• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

سلسلة أبنية تراثية بغدادية - بيوت تراثية ٤

سلسلة أبنية تراثية بغدادية - بيوت تراثية ٤

  • 7-09-2023, 14:07
  • مقالات
  • 192 مشاهدة
د. صلاح عبد الرزاق

"Today News": بغداد 
بيت رشيد عالي الكيلاني .. قائد الانقلاب الثاني في العراق

رشيد عالي ... عاش ردحاً من عمره في العهد العثماني ، فدرس وتخرج وحصل على مناصب عليا فيه. وبعد مجيء الانكليز وتأسيس الدولة العراقية الحديثة عام ١٩٢١ خدم العرش الهاشمي عشرين عاما ، فوجد فرصاً كبيرة من رئيس تشريفات بلاط الملك فيصل الأول ثم الملك غازي، لكنه انقلب على العرش وقام بمحاصرة القصر الملكي ، وتغيير الوصي الدستوري على العرش. وحصل على مناصب وزارية توجها برئاسة الوزراء ثلاث مرات.
 تغيرت مواقفه كثيراً من الليبرالية إلى القومية التي توجها بانقلاب عسكري أضاع فيها الكثير، فغادر العراق هارباً ولاجئاً في طهران واستانبول وبرلين. اعتقد أنه يمكن استبدال النفوذ البريطاني بنفوذ ألماني ودافع عنه وزار هتلر في ذروة الحرب العالمية الثانية. وسعى لغزو العراق من قبل ألمانيا نكاية بالإنكليز ، لكن آماله خابت بانهزام النازية الألمانية والفاشية الإيطالية أمام بريطانيا وفرنسا وروسيا.
لقد رسخ رشيد عالي فكرة استخدام الجيش لتغيير موازين القوى السياسية . فإذا كان قبله انقلاب الضابط بكر صدقي قد فشل ، فهو الحقوقي قد فشل أيضاً لكنه مهد الطريق أمام انقلاب عسكري قادم نجح بالإطاحة بالنظام الملكي وما جره من ويلات شهدها العراق بعده.
 
الأسرة والنشأة
ولد رشيد عالي الكيلاني (١٨٩٢-١٩٦٥) في بعقوبة في محافظة ديالى شرق العراق ، في أسرة بغدادية معروفة هي أسرة الكيلاني التي كانت تتولى تولية الحضرة الكيلانية للشيخ الصوفي عبد القادر الكيلاني. لا توجد معلومات عن نسبه وجده وإخوته عدا أخيه كامل عالي الكيلاني.
 وبرز من هذه الأسرة الكثير من الشخصيات ، فقد كان السيد عبد الرحمن النقيب الكيلاني (١٨٤١- ١٩٢٧) رئيس بلدية بغداد في العهد العثماني ولحين انهزام الجيش العثماني في ١١ آذار ١٩١٧. ولما دخل الانكليز بغداد تم تعيينه أول رئيس وزراء للعراق في التاريخ المعاصر. تولى رئاسة الوزراء مرتين الأولى عام ١٩٢٠ بأمر من الحاكم البريطاني السير بيرسي كوكس ، والثانية عام ١٩٢٢ مع رئاسته للمجلس التأسيسي العراقي. وكلاهما من مقررات مؤتمر القاهرة في آذار عام ١٩٢١ الذي ترأسه وزير المستعمرات ونستون تشرشل (١٨٧٤- ١٩٦٥) وحضرته المس بيل (١٨٦٨- ١٩٢٦) وساسون حسقيل (١٨٦٠- ١٩٣٢) وجعفر العسكري (١٨٨٥- ١٩٣٦).

درس رشيد عالي في الإعدادية الرشدية (حالياً المركز الثقافي البغدادي في المتنبي) ثم درس في مدرسة الحقوق (بناية متصرفية بغداد سابقاً ، ولم يبق منها سوى الجدار الخارجي ، وتقع مقابل القشلة).
بعد تخرجه ونفوذ عائلته تقلد عدة مناصب حكومية منها مدرساً في كلية الحقوق ، ومديراً لأوقاف الموصل ، وقاضياً في محكمة الاستئناف.

تزوج رشيد عالي من ابنة مراد بك ابن سليمان فائق الشركسي (١٨١٤- ١٨٩٦) متصرف البصرة عام ١٨٦٥، وهو أخو حكمت سليمان (١٨٨٩- ١٩٦٤)، وقد رزق منها بأبناء سمى أحدهم فيصلاً تيمناً بالملك فيصل الأول.

مناصبه في الحكومة
بعد تأسيس الحكم الملكي في العراق كان رشيد عالي أحد الشخصيات التي دعمته وتسنمت مناصب في حكوماته.
- في عام ١٩٢٤ أصبح وزيراً للعدل في حكومة ياسين الهاشمي (١٨٨٤- ١٩٣٧) ، ولما يزل عمره واحد وثلاثين عاماً.
- في عام ١٩٢٥ وزير الداخلية في حكومة عبد المحسن السعدون (١٨٨٩- ١٩٢٩) الثانية.
- في عام ١٩٣٢ عُيّن رئيساً للديوان الملكي وسكرتيراً خاصاً للملك فيصل الأول (١٨٨٣- ١٩٣٣).
- في عام ١٩٣٥ وزير الداخلية في حكومة ياسين الهاشمي
- رئيس الوزراء العراق ثلاث مرات، في عام ١٩٣٣ و عام ١٩٤٠ و عام ١٩٤١ .


حكومة رشيد عالي الأولى
خلفت وزارة رشيد عالي الأولى وزارة ناجي شوكت (١٨٩١- ١٩٨٠). واستمرت للفترة من ٢٠ آذار ١٩٣٣ إلى ٩ أيلول ١٩٣٣ أي دامت قرابة ستة أشهر. ولما توفي الملك فيصل الأول في ٨ أيلول ١٩٣٣ أعيد تشكيل وزارة رشيد عالي الثانية والتي حافظت على نفس التشكيلة:
١-رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني
٢- وزير الداخلية حكمت سليمان
٣- وزير المالية ياسين الهاشمي
٤- وزير العدلية محمد زكي البصري
٥- وزير الاشغال رستم حيدر
٦- وزير الدفاع جلال بابان
٧- وزير الخارجية نوري السعيد
٨- وزير المعارف عبد المهدي المنتفجي

حكومة رشيد عالي الثانية
وقد تشكلت في عهد الملك غازي مباشرة بعد الحكومة الأولى في عهد والده فيصل الأول. واستمرت للفترة من ٩ أيلول ١٩٣٣ لغاية ٢٨ تشرين الأول ١٩٣٣ أي دامت قرابة شهر ونصف. بعدها قام جميل المدفعي (١٨٩٠- ١٩٥٨) بتشكيل وزارته الأولى.

أحداث مؤثرة
خلال الفترة التي تولى فيها الملك غازي العرش تبدلت عدة حكومات ، وشهد العراق أحداثاً حاسمة في المشهد السياسي والاجتماعي والدولي قبل نشوب الحرب العالمية الثانية عام ١٩٣٩.

