الرئيسية / منشآت عراقية بنيت بأيدي أجنبية

منشآت عراقية بنيت بأيدي أجنبية

"Today News": بغداد

منشآت عراقية بنيت بأيدي أجنبية

المتحف العراقي صرح الحضارة وخزانة التاريخ (١-٣)

د. صلاح عبد الرزاق

يعود الاهتمام بالتاريخ العراقي القديم وبالآثار التي تعود للحضارات السومرية والبابلية والاشورية والأكدية، تعود إلى نخبة من الباحثين والمنقبين الأجانب. إذ لا توجد مؤشرات على اهتمام العثمانيين ولا العراقيين بالآثار قبل القرن العشرين. ورغم وجود الالف الموقع الآثارية من معابة وقصور ومدن وأسواق ومقابر وتماثيل منتشرة في أنحاء العراق لكن لم يهتم بها أحد حتى تم تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام ١٩٢١ بعد الغزو البريطاني للعراق.

 

قصة المتحف العراقي

ترجع بدايات تأسيس المتحف العراقي إلى مبادرة قامت بها المس بيل (١٨٦٨- ١٩٢٦) المستشارة الشرقية للمندوب السامي البريطاني في العراق. فهي بالأصل باحثة ورحالة وعالمة آثار انكليزية تجولت في ايران والعراق والجزيرة العربية، ولها مؤلفات صدرت قبل الحرب العالمية الأولى. وكانت تجيد اللغات العربية والفارسية والفرنسية والألمانية ، إضافة إلى التحدث بالإيطالية والتركية.

ففي عامي ١٩٢٣-١٩٢٤ قامت المس بيل بجمع عدد كبير من الأثار والتماثيل والقطع الأثرية التي قامت باكتشافها بالتعاون مع منقبين وعلماء آثار بريطانيين أثناء التنقيب في المواقع الأثرية. وقامت بوضعها في مكان ضيق في مبنى القشلة بهدف الحفاظ عليها. وقامت بجولات ميدانية لزيارة عدد من المواقع الأثرية التي أصبحت بحاجة ماسة إلى الصيانة وترميم الأضرار لغرض المباشرة بصيانتها.

 

في ١١ آذار ١٩٢٣ قامت بافتتاح معرض للآثار في القشلة حيث تم وضع القطع الأثرية على مناضد وبقرب كل قطعة بطاقة تعريفية باللغتين العربية والإنكليزية. نال المعرض استحسان الزائرين وفي مقدمتهم الملك فيصل الأول والشخصيات السياسية والوزراء وغيرهم.

بعد نجاح المعرض، أرادت أن تنشئ مَتحفاً عراقي للآثار، للحفاظ على جهودها من السرقة والضياع والاندثار، إلا أن عقبات عدة اعترضت سبل تنفيذه لأول مرة، ومنها عدم توفر مكان ملائم لإقامته، فاقترحت وضعه في بناية القشلة، واُختيرت إحدى الغرف الصغيرة في الطابق الأسفل من مبنى القشلة، ولقد عرفت هذه الغرفة لاحقاً باسم غرفة الاحجار البابلية.

 

ونتيجة لاهتمامها بالآثار العراقية فقد أمر الملك فيصل الأول بتعيينها مُديرة فخرية للآثار القديمة بصورة مؤقتة. وخلال تلك الفترة اَستقبلت المس بيل بعد توليها المسؤولية الفَخرية لدائرة الآثار القديمة عدداً من البعثات الأثرية التي كانت تتطلع إلى الحصول على امتياز تنقيب في عدد من المواقع الأثرية، ومن أشهر هذه البعثات البعثة المشتركة للمتحف البريطاني وجامعة بنسلفانيا الأمريكية برئاسة ليونارد وولي، التي حصلت على امتياز التَنقيب في مدينة كيش، ونجحوا في العثور على قطع أثرية كثيرة، نال العراق منها نصف الكمية، ومن بينها خوذة ذهبية وقيثارة ودبوساً ذهبياً وتمثالاً لأحد ملوك مملكة كيش السومرية يبلغ طوله ثلاثة أقدام، وهو تمثال مقطوع الرأس، ولم يتمكن الأثريون من قراءة الكتابات الموجودة على كتفه، باستثناء تحديد اسم المَلك وقررت المس بيل إرساله إلى لندن لفك رموزه من قبل علماء الآثار البريطانيين ومن ثم إعادته إلى العراق، واستطاعت أيضاً شراء عدد من الآثار من الأهالي فكانت حصيلة ما جمعته كمية لا يستهان بها من الآثار التي اُكتشفت حديثاً.

