الرئيسية / النظام الرئاسي.. مهرب للوراء ام ضرورة للمستقبل؟

النظام الرئاسي.. مهرب للوراء ام ضرورة للمستقبل؟

 
تقر معظم القراءات الموضوعية لنتاج العملية السياسية في العراق منذ العام ٢٠٠٣ بفشل ادوات النظام السياسي فيه ،وعدم قدرته لاحداث اي متغير في عملية بناء الدولة.
ويعود ذلك لاسباب عديدة لا تغيب عنها اثار المناخات الدولية المتقاطعة وتدخلات الجوار الاقليمي بالشأن الداخلي للعراق وعدم رغبتها لانجاح تجربته الديمقراطية،وسعيها المستمر لافشالها.
مستثمرة التنازع والخلافات بين الفرقاء السياسيين على مغنم السلطة وفشلهم في انتاج منظومة عمل سياسية وطنية قادرة على النهوض بالعراق وانتشاله من مستنقعه الذي اوقعته فيه سياسية النظام السابق وتورطه بحروب انهكت مستلزماته النهضوية ودمرت مجمل البنى التحتية فيه ليستكمل تدميرها نظام سياسي جديد فشل فشلا ذريعا في احداث اي متغيير على ارض الواقع بل وتراجع خطوات كبيرة للوراء وبقي مرتهن بازمات ساعد الفقر السياسي على تنميتها وشكل الفساد ولازال احد اقوى الاذرع المقيدة لنهضة البلاد واعمارها .
العراق في تركيبة خريطته المذهبية والقومية وفي ظل ضعف في مرتكزات نظامه السياسي الهش لن يتمكن من انتاج دولة قوية تمتلك مقومات سيادتها ونهضتها ، بسبب تهشم جبهته الداخلية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا نتيجة اصطفاف مكوناته وفق الولاءات والارتهانات الخارجية التي ابقته مسرحا ومغنما لتجاذبات وصراعات اقليمية ودولية تركت العراق رهين مصالحها.
ولن تفلح جهود اي حكومة تتشكل وفق مناخات وظروف انتخابية توافقية لن يكون بمقدورها التحرر من تبعات آلية انتاجها ، وسيبقى رئيسها اسير مصالحها ومضاداتها التي تعطل اي محاولات لبرنامجه ومشروعه الاصلاحي والتنموي مهما كان قويا ومنبثقا من رحم الحاجات الضرورية للبلاد ، في ظل نظام سياسي فشل فشلا ذريعا بصيغته التوافقية المقيته وفي ظل انعدام الاسس المنهجية لبناء دولة قوية ترتكز على عمل مؤسساتي مستقل ومتحرر من التبعات والتدخلات السياسية في عملها .وهو ما يشهده العراق منذ العام ٢٠٠٣.
ولا غرابة ان تمر الدول في هذا المنعطفات الخطيرة نتيجة فشل انظمتها السياسية السابقة فتسعى لاحداث متغير في بنيتها تستلزم اعادة التفكير الجدي لصناعة نظام سياسي جديد يتمخض من الحاجات القصوى للبلاد ويتوافق لمعالجة مناخاتها السياسية والادارية والاقتصادية وتعيد لها القدرة على السيطرة على زمام الامور ومنعها من الانهيار الشامل الذي لابد وان يقود بالمجمل الى عملية التفكك والحروب الداخلية والانقسامات وهو ما يسعى اليه المشروع الاستعماري العالمي الذي تقوده دول الهيمنة في العالم خاصة باتجاه العراق الذي يشكل موقعه ومناخه وثرواته ثقلا ستراتيجيا في المنطقة والعالم لن تدعه يتحرر من هيمنتها ولن تسمح له بممارسة استقلاليته السياسية والسيادية .