رشيد عالي وثورة الآثوريين

الحدث الأول الذي وقع في الفترة التي سبقت انقلاب رشيد عالي كان ثورة الاثوريين في دهوك ونينوى. ففي 16 حزيران 1932 رفع القادة الآثوريين وثيقة إلى الحكومة العراقية وعصبة الأمم تدعو إلى الاعتراف بالآشوريين كملة وطائفة ضمن ملل وطوائف العراق وتطالب بإعادة ترسيم الحدود مع تركيا بحيث تضم منطقة حكاري بالإضافة إلى العمادية وبعض أطراف اقضية زاخو ودهوك والعمادية. كما حثت الوثيقة على إنشاء منطقة حكم ذاتي لهم أما في مناطق حكاري الواقعة تحت السيادة التركية حينئذ أو في المناطق الجنوبية المتاخمة لها في زاخو والعمادية ودهوك. كما طالبت هذه العريضة بالاعتراف بمار شمعون زعيما روحيا ودنيويا عليهم، وإعطاءه صلاحية لتعيين عضو يمثلهم في البرلمان العراقي. غير أن الحكومة العراقية سرعان ما رفضت هذه المطالب خشية تلقي دعوات مماثلة من قبل مجموعات عرقية ودينية أخرى كالأكراد والعرب الشيعة.  وتحجج نوري السعيد بأن الآشوريين (بعض حصرهم بأتباع كنيسة المشرق الآشورية) لا يشكلون سوى ربع مسيحيي لواء الموصل ولذا لا يحق لهم المطالبة بمقعد في البرلمان. كما رفضت تركيا إعادة ترسيم الحدود أو السماح للاجئين بالعودة إلى قراهم.
وكان رشيد عالي الكيلاني يرأس الحكومة فتعامل مع الآثوريين بعنف وقسوة. إذ أرسل قائد الجيش بكر صدقي الذي ارتكب مجازر وعمليات إعدام جماعية تجاه المدنيين. ولم يعر بكر صدقي لوزير الدفاع جلال بابان الذي فقد السيطرة على قوات الجيش المتوغلة في شمال العراق. وشهدت مدن زاخو ودهوك عمليات تصفية شملت الأثوريين بمساعدة السلطات المحلية. ورافقت عمليات القتل عمليات نهب وسلب للمدن والقرى التي يسكنها الآثوريون وعددها حوالي ٦٣ قرية في لواء الموصل.

إثر ذلك هربت النساء والأطفال إلى بلدة سميل التي تبعد ١٢ كيلومتر عن دهوك. ففي ٨ آب ١٩٣٢  دخلت قوة عسكرية بقيادة قائمقام زاخو إلى البلدة وطلبت من الأهالي تسليم أسلحتهم، كما أعلمتهم بأن يحتموا بمخفر الشرطة وأنهم سيكونون بأمان ما دام العلم العراقي يرفرف فوقه. وفي الأيام التالية شهدت البلدة وصول الآلاف من الآشوريين الذين نزحوا إليها بعد استهداف قراهم. كما قامت عشائر عربية وكردية بالاستيلاء على القمح والشعير بالبلدة وقطع المياه عنها. وفي ليلة ١١ آب قام سكان البلدة من العرب بسلب بيوت جيرانهم من الآثوريين بحماية الشرطة المحلية.
في صباح ١١ آب  ١٩٣٢ طلب من الذين قدموا للاحتماء بمخفر الشرطة العودة إلى قراهم التي سلبت، وعندما رفضوا ، أمرهم القائمقام بمغادرة المخفر. عندها دخل الضابط في الجيش العراقي إسماعيل عباوي برفقة جنود الفرقة المدرعة في البلدة. وامر بأن يتم عزل النساء والأطفال، قبل أن تبدأ المجزرة في البلدة. ويسرد العقيد البريطاني رونالد ستافورد الذي كان ملحقا عسكريا في الجيش العراقي في الموصل ما حدث بعدها:
( استمرت المجزرة فترة من الوقت، فلم يكن هناك داع للاستعجال، فاليوم بطوله أمامهم، كما كان ضحاياهم في وضع عاجز ولم تكن هناك أي فرصة لتدخل طرف ثالث في الأمر. تم نصب الرشاشات المدفعية في شبابيك الغرف التي احتمى بها الرجال، وبعد جمع أكبر عدد ممكن منهم في غرفة واحدة تم إطلاق النار حتى لم يبق أحد واقفا. في حالات أخرى ظهر التعطش الدموي للجنود بشكل فعال، فقاموا بسحل الرجال وإطلاق النار عليهم وضربهم حتى الموت، ومن ثم ألقي بهم في كومة الجثث المتزايدة.»
بعد المجزرة في سميل وجه الفريق بكر صدقي تهديدا إلى بلدة القوش التي التجأ إليها آلاف النازحين بأنها ستلقى مصير سميل ما لم يتم تسليم النازحين. غير أن تدخل بطريرك الكنيسة الكلدانية عمانوئيل الثالث توما في بغداد أدى إلى العدول عن هذا القرار وانسحاب الجيش من محيط البلدة.
و أدت إلى موت حوالي 600 شخص بحسب مصادر بريطانية، وأكثر من 3,000 آشوري بحسب مصادر أخرى. فكانت تلك المجزرة أحد إنجازات رشيد عالي الكيلاني.

ميثاق النجف ١٩٣٥

الحدث الثاني الذي سبق انقلاب رشيد عالي الكيلاني وتشكيل حكومته هو ثورة العشاذر الشيعية في جنوب العراق. ففي مناسبة عيد الغدير في 18 ذي الحجة 1353هـ الموافق 23 آذار 1935 اجتمع مجموعة من المحامين، منهم ذبيان الغبان ومحمد عبد الحسين ومحمد أمين الجرجفجي، بالشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (١٨٧٧- ١٩٥٤) في النجف الأشرف. وتداولوا شؤون الأكثرية الشيعية وما تعانيه من حرمان وتمييز طائفي. ثم رأى المجتمعون القيام بصياغة مطالب الشعب على شكل ميثاق يوقعه رؤساء العشائر ، ثم يقوم الشيخ بتقديمه إلى الحكومة العراقية. فكان وثيقة تاريخية تؤيد استمرار الغضب والاستياء الشعبي من ممارسات الحكومة الطائفية، والسعي المتواصل في الاحتجاج والرفض وإزالة الحرمان والحيف عنهم.
تضمن الميثاق عدة مطالب مثل:
١-نبذ سياسة التمييز الطائفي ومنح الأكثرية الشيعية وزير أو وزيرين في كل حكومة.
٢- أهمية تمثيل الألوية الشيعية تمثيلاً حقيقياً في مجلس الأمة ، والكف عن تدخل الحكومة في ترشيح النواب وأن يمثلها أهلها وليس القادمين من خارجها، واعتبار كل لواء منطقة انتخابية واحدة.
٣- تعيين قضاة شيعة في الألوية الشيعية وحسب المادة (٧٧) من دستور ١٩٢٥ . ولزوم تدريس الفقه الجعفري في كلية الحقوق.
٤- تمثيل الشيعة في محكمة التمييز أسوة بتمثيل الطائفتين اليهودية والمسيحية.
٥- الحرص على إنفاق موارد الأوقاف الشيعية في مواردها بدلاً من صرفها على التشكيلات الإدارية. وضرورة رعاية دور العلم ومساجد العبادة الشيعية مثل غيرها.
٦- تعميم وتعديل لجان تسوية الأراضي ، والإسراع بتنفيذ قانون البنك الزراعي والصناعي ، وإلغاء ضريبة الأرض والماء والآلات الرافعة.
٧- ضرورة تقليص عدد الموظفين الذين يستهلكون الميزانية برواتبهم ، واستبدال الفاسدين منهم.
٨- إعادة توزيع مؤسسات الدولة الصحية والعمرانية والتربوية وحسب نسبة سكان المحافظات الشيعية، وتهذيب مناهج الدراسة ، وصيانة الأخلاق ومنع البغاء والقمار والتظاهر ببيع الخمور وغيره.
٩- عدم التعرض لمن اشترك في الحركات الوطنية من أبناء الشعب والموظفين والجيش والشرطة.