 

أول مبنى للمتحف العراقي

في عام ١٩٢٦ ضاق المكان المخصص للمتحف في القشلة، فارتؤي نقله إلى مكان آخر يستوعب مقتنياته ويحافظ عليها ، ويعرضها للجمهور بشكل دائم. فتم الانتقال إلى مبنى من طابقين يقع في شارع المأمون سابقاً ، وفي المتحف البغدادي حالياً.

يرى بعض الباحثين أن البناية المذكورة قد قام بتصميمها المعماري البريطاني جيمس ويلسون (١٨٨٧-١٩٦٥) الذي سبق له أن قام بتصميم أبنية أخرى مثل مستشفى مود في البصرة عام ( ١٩٢٠-١٩٢٢) نادي العلوية في بغداد عام ١٩٢١ و جامعة آل البيت في بغداد (١٩٢٢-١٩٢٤) ومبنى البلاط الملكي في منطقة الكسرة ببغداد عام ١٩٢٣ و مبنى مديرية الموانئ العامة في البصرة عام ( ١٩٢٥-١٩٢٧) ومن ثم قام بتصميم مطار المثنى عام ١٩٣١ ومطار البصرة عام ١٩٣٥-١٩٣٨ ، وبناية المحطة العالمية في العلاوي عام (١٩٤٧-١٩٥٢).

 

تتسم واجهة المبنى بالفخامة والمدخل عبارة عن قوس تم تزيينه بنقوش من الطابوق ، ووضع تمثالين للإله نابو، إله الحكمة والمعرفة ، كان قد عثر عليهما في موقع النمرود جنوب الموصل. يتألف المبنى من طابقين وفيه قاعات تصلح لعرض القطع الأثرية وأخرى تصلح لإدارة المتحف ومخازن وأماكن لترميم التالف منها.

ويرى باحثون آخرون أن المبنى كان بناية لمطبعة الحكومة باعتها إلى وزارة الأشغال والمواصلات حيث تم تخصيصها لدائرة الآثار القديمة لتصبح مقراً لها ومتحفاً.

 

في ١٤ حزيران ١٩٢٦ تم افتتاح المتحف العراقي رسمياً من قبل الملك فيصل الأول وحضره عدد من الشخصيات من نواب ووزراء وخبراء تنقيب وآثار. وبقيت المس بيل مديرة للمتحف حتى وافتها بعد شهر من افتتاح المتحف حيث توفيت في ١٢ تموز ١٩٢٦.

بدأ المتحف بالنمو مع تزايد أعداد القطع الأثرية التي تدخل إلى مخازنه، وخاصة بعد تولي عراقيين شؤون الآثار والتنقيبات الآثارية في العراق. ومع صدور قانون الآثار رقم (٥٩) لسنة ١٩٣٦ جرى تنظيم عمليات التنقيب في العراق، ووضع ضوابط لما يتم الكشف عنه من آثار ووجوب عرضها في المتاحف. إذ نصت المادة (٢٣) من القانون المذكور على ما يأتي: ((تعرض الآثار المنقولة التي تكون في حوزة الحكومة على أنظار الناس والعلماء في المتاحف التي تؤسس في العاصمة وفي سائر المدن وبجانب بعض الأطلال الأثرية ...)).

وهكذا صارت قطع الآثار تزداد تدريجياً في مخازن المتحف العراقي سواء من قبل التنقيبات العراقية أو ما يتمم قسمته مع البعثات الآثارية الأجنبية ، فضلاً عما يتم مصادرته أو شراؤه أو إهداؤه إلى المتحف.

