الرئيسية / العتبة الكاظمية.. عمارة تطاول الزمن .. من مقابر قريش إلى روضة للزوار

العتبة الكاظمية.. عمارة تطاول الزمن .. من مقابر قريش إلى روضة للزوار

سميت بالكاظمية نسبة للأمام الثامن للشيعة الامامية موسى الكاظم (ع) ( توفي عام 183 هج/ 799 م ) ودفن فيها. وفي عام 220 هج / 835 م توفي الامام العاشر محمد الجواد (ع) فدفن إلى جانب جده.

كانت تسمى مقابر قريش التي تم اتخاذها مقبرة بعد تأسيس وبناء بغداد عام 145 – 149 هج / 762-766 م. وسميت أيضاً مقابر بني هاشم. وكان جعفر ابن الخليفة المنصور أول من دفن فيها عام 150 هج/767 م . وكانت في بداية انشائها تقتصر على الموتى من قريش كالعلويين والعباسيين. ودفن فيها أبو يوسف القاضي الأنصاري عام 182 هج / 798 م .

ويرى الدكتور مصطفى جواد أنها كانت مقبرة للشهداء وهم المسلمون الذين قاتلوا الخوارج قرب الكاظمية عام 37 هج / 657م  فدفنوا هناك.

وأخذ الناس يسكنون حول المقبرة تقرباً للامامين عليهما السلام ، وصارت تتتسع تدريجياً حتى أصبحت قرية خارج بغداد تفصلها عنها أراضي ومزارع وبساتين.

تاريخ إعمار العتبة الكاظمية

-في عام 334 هج/ 945 م سيطر البويهيون بزعامة معز الدولة على السلطة في بغداد . وبادر إلى إعمار المرقد الكاظمي وتشييده لأول مرة ، ووضع جماعة من الجنود لحمايته وحماية الوزار القادمين اليه.

-لم تصمد تلك العمارة طويلاً بوجه الزمن حيث تعرضت إلى كوارث طبيعية وأهمها الفيضانات المتكررة في الأعوام 367 هج ، 466، 554 هج ، 569 هج، 614 هج ، 646 هج، 654 هج حيث تصدعت جدرانها وانهدمت أجزاء منها. وفي أعقاب فيضان سنة 614 هج/ 1217م قام الخليفة الناصر لدين الله ( 1158-1225 م ) بتعمير ما دمرته المياه، وشيد سوراً جديداً للروضة الكاظمية.

-في عام 647 هج/ 1249 م أمر الخليفة المستعصم ( 1213-1258 م ) بعمارة المشهد الكاظمي. وأثنار العمل وجد البناة جرة قديمة فيها ألف درهم بعضها يوناني والآخر ضرب في بغداد وواسط. فأمر الخليفة بانفاقها على العمارة ، فبيعت على الناس والتجار.

انتهى العصر العباسي وكانت الكاظمية بلدة عامرة بالبيوت والمحلات والأسواق والحمامات ولها سور وأبواب . وكان للبلدة نقباء لمحلاتها غير نقيب الطالبيين منهم الشريف الرضي ( 969-1015 م ).

-في عام 656 هج/ 1258 م تعرضت الكاظمية مع بغداد إلى الغزو المغولي حيث قاموا بحرق المشهد الشريف ، وتعرضت المدينة للتخريب والاتلاف والقتل واتلاف مكتباتها وتهديم أسواقها وعمارتها. مرت البلدة بفترة عصيبة لكنها تمكنت من الخروج من محنتها بعد زوال هيمنة المغول . فما أن جاء القرن الثامن الهجري حتى كانت عامرة بسكانها وبزوارها القادمين إليها من العراق والبلدان الاسلامية الأخرى. يصفها ابن المستوفي ( 1170-1239 م ) في أوائل القرن الثامن الهجري فيقول: (إنّها مدينةٌ صغيرة، يبلغ طول محيطها حوالي ستّة آلاف خطوة، وإنّ سكّانها ستّة آلاف نسمة).

-في أوائل القرن العاشر دخلت الكاظميّة عهدها الجديد، من حيث الاستقلال الإداري الداخلي، وأصبحت مدينة لها كيانها ودَورها في الشؤون العامّة.

عمارة العتبة في العصر العباسي

بعد عمارة معز الدولة البويهي عام 336 هج/ 947 م ، وعمارة الناصر لدين الله عام 614 هج/ 1217 م التي كانت ترميم الأضرار التي أصابتها نتيجة الفيضان، تعرضت الروضة لحريق كبير عام 443 هج / 1051 م بسبب فتنة طائفية انتهت بحرق المشهد الكاظمي من قبل الجنود العثمانيين في زمن السلطان مراد الرابع ، جاءت إعادة بناءها من قبل المظفر أرسلان التركي البساسيري (توفي 1060 م) . وكان أحد قادة الجيش العباسي لكن الخليفة الفاطمي المستنصر بالله استماله وأرسل إليه الأموال، فثار المظفر على الخليفة العباسي ، وأقام الخطبة ببغداد للمستنصر لمدة عام (1058 م).