رشيد عالي وثورة سوق الشيوخ ١٩٣٥

بعد انتشار أخبار الميثاق وتوقيع رؤساء العشائر عليه، اندلعت مجموعة من الثورات في منطقة الفرات مثل ثورة الرميثة في ٧ مايس ١٩٣٥ ، وبعدها بيومين ثورة سوق الشيوخ في ٩ مايس ١٩٣٥ . وقامت القوات الحكومية بشن حملة تأديبية لناحية الرميثة، ثم صدر مرسوم الإدارة العرفية في ١٤ مايس ١٩٣٥  والذي بموجبه تم تعيين هيئة المجلس العرفي لمحاكمة الثائرين.
إثر ذلك، وجه علماء النجف كالشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء والشيخ عبد الكريم الجزائري (١٨٧٢- ١٩٦٢) احتجاجاً للملك غازي، طالبوا فيه إيقاف العمليات العسكرية ضد السكان، وطلبوا فسح المجال للتفاهم والتفاوض. لم تعر الحكومة العراقية برئاسة ياسين الهاشمي (الوزارة الثانية من ١٧ آذار ١٩٣٥- ٣٠ تشرين الأول ١٩٣٦) ولا البلاط الملكي بزعامة الملك غازي (ملك من ١٩٣٣- ١٩٣٩) اهتماماً بهذه النداءات.
إثر وصول أخبار نشوب الثورة في مناطق الفرات الأوسط، لاسيما في الرميثة، ووصول نسخ من (ميثاق الشعب) ، هكذا جرت تسميته، واطلاع الرؤساء عليه في سوق الشيوخ، اعتقد رؤساء العشائر وزعماء القضاء بأن الالتزام بما جاء بالميثاق واجب شرعي يفرض عليهم الاستجابة له والثورة من أجل تحقيق المطالب الواردة فيه. فأخذت الهتافات (الهوسات) ترتفع ضد الحكومة في أنحاء القضاء. وتوجه وفد من رؤساء العشائر يربو عددهم على الأربعين لزيارة الشيخ آل كاشف الغطاء في النجف الأشرف. وقاموا بالتوقيع على الميثاق كما قام بذلك رؤساء عشائر الفرات الأوسط. ثم سافر الوفد إلى الحلة وكربلاء والديوانية ، واتصلوا برؤساء العشائر وزعمائها، وتحالفوا معهم على القيام بالثورة ضد الحكومة إذا لم تلب مطالب الميثاق. ثم توجه الوفد إلى بغداد واتصل بقادة المعارضة وأخبروهم بما عزموا عليه، ثم عادوا إلى سوق الشيوخ.  

هاجمت العشائر الثائرة مركز القضاء واحتلت أبنية الحكومة في ١٤ مايس ١٩٥٤ ، ثم تقدمت باتجاه الناصرية. وبعد تدخل وساطات من قبل الشيوخ الموالين للحكومة توقف الهجوم. عند ذاك شعرت الحكومة بخطورة الأوضاع وقرر إرسال قطعات من الجيش عبر الكوت والغراف لصد الهجوم . وسافر وزير الدفاع جعفر العسكري إلى الناصرية ، والتقى ببعض الرؤساء الثائرين حيث سألهم عن مطالبهم فقالوا له: (إن لنا ميثاقاً يجب أن ينفذ). فأجابهم: إن الحكومة مستعدة لمفاوضة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء في الميثاق. واتفق الطرفان على أن يصدر الوزير بياناً يذكر فيه وقف إرسال القطعات العسكرية بشرط أن يلتزموا الهدوء، وأن الحكومة مستعدة للتفاوض مع الشيخ كاشف الغطاء حول مطالبهم. وما أن أذيع البيان ، قام الثوار بتوجيه كتاب إلى الشيخ كاشف الغطاء يخبرونه باجتماعهم مع وزير الدفاع والهدنة التي توصلوا إليها، ووعد الحكومة بإجراء مفاوضات مع الشيخ كاشف الغطاء. وجاء في الكتاب (إذا لم تعطنا الحكومة رغائبنا على يدكم، فإننا ثائرون ومطالبون بالحقوق الميثاقية مهما كلف الأمر).  
وبوساطة من بعض سكنة الناصرية ، وجّه الشيخ كاشف الغطاء وكيله في الناصرية بالطلب من الثوار الإخلاد إلى السكينة ريثما تجري المفاوضات بينه وبين الحكومة حسب وعد وزير الدفاع. من الواضح أن وزير الدفاع كان يهدف إلى كسب الوقت ، وتبريد الأجواء ريثما يكتمل وصول القطعات العسكرية إلى الناصرية. بدأت الحملات التأديبية بشكل وحشي، وأصدر وزير الداخلية رشيد عالي الكيلاني أوامر باعتقال جميع المدنيين المتهمين بالتحريض أو المشاركة بالثورة. واستغلت الحكومة الإجراءات العرفية المعلنة في الناصرية لتوجه الاتهامات إلى الشيخ كاشف الغطاء ووكلاءه.

وتحركت النزعة الطائفية حيث سيق المئات من الشيعة من رؤساء العشائر والمدرسين والطلاب والموظفين إلى محاكم التحقيق. وجاء في كتاب سري موجه من متصرفية لواء المنتفك إلى مديرية شرطة اللواء بتاريخ 6 حزيران 1935 : (ولما كان للموظفين الجعفريين وخاصة المدرسين وكبار التلاميذ أثراً فعالاً في تشويش الرأي العام، وبث الدعايات السيئة ضد الحكومة. فيرجى أن تضبط إفادات كل من رؤساء العشائر الملمح إليهم أعلاه والمدرسين وكبار التلاميذ وبعض الموظفين الجعفريين الذين تحوم حولهم الشبهة أمام حاكم التحقيق، وتؤمنوا ضبط المناشير، وتسوقوا المجرمين إلى ديوان المجلس العرفي العسكري وتعلمونا بالنتيجة).

وشملت الاعتقالات مدنيين وطلاب مدارس ومعلمين شيعة لا علاقة لهم بالثورة.  كما أجبر رؤساء العشائر على بيع جميع ما يملكون من أراضي ونخيل وحيوانات لدفع الغرامات الباهضة التي فرضت عليهم. وإذا كانت المقابر الجماعية من الممارسات التي اشتهر بها نظام صدام حسين، فإن سلفه بكر صدقي قائد الحملة العسكرية على مدينة الديوانية أبان الثورة قد أمر بإعدام ثلاثين أسيراً ثائراً من رجال الثورة، وتم دفنهم بمقبرة جماعية من قبل بلدية الديوانية. لقد خاض الجيش العراقي بطولات كبيرة ضد المدنيين العزل. إذ أرسل مجموعة من رؤساء العشائر العربية الشيعية مذكرة إلى الملك غازي جاء فيها: (إن ناحية الرميثة تعرضت إلى سفك الدماء وقتل الشيوخ والعجزة والأطفال والنساء من غير المحاربين، ورمي القنابل المحرقة على المزارع والقرى الآمنة).

