• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

شهادة الصدر الثاني في 19 شباط 1999.. ورد فعل العراقيين في هولندا

شهادة الصدر الثاني في 19 شباط 1999.. ورد فعل العراقيين في هولندا

  • 19-02-2020, 15:25
  • مقالات
  • 2533 مشاهدة
د. صلاح عبد الرزاق

شهادة الصدر الثاني في 19 شباط 1999

ورد فعل العراقيين في هولندا

 

د. صلاح عبد الرزاق

 

منذ انطلاقة صلاة الجمعة كنت أتابع خطبه الشهيد الصدر الثاني التي كانت تصلنا في كاسيتات فيديو من سوريا، فأقوم بتكثيرها وتوزيعها في هولندا. كان الصدر الثاني يمثل الأمل والمستقبل منذ استشهاد السيد محمد باقر الصدر في 9 نيسان 1980 .

 

قبل الحادث الأيم كنت في تلك الفترة في زيارة إلى لندن ، بدأت قبل خمسة أيام حيث كنت مشغولاً بإعداد أطروحتي للدكتوراه. وفي آخر يوم في يوم السبت المصادف 20 شباط 1999 . علمت باغتيال الشهيد الصدر الثاني مع ولديه الشهيدين . إذ تأخر وصول الخبر يوماً واحداً بسبب أوضاع الاتصالات آنذاك التي كان النظام يسيطر على الاتصالات الخارجية. اتصلت بالأخوة في هولندا وأخبرتهم بالنبأ وضرورة الإستعداد لهذا الحدث المحزن .

 

أكبر تظاهرة عراقية في هولندا

 

وصلت إلى هولندا ، مدينة دوردريخت ، حيث أقيم ، مساء وتوجهت مباشرة إلى مبنى الجمعية الثقافية العراقية حيث جاء الناس يعزي بعضهم بعضاً ويترقبون الأخبار . فتحدثت لهم عما أعرفه من تفاصيل . وفي اليوم الثاني حضرت اجتماعاً طارئاً عقده مجلس الجمعيات العراقية لتحديد الاجراءات والنشاطات اللازم اتخاذها . فتقرر القيام بتظاهرة في لاهاي تنطلق من محكمة العدل الدولية لتنتهي أمام السفارة العراقية . كما أعلن عن اعتصام سياسي في إحدى الكنائس لجلب اهتمام الرأي العام لهذا الحدث .

 

إعتصام عراقيين احتجاجاً على اغتيال الصدر

 

أثار انتشار خبر اغتيال السيد محمد الصدر (رض) ضجة في الأوساط الإسلامية خارج العراق ، فقد أقيمت مجالس الفاتحة ، وسارت التظاهرات في مختلف العواصم الأوربية ، وأصدرت المؤسسات والأحزاب الإسلامية والعراقية بيانات تستنكر فيها جريمة اغتيال الصدر .

وفي هولندا أقيمت مجالس الفاتحة في أغلب المدن التي تتواجد فيها الجالية العراقية مثل أوترخت ودوردرخت وخروننكن وأسن ودنهاخ ودنبوش وغيرها .

وقام مجلس الجمعيات العراقية في هولندا باعتصام يومي الجمعة والسبت 26-27 شباط1999  في (كنيسة الواحة) في العاصمة السياسية لاهاي .

وتضمن برنامج الإعتصام عقد ندوة لمواكبة تطورات الأوضاع في العراق . تحدثت فيها عن أهمية انفتاح المرجعية الدينية على الأمة ومتابعة تربيتها ورعايتها ميدانياً . وقلت :

منذ غياب الشهيد محمد باقر الصدر والساحة العراقية تعاني من فراغ قيادي يتمثل بفقدان قائد ميداني يرعى الأوضاع اليومية لمختلف شرائح الشعب العراقي . وكانت قيادة السيد محمد باقر الصدر تمثل منعطفاً تأريخياً في مسيرة المرجعية ، حتى كنا نعتقد بأننا سننتظر طويلاً قبل أن يملأ فراغه مرجعاً آخر . ولكن هذه العائلة العريقة أبت إلا أن تعطي مرجعاً قيادياً آخر في درب الشهادة. لقد كان السيد محمد الصدر ثمرة من جهود الشهيد الصدر .

