفاع الدين إلى 30.9 تريليون دولار
وختم التقرير، بالإشارة إلى أن الجمهوريين في الكونغرس وإدارة ترامب يتجهون هذا العام إلى تنفيذ خطة من شأنها أن تزيد عجز الموازنة الفيدرالية بأكثر من 2 تريليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة، وربما بأكثر من 5 تريليونات دولار، ما لم تُتخذ إجراءات إصلاحية شاملة لكبح جماح الدين العام الأميركي.