لقد تعامل وزير الداخلية رشيد عالي الكيلاني بقسوة مع أبناء العشائر وأوعز إلى الشرطة باعتقال جميع المدنيين. وقد سيق المئات من رؤساء العشائر والمدرسين والطلاب والموظفين الشيعة إلى محاكم التحقيق، وأرسلوا إلى المجلس العرفي العسكري وليس لمحاكم القضاء. فهذه كانت سياسة رشيد عالي الكيلاني الذي أعجب بهتلر وسياسته العنصرية.
أما الوعد الذي قطعه وزير الدفاع جعفر العسكري بالتفاوض مع الشيخ كاشف الغطاء فلم تنفذه وتنصلت منه، حيث أرسلت له من يبلغه بأن الحكومة (لا زالت تعتقد بأن من الراجح جداً بقاء الروحانيين بعيدين عن الأعمال السياسية عن الأعمال السياسية المتعبة لهم والمشغلة لأوقاتهم. وذلك حرصاً على مصلحة الروحانيين أنفسهم).  

انقلاب بكر صدقي
الحدث الثالث الذي وقع قبل انقلاب رشيد عالي هو الانقلاب الأول الذي قاده بكر صدقي.
 بكر صدقي ( ١٨٨٦- ١٩٣٧) عسكري وسياسي عراقي من أبوين كرديين، ولد في قرية عسكر القريبة من مدينة كركوك، درس في الأستانة - إسطنبول في المدرسة الحربية / الكلية العسكرية لاحقاً وتخرج منها ضابطا ففي الجيش العثماني، وشارك في الحرب العالمية الأولى في آخر سنينها، بعد نهاية الحرب أنضم إلى الجيش العراقي الذي أسسه البريطاني في ٦ كانون الثاني ١٩٢١ برتبة ملازم أول.  اشتهر بالصرامة والقسوة وخاصة عندما قاد الجيش العراقي في مجزرة سميل ضد اللاجئين الآشوريين من سوريا عام 1933 على عهد وزارة رشيد عالي الكيلاني، ثم ضد انتفاضة العشائر في منطقة الفرات الأوسط عام 1935.
إن انقلاب بكر صدقي ٢٩ تشرين الأول ١٩٣٦ هو أول انقلاب شارك به جزء من الجيش العراقي بقيادة الفريق بكر صدقي   ليكون أول انقلاب عسكري في المنطقة العربية في يوم 28 تشرين الأول 1936 بدأت القطاعات العسكرية بالتحرك إلى بعقوبة ومنها إلى بغداد، حيث قامت الطائرات بقيادة العقيد محمد علي جواد قائد القوة الجوية العراقية وشريكه في الانقلاب بإلقاء آلاف الأوراق من المناشير على العاصمة بغداد خاطب فيها بكر صدقي الشعب العراقي وطالب فيها وزارة ياسين الهاشمي بالاستقالة.
(إيها الشعب العراقي الكريم: لقد نفذ صبر الجيش المؤلف من ابنائكم، من الحالة التي تعانونها، من جراء اهتمام الحكومة الحاضرة لصالحها، وغاياتها الشخصية، دون ان تكترث لصالحكم ورفاهكم. نطلب إلى صاحب الجلالة الملك المعظم اقالة الوزارة القائمة ، وتأليف وزارة من أبناء الشعب المخلصين.
قائد القوة الوطنية الاصلاحية الفريق بكر صدقي العسكري)
وفي نفس الوقت بعث بكر صدقي برسالة إلى حكمت سليمان والذي كان وزيراً للداخلية آنذاك ومنه إلى الملك غازي حيث يبلغه فيها بضرورة استقالة حكومة ياسين الهاشمي وإلا فان الجيش قادم إلى بغداد وسوف ينفذ هذه المهمة بقوة السلاح، فوافق الملك غازي على إقالة حكومة ياسين الهاشمي وتعيين حكمت سليمان بدلاً منه. وعين بكر صدقي رئيساً لأركان الجيش.
حاول وزير الدفاع جعفر العسكري تهدئة الانقلابيين وذهب لملاقاة بكر صدقي لإقناعه عن فكرة الانقلاب العسكري لكن بكر صدقي غدر به وقتله في ديالى، تم نقله جثمانه إلى بغداد ودفن في حديقة المقبرة الملكية في الأعظمية. بعد ذلك هرب بكر صدق اغتيل في مدينة الموصل إثناء سفره إلى تركيا عام ١٩٣٧.
مصرع الملك غازي
والحدث الرابع الذي سبق انقلاب رشيد عالي هو مصرع الملك غازي.  ففي ٤ نيسان ١٩٣٩ توفي الملك غازي في حادث سيارة، وأصبح ابنه فيصل ذو الأربعة سنوات ملكاً على العراق. وتم تنصيب خاله الأمير عبد الإله وصياً عليه لحين بلوغه الثمانية عشر عاماً ويباشر مهامه كملك دستوري.

اندلاع الحرب العظمى
والحدث الخامس الذي كان على مستوى عالمي هو اندلاع الحرب العالمية الثانية في ١ أيلول ١٩٣٩. وفي ٣ أيلول أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا النازية. طلبت بريطانيا من الحكومة العراقية قطع العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا وتقديم المساعدات الضرورية للقوات البريطانية بموجب معاهدة ١٩٣٠ بين البلدين.

حكومة رشيد عالي الثالثة ١٩٤٠
في ٥ أيلول ١٩٣٩ قام رئيس الوزراء نوري السعيد بقطع العلاقات مع ألمانيا. من جانب آخر اعلن نوري السعيد أن العراق في حالة حرب ، وفرض حظر التجول ، واصدر قانون الحصة التموينية ، وفرض رقابة على الصحف والأحزاب السياسية. فسّر خصوم نوري السعيد بأن إجراءاته تمثل فرض حالة الطوارئ والأحكام العرفية لترتيب وضعه السياسي ضد خصومه ومنافسيه لأنه كان في بداية تألقه السياسي في حكومته الثانية. كما قام نوري السعيد بتسليم الرعاياً الألمان إلى الانكليز الذين قاموا بتسفيرهم إلى الهند واحتجازهم هناك في معسكرات الاعتقال. كما قامت بريطانيا باحتجاز سياسيين عراقيين في الهند.
في المقابل كانت هناك جبهة مناوئة لنوري السعيد يتزعمها ضابط هو الفريق حسين فوزي رئيس الأركان العامة ومعه عدد من قيادات الجيش العراقي المتأثرين بانقلاب بكر صدقي، إضافة إلى تحالف بعض الشخصيات السياسية وعلى رأسهم رشيد عالي الكيلاني الذي كان رئيساً للديوان الملكي.
 
وكانت هناك شخصيات تزعمت معارضةً برلمانيةً وسياسيةً مثلما كانت تقاوم وتنتقد في الشارع أيضاً. تلك التيارات الطامحة (لفصل العراق عن التبعية لبريطانيا والتي رأت في سياسة الحكومة بزعامة نوري باشا خطرا على استقلال العراق وبقائه يدور في فلك بريطانيا وهيمنتها على العراق سياسيا واقتصاديا.)
 وما لبث ان احتدم الصراع السياسي بين التيارين الذي أدى إلى استقالة نوري السعيد وتولي رشيد عالي رئاسة الوزراء بدلا عنه في ٣١ آذار ١٩٤٠.