تعاني المرجعية الدينية في العراق من الضغط والإختناق ومع ذلك نجد بين الحين والآخر من يتصدى للعمل السياسي وقيادة المواجهة الميدانية ضد السلطة . الأمة بحاجة إلى القائد ، وبدون العلاقة الوثيقة بين المرجعية والأمة يبقى الخلل قائماً في الجانبين .

إن عائلة الصدر تمثل النهر الثالث في العراق إضافة إلى دجلة والفرات . هذا النهر ، نهر الدم ، نهر الشهادة ، نهر التضحية والبطولة ، نهر الوعي والعلم والفقه. وأن الشهيد السيد محمد الصدر يمثل مشروعاً إسلامياً حضارياً قادراً على مواجهة الأوضاع الخانقة في العراق بعد أن أيقن الكثيرون أنه لا مجال لعمل جماهيري علني ضد السلطة بعد الإنتفاضة . لقد استطاع السيد محمد الصدر بالعمل الدؤوب والعلاقات القوية بشرائح الشعب ، والتضحيات المتواصلة أن يخلق قاعدة كبيرة من الأمة …تمكن من استدعائها إلى الحضور في الشارع لأداء صلاة الجمعة . لقد استطاع أن يختصر أزماناً طويلة ويجلب هذه الجماهير إلى الشوارع لتؤكد الحضور الإسلامي المستمر في الشارع العراقي .

إن إقامة صلاة الجمعة ليست بالأمر السهل في العراق . إن التجمع وحده في الشوارع والمساجد يعتبر تحدياً للنظام حتى لو لم يتضمن عرض مفاهيم إسلامية وسياسية وثورية . الإجتماع الجماهيري بحد ذاته رفض للنظام واستفزاز لسلطته . كانت خطب السيد محمد الصدر تتضمن العديد من المفاهيم الإسلامية السياسية والإنتقادات المباشرة وغير المباشرة للسلطة وسياستها . إن ارتداء السيد كفنه أثناء أداء صلاة الجمعة توحي أن الرجل كان مصمماً على الشهادة . فهو يعلم أن المضي في هذا الطريق سيتوج بالشهادة .

لم يكن هم السيد محمد الصدر (رحمه الله) هو اقتصار دائرة نشاطه وهمومه على النجف فقط ، فهذه نظرة ضيقة أي أن يعمل المرجع داخل النجف وفي حدود الدرس والمسجد ، وإنما أراد أن أن يكون على اتصال مع كل الشعب العراقي وفي جميع مناطقه . فقام بتعيين أكثر من 70 إمام جمعة يقيمون صلاة الجمعة في أغلب المدن العراقية وخاصة في الوسط والجنوب .

بإمكاننا أن نتصور ماذا يعني إقامة صلاة الجمعة في العراق ، جمهور واسع من المصلين ، نساء ورجال ، شباب وشيبة ، صفوف منتظمة ، مشاعر التضامن والتآزر بين طبقات الشعب العراقي ، حضور أسبوعي يتفرغ للعبادة وتلقي التوجيهات وتعميق المفاهيم ، ترسيخ الصمود والرفض لسياسة النظام ، إمام يحرك الجمهور في خطبه وعباراته ، متابعة المصلين له في حركاته . كل هذا العطاء الأسبوعي لم يكن ليحدث لولا صلاة الجمعة . كانت الجماهير تعبر عن تفاعلها وتأييدها للمرجعية من خلال الهتافات والشعارات و(الهوسات) الشعبية التي تعلن الولاء والوفاء للسيد محمد الصدر ، بل حتى تكرار عبارة (الصلاة على محمد وآل محمد) كان يتضمن هتافاً مكبوتاً ، كأنه يريد أن يصرخ بقوة ( يسقط صدام ) . هكذا رأينا الحماس والإنفعالات المكبوتة في وجوه المصلين وحركاتهم .

 

وقرأ سماحة السيد عبد الستار مجلساً حسينياً قارن فيه بين سيرة الفقيد السيد محمد الصدر والإمام الحسين (ع) وأنه خرج مثله لطلب الإصلاح في أمة محمد (ص) ، وبذل مثله دمه في سبيل الإسلام .