-في عام 490 هج/ 1096م  قام مجد الملك القمي بإضافة مجموعة مرافق للعتبة.

وآخر عمارة في العهد العباسي  كانت عام 575 هج من قبل الناصر لدين الله  ( 553 هج/ 1158 – 622هج/ 1225 م) حيث تمت إضافة أبنية وملحقات حتى عدت من العمارات الفخمة. وكان الناصر لدين الله أول خليفة عباسي يستوزر رجلاً علوياً هو نصير الدين الرازي. وفي عهد اضمحل الصراع الطائفي والتعصب المذهبي. 

عمارة العتبة في القرون الوسطى وما بعدها

-في سنة 769 هـ /1367م  قام السلطان أُوَيس الجلائري بتعمير المشهد، وذلك لتصدّعه من جراء تتابع الفيضانات. فبنى قبتين ومنارتين وأمر بوضع صندوقين من الرخام على القبرين الشريفين وزين الحرم بالطابوق الكاشاني الذي كتبت عليه سور من القرآن الكريم.

-في سنة 914 هـ / 1508 م وما بعدها قام الشاه إسماعيل الصفوي بعد دخوله بغداد بعمارة المشهد المقدّس وتجديده وتوسيع الروضة، وإكساء الأروقة بالرخام، وصنع صندوقين خشبيين يوضعان على المرقدين الشريفين. وقام بتزيين الحرم وأطرافه الخارجية بالطابوق القاشاني ذي الآيات القرآنية والكتابات التاريخية، كما أمر بأن تكون المآذن أربعاً بعد أن كانت اثنتين. وأمر بتشييد الجامع الصفوي وهو مسجد كبير في الجهة الشمالية من الحرم، متّصلٍ به يعرف اليوم بـ (جامع الجوادين)، هذا فضلاً عن تقديم ما يحتاجه المشهد من فرش وقناديل وتعيين الخدّام والحفّاظ والمؤذّنين، وهكذا تم تشييد هيكل الحرم وروضته وأروقته وهو الهيكل القائم الى يومنا هذا.

- في سنة 941 هـ / 1534 م دخل سليمان القانوني بغداد فاتحاً بعد ان أزال حكم الصفويين، فأصدر أمراً بإكمال بعض النواقص الصغيرة التي لم يكملها الصفويون.

- في سنة 978 هـ / 1570 م تم بناء المنارة الواقعة في شمال شرقيّ الحرم المطهر بعد أن كانت أسس المنائر الأربعة الكبرى قد بُنيت أيام الصفويين.

-في سنة 1032 هـ / 1622 م فتح الشاه عباس الكبير الصفوي بغداد ثانيةً، وزار المشهد الكاظمي، وأمر بإعادة وتشييد ما خرّبته الحروب والفتن، وما سبّبته من إهمال، وأمر بنصب ضريح ضخم من الفولاذ يوضع على الصندوقين ليقيهما من غوائل النهب والسلب أثناء معارك الفوضى أو هجوم العشائر على البلدة، ونتيجة لتأزّم العلاقات بين إيران وتركيا تأخّر وصول الضريح حتّى سنة 1115 هج / 1703 م .

- في سنة 1045 هـ / 1635 م قام الشاه صفي بن عباس الصفوي بإجراء بعض الإصلاحات في المشهد كإحكام قواعد المنائر الكبيرة.

-في سنة 914 هـ/ 1508 م سيطر الصفويون على العراق، وزار الشاه إسماعيل الصفوي الكاظمية، وأمر بتشكيل إدارة خاصّة بالبلدة ومحكمة شرعيّة يرأسها قاضٍ يحمل لقب «شيخ الإسلام»، وأمر بتشييد المشهد الكاظمي تشييداً رائعاً فخماً، وعيّن الرواتب لخدّام المشهد والمسؤولين عنه.

-في عام 1231 هج/ 1815 م قام السلطان فتح علي شاه القاجاري بإعمار الروضة ، وكسى الجدران بقطع المرايا الصغيرة وهو فن دقيق. ونقش باطن القبتين بالنقوش الجميلة وبالميناء وماء الذهب وأنواع الأصباغ الجميلة.

-في عام 1255 هج/ قام الوزير معتمد الدولة منوجهر خان بإكساء إيوان الروضة من جهة الجنوب بالذهب الخالص، وزين صدره بأسماء الائمة الاثنا عشر عليهم السلام. ثم قام ببناء الصفة الشرقية (طارمة باب المراد)، ثم بعدها أقيمت الصفة الجنوبية (طارمة باب القبلة).