وهذا يتطلب الاجابة على سؤال اساسي ، هل باتت العملية السياسية بنظامها السياسي التوافقي الحالي قادر على الخروج من عنق الزجاجة للازمات المستدامة في العراق ؟
ام آن الاوان لاعلان صريح ومسؤول للاعتراف والاقرار بفشله المطلق  الذي يمنح اعادة التفكير بانتاج نظام سياسي اخر يتشكل على ضوء الحاجات الضرورية لمشكلات العراق ويؤسس لمرحلة جديدة تطوى بها الصفحة الفاشلة التي استنزفت تجربة سبعة عشر عاما من الفشل لتبنى على اسس جديدة تقوم على مبدأ النظام الرئاسي القائم على اطر ومنهج ديمقراطي يحول دون انتاج دكتاتورية جديدة ويمنع التفرد بالسلطة وينتج نظاما سياسيا يقوم على مبدأ التشارك بين القوى السياسية في صناعة القرار السياسي وفق المصالح العليا للبلاد وترسم فيه الثوابت الوطنية دون ان تتقافز عليها المصالح المذهبية والحزبية والقومية وتعمل لانتاج نظام انتخابي تنتظم فيه الاحزاب والقوى السياسية في خريطة وطنية عابرة للطائفية والتوافقية المقيته وتنتج فوزا لحزب او لعدة احزاب رئيسة متآلفة ترأس الحكومة وتختار رئيسا للبلاد مع فريق وزاري يتم اختياره مهنيا ويراقب ادائها من قبل قوى واحزاب معارضة تعمل بهدف رقابي و تقويمي لاداء عملها وليس بصورة معطلة لها.
التجربة السياسية السابقة اقرت بان جميع القوى السياسية اليمينة منها واليسارية والاحزاب الاسلامية  والليبرالية ، لم تعد قادرة على ان تضع مؤشرات امام جمهورها باحقيتها في البقاء والاستمرار او اقناع الجمهور بمشروعها وبرامجها السياسية المستقبلية لانها بلا استثناء غاصت في مستنقع الفوضى وساهمت باتساع رقعتها سواء لضعف منهجيتها لادارة الدولة او لافتقارها الى الايدولوجية الفكرية الرصينة ،او بسبب فقر امكانات التجربة السياسية لرموزها ، ام نتيجة خضوعها لمسايرة رهانات خارجية ساهمت على افشالها وتشويه صورتها ومحاولة لصق اسباب فشل التجربة السياسية بها دون غيرها ،كما حصل للاحزاب والقوى الاسلامية التي باتت متهمة اتهاما غير منصف دون غيرها بفعل ماكنة اعلامية سخرت بشكل فاعل لرمي كل اخطاء التجربة السياسية فيها لكون رموز هذه الاحزاب هي من كان على رأس الحكومات المتعاقبة متناسية ان العناوين الرئيسة ليست هي الحاكمة في معايير الفشل والنجاح لادارة الدولة دون وجود اسس شاملة لانجاح عملية سياسية تشاركية موحدة بين كافة اطراف المنظومة السياسية وتعمل على وفق المصالح والثوابت العليا للبلاد وترك الخلافات مركونة بلا مزايدات وان اختلفت في رؤيتها لادارة الدولة.
كل هذه المعطيات تشير بما لا يقبل الشك الى الحاجة القصوى لاعادة انتاج منظومة العملية السياسية بنظام حكم جديد يتحرر من عقدة النظام الحالي بشكله التوافقي المقيت ويلجأ الى خيار النظام الرئاسي الذي نجحت به دول تتشابه فيها مناخات الاثنيات المذهبية والقومية والتعددية السياسية مع العراق لكنها سعت ونجحت في تجاوز عقدتها المستعصية التي تكبلت فيه. وهو ما ينبغي على فرقاء الطبقة السياسية التفكير الجدي به قبل الشروع بالمضي بانتخابات لاتزال ضبابية في امكانية تعديل قانونها وآلياته التي لن تغير من افق العملية السياسية التي راكمتها الاخطاء وان نجحت في استبدال الوجوه داخل قبة البرلمان او قلصت اعدادها ،طالما ستبقى في نفس شراك روتين العملية السياسية العقيمة الانتاج وغير القادرة على احداث اي تحول في ايقاعها المعطل والمقيد لاي محاولة لاجراء اصلاح شامل لما يعانيه العراق ويمر به .ودون ذلك فلا وجود لامل برؤية نور ينبثق من نهاية نفقه.
2-08-2020, 12:22
عودة