الرئيسية / فرصة الاصلاح

فرصة الاصلاح

في ٨ تشرين الثاني من العام الماضي، تحدثت المرجعية الدينية عن التظاهرات الاحتجاجية التي خرجت في الاول من تشرين الاول باعتبارها "الحركة الاصلاحية". وكان استخدام مصطلح "الاصلاح" في وقته ضرورة، لان الوضع في العراق بحاجة الى حركة اصلاحية منذ انحراف العملية السياسية عن مسارها الديمقراطي. وجاءت تظاهرات الاول من تشرين الاول بمثابة تصويت شعبي على الحكومة القائمة انذاك، ما ادى الى استقالتها، ودخول البلاد في منعطف جديد تمثل بتشكيل حكومة مصطفى الكاظمي.
لكن الحركة الاصلاحية للاول من تشرين الاول تعرضت للاختراق وركوب الموجة الامر الذي حرفها هي الاخرى عن مسارها الاصلاحي الذي دعمته المرجعية الدينية. وقد اظهرت فعاليات احياء ذكرى الخامس والعشرين من تشرين عن وجود خطين على الاقل: الخط الاصلاحي السلمي كما ظهر في تظاهرات النجف، والخط الشعبوي التخريبي والعدواني كما ظهر في مناطق اخرى. لكن الغلبة كانت للخط الثاني، ما قد يشير الى ان الخط الاصلاحي الاصيل ضعف كثيرا، وانه يكاد يفقد المبادرة والزمام لصالح الفريق الثاني الذي اعترف  بوجوده المؤثر تصريح للقائد العام للقوات المسلحة. فقد قال الناطق باسمه ان "مجموعة محسوبة على المتظاهرين قامت برمي رمانات يدوية على القوات الأمنية المكلفة بتأمين التظاهرات في بغداد." ولم يوضح الناطق الرسمي كيف تمكنت هذه المجموعة المحسوبة من حيازة رمانات يدوية. كما ان الناطق لم يوضح حجم هذه المجموعة، لكننا بالمشاهدة عرفنا انها ليست صغيرة، وانها ليست "محسوبة على المتظاهرين"، وانما هي تمثل الخط الثاني غير السلمي منهم. كما ان الخط السلمي لم يكن بمقدوره عزل الخط التخريبي وتحييده على الاقل.
الشباب المتحمسون للتغير يطلقون اسم "ثورة" على تطاهرات تشرين، وهذا تسامح في استخدام المصطلحات السياسية، و خطأ معرفي وعلمي، لان التظاهرات لم ترق قط الى مستوى الثورة، لكنها، بخطها السلمي، تمثل حراكا اجتماعيا اصلاحيا. غير ان هذا الحراك  الاصلاحي فقد زخمه الشعبي، في وقت لم يتحقق فيه الاصلاح المنشود. ومن الخطأ ان نعتبر تشكيل حكومة الكاظمي خطوة اصلاحية، لان الرجل جزء من المشكلة، ولا يمكن ان يكون جزءاً من الحل، وفاقد الشيء لا يعطيه، كما انه من الخطأ المراهنة عليه، بتوهم اعطائه فرصة ليصلح الاوضاع، لانه كما قلت لا يمثل هذه الفرصة.
الحاجة الى الاصلاح ما زالت القائمة، والحاجة الى ادوات اصلاحية جديدة مازالت قائمة، لان الادوات الحالية (الحكومة، الطبقة السياسية، تظاهرات تشرين) غير قادرة على تحقيق الاصلاح المنشود، ليس فقط لانها لا تملك رؤية اصلاحية واضحة وناضجة، وانما لانها جزء من حالة التخلف الحضاري العام السائدة في المجتمع ايضا.
ومن هنا تأتي الحاجة الى "الاقلية المبدعة" التي انفصلت شعوريا وعمليا عن حالة التخلف، وامتلكت القدرة على النظر الى المشكلة السياسي- الاجتماعية-الاقتصادية القائمة من زاوية حضارية مغايرة. وهي النخبة الفكرية التي اشارت اليها المرجعية في كلمة يوم ٢٠ كانون الاول من العام الماضي بقولها: "واذا تمّ إقرار قانون الانتخابات على الوجه المقبول يأتي الدور للنخب الفكرية والكفاءات الوطنية الراغبة في العمل السياسي لتنظم صفوفها وتعد برامجها للنهوض بالبلد وحلّ مشاكله المتفاقمة في إطار خطط عملية مدروسة، لكي تكون على إستعداد لعرضها على الناخبين في أوان الانتخابات، ويتم التثقيف على التنافس فيها لا على أساس الانتماءات المناطقية او العشائرية أو المذهبية للمرشحين بل بالنظر الى ما يتصفون به من كفاءة ومؤهلات وما لديهم من برامج قابلة للتطبيق للعبور بالبلد الى مستقبل أفضل، على أمل أن يقوم مجلس النواب القادم والحكومة المنبثقة منه بالدور المطلوب منهما في إجراء الإصلاحات الضرورية للخلاص من تبعات الفساد والمحاصصة وغياب العدالة الاجتماعية في المدة السابقة."
26-10-2020, 14:04
عودة