-في عام 1282 هج / 1839 م تم إكساء الايوان الشرقي بالذهب مما بقي من الذهب بعد تذهيب قبة الإمامين العسكريين عليهما السلام في سامراء ، بأمر من ناصر الدين شاه القاجاري. كما تم ترميم السقوف والمرايا والنقوش الموجودة داخل الروضة. وتم تزيين جدران الرواق الخارجية بالكاشي القاشاني.

-في عام 1278 هج / 1861 م قام اعتماد الدولة فرهاد ميرزا ابن فتح علي شاه ببناء الصحن الكاظمي وتجديد عمارته. إذ تم قلع البناء السابق ، وتم شراء الدور المجاورة بثمن باهض ، وأضيفت إلى الصحن ، فزادت مساحته طولاً وعرضاً وفرشه بالمرمر الفاخر. وقام بإنشاء أواوين بديعة وحجرات جميلة فوقانية وأرضية حول الصحن . كا قام بتنظيم السراديب تحت الصحن المستخدمة لدفن الموتى من كبار العلماء والوجهاء.

-في عام 1299 هج/ 1881 م قام فرهاد ميرزا بتجديد تذهيب المآذن ، ووكل الحاج عبد الهادي الأسترابادي بهذه المهمة. وتم التذهيب في عام 1301 هج / 1883م .

أما الشباك الذي فوق القبر الشريف فيعود الشباك السابق إلى الحاجة سلطانة بيكم بنت مشير الملك الشيرازي على يد التاجر الميرزا كاظم الطباطبائي الأصفهاني. وبذلت لصناعته 250 ألف مثقال . وقام بصياغته ثلاثة من الصاغة هم السيد محسن هاشم آل أبي الورد الكاظمي والسيد محمد علي الصائغ الكاظمي والميرزا محمد الشيرازي النجفي . وأما النجار الذي صنع الشباك الخشبي فكان الحاج محمد علي النجار. وتم نصب الشباك المذكور في 6 جمادى الأولى عام 1324 هج / 1906 م  ، في زمن الكليدار الشيخ عبد الحميد بن الشيخ طالب. 

-في نحو سنة 1302 هـ/ 1884 م أمر المشير هدايت باشا قائد الفيلق العسكري التركيّ السادس في بغداد بعمل جسر من الخشب عائم على نهر دجلة، يربط بين الكاظمية والأعظمية، وبذلك ارتبطت الكاظمية بالجانب الشرقي من بغداد أيضاً. وفي سنة 1318 ه/ 1900 م تمّ وضع حجر الأساس لبناء سراي الكاظمية.

-من أبرز المواقف السياسية لمدينة الكاظمية موقفها خلال الحرب العالمية الأولى، من الاحتلال البريطاني للعراق، فقد استنجد وجوه البصرة في 20 ذي الحجّة سنة 1332 هـ / الموافق 28 تشرين الثاني 1914 م بعلماء الكاظمية، فأصدر العلماء أمراً بوجوب الدفاع المقدّس على كلّ مسلم، وفي يوم الثلاثاء 12 محرّم سنة 1333 هـ / الموافق 29 تشرين الثاني 1914 خرج السيّد مهدي الحيدري قاصداً ساحة الحرب وبصحبته جماعة من المجاهدين، وخرجت البلدة بأسرها لتشييع موكب الجهاد الزاحف، وكانت البلدة تستقبل وفود العلماء الزاحفين نحو المعركة من النجف وكربلاء وغيرهما بمنتهى الترحاب والتكريم وتودّعهم إلى ساحة القتال بمثل ذلك.

احتلّ الجيش البريطاني مدينة الكاظمية في السابع عشر من جمادى الأُولى سنة 1335هـ / الموافق 11 آذار 1917، فطُويت صفحة احتلال عثماني طويل لتبدأ صفحة احتلال آخر، ولم تنقطع الكاظمية بعد الاحتلال البريطاني الغاشم عن العمل الجادّ في محاربة المحتلّين بكل ّما أُوتيت من طاقات وقوى مادية ومعنوية، ويدلّ على ذلك ما جاء في رسائل المس بيل: «الكاظمية المتطرّفة في إيمانها بالوحدة الإسلاميّة، والمتشدّدة في مناوأة الانكليز».وكتب فيليب آيرلاند البريطاني يقول: (و كان الشعور المعادي لبريطانيا في الكاظمية شعوراً قوياً جدّاً، فقد هدّد العلماء جميع من يصوّت للاحتلال البريطاني بالمُروق عن الدين).

13-02-2020, 11:56
عودة