ضمت حكومة رشيد عالي كل من:
١-رئيس الوزراء رشيد عالي
٢- وزير الدفاع طه الهاشمي
٣- وزير الخارجية نوري السعيد
٤- وزير المالية ناجي السويدي
٥- وزير العدلية ناجي شوكت
٦- وزير المعارف صادق البصام
٧- وزير الاشغال والنقل عمر نظمي
٨- وزير الاقتصاد محمد أمين زكي ، الذي استقال في ١ تموز ١٩٤٠ بسبب حالته الصحية فقام رشيد عالي بتكليف وزير الدفاع طه الهاشمي بشغل منصبه وكالة في ٤ تموز ١٩٤٠.
٩- وزير الشؤون الاجتماعية رؤوف البحراني.

في ٢٥ كانون الثاني ١٩٤١ استقال نوري السعيد من منصب وزير الخارجية ، واستقال ناجي شوكت من منصب وزير العدلية . فقام رشيد عالي في شباط ١٩٤١ بتنصيب موسى الشابندر وزيرا للخارجية ، ويونس السبعاوي وزيراً للعدلية. كما استقال طه الهاشمي وصادق البصام أيضاً ، فتم تعيين ناجي شوكت للدفاع ومحمد حسن سلمان للمعارف.

بدأ رشيد عالي يشعر بقوته بسبب تحول ضباط الجيش عن نوري السعيد والتفافهم حوله. وكان يجتمع إليهم ويتباحث معهم، واتفقوا على التقارب مع تحالف المحور الذي يضم ألمانيا وإيطاليا واليابان. وكان نوري السعيد قد قرر قطع العلاقات مع إيطاليا ، وحاول رشيد عالي إقناعه بالعدول عن ذلك ففشل.

الضائقة الاقتصادية في العراق
في تلك الفترة كان العراق يعاني من ضائقة اقتصادية بسبب تكدس آلاف الأطنان من التمور في البصرة بلا مشتري. وكانت بريطانيا منعت بيعها لأية دولة لها علاقة بدول المحور، وفي الوقت نفسه هي لا تشتريها. الأمر الذي أدى إلى تدني أسعار التمور بشكل كبير، بينما يشتري الحلفاء (بريطانيا وفرنسا وروسيا الزبيب والتين والتبغ بأسعار فاحشة من تركيا التي وقفت على الحياد).

كانت علاقة تركيا العثمانية وثيقة مع ألمانيا حتى هزيمتهما معاً في الحرب العالمية الأولى. فقد تم تقسيم مناطق النفوذ العثمانية إلى سوريا والأردن وفلسطين والعراق . وأما ألمانيا فقد خضعت لمعاهدة فرساي التي حدث من تطلعاتها وبناء قوة عسكرية. لذلك كان رشيد عالي يدرك أن الاستعانة بدول المحور ستمكنه من مواجهة التحديات في عدائه لبريطانيا. وقبل الحرب الثانية حاولت ألمانيا تعزيز صادراتها إلي العراق. ففي عام ١٩٣٧ صدّر الألمان ما قيمته ٧ ملايين مارك عام ١٩٣٧، ارتفع إلى ٩ ملايين مارك عام ١٩٣٨. في المقابل استوردت ألمانيا من العراق ما مقداره ١،٩ مليون مارك عام ١٩٣٧ ، و ٤،٢ ملايين مارك عام ١٩٣٨. وسعت ألمانيا إلى تصدر أسلحة إلى العراق لكن وقوف بريطانيا بوجهها جعلها تتراجع.  

العقداء الأربعة وتصعيد الموقف السياسي
في اجتماع لمجلس الوزراء كان الموضوع الرئيس هو موقف مجلس النواب ضد رشيد عالي ووزارته، وكان أشد المهاجمين علي جودة الأيوبي وعارف حكمت وجماعة نوري السعيد. وكان رشيد عالي ويونس السبعاوي (١٩١٠- ١٩٤٢) وعلي محمود الشيخ علي العبيدي (١٩٠٢- ١٩٦٨) يميلون إلي حل مجلس النواب لوجود عناصر معارضة قوية فيه. كان رأي وزراء حكومة رشيد عالي أن الحكومة لن تحظ بثقة البرلمان ، وحل البرلمان أصبح ضرورياً ، وخير للحكومة أن تتغدى بالبرلمان قبل أن يتعشى هو بها. وكان قرار الحل بيد الوصي عبد الإله لأن الملك لم يستلم مهامه بعد لصغر سنه.  

كان الوصي عبد الإله يرفض حل البرلمان حسب صلاحيته ، واحتجاجاً على موقف رشيد عالي سافر إلى الديوانية والإقامة في قصر الدغارة، فأصبحت الأزمة معقدة. في اجتماع لمجلس الوزراء حضرت قيادات الجيش والمتصرفين من خارج بغداد وهم كلهم يؤيدون رشيد عالي. تكلم أولاً العقيد محمود سلمان الجنابي (١٧٩٨- ١٩٤٢) ثم العقيد فهمي سعيد العنبكي (ديالى) (١٨٩٨- ١٩٤٢)  ثم العقيد صلاح الدين الصباغ (من أصل مصري) وختم الموضوع رئيس أركان الجيش أمين زكي سليمان (١٨٨٤- ١٩٤١) ، وكلهم أكدوا أنهم مستعدون لتنفيذ ما يقرره مجلس الوزراء. كان رشيد عالي ويونس السبعاوي الموصلي وعلي محمود يميلون إلى المقاومة واتخاذ تدابير شديدة لمنع اجتماع البرلمان وإجبار الوصي على العودة أو الاعتزال. وكان محمد علي محمود ورؤوف البحراني وموسى الشابندر يعارضون إيقاد الفتنة بين صفوف الجيش والقيام بعمل لا دستوري كمنع اجتماع البرلمان أو إقصاء الوصي. فإذا كان البرلمان والوصي ضد الحكومة فالأشرف تخلي الحكومة عن مسؤولياتها والاستقالة. وإذا كان رئيس الوزراء يصرح دائماً بأنه حامي الدستور ويحترم القانون فلا يجوز له استخدام الجيش ضد الدستور.
 في النهاية لم يجد رشيد عالي مخرجاً سوى تقديم استقالة حكومته ، وبعد يومين قام طه الهاشمي بتشكيل الحكومة الجديدة،. تم تعيين توفيق السويدي وزيراً للخارجية.

تأثير المفتي الفلسطيني بالسياسة العراقية
كان للمفتي أمين الحسيني الفلسطيني (١٨٩٥- ١٩٧٤) حضوراً قوياً في بغداد، وزاد نفوذه السياسي بين الطبقة السياسية والعسكرية. كتب وزير الولايات المتحدة المفوض في بغداد (أما فيما يتعلق بالمفتي ، فإن تحرياتي تقنعني بأنه أكثر الناس احتراماً ونفوذاً في العراق الآن ، سواء في الدوائر الدينية أو السياسية). وكان للمفتي علاقة وتأثير واضح على العقداء الأربعة وعلى رشيد عالي نفسه وأنه يموّل نشاطات الحسيني.  
وكان وزير الخارجية الإيطالي بأنه كان لعدة سنوات على اتصال مستمر مع المفتي ، وأن بإمكان المبالغ السرية أن تحكي قصة هذا الاتصال. وشكا بأن هذه (الهدية التي قوامها عدة ملايين) لم يكن لها سوى مقابل تافه اقتصر على بعض الأعمال التخريبية في خط أنابيب البترول الممتدة من العراق إلى موانئ البحر المتوسط.  
وكان سكرتير المفتي وهو اللبناني عثمان كمال حداد يتفاوض مع الألمان والايطاليين وحمل رسائل من الحسيني إلى هتلر، بل ويؤكد لهم إبعاد نوري السعيد عن الوزارة. وحصل حداد على جواز ألماني باسم ماكس موللر.  من الضروري الكشف عن تفاصيل إقامة المفتي ونشاطاته واتصالاته أثناء وجوده في بغداد آنذاك.
 
