الرئيسية / الذكرى الأربعون لصدور قرار القضاء على حزب الدعوة الإسلامية

الذكرى الأربعون لصدور قرار القضاء على حزب الدعوة الإسلامية

الذكرى الأربعون لصدور قرار القضاء على حزب الدعوة الإسلامية

د.علي المؤمن

    لكي تجد دولة البعث مبرراً قانونياً لعمليات الإبادة الجماعية ضد الحركة الإسلامية في العراق؛ فقد أصدر صدام حسين؛ بصفته رئيس مجلس قيادة الثورة؛ قراراً فريداً من نوعه على المستويين التاريخي والجغرافي في 31 آذار / مارس 1980، يقضي بإعدام المنتمين لحزب الدعوة الإسلامية والعاملين على تحقيق أهدافه تحت أي واجهة ومسمى، وبأثر رجعي. ونصّ القرار على مايلي:

    (( لما كانت وقائع التحقيق والمحاكمات قد أثبتت بأدلة قاطعة أن حزب الدعوة هو حزب عميل مرتبط بالأجنبي وخائن لتربة الوطن والأهداف ومصالح الأمة العربية، ويسعى بشتى الوسائل إلى تقويض نظام حكم الشعب ومجابهة ثورة (17) تموز مجابهة مسلحة. لذا قرر مجلس قيادة الثورة تطبيق أحكام المادة (156) من قانون العقوبات بحق المنتسبين إلى الحزب المذكور أو العاملين لتحقيق أهدافه العميلة تحت واجهات أو مسميات أخرى. ينفّذ هذا القانون على الجرائم المرتكبة قبل صدوره والتي لم يصدر قرار بإحالتها إلى المحكمة المختصة)).

    و تنص المادة 156 من قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لسنة 1969على مايلي:

    ((يعاقب بالاعدام من ارتكب عمدا فعلا بقصد المساس باستقلال البلاد او وحدتها او سلامة اراضيها وكان الفعل من شانه ان يؤدي الى ذلك )).

    وجاء في تفسير وسائل إعلام النظام للقرار بأنه يشمل أيضاً كل من تعاون مع حزب الدعوة أو سهّل مهمته أو روّج لأفكاره، والمرتبطين به بصورة مباشرة أو غير مباشرة؛ كالعاملين في المؤسسات الثقافية والفكرية أو الاتحادات المهنية والطلابية التي يرعاها الحزب ويدعمها. بل أن أغرب ما في القرار إنه يسري بأثر رجعي على الحالات السابقة لصدوره، فمثلاً إذا وزّع شخص منشوراً قبل عدة سنوا ت من إصدار القرار؛ يروج لأفكار إسلامية يتبناها حزب الدعوة؛ فإنه يقع تحت طائلة عقوبة الإعدام.

 

  وبمراجعة سريعة للقرارات والقوانين التي أصدرتها حكومة البعث والحكومات المتعاقبة على العراق وكذلك القوانين الدولية؛ يظهر أنّ قراراً له قوة القانون وبهذه الكيفية لم يصدر من قبل مطلقاً؛ فضلاً عن أنه لا ينسجم مع بنود الدستور المؤقت الذي أعلنه النظام عام 1969؛ إذ أنّ هذا القرار يقضي بتصفية أعداد هائلة من البشر لمجرد اعتناقهم مبدأ معيناً، كما أنه يستهدف نوعاً بشرياً كاملاً، ولا يقتصر على اتجاه أو حركة أو مجموعة أفراد.

    وبعبارة أخرى فإنه قانون يشرِّع القضاء على الإسلام في العراق؛ لأن الخطورة ـ على وجه التحديد ـ تكمن في ماوصفه القرار بـ ((ترويج أفكار حزب الدعوة)). فيطرح السؤال حينئذ: ما هي حقيقة تلك الأفكار؟!. ويمكن التعرف على هذه الأفكار من خلال منشورات الحزب وأدبياته الخاصة والعامة، والتي تقرر أن الإسلام هو دين وشريعة ونظام يستوعب جميع جوانب الحياة؛ بما في ذلك السياسة والدولة. ومن هنا فعقوبة الترويج لأفكار الإسلام السياسية ـ التي يخشاها النظام ـ هي الموت.. طبقاً لذلك القرار.

    والأهم من ذلك؛ أن القرار جاء متأخراً كثيراً عن تطبيقاته؛ لأن التصفيات طالت صفوف الدعاة منذ العام 1972؛ حين أذيب جسد عبد الصاحب دخيل في حامض النتريك المركّز. كما أن الفترة من حزيران/ يونيو 1979 وحتى آذار/ مارس 1980؛ شهدت إعدام مئات الإسلاميين بينهم أعداد كبيرة من الكوادر المتقدمة والقياديين في حزب الدعوة الإسلامية.

    وعلى إثر القرار المذكور؛ اعتقلت السلطات عشرات الآلاف ممن يشتبه بأن لهم علاقة بحزب الدعوة. كما شملت إجراءات النظام كل من يشك بأن له ميولاً دينية، أو يمارس العبادات والشعائر الإسلامية بشكل علني. فسارت القوافل إلى منصات الإعدام، ومات الكثيرون تحت التعذيب. وكان الإمام المؤسس السيد محمد باقر الصدر؛ أهم المستهدفين في هذا القرار؛ إذ تم قتله بناء على هذا القرار، بعد تسعة أيام فقط على صدوره.   

 

  وبصدور قرار إعدام الدعاة؛ توّجت القيادة القومية لحزب البعث خطتها الخمسية، والتي عممتها في العام 1976 على الكوادر المتقدمة في الحزب الحاكم، و تلخص هدفها في القضاء على الحركة الإسلامية في العراق خلال خمس سنوات؛ أي أنّ السلطة خططت في أواسط السبعينات لتحصل في عام 1980 على وثيقة دفن الحركة الإسلامية.

    ويعيدنا ذلك الى الحديث عن طبيعة الصراع بين الحركة الإسلامية والنظام الحاكم، والذي يمثل صراعاً حضارياً بين فكرين متعارضين؛ إذ أن فكر حزب البعث ينطوي على حافز ايديولوجي لتدمير الإسلام وحركته. أما على مستوى أساليب هذا الصراع؛ فالذي حصل كان أكثر عمقاً وعنفاً؛ لأن سلوك الحكم البعثي في العراق ضد حزب الدعوة وعموم الحراك الاسلامي في العراق؛ كان يمثل سلوكاً غير مسبوق في وحشيته واندفاعه وعشوائيته التدميرية.

تجدر الإشارة إلى أن صدام حسين أصدر في 13 نيسان/ أبريل 1980؛ أي بعد أقل من أسبوعين على إصدار قرار إعدام المنتمين لحزب الدعوة؛ قراراً جديداً يقضي ((بالعفو عن عقوبة الإعدام لكل من يبادر بتسليم نفسه إلى السلطات المختصة خلال مدة أقصاها أسبوعين من تاريخ صدور القرار، ويدلي بالمعلومات التي اطلع عليها، أو أية معلومات لديه عن العناصر المنتمية إلى حزب الدعوة أو التي تعمل لتحقيق أهداف هذا الحزب تحت واجهات ومسميات أخرى)). ولم يكن هذا القرار سوى أسلوب من أساليب الخداع المكشوف؛ يتمكن النظام من خلاله التغريرببعض الدعاة والإيقاع بهم، والحصول على معلومات منهم حول الدعوة؛ ثم تقوم بإعدامهم. إلّا أن مخطط النظام مات في المهد؛ حين فوجئ بعدم تسليم أي من الدعاة نفسه الى السلطة.

1-04-2020, 18:04
عودة