الرئيسية / العراق المعتقل وقبضة الهدى (ح13)

العراق المعتقل وقبضة الهدى (ح13)

"Today News": بغداد


واقعا كتاب مذكراتي للنائب الدكتور خلف عبدالصمد يمكن تبويبه بطريقة اخرى تنسجم مع الأحداث التي عاشها الرجل خلال تلك الرحلة وتقلبه في العديد من الاوضاع والحالات، واهم عناوين هذه التبويبات مذكرات طالب ومذكرات معتقل ومذكرات داعية ومذكرات مهاجر ومذكرات محافظ ومذكرات نائب ، لذلك ارتأيت أن أضع هذا التبويب ضمن عنوان مذكرات معتقل ، حيث أن الرجل تعرض لاعتقالات عديدة ضمن سياق تسلسل كيانه الوجودي، فالاعتقال ليس مقتصرا على النطاق المكاني ،بل يمتد الاعتقال إلى حالات عديدة ترتبط بالقيود التي تكبل الانسان وتمنعه من ممارسة حق الراي والتعبد والوظيفة والتعبير والممارسة السياسية ، هذه المعاناة حاصرت كاتب المذكرات كأي فرد عراقي شريف ووطني وغير منتم إلى حزب البعث المجرم ، فالدكتور خلف عبدالصمد عانى من حصار فكري ونفسي عليه تجلى في العديد من محطاته المهنية والسياسية حيث حرم من استكمال دراسته في الولايات المتحدة رغم انه من الاوائل العشرة على كلية الزراعة ، كما تم نقله خلال الخدمة العسكرية إلى قضاء راوندوز في اربيل شمال العراق كعقوبة لعدم انتمائه إلى الحزب المقبور ، ناهيك عن التطورات السياسية التي تعصف بالبلاد ، والتي هي في واقع الأمر رسائل شديدة للدلالة على أن العراق خرج من مسار الحرية والعدالة والديمقراطية وبات نظاما ديكتاتوريا مطلقا ، ليس لديه أدنى هامش من التنفس خارج الاطار الحزبي الحاكم .

الاعتقال الحقيقي كان للوطن بأسره ، وعندما يتم اعتقال الوطن تصبح حقوق المواطن مهدورة ، لان قانون الارهاب هو القانون السائد وهو الحاكم ، وهذا ما أدى إلى كوارث طالت الثلة الفكرية والعلمائية من أبناء الوطن ليكونوا ضحايا الاعتقال وصولا إلى الإعدام الوحشي والاعمى ...

ان النظام العفلقي لم يكتف بمصادرة حق الحرية والتعبير وحق تأسيس الاحزاب وحق المؤسسات المدنية ،   بل حول العراق إلى معتقل وسجن كبير ، حيث كانت التهم جاهزة لكل من يحاول تجسيد سلوك الفضيلة والانسانية ، بعيدا عن السلوك المنحرف الشاذ للنظام الحاكم وازلامه ..

اهم المنعطفات التاريخية التي مر بها الوضع العراقي هو امتداد يد النظام الآثمة لقبضة الهدى التي تم اعدامها بطريقة وحشية ، تعسفية ، في تجرأ كبير وحقير على كل مقدسات وثوابت الوطن ، يقول كاتب المذكرات الدكتور خلف عبدالصمد في هذا الجانب ( ان خبر استشهاد خمسة من المفكرين الاسلاميين وهم رجال قبضة الهدى بعد التعذيب الشديد الذي تعرضوا له على يد جلاوزة البعث وهم الشهيد الشيخ عارف البصري والشهيد السيد نوري طعمة والشهيد العلامة السيد عز الدين القبانجي والشهيد العلامة السيد عماد الدين الطباطبائي والشهيد السيد حسين جلوخان ، بتاريخ 5/12/1974 شكل الصدمة التي اثرت في نفوس الدعاة المتصدين ، وشرارة المواجهة التي اوقدت في نفوسهم جذوة التصدي المباشر لجبروت وبطش حزب البعث المقبور ) ، ولتكون هذه الحادثة بمثابة لف حبل المشنقة على رقبة كل تطلعات الشعب العراقي .