 

تمثال المس بيل

تكريماً لذكراها واعترافاً بجهودها في جمع الآثار العراقية وتشييدها لأول متحف عراقي إرتؤي إقامة تمثال نصفي للمس بيل تم نصبه في واجهة المدخل. والتمثال من البرونز وبالحجم الطبيعي ، ولا يعرف اسم النحات لكن يذكر البعض أن الملك فيصل الأول هو الذي طلب نحته، وآنه كلف النحات الإيطالي بيترو كانونيكا Pietro Canonica (١٨٦٩-١٩٥٩) وهو نحات مشهور بأعماله وخاصة تماثيل الشخصيات. فقد قام بنحت تمثال إسماعيل باشا في الإسكندرية و فيكتور عمانوئيل الثالث آخر ملوك إيطاليا ونصب الجمهورية التركية في شارع الاستقلال باسطنبول، وتمثال الملك فؤاد الأول وتمثال الملك فيصل الأول ممتطياً حصانه عام ١٩٣٣وتمثال عبد المحسن السعدون.

تم وضع لوحة برونزية مكتوبة باللغتين العربية والإنكليزية جاء فيها:

 

( كـرتـرود بـيـل ، الـتي لـذكـراهـا عـنـد الـعـرب كـل إجـلال وعـطـف ، أسـسـت هـذا الـمـتـحـف سـنـة 1923بـصـفـتـهـا الـمـديـرة الـفـخـريـة لـلـعـاديـات في الـعـراق ، وجـمـعـت الأشـيـاء الـثـمـيـنـة الـتي يـحـتـويـهـا بـإخـلاص وعـلـم دقـيـق ، واشـتـغـلـت بـهـا مـدى حـر الـصـيـف إلى يـوم وفـاتـهـا

في 12 تـمـوز سـنـة ١٩٢٦ . الـمـلـك فـيـصـل وحـكـومـة الـعـراق قـد أمـرا لـهـا شـكـراً عـلى أعـمـالـهـا الـكـبـيـرة في هـذه الـبـلاد بـأن يـكـون الـجـنـاح الـرئـيـسي بـاسـمـهـا وبـإذن مـنـهـمـا قـد أقـام أصـدقـاؤهـا هـذه الـلـوحـة). 

 

وقد حضر حفل إزاحة الستار عن التمثال عدد غفير من الشخصيات والمهتمين بالآثار ، وعلى رأسهم الملك فيصل الأول الذي كان يرتدي معطفاً مطرياً، ويعتمر سدارة على رأسه. وحضر وزير المعارف عبد الحسين الجلبي الذي كان يرتدي زياً أوربياً يستخدم للاحتفالات الرسمية بسترة طويلة مع سدارة سوداء بدلا من القبعة.

ومن الشخصيات الإنكليزية التي حضرت الحفل كل من المندوب السامي البريطاني في العراق السير هنري دوبس Sir Henry Dobbs ، و ريتشارد س. كوك Richard S. Cook الذي تولى إدارة المتحف بعد وفاة المسز بيل.

لا نعلم أين انتهى التمثال، وهل هو مخزون في مكان ما؟ أم جرى بيعه من قبل شبكات التهريب؟

 

مبنى المتحف العراقي الحالي

 

في عام 1957، ضاق مبنى المُتحف في شارع المأمون وأرادت الحكومة العراقية أن تخصص بناية جديدة تتصف بمواصفات متحفية عالمية تضم آثار العراق. ولهذا بني المبنى الجديد ونُقلت مجموعات القُطع الأثرية إليه، والمبنى مكون من طابقيين، تبلغ مساحته 45،000 متر مربع، ويقع بين حي الصالحية ومنطقة العلاوي في منطقة الكرخ. وهو أول مبنى يصمم وينشئ كبناية متحف بكل تفاصيلها ومرافقه.

 

في ٢٣ آذار ١٩٥٧ وضع الملك فيصل الثاني الحجر الأساس للمبنى الجديد. وكان معه الأمير عبد الإله ورئيس الوزراء والأعضاء الاداريون لمجلس الإعمار العراقي ومدير الآثار القديمة العام. وألقى ناجي الأصيل كلمة الافتتاح، وأعقبه المهندس مارخ الذي وضع تصاميم المبنى.



27-04-2021, 13:54
عودة