• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

التغيير عبر القوة الناعمة الخيرة

التغيير عبر القوة الناعمة الخيرة

  • 2-05-2024, 10:37
  • مقالات
  • 43 مشاهدة
وليد الحلي

"Today News": بغداد 
استغلال القوة الخشنة (Sharp power) وهي قوة الإكراه والتسلط العسكري والاقتصادي والأمني وغيره على الدول والأشخاص، يعد تراجع المجتمع الدولي لقيم حقوق الإنسان في العدل والأخلاق (التسامح) والحقوق والحريات والواجبات، والآليات الديمقراطية التي تحترم الإنسان وكرامته وسيادة الدول، ويعني التوجه بهذه القوة التي تستخدم الإكراه والقتل نحو الديكتاتوريات السلطوية والقمعية لاختراق المجتمعات في الشرق الأوسط وأفريقيا وشرق أوربا وغيرها من دول العالم، وباستخدام طرق وشعارات مزيفة للخلاص من الفوضى وعدم الاستقرار واستخدام السلاح الاقتصادي لإشعال الفتن.

القوة الناعمة (Soft power) وهي التي تتبنى القيم والمبادئ والمصداقية في الالتزام والتأثير في المجتمعات والدول وإقناعها من دون جبر أو إكراه، ومع الأسف تستخدم هذه القوة ايضا للخداع عند البعض بطرح شعارات جذابة لا واقع لها.

هاتان القوتان تحملان نوايا شريرة لبعض الدول التي تستغلهما لامتصاص ثروات الشعوب بطرق ملتوية وماكرة.

نطرح مصطلحاً جديداً وهو (القوة الناعمة الخيرة والأخلاقية) وهي القوة التي تهدف إلى نشر الخير بوعي وعلم وأخلاق (التسامح والتعاون) لتحقيق الحكم التنظيمي والسياسي الكفوء والفعّال والنزيه، والاقتصاد القادر على تجاوز احتياجات البلد والمجتمع بنجاح، ومن دون مكر ، وعدم السماح لتسلط خارجي، او عمل عسكري أو امني ضد تطلعات الشعوب الخيرة،  إضافة إلى تثقيف الأمة بثقافة تضمن لهم الحياة الهنيئة في الدنيا والسعادة في الدار الأخرى.

الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) الذي ولد في المدينة المنورة في 17 ربيع الأول سنة 83 هـ، تصدى لتغيير الأمة مستخدما القوة الناعمة الخيرة والأخلاقية معلنا: "العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق، لا يزيده سرعة السير إِلا بُعداً".

مؤكداً على التعلم بوعي وحكمة وسمو القيم والمبادئ، والمصداقية في الالتزام، والحوار بالبرهان والإقناع بالرغبة وعبر العلاقة الطيبة دون الإكراه، فأصبح الإمام نموذجاً، ومصدراً للإلهام والاستقطاب للعلماء والحكماء والأمة.

ناهياً عن التعصّب، لأنه أحد أهم أسباب وعوامل التشاجر والتناحر والاختلاف والفرقة، وداعيا إلى إصلاح العلاقات بين الناس والتقريب بينهم، ليكونوا أخوة متآزرين متعاونين قائلا (ع): "العقل ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان"، و"أكمل الناس عقلاً أحسنهم خُلقاً"، و"كمال العقل في ثلاث: التواضع للّه، وحُسن اليقين، والصمت إِلا من خير"، و"الجهل في ثلاث: الكبر، وشدَّة المراء والجهل باللّه".

رغم معارضة السلطة الأموية والعباسية لمنهجه التغييري خلال فترة إمامته (لمدة 18 عاما) لثمانية من ملوك بني أمية حتى سقوط دولتهم سنة 132 هـ ، و (لمدة 16 عاما) لاثنين من ملوك بني العباس خلال مدة إمامته 34 عاما (114-148 هجري)، إلا أنه استطاع اتخاذ المواقف المؤثرة أمام كثرة الحركات الدينية وبدعها، والوقوف ضد البدع في فهم وتنوع الاتجاهات الفلسفية والفكرية والسياسية وأهل الكلام والجدليين والغلاة وما صاحبتها من ظهور الفتن والنزاعات والعصبيات والصراعات الجاهلية.

ووجه بضرورة الالتزام بمبادئ وقيم الإسلام بالتقوى والعلم وتحمل مسؤوليتها في الإصلاح الحقيقي للمجتمع والتسلح بالعلم والمعرفة والخبرة والإخلاص والنزاهة والحوار بالحكمة والموعظة الحسنة. معلنا أن "فساد الظاهر من فساد الباطن، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته".

استوعب الإمام واقع الأمة للظروف السياسيّة المحيطة بها والظلم والاضطهاد من السلطتين الأموية والعباسية، وجابههم بالصبر والحكمة والحلم والشجاعة، ووجد أنّ المواجهة العسكريّة لا تجدي نفعاً، ولا تكفي لردع حكّام الجور والظلم، ولا تفي بتقويم الاعوجاج والانحراف، ولهذا عمل على نشر العلوم وتربية العلماء وطلبة العلوم الدينية لمعالجة ما أصاب المجتمع من وهن وتشويه، من خلال تأسيس مدرسته الفكرية التي كان يدرس فيها آلاف من العلماء وطلبة العلوم من عدة مذاهب إسلامية.

اشتهر عن هذه المدرسة حرية القول وحرية النقض والإبرام في شأن الحقائق الدينية والعلوم الطبيعية، ومنهجها واهتمامها بتمتين الوحدة الإسلامية بين المسلمين وتربيته لطلابه على أساس العلم والتقوى والحياة من أجل الإسلام ومصالح المسلمين.

خطط الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور التخلص من الإمام بعد أن اكتسح الساحة الإسلامية، وأصبح مصدرا مهما لتغييرها، وخاف على حكمه من السقوط، فقرر التخلص من الإمام الصادق (ع) بدس السم له، فاستشهد سلام الله عليه في المدينة المنورة في 25 شوال سنة 148 للهجرة عن عمر يناهز الـ 65 عاماً، فسلام الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.

موصياً "بتقوى الله -عزّ وجلّ- والورع في الدين والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة" مستندا على  القوة الناعمة الخيرة والأخلاقية، والوقوف ضد الظالمين وفضحهم وكشف فسادهم الذي أخفوه عبر التستر بالشعارات البراقة الخادعة، ومانعا أصحابه من التعاون معهم والركون إليهم.

وليد الحلي
23 شوال 1445
2 أيار 2024

أخر الأخبار