الصراع الدولي يمهد لانقلاب رشيد عالي
لم يكن الانقلاب العسكري بزعامة شخصية مدنية هي رشيد عالي الكيلاني لأسباب داخلية بحتة بل كان نتيجة صراعات القوى الكبرى في العراق. وكانت انعكاساً لما يجري على جبهات الحرب في أوربا. وكانت قضية العراق إحدى القضايا التي ناقشها وزير الخارجية البريطاني أنتوني آيدن (١٨٩٧- ١٩٧٧) في البلقان في شباط ١٩٤١. وكان كامل الكيلاني وزير العراق المفوض في أنقرة وهو أخو رشيد عالي ، قد أبلغ مستشار الرايخ الألماني فرانز فون بابن ( ١٨٧٩- ١٩٦٩) في أوائل نيسان ١٩٤١ بأن العقداء الأربعة قد دبروا انقلاباً بسبب سخطهم على الامتيازات التي منحها توفيق السويدي لانكلترا.  وقد نقل العقيد صلاح الدين الصباغ أن طه الهاشمي أثناء مناقشة جرت بينه وبين كبار ضباط الجيش صرح (إن محادثاتنا هذه كانت نتيجة عن اجتماع بين توفيق السويدي وزير خارجية العراق ومستر آيدن وزير الخارجية البريطانية).  

المساعدات المالية الألمانية لرشيد عالي
وقام السفير الألماني الدكتور غروبا في ١١ مايس ١٩٤١ بتسليم عشرة آلاف جنيه ذهباً (قيمته حوالي مليونين ونصف المليون مارك) إلى رشيد عالي، وسلّم ١٥ ألف مارك للمفتي أمين الحسيني. وبعد عشرة أيام تسلم رشيد عالي عشرة آلاف جنيه ذهب أخرى ، وعشرة آلاف دولار للمفتي.
وطالب رشيد عالي بأن يُعطى ثمانين ألف جنيه آخر من الذهب. وقد شحن هذا المبلغ الذي كانت زنته (٦٤٠) كيلوغراماً من الذهب بالطائرة من برلين عبر أثينا ، لكنه لم يصل بسبب انهيار الانقلاب العسكري في العراق.  
ويذكر عثمان كمال حداد (بعد يومين حضر السفير الألماني غروبا ومعه (٢٠٠) ألف جنيه إنكليزي ذهباً، وعرضها على رشيد بك ، فأوعز إليه أن يسلمها إليّ فتسلمتها ووضعتها في غرفتي في شارع الزهاوي وقلت للخادم: (كن على حذر ، هذا خرطوش ، لا تدع أحد يدخل غرفتي). ووعد غروبا بإبلاغ المساعدة المالية إلى ثلاثة ملايين من الجنيهات الإنكليزية الذهبية.  

المساعدات العسكرية الألمانية للانقلاب
وكانت ألمانيا قد قدمت مساعدات لحكومة رشيد عالي تمثلت بإرسال (١٥ ألف بندقية ، و٢٠٠ مدفع رشاش مع ذخيرتها البالغة ٦ ملايين خرطوشة و٨٠٠ حزام من الرصاص ، و٤ مدافع ميدان عيار ٧٥ ملم وعشرة آلاف قنبلة مع العتاد الاحتياطي وقطع الغيار).   وقد إرسالها بقطارين عبر تركيا ثم إلى الموصل حيث وصلت في ١٣ مايس ١٩٤١ ، في ذروة الحرب العراقية البريطانية. وحاولت ألمانيا دعم الجيش العراقي على الصمود أمام القوات البريطانية لكن عدم وجود إمدادات برية وسرعة انهيار القوات العراقية منع بلوغ ذلك الهدف. وكان هتلر قد أرسل سرب طائرات مسرشميت ١١٠ Messerschmitt وسرب طائرات هاينكل ١١١ Heinkel. وكان كل سرب يضم ١٢ طائرة تحمل شعارات عراقية وصلت بغداد وقصفت بعض الأهداف فيها، لكنها لم تكمل مهمتها بسبب نقص وقود الطائرات في العراق.


تطور الوضع السياسي والأمني
كان الوضع في بغداد هائجاً والشائعات تدور حول تمرد الجيش بسبب إقدام وزير الدفاع طه الهاشمي على نقل الضابط كامل شبيب (١٨٩٥- ١٩٤٤) من بغداد إلى الديوانية، وأنه رفض قرار الوزير ومزق أمره ، مما استدعى الوزير للتراجع وسحب أمره أمام القيادات العسكرية.

في الأول من نيسان ١٩٤١ نُشر بلاغ من قبل رئيس أركان الجيش مفاده أن الحكومة الجديدة تشكلت برئاسة رشيد عالي باسم (حكومة الدفاع الوطني) ، وقامت قيادات الجيش بتشكيلها وشارك معهم يونس السبعاوي وعلي محمود الشيخ علي. وهم نفس الجماعة الذين سبق أن اقتنعوا بترك المقاومة وتقديم الاستقالة.

ترك الوصي بغداد وتوجه إلى البصرة والتحق به جميل المدفعي وعلي جودة الأيوبي وداود الحيدري الكردي (١٨٨٦- ١٩٦٥) ، واختفى نوري السعيد، فاًضحت البلاد بلا حكومة ولا وصي ، فجاءت حكومة الدفاع الوطني لتأخذ دورها. حاولت الحكومة القبض على الوصي فهاجموا فندق شط العرب بالبصرة حيث كان يقيم ، لكنه نجا بعد أن ساعده الكولونيل (وارد) ونقله هو ومن معه إلى باخرة إنكليزية ، فلم تقبض قوات الحكومة إلا على المتصرف صالح جبر (١٨٩٦- ١٩٥٧) الذي أظهر تأييده للوصي.

الأعلام الالماني
كانت الإذاعة العربية من برلين تطبل وتدعم وتزمر لرشيد عالي والعقداء الأربعة  ، وتهاجم الوصي ونوري السعيد وتصفهم بخدام الانكليز. كل ذلك زاد من سوء الوضع ومخاوف الناس والتجار واليهود والمسيحيين وغيرهم لاسيما بعد أن أيدت العناصر الشيوعية والاشتراكية ذلك الانقلاب. ولوحظ تزايد العداء المحلي ضد اليهود بفعل موقف هتلر منهم وتحالف الحكومة مع ألمانيا. فقد تعرض بعض الطلاب اليهود في الثانوية المركزية إلى اعتداء من قبل فيصل بن رشيد عالي الكيلاني الذي صار يستقوي بوجود والده على رأس السلطة.  
وحظي الكيلاني بدعم مجموعة من الإعلاميين والفانين والشعراء أمثال عزيز علي ومعروف الرصافي الذين أشادوا بوطنيته وتصديه وتدعوه لاتخاذ مواقف أكثر راديكالية.

