يلقي نزاع قضائي جديد بين بغداد وأربيل، على خلفية توقيع الأخيرة اتفاقيات في مجال النفط والغاز مع شركات أمريكية في واشنطن دون علم الحكومة الاتحادية، بظلال قاتمة على الجهود الهادفة إلى حلحلة ملف توقف الصادرات من الإقليم إلى تركيا.
ففي تطور جديد، أفادت وكالة “رويترز”، برفع وزارة النفط العراقية دعوى قضائية ضد حكومة إقليم كردستان، بسبب عقود نفط وغاز وقعتها مع شركات أمريكية الأسبوع الماضي.
وأوضحت الوكالة، أن “بغداد تعتبر العقود التي أبرمها إقليم كردستان مع شركتي “إتش كي إن إنرغي” و”غرب زاغروس” لتطوير حقلي الغاز “ميران” و”توبخانة كردمير” قرب مدينة السليمانية، غير قانونية”.
وتمثل هذه القضية أحدث عقبة في جهود استئناف تدفق النفط عبر خط أنابيب النفط العراقي التركي، المتوقف عن العمل منذ آذار مارس 2023، على الرغم من ضغوط تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
ويضم حقلا “ميران” و”توبخانه – كردمير”، ثروة كبيرة من الغاز، من المفترض أن يتم استثمارهما لتعزيز الإنتاج المحلي، وتحسين قطاع الكهرباء، ويتراوح الغاز القابل للاستخراج في الحقلين بين 15 إلى 17 تريليون قدم مكعب، بينما يقدر الخزين الكلي (بما فيه الغاز غير القابل للاستخراج) بنحو 28 تريليون قدم مكعب.
وكان رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، قد أشرف في إطار زيارته الرسمية إلى واشنطن، في 20 آيار مايو الجاري، على توقيع اتفاقيتين في مجال الطاقة، مع شركتي نفط أمريكيتين هما “HKN Energy” وWestern Zagros”، وذلك في مقر غرفة التجارة الأمريكية، بقيمة 110 مليارات دولار لتطوير قطاع النفط والطاقة، وتعزيز البنية التحتية الاقتصادية في الإقليم.
وفور الإعلان عن التوقيع، أعلنت وزارة النفط في بغداد رفضها لتلك العقود، وأكدت في بيان رسمي، أن “إدارة الثروات النفطية والغازية من اختصاص الحكومة الاتحادية فقط، استنادا إلى الدستور العراقي وقرارات المحكمة الاتحادية العليا، ووصفت العقود بأنها غير قانونية ومخالفة لأحكام القضاء، ورأت أن الثروات الطبيعية ملك لجميع العراقيين، ويجب أن يتم أي استثمار فيها بشفافية عبر الحكومة المركزية، لضمان تقاسم الإيرادات بما يخدم مصالح الجميع”.
يذكر أن قرار المحكمة الاتحادية العليا، نص على إدارة الحكومة الاتحادية للنفط والغاز، وذلك عبر وزارة النفط الاتحادية، وفقا لأحكام القوانين النافذة، التي لا زال معمولا بها استنادا لأحكام المادة 130 من دستور جمهورية العراق لعام 2005، والقوانين التي شرعت لاحقا من قبل مجلس النواب العراقي .
كما قررت المحكمة الاتحادية العليا سابقا، ونظرا لمخالفة حكومة اقليم كردستان، الحكم للمدعي إضافة لوظيفته (وزارة النفط الاتحادية) بالحق في متابعة بطلان التعاقدات النفطية التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان والمتمثلة بالمدعى عليه وزير الثروات الطبيعية مع الأطراف الخارجية دول وشركات بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره وبيعه.
وكان الخبير المختص في الشؤون النفطية، والتدريسي في جامعة السليمانية، سالار عزيز، أكد في تصريح سابق، أن “توقيع هذه العقود من قبل حكومة الإقليم مع الجانب الأمريكي، سيضر بالإقليم، وسيعرقل عملية تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي”، مبينا أن “تركيا تخشى من المحاكم الدولية، والقضايا المرفوعة ضدها، ولا تريد مخالفة قرار الحكومة العراقية أو تعاندها، وبالتالي فإن موضوع التصدير عبر جيهان غير ممكن في الوقت الراهن، دون الاتفاق بين بغداد وأربيل”.
وأكد، أن “أزمة الرواتب ستعود للواجهة، وسترفض وزارة المالية الاتحادية إرسال مبالغ الرواتب، لأن حكومة الإقليم خالفت الاتفاقات، وخالفت قرار المحكمة الاتحادية، وتحدت القضاء واتجهت لإبرام اتفافيات بمفردها”.
يشار إلى أن وزارة الثروات الطبيعية في إقليم كردستان، أكدت أن الاتفاقيتين ليستا جديدتين، بل نافذتان منذ سنوات، وجرى التعامل معهما وفق الأطر القانونية والدستورية، وشددت الوزارة على مشروعية العقود، مشيرة إلى أن هدفها الأساسي هو دعم قطاع الكهرباء في العراق عبر تعزيز إنتاج الغاز الطبيعي.
وأوضحت الوزارة في بيان لها، أن المحاكم العراقية سبق وأن أقرت بمشروعيتهما وقانونيتهما، ولا تشوبهما أية شائبة قانونية، وما طرأ من تغيير اقتصر فقط على الشركة المشغلة لهذه العقود، والتي جرى التعاقد معها وفقا للإجراءات القانونية والتعاقدية المنصوص عليها في الاتفاقيات الموقعة سابقا.
يشار إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية، أكدت بعد توقيع الاتفاقيات، على أن “مثل هذه الشراكات من شأنها تعزيز إنتاج الغاز في العراق وتعود بالنفع على شعبينا”.
وسبق للخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي، أن أشار في منشور له على حسابه في فيسبوك، إلى أن هذه الخطوة تعد مخالفة لقرار المحكمة الاتحادية العليا، الذي نص على أن النفط والغاز من الأصول الاتحادية، ويجب أن تتم إدارتهما من قبل الحكومة المركزية، وأكد أن هذه العقود الجديدة ستسهم في تأخير إعادة تصدير نفط الإقليم عبر خط جيهان التركي، الأمر الذي قد يؤثر سلبا على الإيرادات العامة.
ويقع حقل ميران، غرب مدينة السليمانية، قرب الحدود الإيرانية، واكتشفته شركة “جينيل إنرجي”، ويقدر الغاز القابل للاستخراج منه بنحو 11.2 تريليون قدم مكعب، فيما يقع حقل توبخانه – كردمير، شمال شرق السليمانية، قرب حقلي خورملة وجمجمال، وقد شغلته شركة “جينيل إنرجي” قبل أن تتوقف الاستثمارات فيه لأسباب قانونية وسياسية، ويقدر الغاز القابل للاستخراج فيه بما بين 4 إلى 6 تريليونات قدم مكعب.