اعدام الطليعة الدعوتية لم يكن مجرد ترهيب للدعاة وحدهم بقدر ماهو تكشير لانياب النظام والكشف عن وجهه القبيح الذي كان يتخفى وراء مسوح عروبية وثورية بائسة ومزيفة ، كما أنه مدخل لمرحلة مواجهة علنية مع التيار الحسيني ، حيث تبع هذه المجزرة تضييق مبرمج للشعائر الحسينية بلغ حد منع الزيارة العاشورائية وملحقاتها مما دفع الشعب العراقي للدخول في مواجهة علنية مع النظام العفلقي البغيض تمظهرت في الانتفاضة الصفرية ومن ثم الشعبانية ، وما إلى ذلك من تحركات وفعاليات شعبية زعزعت عروش النظام واوصلته إلى حالة من التاكل الداخلي ، استدعى تدخل دول الاستكبار العالمي لمنع وصول التيار الاسلامي الدعوتي إلى الإمساك بدفة الحكم ، وهذا ما يفسر تطورات المشهد العراقي بعد عام 2003...

المذكرات اشرت بوضوح إلى تطورات تلك المرحلة وسلطت الضوء على معالم الحراك الدعوتي المقاوم بالفكر والحجة والنقاش والديمقراطية مقابل نظام متسلح بالوضاعة والدونية والفكر الظلامي ، الارهابي .

اعدام قبضة الهدى كان بداية المسرح التدميري لكل منظومة الاخلاق والهوية لابناء الشعب العراقي الاصلاء والشرفاء ، حيث مهد الطريق لمرحلة التصدي للهرم الفكري والديني والقيادي الشهيد محمد باقر الصدر ،باعتبار أن الرد الشعبي على جريمة اعدام قبضة الهدى تمثل بالانتفاضة الصفرية ،كما لاحظ النظام الدور المحوري للشهيد الصدر ،الذي الهب مشاعر الثوار وادى إلى تجاوز كل منظومته الامنية مما اسقط حاجز الخوف وضاعف من منسوب التحدي ، لذلك شن النظام حملة اعتقالات عشوائية ضد كل المشاركين أو المتهمين بالمشاركة في هذه الانتفاضة الشعبية التي وضعت النظام في مازق حرج لايمكن تجاوزه بسهولة .

وبالطبع كان الدكتور خلف عبدالصمد ضمن المعتقلين حيث ينقلنا الدكتور خلف إلى حادث الاعتقال والتعذيب النفسي الذي تعرض له والمعاناة المؤلمة التي حشرته بين زواياها ليلتقي هناك بثلة مؤمنة من الرساليين الذين شاركوه تلك المحنة ، وبخصوص انتفاضة صفر المباركة يقول صاحب المذكرات ( انتفاضة صفر هي البداية القوية لحركات وانتفاضات جماهيرية لاحقة ،ابتدأت هذه الانتفاضة بمحاولة البعثيين منع زائري الأمام الحسين (ع) من التجمع في النجف الأشرف للانطلاق سيرا على الأقدام إلى كربلاء المقدسة) , وحول موقف الشهيد الصدر الأول يقول الدكتور خلف عبدالصمد ( شكل موقف الشهيد محمد باقر الصدر (قدس) المساند للمنتفضين الثائرين الذي عبر عنه من خلال موفده للزائرين الشهيد محمد باقر الحكيم (رض) اثرا بالغا في رفع همم المنتفضين ، ودليل صلابة موقف المنتفضين قول الشهيد صاحب ابو كلل (رحمه الله)  إلى السيد الحكيم : ( نحن قررنا الدخول إلى الحسين /ع/ أو الموت في الطريق) مما أدى إلى تغيير المعادلة لصالح المنتفضين واسقط من يد النظام الذي كان يتطلع لنجاح مهمته في منع المراسم العاشورائية لما تحمله من ابعاد ثورية ،جهادية ، ايمانية ،ترسخ قيم العدالة واحقاق الحق ، ونصرة الضعيف ، ومنع التسلط والعبودية والارتقاء بالانسانية ، وهذا خلاف متبنيات ومباديء نظام الحزب العفلقي الحاكم ...



27-02-2021, 12:06
عودة