انتخاب رشيد عالي لرئاسة الحكومة
ولحل الأزمة عقد في ١٠ نيسان ١٩٤١ اجتماع مشترك بين البرلمان والحكومة. ولما كان رئيس البرلمان السيد محمد حسن الصدر (١٨٨٢- ١٩٥٦) غائباً فقد انتخب السيد علوان الياسري (١٨٦٩- ١٩٥١) رئيساً لتلك الجلسة التاريخية. شهدت الجلسة تغيير مواقف سياسية لا مثيل لها، فكان عارف حكمت وهو من رجال نوري السعيد ، يصفق بحماس لخطاب رشيد عالي. وطلب وزير المالية المستقيل من حكومة رشيد عالي والمنتقدين لمجيء يونس السبعاوي ، لكنه انقلب كلياً فأيّد اجتماع البرلمان ووصفه بالدستوري ، وأن رجال الأمة عالجوا الموقف كما يفرضه عليهم الواجب الوطني. ارتاح الجميع لخطاب ناجي السويدي الذي طلب من رشيد عالي أن يقسم بشرفه بأنه سوف يحافظ على الدستور ، فأقسم الكيلاني وسط هتافات الحاضرين.
جاء في خطاب رشيد عالي في مجلس الأمة: رأيت من واجبي ألا أتقاعس ، في هذا الوقت الحرج ، عن تلبية نداء أبناء وطني المخلصين في تقديم نفسي لخدمته، وخاصة بعد استقالة السيد طه الهاشمي من رئاسة الوزارة وعدم استقرارها في تحمل المسؤولية ، وترك صاحب السمو الوصي ممارسة واجبات الوصاية فعطّل بذلك أحكام الدستور وعرّض البلاد لخطر شديد، فبناء على ذلك كله وبعد الاتكال على الله تعالى أخذت على عاتقي القيام بمهام حكومة الدفاع الوطني.  

راجع رجال الحكومة الأمير زيد ليكون وصياً فاعتذر، فقاموا بترشيح الشريف شرف بن راجح الهاشمي (١٨٨١- ١٩٥٥) الذي كان يسكن في الأعظمية منزوياً فتم انتخابه في ١١ نيسان ١٩٤١ بسرعة للتخلص من الفراغ الدستوري الذي تركه الوصي عبد الإله.

في ١٢ نيسان ١٩٤١ أعلن عن التشكيلة الجديدة للحكومة حيث تولى رشيد عالي رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية ، ناجي السويدي للمالية ، ناجي شوكت للدفاع ، موسى الشابندر للخارجية ، علي محمد الشيخ علي للعدل ، محمد علي محمود للمواصلات ، يونس السبعاوي للاقتصاد ، رؤوف البحراني للشؤون الاجتماعية و محمد حسن سلمان للمعارف.

الحرب البريطانية على العراق

بسبب مطالب الحرب قامت بريطانيا باستدعاء (٨٠٠٠) جندي من قواتها من الهند إلى البصرة، وطالب السفير البريطاني السير كينهان كورنواليس (١٨٨٣- ١٩٥٩) Kinahan Cornwallis بغداد بتقديم تسهيلات للقوات البريطانية وحسب مواد المعاهدة العراقية البريطانية لعام ١٩٣٠. كان المتوقع أن هذه القوة دخلت العراق للمرور فقط لكنها استقرت وعسكرت في الشعيبة قرب البصرة. هذا الحضور العسكري الجديد أقلق قيادات الجيش التي لديها توجهات ضد بريطانيا. وفي ٢٤ نيسان ١٩٤١ أبلغت السفارة البريطانية بغداد بأن هناك قوة قوامها (٣٠٠٠) جندي ستأتي إلى البصرة. رفض رشيد عالي ووزير دفاعه إنزال قوات إضافية إلا بعد خروج القوات السابقة.

في ٢٩ نيسان ١٩٤١ اجتمع مجلس الدفاع الأعلى لدراسة التطور فكان موقف العقداء الأربعة وأكثر الوزراء مهددين ومطالبين بإلغاء المعاهدة. وكان وزير الخارجية موسى الشابندر يرى عدم الاستعجال ومنح بريطانيا مهلة ثلاثة أيام لمعالجة الوضع. وتقرر عدم السماح بنزول قوات جديدة في البصرة.

هرب الوصي عبد الإله إلى البصرة وهرب الملك فيصل وأمه الملكة عالية إلى أربيل حيث سكنوا في قصر الملك في سرسنك وحظي باحتفاء وضيافة الأكراد.

في ٣٠ نيسان ١٩٤١ قررت السفارة إرسال الأسر البريطانية من بغداد إلى الحبانية ، وامتنع الموظفون البريطانيون في الوزارات العراقية من الحضور والدوام. وبأمر من رشيد عالي قامت قوات عراقية بمحاصرة معسكر سن الذبان حيث يقيم الانكليز. وقد أدت تلك الخطوة المتهورة إلى استياء وزراء حكومة رشيد عالي لأنها جاءت دون علم مجلس الدفاع الأعلى. ذهب ناجي شوكت لمقابلة السفير البريطاني الذي واجهه بغضب وتهديد بأنه سيسحق رؤوس من يقترب من القوات البريطانية.
كان العراق أقوى عددياً ، فعدد القوات العراقية يبلغ (٦٠) آلف جندي ولديها بعض الطائرات لكن القوات البريطانية تتفوق بسلاح الجو والدبابات والمدرعات والمدافع.

قامت بريطانيا بإرسال قوات من فلسطين والأردن وتم حملها جواً إلي الحبانية التي تبعد ٩٠ كم من بغداد. فبدأت بالهجوم على الجيش العراقي في سن الذبان اضطر فيها للانسحاب إلى الفلوجة بعد معركة بالطائرات والدبابات، فتقدمت القوات البريطانية باتجاه الثرثار ثم شمال بغداد بدلاً من التوجه نحو أبو غريب والاصطدام بالقوات العراقية المتمركزة هناك. وكانت الإمدادات العسكرية قد وصلت من الشعيبة فيما يعرقل الطيران البريطاني وصول إمدادات للقوات العراقية.

في ٥ مايس ١٩٤١ قامت القوات البريطانية بضرب القطعات العراقية بقذائف الطائرات مما أدى الى خسائر جسيمة وهروب الباقين باتجاه الصحراء. وهرب العقداء الأربعة الذين كانوا يتنطعون بالمقاومة والنصر. هربوا وتركوا قواتهم مكشوفة بلا خنادق تحميهم  ، ولا إمدادات ولا نقليات ولا اتصالات ولا مستشفيات ميدانية. كما قامت الطائرات البريطانية بقصف معسكر الرشيد ومحطة القطار وخزانات البنزين في بغداد.

كانت الإذاعة العربية من برلين تطبل وتدعم وتزمر لرشيد عالي والعقداء الأربعة ، وتهاجم الوصي ونوري السعيد وتصفهم بخدام الانكليز. كل ذلك زاد من سوء الوضع ومخاوف الناس والتجار واليهود والمسيحيين وغيرهم لاسيما بعد أن أيدت العناصر الشيوعية والاشتراكية ذلك الانقلاب.