هذا وقامت وفود وشخصيات قادمة من مختلف المدن الهولندية لزيارة المعتصمين والتعبير عن تضامنهم مع هذه المبادرة ومساندة كل النشاطات التي تخدم القضية العراقية وتساهم في وحدة الأمة في المهجر .

كما وأقيم في قاعة الكنيسة معرض للصور التي تعرض مأساة الشعب العراقي داخل العراق وخارجه. كما عرضت أفلام فيديو لخطب الجمعة لسماحة السيد محمد الصدر (رحمه الله) وكذلك أفلام عن إنتفاضة شعبان 1991 المجيدة . ورفعت لافتات وشعارات تعلن وفاءها للشهيد الصدر وتطالب المجتمع الدولي بالوقوف إلى جانب الشعب العراقي في محنته وتدعو إلى محاكمة صدام.

 

أكبر تظاهرة عراقية في هولندا

 

كان لابد من الحصول على إجازة من الشرطة الهولندية فسارعت إلى لقاء مدير شرطة لاهاي وقدمت أوراق الموافقة التي استغرقت قرابة أسبوع تخللها عدة اجتماعات مع قيادة الشرطة للاتفاق على مكان التجمع والمسير وبدء التظاهر ووقت التظاهرة. كما أخذت بإعداد مذكرة الاحتجاج التي ستقدم إلى الحكومة الهولندية.

 

النعش الرمزي للشهيد

لم تحل غزارة الأمطار والرياح العالية دون خروج مئات العراقيين في التظاهرة التي دعا إليها مجلس الجمعيات العراقية يوم الثلاثاء المصادف 2 آذار 1999. فقد حضر المؤمنون من جميع المدن الهولندية إلى العاصمة السياسية دنهاخ. وشارك فيها عراقيون قدموا من ألمانيا وبلجيكا ليعبروا عن غضبهم وتنديدهم بالجريمة الوحشية التي ارتكبها النظام الصدامي ضد المرجعية الدينية حين وجه رصاص الغدر تجاه المرجع الديني السيد محمد الصدر (رحمة الله عليه) وولديه وصهره وجمع من المؤمنين والعلماء في مذبحة وحشية أمام منزله بعد أن رفض الإنصياع لأوامر صدام بالتوقف عن أداء صلاة الجمعة ، وخرق مقررات الإقامة الإجبارية التي فرضت عليه في منزله . فما كاد يغادره حتى انهال عليه الرصاص ليذهب إلى ربه صابراً محتسباً شاكياً إلى الله تعالى الظلم العظيم الذي يحل في العراق .

منذ الظهيرة بدأت الجماهير تتجمع وهي تهتف وفاءَ للصدر الشهيد والمضي في طريقه ، طريق الرفض والإباء ، طريق ذات الشوكة . ثم سارت التظاهرة باتجاه سفارة الغدر والخيانة ، سفارة النظام في دنهاخ ، وهي تردد شعارات (نعم نعم للإسلام ) ( بالروح بالدم نفديك يا شهيد ) .

وفي خاتمة التظاهرة أقيمت صلاة الجماعة في الشارع .

 

مذكرة احتجاج إلى الخارجية الهولندية

 

وقمت مع وفد يمثل مجلس الجمعيات العراقية بتسليم مذكرة احتجاج إلى وزارة الخارجية الهولندية طالب فيها بالضغط على مجلس الأمن من أجل تأسيس محكمة دولية خاصة لمحاكمة صدام ، وتشكيل لجنة تحقيق دولية للكشف عن مرتكبي جريمة اغتيال الصدر الثاني . وقد ردت الوزارة على تلك المذكرة (أدانت فيها جريمة اغتيال الزعيم الروحي السيد الصدر وولديه) و (أن الاتحاد الأوربي يفكر بمشروع قرار حول وضعية حقوق الإنسان في العراق . في هذا المشروع سيتم إدانة الخروقات الواسعة والحادة لحقوق الإنسان في العراق . وهنا يمكن إدراج اغتيال الصدر في ذلك القرار) .

وقامت الصحافة الهولندية بتغطية التظاهرة حيث نشرت صحيفة التلغراف صورة للمتظاهرين وهم يؤدون صلاة الجماعة ، كما نشرت صحيفة (تراو) ووكالة الأنباء الهولندية صوراً عنها. 

 

وقمت بإلقاء نص مذكرة الإحتجاج قبل التوجه وتسليمها إلى وزارة الخارجية،  التي تعبر عن موقف ورأي المتظاهرين ومطالبهم جاء فيها :

 

 مذكرة إحتجاج

لاهاي في 2 آذار 1999

 

السيد وزير الخارجية الهولندي فان آرتسن

 

تحية طيبة

بالتأكيد قد بلغكم ما حدث مؤخراً في العراق حيث قام نظام صدام بارتكاب جريمة وحشية حين قام بإغتيال سماحة المرجع الديني الكبير آية الله محمد الصدر وإثنين من أبنائه يوم الجمعة المصادف 19 شباط 1999 في مدينة النجف الأشرف . لقد كان آية الله الصدر من العلماء المشهورين حيث تحضر حشود كبيرة لصلاة الجمعة التي كانت تقام بإمامته .

إثر ذلك خرجت مظاهرات إحتجاج شعبية في مختلف المدن العراقية منها مدينة الثورة ، من ضواحي بغداد ، ومدن البصرة والعمارة والسماوة والناصرية والحلة والرميثة وغيرها في جنوب العراق. لكن النظام العراقي واجهها بالرصاص ، فحصلت مصادمات ذهب ضحيتها العديد من العراقيين . كما قامت قوات النظام بإعتقال آلاف المواطنين ، وأخذوا إلى أماكن مجهولة .

إن إغتيال آية الله الصدر يأتي في سلسلة إغتيالات أستشهد فيها عدد من علماء الدين المسلمين في العراق حدثت في خلال عام واحد . كما أن السيد فان در ستول المقرر الدولي لحقوق الإنسان في العراق قد دان تلك الإغتيالات ، وصرح بأنها تأتي لإسكات المعارضين لصدام .

إن السكوت على جرائم صدام جعله يتمادى في اغتيال علماء الدين وأبناء الشعب العراقي . لقد بات صدام ونظامه مرفوضاً من قبل المجتمع الدولي والرأي العام العالمي . والشعب العراقي يتطلع إلى القوى المحبة للسلام والحرية والديمقراطية العمل لإزاحة هذا النظام عن الساحة السياسية .

إننا نناشدكم باعتباركم وزير خارجية هولندا ، البلد العضو في مجلس الأمن الدولي ، أن تمارسوا دوركم في مساندة مطالبنا وهي :

1- الضغط في مجلس الأمن الدولي لتأسيس محكمة دولية خاصة لمحاكمة صدام على جرائمه بحق الشعب العراقي والإنسانية .

2- تشكيل لجنة تحقيق دولية للكشف عن مرتكبي جريمة إغتيال آية الله السيد محمد الصدر ومعاقبتهم .

3- إستخدام جميع الوسائل اللازمة لمنع نظام صدام من قمع الشعب العراقي وانتهاك حقوق الإنسان ، وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 688 وحماية الشعب العراقي .

4- تقديم توصية إلى السيد ماكس فاندر ستول وتمكينه من إرسال مراقبين دوليين لمراقبة إنتهاكات حقوق الإنسان في العراق .

 المخلص

     صلاح عبد الرزاق

     مجلس الجمعيات العراقية في هولندا

 

وبعد فترة استلمت جواب وزارة الخارجية الهولندية على المذكرة أعلاه.

      

   التظاهرة في الصحافة الهولندية

وقد حضر لتغطية التظاهرة عدد من المراسلين منهم مراسل وكالة رويتر التي بثت عدد من الصور نشرت إحداها في صحيفة (تراو) الهولندية . كما شاركت وكالة الأنباء الهولندية ANP والتي أرسلت الخبر وصور عن التظاهرة في بعض الصحف منها صحيفة التلغراف الواسعة الإنتشار في هولندا حيث نشرت صورة لصلاة الجماعة التي أداها المتظاهرون قبل الإنطلاق .

أخر الأخبار