هرب رشيد عالي إلى إيران
في ٢٩ مايس ١٩٤١ قرر رشيد عالي ومعه الشريف شرف وعدد من الوزراء الهروب من بغداد وفيهم وزير الخارجية موسى الشابندر ووزير المالية ناجي السويدي ومحمد علي محمود وشاكر الوادي ويونس السبعاوي إلى إيران. وكان معه عثمان كمال حداد والمفتي أمين الحسيني ووكيل رئيس أركان الجيش الفريق أمين زكي والعقداء الأربعة (صلاح الدين الصباغ وكامل شبيب وفهمي سعيد ومحمود سلمان) مع لفيف من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين حيث ركبوا قطاراً خاصاً في منتصف الليل وتوجهوا إلي خانقين. ثم دخلوا الحدود الإيرانية فوصلوا طهران في ٣ حزيران ١٩٤١ ونزل رشيد عالي والمفتي في فندق فردوسي ، ونزل البقية في الفنادق الأخرى.  ثم انتقل رشيد عالي ومن معه إلى دار في شارع ولي آباد، ثم انتقلوا إلى فندق (نلبند) في منطقة شميران في شمال طهران. ولحق بهم في طهران علي ممتاز الدفتري ورؤوف شلاش ورايح العطية الحميداوي وعبد العزيز المظفر.

في ٣٠ مايس ١٩٤١ عاد الوصي عبدالإله إلى قاعدة الحبانية قادماً من الأردن  بعد أن احتل الانجليز الفلوجة . وكان معه نوري السعيد وجميل المدفعي وعلي جودت الأيوبي. ثم توجهوا نحو بغداد لمواجهة عناصر الانقلاب.

إجراءات حكومة جميل الدفعي
بعد هروب رشيد عالي ووزرائه سيطر الانكليز والبلاط الملكي على مقاليد الأمور وتشكلت الحكومة برئاسة جميل المدفعي (١٨٩٠- ١٩٥٨) لمدة أربعة أشهر (من ٤ حزيران ١٩٤١ إلى ١٠ تشرين الأول ١٩٤١). قام المدفعي بطرد المئات من الأساتذة والمعلمين والموظفين العرب منهم ساطع الحصري والدكتور عمر فروخ، وزج قسم منهم في المعتقلات منهم الضباط صبحي العمري ومحمود الهندي وعبد القادر الحسيني ، إضافة إلى رجال حزب الاستقلال العراقيين.  
ثم تولى نوري السعيد الحكومة للسنوات الثلاث القادمة من ١٩ تشرين الأول ١٩٤١ إلى ٤ حزيران ١٩٤٤ .

رشيد عالي في المنفى

في ٣ مايس ١٩٤١ وصل رشيد عالي إلي طهران لم يبق فيها طويلاً. فقد اتصل بالحكومة التركية التي منحته سمة الدخول مع عدد من مرافقيه وهم عزمي ونجدت الشواف. لم يبق رشيد عالي في تركيا التي وصلها في ٢٢ تموز ١٩٤١ بل غادرها في ٢١ تشرين الثاني ١٩٤١ إلى ألمانيا سراً بصفته عضوا في فريق صحفي ألماني قدم إلى إسطنبول. وكان الفريق يضم ثمانية أعضاء وصل سبعة منهم إضافة إلى واحد كان ملفوفاً بالضمادات والشاش وهو رشيد عالي حيث امتنع عن حضور الاستقبالات والرحلات.  
قامت طهران بتسليم العقداء الأربعة إلى السلطات العراقية حيث تم إعدامهم فيما بعد.

لحق برشيد عالي مجموعة من أنصاره مثل نجدت الشواف وناجي شوكت وكامل الكيلاني (شقيق رشيد عالي) والدكتور محمد حسن سلمان وجابر العمر وعلي الصافي وعبد الحميد الهلالي وفوزي القاوقجي وصبحي أبي غنيمة. وعيّن الدبلوماسي الاماني الدكتور غروباً ضابط اتصال بين العرب اللاجئين وبين الحكومة الألمانية. والتحق بهم مفتي فلسطين أمين الحسيني الذي تنكر كخادم للسفير الإيطالي في طهران ثم سافر معه إلى إيطاليا والتقى بالزعيم الفاشي موسوليني.

رشيد عالي في برلين
في برلين بدأ رشيد عالي نشاطا واسعا مع القادة الالمان، غير ان الخلاف الشديد الذي نشب بينه وبين مفتي فلسطين الحسيني بعثر جهوده وجعلها تنصب على التنافس مع المفتي ، ومع هذا فقد تمكن في ١٩ كانون الأول ١٩٤١  من الحصول على اعتراف رسمي من الحكومة الالمانية (وزارة الخارجية) مرحبا به كرئيس وزراء العراق الشرعي.  

في ٢ مايس ١٩٤٢ أذاع رشيد عالي كلمة من راديو المحور بمناسبة مرور عام على نشوب القتال في العراق. وتحدث عن وعود حصل عليها من الألمان تتعلق بتقديم المساعدة للبلدان العربية التي كانت تحت النفوذ البريطاني. وأنها تعترف بسيادة واستقلال البلدان العربية في الشرق الأوسط ، ودعم تصفية الوطن اليهودي في فلسطين. ويبدو أنه من المشكوك فيه وجود أي تأثير لكلمته في العالم العربي أو حتى بين الألمان أنفسهم.   وفي عام ١٩٤١ قام رشيد عالي بتأسيس إذاعة (حي العرب) من برلين ، وكان الصحفي العراقي يونس بحري هو المذيع فيها.

في تموز 1942 التقى الكيلاني بالزعيم الالماني هتلر بإحدى المقاطعات البروسية، وامتدح الفوهرر ثورة الشعب العراقي ضد الوجود البريطاني ، واعلن ان المانيا ليست لها مطامع في الوطن العربي.  كما التقى الكيلاني بالزعيم الإيطالي موسوليني وقدم له مطالبه وهي عقد اتفاقية تعاون بين العراق ودول المحور واصدار بيان يتضمن الاعتراف باستقلال الاقطار العربية، بما فيها فلسطين كما تبادل الكيلاني مع وزيري خارجية ايطاليا والمانيا على الرسائل مطالبه القومية الوطنية.

في تشرين الأول ١٩٤١ ناقش رشيد عالي وأمين الحسيني مع القادة الألمان ب(الخصوص قيادة  سوندرستاب ف) تشكيل وحدات عسكرية عربية يقوم الألمان بتدريبها وتسليحها سميت بـ (المفرزة العربية الحرة). وفي كانون الأول ١٩٤١ بحثت وزارة الخارجية الألمانية مسألة الفرقة العربية. وصدر بيان من مركز قيادة الفوهرر يرغب بإنشاء مثل هذه الفرقة فوراً.  

هروب رشيد عالي من ألمانيا
عندما بدأت جيوش الحلفاء بالاقتراب من برلين هرب رشيد عالي الى سويسرا وباءت محاولته للاستقرار فيها بالفشل. في اول مايس 1945 عندما كان يدرس في جامعة براغ ضيف في داره رشيد عالي الكيلاني بعد ان فشل في دخول سويسرا وكان الكيلاني قد جاء تشيكوسلوفاكيا مع مرافق سوري وسائق الماني كانت الحكومة الالمانية قد وضعته في خدمة الكيلاني.. وقد ترك بعض مرافقيه قبل هذا وهم السادة حكمت سامي سليمان ومحمد سلمان شقيق العقيد محمود سلمان وفرج الله و(يريدي) المترجم في المكتب العربي ببرلين الذي كان بزعامة الكيلاني، ومن الطريف أن سيارة الكيلاني المهداة من حكومة المانيا قد اختفت بعد ان حرص الحلفاء على جمع كل سيارة يجدونها في الشارع لنقلها الى بلادهم كغنيمة حرب.

رشيد عالي في ضيافة البلاط السعودي
وفي اواسط تموز 1945 انتقل الكيلاني الى بروكسل متنكرا بص

أخر الأخبار